تحقيق مسبار
لطالما شكل التنصت على مكالمات الموبايل صورة من صور الثقافة السينمائية التي نستحضرها عن أفلام التجسس ومطاردة العصابات والعملاء السريين. نتذكّر جميعاً ذلك المشهد التقليدي الذي يعمد فيه رجل الأمن أو المخابرات لفتح سماعة الهاتف ووضع جهاز تنصت دقيق، لتسجيل مُكالمات حسّاسة تكشف عن أسرار خطيرة تُفيد التحقيق أو تفضح المجرم الحقيقي. واليوم وبعد أن انتشرت أجهزة الموبايل والهواتف الذكية أصبح التنصت والاختراق والتجسس رُهاباً يشغل بال الكثيرين. تسعى هذه المقالة إلى تنبيهك لمخاطر التعرّض للتنصّت على مكالمات الموبايل، وتُقدّم لك بعض وسائل التحقّق لمعرفة ما إذا كان هاتفك موضوعاً تحت المراقبة.
ما هو التنصّت على مكالمات الموبايل؟
يُقصد بالتنصت على الموبايل كل أشكال مراقبة المُحادثات الهاتفية التقليدية أو الاتصالات عبر الإنترنت من قبل طرف ثالث بشكل سرّي. وقبل ظهور تقنيات الاتصالات اللاسلكية كان التنصت على خطوط الهاتف يتم فعلياً بمُراقبة الأسلاك الكهربائية. وسادت هذه المُمارسة كثيراً في أوساط الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، التي كانت تمتلك الإمكانيات لرصد مُكالمات الأشخاص الذين تُراقبهم. لكن هذا التنصت، أصبح في وقت لاحق عملاً تُقيّده القوانين في مُختلف الديمقراطيات، بسبب ما تُمثله المُكالمات الهاتفية من حُرمة وخصوصية لا ينبغي انتهاكها. ففرضت العديد من البلدان ضوابط قضائية صارمة لتقييد حُرّية الأجهزة الأمنية في التجسس على المواطنين، فأصبحت هذه العملية تتم بعد الحصول على إذن قضائي. لكنّ هذا لا ينفي استمرار هذه الممارسات في العديد من بلدان العالم بشكل سرّي وغير معلن.
هل يمكن التنصّت على مكالمات الموبايل؟
مثلما كان من السهل التنصّت على مكالمات الهاتف الأرضي، فإنّ التنصّت على مُكالمات الموبايل حقيقة ساطعة لا نقاش فيها، بل أصبح مُتاحاً بسهولة أكبر. وتستطيع الكثير من الجهات اليوم التنصّت على مُكالمات الموبيل التي يُجريها حامله حتّى وإن لم تكن من الجهات الرسمية والقضائية والأمنية. فما تُتيحه اليوم تطبيقات الاختراق الهاتفية المُتاحة على الإنترنت بأسعار بخسة، يُمكن أن تُحوّل أي شخص إلى جاسوس يطلّع على أسرار الهاتف الذي يخترقه. يكفي أن يُرسل إليك تطبيقاً من هذه التطبيقات في شكل صورة أو فيديو عبر الواتساب وتتفاعل معه بفتحه ليُصبح هاتفك تحت الاختراق، وبذلك يستطيع التنصّت على مكالمات موبايلك. كما يُمكنك أن تقع تحت طائلة التجسس بمُجرد تحميلك بشكل حُر لبعض التطبيقات والبرامج المُقلّدة في منصات إنترنت غير معروفة. لكن الاختراق لا يعني دائماً أنّه يمكن التنصّت على مكالمات الموبايل.
هل كل اختراق هو تنصّت على مكالمات الموبايل؟
من بين التصورات الخاطئة الشائعة حول موضوع الاختراق أنّه يعني بالضرورة إمكانية التنصّت على مكالمات الموبايل. وهذا غير صحيح، فليست كُل تطبيقات الاختراق تُتيح هذه الإمكانية للاستماع للمكالمات. وغالباً ما تكون هذه البرامج والتطبيقات هادفة إلى تتبع موقع الهاتف المُخترق أو جمع البيانات الرقمية الخاصة به، مثل كلمات المرور وتفاصيل الحسابات الشخصية.
ومن أهم تطبيقات الاختراق التي تُعتبر شائعة الاستعمال نظراً أيضاً لقانونيتها أو لفائدتها، تلك المُتعلقة مثلاً بتطبيقات تتبّع أفراد الأسرة، وهي تقنيات تُستخدم لمُراقبة الأطفال وتحركاتهم، لكنّها لا تُمكّن من التنصّت على مكالمات الموبايل. ومن بين هذه البرامج أيضاً، التي تُتيح الاختراق لكنّها لا تمكّن من التنصت على مكالمات الموبايل، تلك التي تستهدف البيانات الاحتياطية، حيث تعمل بعض الاختراقات من خلال الوصول إلى بيانات النسخ الاحتياطي للمستخدم. ومن التصورات الخاطئة الشائعة أيضاً إمكانية اختراق هاتف أو التنصت على مكالماته بمُجرّد معرفة رقمه، إنّها مُجرّد أسطورة، إذ لا يكفي الحصول على رقم صاحب الموبايل للتنصت أو التجسس عليه.
كيف يمكن التنصت على مكالمات الموبايل؟
يتم التنصّت على مكالمات الموبايل إذاً عبر اختراقه أولاً. وتساعد البرامج والتطبيقات التي ذكرنا سابقاً في تحقيق هذا الاختراق بسهولة، وبالتالي تسهيل عملية التنصت على المكالمات. وتُعتبر تطبيقات أو برامج التجسس أدوات مُتاحة تجارياً وقد يقل سعرها أحياناً عن 30 دولاراً. وتتميز هذا التطبيقات بسهولة التثبيت، وقد لا تتطلب في كثير من الأحيان أي معرفة أو تخصّص تقني. وتسمح هذه التطبيقات للمُتجسس بالوصول إلى العديد من المُعطيات المُتعلّقة بالموبايل الخاضع للمُراقبة ومنها:
- المُكالمات الهاتفية
- الرسائل النصية
- رسائل البريد الإلكتروني
- نشاط تصفح الإنترنت
كما تُسهّل هذه التطبيقات التّجسّسية اختراق أجهزة "أندرويد"، بينما يتطلب اختراق نظام iOS أن يكون الجهاز مكسور الحماية أولاً. وتُعد أجهزة "أندرويد" أكثر عُرضة للتأثّر، ولكن قد يضطر المُخترق إلى تغيير بعض الإعدادات البسيطة في نظام الأمان. ومن أكثر هذه التطبيقات التجسسية المتاحة والأكثر استخداماً (FlexiSpy) و(Spyware).
وتزداد احتمالات تعرّض مكالمات الموبايل للتجسس والتنصّت عندما يرتبط مُستخدم الموبايل بشبكة "واي فاي" مُعينة. فيتم أحياناً اختراق جهاز "واي فاي" الخاص به ومن ثمة اختراق هاتفه، ويُصبح الأمر أكثر سهولة عند استخدام شبكة "واي فاي" في مكان عام. سباي وير قد يُرسل معلومات عنك إلى طرف ثالث فيتحرّك أحدهم للتجسس على مكالماتك. وإذا لاحظت مثلاً أنّه بعد اتصالك الدولي، تأتيك مُباشرة عروض من شركات، فهذا يعني أنّ السوفت وير الخاص بك قد وصل من شركة الهاتف التي تعمل معها إلى طرف ثالث.
متى يمكن أن يتعرّض موبايلك للتنصت؟
عندما تكون موضوع عملية تجسس فإنّ الجهات التي ستسعى إلى التنصّت على مكالماتك ستفعل كل ما بوسعها للقيام بذلك وفي أي وقت كان. لكن إذا كُنت شخصاً حريصاً على حماية أجهزتك ونفسك من التجسس فهذا لا يعني دائماً أنّك قد نجوت. إذْ من المُمكن أن تبطُل كل جهودك إذا تزامن التجسس على هاتفك مع حدوث ثغرة في أحد الأجهزة التي تستعملها. هذا الحدث الذي يُسمّيه خبراء البرامج بثغرة يوم الصفر، يُعتبر عاملاً من عوامل زيادة احتمالات التجسس على موبايلك، ويحدث ذلك عندما يكتشف أحد المُتطفلين ثغرة أمنية في تطبيق أو جهاز لا يعرفها المطورون. هذا يعني أنّه يمكن للمُخترق استغلال التطبيق بالكامل لمُهاجمة أجهزة مُستخدمي التطبيق. وعلى الرغم من أنّ المعلومات التي يحصل عليها المُخترق تختلف باختلاف الظروف، فمن الشائع جداً أن تمنح ثغرة يوم الصفر إمكانية الوصول إلى المكالمات الهاتفية، مثل الهجوم الذي تعرّض له تطبيق واتساب في عام 2019.
كيف تعرف إن كان موبايلك يتعرض للتنصت؟
مع كل هذه البرامج والتطبيقات والثغرات القائمة في منظومة الاتصال عبر الإنترنت على الخصوص، تُصبح الحماية من التنصّت على مكالمات الموبايل والتجسس أمراً صعباً. لكن إذا كنت لا تستطيع صدّ المتجسسين والمتنصتين فإن بإمكانك على الأقل أن تعرف إن كانوا فعلاً يتنصتون عليك، أم الأمر مُجرد أوهام عابرة. ولأجل معرفة ذلك فإن هناك بعض العلامات التي تُنبّهك وتستطيع أن تتبعها للتحقّق من هذا الأمر، ومن أهم علامات التنصّت على الموبايل:
- زيادة استخدام البيانات في موبايلك. وتُعتبر هذه المسألة من الأعراض الشائعة للهاتف المُخترّق الذي يعرف زيادة هائلة في استخدام بيانات الهاتف المحمول، لأنّ البرامج التجسسية تُرسل باستمرار البيانات من موبايلك إلى جهاز الطرف المتجسس.
- سرعة نفاذ البطارية. فإذا كانت طاقة هاتفك لا تدوم طويلاً كما كُنت معتاداً في السابق، فهذه علامة مُهمّة على إمكانية وجود برامج إضافية تعمل في خلفية جهازك لسرقة معطياته.
- بُطء الأداء. فعندما تعمل على هاتفك يكون هاجسك دائماً هو أن يؤدي مهامّه بسرعة كبيرة، وإذا لاحظت أن تفاعل هاتفك أصبح أثقل وأبطأ فقد تكون هذه المسألة علامة على أنّ هناك عوامل دخيلة تُضعف قوّة المعالجة التي تُميّز جهازك.
- الأصوات والضجيج غير المُعتاد. إذا سمعت أصواتاً غريبة أثناء إجراء مُكالمة هاتفية، فهذه علامة دالّة جداً على أنّ المكالمة تم اعتراضها والتنصّت عليها ورُبّما تسجيلها.
- تلقّي رسائل ومُكالمات ورسائل نصية غريبة. وهنا يجب عليك أن تنتبه إلى الرقم الذي يطلبك، وتتريث في الرد على المكالمة، فبعض الأرقام تُحقّق اختراقاً لهاتفك وتسرق معلوماتك وتسمح للمتجسسين التنصت على مكالماتك.
وبالإضافة إلى هذه العلامات، فإنّ بإمكان مُستخدم الموبايل التّحقق تقنياً من خضوع هاتفه للتنصت أو الاختراق، من خلال التأكد من خلوه من البرامج التجسسية. لأجل ذلك يجب على من يشُك في تعرّضه للتنصت إجراء فحص لجهازه باستخدام أدوات الفحص الأمني. ويُمكن لمستخدمي iOS مثلاً استخدام برامج مُخصصة لفحص أجهزة Apple الخاصة بهم من أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم. كما يُمكن لمستخدمي "أندرويد" ببساطة تنزيل تطبيقات الفحص الأمني المجانية أو التجارية المتوفرة على شبكة الإنترنت.
اقرأ أيضاً:
هل يمكن اختراق واتس آب عن بعد؟
هل يمكن التجسس على الواتس اب وقراءة رسائل أي شخص؟
هل يمكن اختراق شبكات الواي فاي؟