تحقيق مسبار
يحتار الكثيرون في جمع بعض كلمات اللغة العربية، ومن أشهر أمثلة هذه الكلمات جمع بؤبؤ، وغيرها الكثير من الكلمات، إذ يتضمن المعجم العربي بعض نوادر المفردات من حيث التركيب الصوتي والصرفي. وتطرح بعض هذه المفردات إشكالات في التعامل اللغوي السليم معها جمعاً أو تثنية أو إفراداً. ومن بين هذه الألفاظ التي تثير مشكلة من حيث جمعُها كلمة "بؤبؤ" التي يوحي تركيبها الصوتي بمدى صعوبة الحسم في قابليتها للجمع أو اعتبارها لفظاً لا جمع له. تجيبك هذه المقالة عن بعض الأسئلة المثارة حول هذه المفردة، وتوضح لك معناه واللفظ الذي تُجمع عليه.
أصل كلمة بؤبؤ
ترد كلمة بؤبؤ في القواميس والمعاجم العربية بمعانٍ مختلفة. وقد جمع ابن منظور في قاموسه الشهير "لسان العرب" مختلف الأقوال التي تداولها المعجميون المتقدمون في دلالة هذا اللفظ. وقال ابن منظور البُؤْبُؤُ: السيِّد الظَّريفُ الـخفـيفُ. ونقل عن الجوهري: أن البؤْبُؤُ: الأَصلُ، وقيل الأَصلُ الكريمُ أَو الخَسيسُ. وقال شمر: بُؤْبُؤُ الرجلِ: أصلُهُ. وقال أَبو عَمرو: البُؤْبُؤُ: العالِمُ الـمُعَلِّمُ. وفـي الـمحكم: العالمُ مثلُ السُّرْسُورِ، يقال: فلان فـي بُؤبُؤ الكَرَمِ. ويقال: البُؤْبُؤُ إِنسانُ العَيْن. وفـي التهذيب: البُؤْبُؤُ: عَيْرُ العَيْن. وقال ابن خالَوَيْهِ: البُؤْبُؤُ بلا مَدّ علـى مثال الفُلْفُل. قالَ: البُؤْبُؤُ: بُؤْبُؤُ العَيْنِ، وأَنشدَ شاهداً علـى البُؤْبُؤِ بمعنى السَّيِّد قولَ الرَّاجز فـي صفةِ امرأَةٍ:
قَدْ فاقَتِ البُؤْبُؤَ الْبُؤَيْبِـيَهْ والـجِلدُ مِنْها غِرْقِـىءُ القُوَيْقِـيَهْ
وقال ابنُ خَالَوَيْهِ: البؤْبُؤُ، بغير مدَ: السَّيِّد، و البُؤَيْبِـيَةُ: السيِّدة، وأَنْشدَ لـجرير:
فـي بؤبُؤ الـمَـجْدِ وبُحْبوحِ الكَرَمْ
وَأَمَّا القَالِـي فإِنهُ أَنْشده:
فـي ضِئْضىءِ الـمَـجْدِ وبُؤُبُوءِ الكَرَمْ
أمثال كلمة بؤبؤ
على الرغم من أنها كلمة تتميز بخصوصية معجمية تدخلها في خانة النوادر من الألفاظ، إلا أن المعجميين نقلوا بعض الألفاظ التي تشبه هذه الكلمة باحتوائها الهمزة مرتين على الواو. وقد جمع الزبيدي في كتابه الشهير "تاج العروس" هذه الألفاظ في سياق شرحه للفظ "اللُّؤْلُؤُ" فقال عنه "لَا نَظِير لَهُ إِلاّ بُؤْبُؤٌ وجُؤْجُؤٌ وسُؤْسُؤٌ ودُؤْوُدٌ وضُؤْضُؤٌ (:الدُّرُّ) سُمِّي بهِ لِضَوْئِه ولَمعَانِه (واحدهُ) "لُؤْلُؤَةٌ" (بِهاءٍ) وَالْجمع "اللآلىءُ" وبائعُه "لأّلٌ" حَكَاهُ الجوهريّ عَن الْفراء، وَذكره أَبو حَيَّان فِي (شرح التسهيل) (وَقَالَ) أَبو عُبَيْدَة: قَالَ الفَرَّاء: سمعتُ العربَ تَقول لصَاحب اللؤْلؤِ "لأّءٌ" على مِثال لَعَّاعٍ، وَكره قَول النَّاس لأَلٌ على مِثَال لَعَّال".
هل يمكن جمع بؤبؤ؟
نظرًا لطابعها النادر، فإن الأبحاث التي حسمت سؤال جمع بؤبؤ تظل شبه منعدمة. وينطلق بعض المجتهدين من قياس كلمة بؤبؤ على لؤلؤ ليجيزوا جمعها على بآبئ، مثلما تُجمع كلمة لؤلؤ على لآلئ. لكن هذا الاجتهاد المبني على القياس لا يجد له شواهد أو أمثلة من التراث اللغوي، كما أن المعجميين القدماء لم يوردوا هذا الجمع في مصنفاتهم. كما أن مجامع اللغة العربية في العصر الحالي لم تقدم أي فتوى أو اجتهاد لغوي للحسم في جمع بؤبؤ. ويمكن تلخيص الآراء التي تحفل بها المنتديات اللغوية، دون أن تكون لها الصفة العلمية الحاسمة فيما يلي:
- الرأي الأول في جمع بؤبؤ: جمع بؤبؤ على بآبئ قياسًا على لؤلؤ ولآلئ، وجؤجؤ وجآجئ، أو هدهد وهداهد. ويستند أنصار هذا الاقتراح على أن ما ورد في القاموس المحيط الذي اعتبر صاحبه أن البؤبؤ كالهدهد. وفي لسان العرب ورد جمع هُدهُد بصيغة هَداهِد. لكن هذا الاجتهاد يواجه معارضةً تتمثل في كون كلمة لؤلؤ داخلة أصلًا في ما يعرف باسم الجمع، أي أنها ليست مفردًا، علمًا أن البعض يعتبر لآلئ جمعًا لكلمة "لؤلؤة" وليس لآلئ. أما بؤبؤ فهي كلمة مفردة، وهذا يعني أنه لا يمكن قياس بؤبؤ على لؤلؤ.
- الرأي الثاني في جمع بؤبؤ: يُورد البعض كلمة بَيَابِي جمعًا لكلمة بؤبؤ، لكن هذا اللفظ بدوره لا تدل عليه شواهد أو أمثلة تراثية يستند إليها ليثبت صحته. كما أن وروده في بعض اللهجات والعاميات العربية مثل العامية العراقية، يخرجه من دائرة الجموع الفصيحة التي يمكن اعتمادها لجمع لفظة بؤبؤ.
- الرأي الثالث في جمع بؤبؤ: مع انعدام الأمثلة والشواهد السّماعية من التراث الأدبي والمعجمي العربي، وعدم حسم مجامع اللغة العربية في صحة القياس على باقي الأمثال الأخرى، مثل لآلئ وجآجئ، يميل البعض إلى اعتبار كلمة بؤبؤ مندرجة في إطار ما لا جمع له. وهي ألفاظ لا تستعمل إلا مفردة أو مثَنّاة مثل كلمة امرأة.
وتبدو هذه الفرضية الثالثة، هي الأقوى من حيث الإثبات العلمي، نظرًا لغياب شروط تحقق الجمع حسب الاجتهادات الأولى، وذلك إلى أن تفتي مجامع اللغة العربية في حالة كلمة بؤبؤ، خصوصًا مع عدم ثبوت ما يتم تداوله من نسبة كلمة "بيابي" إلى القاموس الوسيط في اللغة العربية، علمًا أن المؤلف المذكور عنوانه "المعجم الوسيط" وما أورده عن كلمة بؤبؤ لا يتعدى شرح معناها. وتزداد فرضية عدم وجود جمع لهذه الكلمة عندما نستحضر أن البؤبؤ لا يوجد في الواقع إلا مثنى في عيني الإنسان.
البؤبؤ في الاستعمال اللغوي المعاصر
بالنسبة لمتكلم اللغة العربية المعاصرة فإن كلمة بؤبؤ تستحضر دلالة ذلك العضو الذي يمثل جزء من العين. وهو فتحة مظلمة بشكل دائري تقع في منتصف القزحية، ويؤدي وظيفة مهمة تتمثل في السماح للضوء بالدخول إلى العين حتى يمكن التركيز على الشبكية وتحدث الرؤية. ويتخذ بؤبؤ العين أحجامًا مختلفة من حين لآخر، لأنه يساعد على تنظيم كمية الضوء التي تصل إلى شبكية العين، وقد يظهر وكأنه يتوسع أو يتقلص. ويتغير حجم البؤبؤ أيضًا حسب الشيء الذي يتم النظر إليه، فعند التركيز على شيء قريب، يصبح البؤبؤ أصغر، أما في حالة التركيز على شيء بعيد، فسوف يتوسع البؤبؤ. وعادةً ما يكون حجم بؤبؤ العين المتسع تمامًا من 4 إلى 8 مليمترات، في حين يتراوح حجم بؤبؤ العين المتقلص من 2 إلى 4 مم.
اقرأ/ي أیضًا:
