تحقيق مسبار
يعتبر الجمع في اللغة العربية مبحثًا تتقاطع فيه قواعد النحو مع معايير الصرف، وتبرز في لغة الضّاد جانبًا آخر من جوانب فرادتها وتميّزها. وبينما تقبل جلّ المفردات العربية أن تثنّى وتُجمع لتحقيق التطابق العددي المطلوب في التراكيب والجمل، تطرح بعض الكلمات حالات استثنائية بعدم قابليتها للجمع وفقًا للقواعد الشائعة.
يثير هذا المقال إمكانية جمع كلمة امرأة، وأصولها والمعاني التي تنطوي عليها.
تعريف الجمع في اللغة العربية
يتّخذ الجمع في العربية أشكالًا وصيغًا متعددة، تختلف في بنائها الصرفي باختلاف المقصود من ورائها، أو باختلاف جذورها الأصلية. ويُعرف الجمع بأنه "اسمٌ ناب عن ثلاثة فأكثر، بزيادة في آخره، مثل (مدرس، مدرسات) أو تغيير في بنائه مثل (أطفال، وكُتُب، ورؤساء) فالأول يسمى الجمع السالم، والثاني يسمى الجمع المكسر (جمع التكسير)". وينقسم جمع التكسير إلى جمع قلة وجمع كثرة كما سيأتي الحديث عنه. وإذا كان الجمع هو ما دل على أكثر من اثنين أو اثنتين، فإنه يتنوع إلى عدة أنواع.
أنواع الجمع في اللغة العربية
تتميز اللغة العربية بتعدّد الصّيغ التي يتخذها الجمع واختلاف طرق بنائه وإعرابه وموازينه الصرفية. ويمكن إجمال هذه أنواع الجمع في اللغة العربية كما يلي:
- جمع المذكر السالم: هو ما دلّ على الجمع المذكر من غير تغيير في بناء مفرده مثل معلمون، ومهندسون، وكاتبون (مفرده سلم من التغيير). والمقصود أن التغيير يقتصر على زيادة الواو والنون، أو الياء والنون في نهاية الكلمة دون تأثر صيغتها الأصلية.
- جمع المؤنث السالم: ما جُمع بألفٍ وتاءٍ زائدتين، مثل: "هنديات، مُرضعات، فاضلات". وتُجمع الكلمة هذا الجمع بزيادة ألف وتاء مبسوطة دائمًا، فإذا جمعت المختوم بالتاء حذفتها وجوبًا كفاطمة فاطمات، باستثناء جمع المقصور والمنقوص والممدود الذي يخضع لضوابط خاصة.
- جمع التكسير: ويُسمّى الجمعَ المُكسّر، وهو ما دلّ على الجمع بتغيير في بناء مفرده، ولهذا التغيير ثلاثة أشكال: منها التغيير بالزيادة مثل: طفل أطفال، والتغيير بالنقصان مثل كتاب كتب، والتغيير بالحركات مثل أسد أُسْد.
- جمع القلة: وهو نوع من أنواع جمع التكسير، وهو ما دل على العدد القليل، وهو من ثلاثة إلى العشرة، وله أربعة أوزان: أَفْعِلَة مثل أشرطة، وأَفْعُل مثل أوجه، وأفعال مثل أنهار، وفِعْلَة مثل صبية.
- جمع الكثرة: وهو أيضًا من أنواع جمع التكسير، وهو ما تجاوز الثلاثة إلى ما لا نهاية له، وله أوزان كثيرة منها: فُعْل وفُعُل وفُعَل وفِعَل وفَعَلَة.
- منتهى الجموع: وهو من جموع الكثرة، وهو كل جمع كان بعد ألف تكسيره حرفان، أو ثلاثة أحرف، وسطها ساكن: دراهم، دنانير. وله أوزان كثيرة منها: مفاعل، مفاعيل، فواعل وفواعيل.
جموع لا مفرد لها ومفرد لا يُجمع
من بين أنواع الجموع بعض الأسماء التي تستعمل فقط بصيغة الجمع، فلا مفرد لها مثل التباشير والأبابيل. كما أن هناك جموعًا أخرى ليست من جنس مفردها المقصود، ويسمى هذا النوع "اسم الجمع"، وهو ما تضمّنَ معنى الجمعِ وليس له مُفردٌ من لفظِه، أو ليس له وزن خاصٌّ بالجُموع، نحو : قوم وشعب ورَهط وجَماعة و نساء و إبل وخيل. وبالمقابل تضم المفردات العربية ألفاظًا استغنى النحويون عن جمعها بالجموع القياسية كجمع المؤنث السالم، بالنسبة لبعض الكلمات التي تنتهي بتاء التأنيث مثل: شاة وفلانة. فلم يجيزوا قول "شاتات وفلانات".
ومن بين هذه الألفاظ التي تثير هذا الإشكال في استعمالنا اللغوي المعاصر أيضاً كلمة امرأة. وكلمة امرأة من الجذر: مرء، ووزنه: افْعَلَة. وهي مذكّر امرؤ، التي يقصد بها الرجل، وتُضم راؤه في الرفع، وتفتح في النصب، وتكسر في الجر. والهمزة التي قبل الميم همزة وصل. فإِذا تمّ تعريفها بالألف واللاّم يقال: الـمَرأة. وقد حكى بعض المعجميين: الامْرَأَة. وللعرب في الـمَرأَةِ ثلاث لغات، يقال: هي امْرَأَتُه وهي مَرْأَتُه وهي مَرَتْه.
جمع كلمة امرأة من غير لفظها
ناقش بعض المعجميين المتقدمين حالة جمع كلمة امرأة وأمثالها من الكلمات، يقول أبو حيان الأندلسي في كتابه ارتشاف الضرب "ولا يجوز جمع شفة، وشاة، وامرأة، وأَمَة، وفلانة، وفُلَة بالألف والتاء، وإن كان فيهما تاء التأنيث”. ولحل هذه المشكلة المعجمية والصرفية الخاصة بهذه الألفاظ الاستثنائية فسّر سيبويه هذه الظاهرة بقوله "استغني بنسوةٍ عن أن يجمعوا المرأة على لفظها"، أي أن لفظة نسوة تعتبر تجاوزًا جمعًا لكلمة امرأة، من باب الاستغناء عن جمع كلمة امرأة بالطريقة القياسية، أي على "امرآت".
ولأن كلمة "نسوة" أغنت عن جمع كلمة امرأة، اعتبر بعض المعجميين "نسوة" جمعًا لها، يقول الرّازي في هذا الإطار "النُّسْوَةُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَ(النِّسَاءُ) وَ(النِّسْوَانُ) جَمْعُ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهَا".
هل يمكن جمع كلمة امرأة في العربية؟
نخلُص من أقوال المعجميين والنحاة التي وردت أعلاه أنّه لا يمكن جمع كلمة امرأة بألف وتاء، ولا بجمع مكسّر استغناءً باسم الجمع "نسوة"، وأما غيرها فلم تجمع بألف وتاء استغناء بجمعها المكسّر. وإذا كان جمع كلمة امرأة لا يخضع للجمع القياسي كما ذكرنا، فهذا يُدخل جمع كلمة امرأة في خانة المفردات التي ليس لها جمع من لفظها.
