تحقيق مسبار
منذ اكتشافه في القرن الثامن عشر، لا زال مرض السُل واحدًا من أكثر الأمراض انتشارًا حول العالم، ويتساءل الكثيرون هل ينتقل مرض السل عن طريق التقبيل؟ إذ يجهل الكثير من الناس عن المرض وطرق انتشاره.
المقال التالي يستعرض مرض السُل، ويذكر أشكال انتقاله المختلفة، ويجيب على سؤال هل ينتقل مرض السل عن طريق التقبيل، بالإضافة إلى أعراضه وأنواعه.
ما هو السُل؟
يعرف باسم داء الدرن، وهو مرض بكتيري وليس فيروسي، يحدث نتيجة الإصابة ببكتيريا "المايكوبيكتيريوم" أو ما يعرف باسم البكتيريا المتفطرة السُلية، وهو من الأمراض شديدة العدوى وواحد من أكثر 10 مسببات للوفاة حول العالم، حيث أصيب به قرابة العشرة ملايين نسمة مع 1.2 مليون حالة وفاة بسبب عدوى السُل عام 2019.
والأطفال هم الأكثر عرضة للإصابة بمرض السُل، حيث أصيب عام 2019 أكثر من مليون طفل حول العالم حسب ما ذكرت منظمة الصحة العالمية في تقريرها السنوي، ويعود السبب في ارتفاع نسبة الأطفال المصابين بالسُل لسببين رئيسيين:
- جهل مقدمي الخدمات الصحية بالسُل وفروقاته بين الأطفال والبالغين.
- صعوبة تشخيص مرض السُل لدى الأطفال، وصعوبة علاجه أيضًا.
وتعتبر جميع الفئات العمرية معرضة لخطر الإصابة بعدوى السُل، ويصاب العديد من الأشخاص ببكتيريا السُل في سنوات عمرهم ما بين العشرين والأربعين عامًا، ومن أكثر الفئات المعرضة للإصابة بمرض السُل ما يلي:
- المصابون بمرض العوز المناعي "الإيدز"، معرضون للإصابة بالسُل 18 ضعفًا أكثر من غيرهم.
- الأفراد الذين يعانون من نقص التغذية، حيث سجلت أكثر من 2 مليون حالة سببها نقص التغذية في عام 2018.
- الذين يعانون من اضطرابات نتيجة التدخين أو تعاطي الكحول، حيث سببت ما يقارب مليون ونصف المليون حالة عام 2019.
- كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، كالسكري، بالإضافة إلى الذين يتلقون بعض الأدوية المثبطة للمناعة.
ورغم وجود العديد من العقارات والأدوية الفعالة ضد مرض السُل، إلا أنه لا زال أحد أكثر الأمراض انتشارًا ومسببًا للوفاة حول العالم، حيث ينتشر المرض بشكل كبير في البلدان الفقيرة، فتبلغ نسبة المصابين في بلدان شرق آسيا 44% من إجمالي المصابين عالميًا، تليها إفريقيا بنسبة 25%.
هل ينتقل مرض السُل عن طريق التقبيل؟
نعم، ينتقل مرض السل عن طريق التقبيل، إذ يُعد التقبيل من الأسباب الرئيسية الناقلة للمرض، فمرض السُل من الأمراض شديدة العدوى، ويمكن للبكتيريا المسببة للمرض أن تنتقل من إنسان لآخر بطرق عدة من ضمنها التقبيل، مما يعني أنّه من الممكن أن ينتقل مرض السل عن طريق التقبيل. وينتقل السُل بشكل رئيسي عن طريق الرذاذ المتطاير بفعل السعال أو حتى الكلام، حيث أن القليل منه قد يسبب العدوى، وقد أوضح مركز السيطرة والوقاية من الأمراض في أمريكا بعض طرق انتقال العدوى من شخص لآخر:
- تقبيل شخص مصاب أو حتى مصافحته، حيث أنّه من الممكن أن ينتقل مرض السل عن طريق التقبيل.
- مشاركة الطعام مع مريض بالسُل.
- مشاركة الأدوات الخاصة كفرشاة الأسنان مع شخص مريض بالسُل.
- مشاركة السرير أو المرحاض.
وينتقل مرض السل عن طريق التقبيل من شخص لآخر نتيجة ملامسة الجلد والإقتراب من مخرج النفس الذي قد يكون محمَّلًا بالبكتيريا السُلية، وعندما يصاب الشخص بالسُل، تنتقل البكتيريا إلى الرئتين حيث تستقر هناك، وتبدأ بالنمو إلى أن يصبح ما يسمى بالمستعمرة البكتيرية، ثم تبدأ بالانتقال عبر الدم إلى أجزاء أخرى من جسم الإنسان مثل الكلى والدماغ والعمود الفقري.
والأشخاص الذين على تواصل دائم مع أفراد مصابون بمرض السُل معرضون لخطر الإصابة به بشكل كبير، لذلك هناك بعض إجراءات وقائية من الواجب على مريض السُل اتباعها تجنبًا لنقل العدوى إلى الآخرين:
- الحرص على أخذ الدواء الخاص بمرض السُل في وقته أولًا بأول.
- أن يعزل نفسه في المنزل أو في غرفة خاصة مع ضرورة تهويتها باستمرار.
- ارتداء الكمامة عند الحديث أو التواجد بالقرب من الآخرين.
تشخيص وأعراض مرض السُل
إن الأشخاص الذين يصابون بالسُل الكامن لا تظهر عليهم الأعراض الشائعة للمرض، حيث إنهم يحملون البكتيريا السُلية ولكن غير مصابون بالسُل لأن البكتيريا غير نشطة، إذ لا تنشط البكتيريا السُلية ولا تتكاثر إلاَّ في الرئتين، أما المصابون ببكتيريا السُل في الرئتين، تظهر عليهم الأعراض التالية:
- آلام في الصدر مع ضيق التنفس.
- السعال المستمر الذي قد يكون مصحوبًا بنزيف دم خفيف.
- الحمى والقشعريرة مع ارتفاع حرارة الجسم.
- شعور دائم بالتعب وتعرُّق الجسم ليلًا.
- فقدان الشهية ونقص ملحوظ في وزن الجسم.
وفي حالة ظهور أي من هذه الأعراض، يجب على الشخص التوجه إلى أقرب مركز رعاية صحية من أجل إجراء الفحوصات اللازمة للكشف عن مرض السُل.
هناك فحصين رئيسيين يتم إجراؤهما للكشف عن مرض السُل:
- فحص الجلد: ويتم ذلك من خلال حقن الجلد أسفل الذراع بمادة خاصة، ثم يتم بعد ذلك فحص التفاعل الحاصل نتيجة الحقن، وتستمر مراقبة الآثار الناتجة على مدار يومين الى ثلاثة، ثم إيجاد الأثر المترتب على التفاعل وتشخيص المرض.
- فحص الدم: ويتم فحص دم الشخص الذي تظهر عليه أعراض السُل، ويسمى فحص الدم الخاص بالسُل باسم "IGRAs" حيث يتم قياس التفاعل بين الجسم والبكتيريا المسببة للسل.
مع العلم أن مرض السُل يمكن تشخيصه سريريًا بسبب ظهور أعراضه بشكل واضح وخلال فترة زمنية قصيرة من الإصابة، أما الأطفال فيصعب تشخيص المرض لديهم لعدم ظهور كافة الأعراض عليهم وأهمها عدم وجود سعال مخلوط بالدم عند الأطفال، لذلك يجب تطعيم كافة الأطفال عند الولادة باللقاح المضاد لمرض السُل.
أنواع السُل
رغم أن الشكل الأكثر شيوعًا لمرض السُل هو مرض الرئة أو ما يعرف بالدرن، إلا أن السُل أكثر من نوع يختلف بينهم شكل الإصابة والعدوى، وينقسم السُل إلى فئتين رئيسيتين هما: السل الرئوي والسُل الكامن، وقد يصيب أيضًا أعضاءً أخرى في جسم الإنسان بعدما يصيب الرئة، أو قد يصيب الأعضاء الأخرى دون تعرض رئة المريض للإصابة.
- السُل الرئوي: يحدث السُل الرئوي عندما تهاجم البكتيريا السُلية الرئتين بشكل مباشر، حيث تنتقل إلى الرئتين من خلال مجرى التنفس، ومنها إلى الدم، ثم ينتقل إلى أعضاء الجسم الأخرى، ويمكن تشخيصه مبكرًا وعلاجه بالمضادات الحيوية.
- السُل الكامن: أو ما يعرف بعدوى السُل الكامنة، ويقصد به تعرض الشخص للبكتيريا المسببة للسل، دون الإصابة بالمرض، ويسمى كامنًا لعدم ظهور أعراض السُل الرئوي عليه، ويُعتقد أن أكثر من ربع سكان الأرض يحملون البكتيريا السُلية.
وتحدثت الجمعية اليهودية للرعاية عن نوعٍ ثالثٍ هو السُل الدخني، وهو نوع يحدث في حالات نادرة، حيث تقوم البكتيريا بمهاجمة أكثر من عضو من أعضاء جسم الإنسان دفعة واحدة، وقد يسبب هذا النوع الوفاة بشكل أسرع من غيره.
وهناك حالات لمرض السُل المقاوم للأدوية والعقاقير، حيث في بعض الحالات لا تبدي البكتيريا أي تجاوب مع بعض العلاجات، كما وتفشل مناعة الجسم في مقاومتها، وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن السُل الناجم عن مقاومة الأدوية والعقاقير يحدث بسبب سوء استخدام الأدوية والعقاقير، أو تدني جودة هذه الأدوية، بالإضافة إلى عدم تلقي المرضى للعلاج بالشكل الكافي للقضاء على البكتيريا.