تحقيق مسبار
يُعد الإسمنت أحد أهم مواد البناء المُستخدمة في عالمنا اليوم، وبالرغم من أنه لا يٌستخدم منفرداً في الكثير من الحالات، إلّا أنّه اكتسب هذه الأهمية لكونه العنصر الرئيسي في تحضير نوعين من مواد البناء، وهما مونة الإسمنت والخرسانة. تُشير إحدى الإحصائيات إلى أنّ الإنتاج العالمي من الإسمنت في عام 2019 وصل إلى 4100 مليون طن. ويعود هذا الإنتاج العالي من الإسمنت لسببين رئيسيين، السبب الأول أنّ الإسمنت في الغالب مادة غير قابلة لإعادة التدوير والاستخدام، أمّا السبب الثاني فهو استخدام الإسمنت في غالبية الأعمال الإنشائية والمِعمارية مثل المباني، الجُسور، السُدود، الأنفاق، أرصفة الطُرقات وغيرها الكثير.
وكنتيجة لكثرة وتنوع إستخدامات الإسمنت، واختلاف الظُروف البيئية والمناخية المُحيطة بمختلف المشاريع الإنشائية, تمّ تطوير العديد من أنواع الإسمنت لتتوافق مع احتياجات المُهندسين حتى تجاوزت الخمس عشرةَ نوعاً، ومن بينها الإسمنت الأبيض.
فما هو الإسمنت الأبيض؟ وما هي استخداماته؟ وهل الأسمنت الأبيض عازل للماء؟ يٌجيب هذا المقال على هذه الأسئلة بالإضافة الى عدد من الأسئلة الأخرى حول الإسمنت الأبيض.
الإسمنت الأبيض
لكي يتسنّى تعريف الإسمنت الأبيض بشكل واضح ودقيق، يلزم أن يتم تعريف الإسمنت أولاً. الإسمنت هو مادة في صورة مسحوق ناعم ذو لون رمادي، يُصبح قوامها شبيهاً بقوام الصلصال بعد خلطها بالماء ومواد أخرى، عند خلط الإسمنت بالماء والرمل يكون الناتج هو مونة الإسمنت، التي تتجمد وتتصلّب رابطةً وحدات البناء كالقرميد أو الطوب مع بعضها البعض، أمّا إذا تم خلط الإسمنت بالماء و الرمل والحصى أو الحجر المجروش فإنّ الناتج هو الخرسانة. يتكوّن الإسمنت بشكل رئيسي من حجر الكلس، البوكسايت (خام الألمونيوم)، الرمل، وخام الحديد. كما قد يدخل في تركيبته مواد أخرى مثل رماد الأفران العالية، صخور الطباشير وغيرها.
أكثر أنواع الإسمنت شيوعاً واستخداماً اليوم هو إسمنت بورتلاند ، والذي توصّل إلى تركيبته البنّاء البريطاني جوزيف أسبدين في عشرينيات القرن التاسع عشر، وقد أُطلق هذا الاسم على تركيبته نِسبةً إلى مناجم الأحجار الكلسية الموجود في جزيرة بورتلاند الواقعة قُبالة السواحل البريطانية.
أمّا الإسمنت الأبيض والذي يُسمّى أيضا إسمنت بورتلاند الأبيض، فهو نوع من أنواع الإسمنت يُشبه الإسمنت التقليدي في خصائصه و تركيبته إلى حدٍ كبير، إلاّ أنّه يخلو تقريباً من أُكسيد الحديد وأُكسيد المنجنيز، هذه الأكاسيد هي التي تمنح الإسمنت التقليدي لونه الرمادي واستبعادها من التركيبة أثناء التصنيع يُنتج الإسمنت الأبيض.
ما هي استخدامات الإسمنت الأبيض؟
يتم إنتاج الإسمنت الأبيض بشكل رئيسي من أجل لونه الأبيض الناصع. عِلمياً، يُمكن القول أن الشئ أبيض اللون إذا كان يعكس على الأقل 65% من الضوء الساقط عليه، في حالة الإسمنت، ولأنّ لونه الأبيض هو الخاصية الرئيسية التي تجعله مرغوباً وتُحدّد مجالات استخدامه، أصبحت درجة بياض الإسمنت العامل الرئيسي في تحديد جودته أيضاً، بناءً على ما سبق يُمكن تقسيم الإسمنت الأبيض من حيث الجودة إلى ثلاث فِئات:
- إسمنت أبيض درجة أولى: شِدّة بياضه 91% فما فوق.
- إسمنت أبيض درجة ثانية: شِدّة بياضه تتراوح بين 80% و 90%.
- إسمنت أبيض درجة ثالثة: شِدّة بياضه تتراوح بين 65% و 80%.
يُستخدم الإسمنت الأبيض في الحالات التي يكون فيها اللون مُهماً جداً، سواء كان اللون النهائي المطلوب هو الأبيض نفسه أو أحد درجات الألوان الزاهية، مثل درجات الأحمر، الأصفر، والأخضر. فقد لُوحِظ أن الإسمنت التقليدي، يؤثر على اللون النهائي بعد إضافة الأصباغ إليه وذلك بسبب لونه الرماديّ، أمّا الإسمنت الأبيض، فإنه يكتسب لون الصبغة المضافة إليه بشكل ممتاز دون أن يؤثر عليها، فيما يلي أهم مجالات استخدام الإسمنت الأبيض:
- يُخلط الإسمنت الأبيض مع الحصى لإنتاج الخرسانة البيضاء، والتي تُستخدم في مشاريع الإنشاءات الفخمة (prestige construction projects).
- صناعة البلاط.
- عمل النوافير وحمامات السباحة
- عمل الأرصفة، حواجز الطُرق السريعة، وعلامات المُرور الأرضية في الشوارع ومدرجات المطارات.
- ترميم الآثار.
- تغطية الجُدران من الداخل والخارج
- الأعمال الفنيّة الفُسيفسائية.
هل الإسمنت الأبيض عازل للماء؟
نعم، يُمكن القول أن الإسمنت الأبيض عازل للماء، ففي مقال حول الإسمنت الأبيض نُشِر على موقع "إنجيل الهندسة المدنية" تَرِد العبارة التالية بوضوح:
"يتمتع الإسمنت الأبيض بخاصية عزل الماء، ولا نحتاج لتغطية البُنية بأي مادة عازلة للماء"
بالإضافة إلى ما سبق والذي يُشير بوضوح إلى أنّ الإسمنت الأبيض عازل للماء، يدخل الإسمنت الأبيض كمُكوّن رئيسي في تصنيع بعض المواد العازلة للماء، على سبيل المثال، تُنتج شركة بيرلا وايت الهندية مادة تسوية عازلة للماء تتكون بشكل رئيسي من الإسمنت الأبيض، بالإضافة إلى بعض المواد التي تهدف إلى رفع كفاءة خاصية الإسمنت الأبيض العازل للماء، حيث تُستخدم هذه المادة في تسوية الجُدران والأسقف. وفي عام 2009 تم تسجيل براءة اختراع لصالح دولة الصين حملت عنوان "طريقة تحضير الإسمنت الأبيض العازل للماء المُستخدم للجدران الخارجية".
هل هناك عيوب للإسمنت الأبيض؟
نعم. فكما أن هناك خصائص للإسمنت الأبيض تجعل منه الخِيار الأمثل في بعض الأعمال والمشاريع الإنشائية وعلى رأس هذه الخصائص أنّ الإسمنت الأبيض عازل للماء، هُناك أيضاً خصائص تفرض حدوداً على استخدامه، وتمنح الأفضلية للإسمنت التقليدي في أنواع أخرى من أعمال الإنشاءات مثل صب قواعد المباني وعمل الخرسانة المٌسلحة.
يُمكن تلخيص عيوب الإسمنت الأبيض في النِقاط التالية:
- ارتفاع تكلفة الإنتاج: والسبب الرئيسي لارتفاع التكلفة هو وجوب استخدام الغاز الطبيعي كوقود لأفران الحرق بدلاً من الفحم، لتفادي تلوث المكونات بالرماد وبالتالي التأثير على درجة بياض الإسمنت، تُعادل تكلفة إنتاج الإسمنت الأبيض أربعة أضعاف تكلفة إنتاج الإسمنت التقليدي.
- الإسمنت الأبيض أقل قوة من الإسمنت التقليدي.
- حتى وإن تمّ تجاوز مسألة التكلفة، لا يُمكن استخدام الإسمنت الأبيض لعمل المُنشآت الخرسانية وذلك لتدني مؤشر التوتر الانضغاطي.
- عند خلط الإسمنت الأبيض بالماء، العجينة الناتجة تتصلب بسرعة نسبياً، ومن الأفضل استمرار التحريك واستخدامها سريعاً قبل أن تبدأ عملية التصلّب.