تحقيق مسبار
تعد كلمة سُكُّر من بين الكلمات التي كثيرًا ما يستعملها متكلمو اللغة العربية لكنهم قلّما يتوقفون عند أصولها وخصائصها الصرفية والمعجمية. وقد يكون لدى البعض تساؤلات بخصوص إمكانية وقابلية جمع كلمة سكر، ومن ثمّة إيجاد هذا الجمع وطريقة صياغته. تجيب هذه المقالة عن هذا التساؤل، وتعرض رأي اللغويين في أصول ومشتقات وجمع كلمة سكر، كما تحدد نوعية الألفاظ التي تنتمي إليها.
أصول ومعاني السكر
يعتبر بعض المعجميين أن كلمة سُكّر فارسية الأصل قبل أن يتم تعريبها. وتحمل في المعجم العربي القديم معاني عديدة، إذ ورد لفظ السكر في معجم "تاج العروس من جواهر القاموس" نوعًا من أنواع التمور. "السُّكَّرُ: (رُطَبٌ طَيِّبٌ)، نَوْع مِنْهُ شَدِيدُ الحَلاَوَةِ، ذَكَرَه أَبو حَاتِم فِي كِتَابِ النَّخْلَة، والأَزْهَرِيّ فِي التَّهْذِيبِ، وَزَاد الأَخِيرُ: وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْد أَهْلِ البَحْرَيْنِ. والسُّكَّرُ أيضاً: عِنَبٌ يُصِيبُه المَرَقُ فيَنْتَثِرُ، فَلَا يَبْقَى فِي العُنْقُودِ إِلا أَقَلّه، وعَنَاقِيدُه أَوْسَاطٌ، وَهُوَ أَبْيَضُ رَطْبٌ صادِقُ الحَلاوَةِ عَذْبٌ، (وهُوَ من أَحْسَنِ العِنَبِ) وأَظْرَفِه". وفي الأصل الفارسي يعتبر السّكر نوعًا من الحلواء. وفي المعاجم الحديثة يتخذ السكر معاني متعددة من خلال تراكيبه المتنوعة. فهو مادةٌ حلوةٌ تستخرجُ غالبًا من عصير القصب أو البنجر، وقَصَبُه يُعرف بقصب السُّكَّر. وسُكَّر الشعير: نوع من السُّكَّر يمكن الحصول عليه من النِّشَا والمُلْت، وهو أقل حلاوة من سكر القصب. وسُكَّر العنب: نوع من السُّكَّر يوجد في العنب، وفي كثير من الفواكه، وفي عسل النحل، وهو بلّورات عديمة اللون تذوب في الماء، حلوة المذاق. وسُكَّر الفاكهة: نوع من السُّكَّر، أَبيض متبلور، حلو الطعم، يوجد في الفاكهة الناضجة، وفي رحيق الأزهار وعسل النحل. أما سكَّر الدَّم فهو سكّر على شكل جلوكوز في الدم.
هل يمكن جمع كلمة سكر؟
لا يمكن جمع كلمة سكر، إذ تنتمي كلمة سُكّر إلى فئة من الألفاظ التي لا تُجمع. ويدخل ضمن هذه الفئة العديد من المفردات التي تتميز بدلالتها على الجمع في ذاتها من غير حاجة إلى تغيير بنيتها بالتكسير أو بزيادة علامات جمع المذكر السالم أو جمع المؤنث السالم. ويدخل تحت هذه الفئة من الألفاظ ثلاثة أصناف:
- اسمُ الجمع: وهو ما تضمّنَ معنى الجمعِ وليس له مُفردٌ من لفظِه، أو ليس له وزن خاصٌّ بالجُموع، نحو: قوم وشعب ورَهط وجَماعة و نساء و إبل وخيل و غَنَم وصحب وشَرْبٌ وركبٌ و سَفْرٌ وخَدَم وعَسَس وعَمَد وولَد وفُلْكٌ ورَقيق وسوقةٌ وبَشَر وضيفٌ وعدوّ؛ فالقوم مفرده رجلٌ في الغالب، ونساء مفردُه امرأة، والخيلُ مُفردهُ فَرَس.
- اسم الجنس الجَمعيّ: وهو ما تضمّن معنى الجمعِ ودلّ على الجنس، ويتميّزُ مفردُه بهاء التّأنيث أو ياء النسب، نحو تُفّاح واحده تفّاحة، وسفرجل، وتَمْر، ونَعام وبَقَر وعَرَب وتُرك وروم.
- اسم الجنس الإفرادي: ما دلّ على الجنس و صلُح للقليل والكثير كالماء واللبن والعسَل والهواء والحَجَر وغيرها.
اسم الجنس الجمعي
تدخل كلمة سكر في إطار اسم الجنس الجمعي، وهذا ما أكده مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية في فتواه رقم 617. ويتميز اسم الجنس الجمعي بعدة خصائص تميزه من جهة عن الجمع العادي ومن جهة أخرى عن اسم الجمع، ومن أهم هذه الخصائص:
- اسم الجنس الجمعي وُضع لحقيقة وماهيّة الأشياء لا لعددها وكمها.
- اسم الجنس الجمعي له مفرد من لفظه ومعناه متميز بزيادة تاء التأنيث، كتفاح وتفاحة، وزيادة ياء النسبة كعرب وعربي.
- اسم الجنس الجمعي لا يأتي على وزن من أوزان الجموع المعروفة.
وبناء على ذلك فإن لفظة سكر، تقبل بدورها أن تؤنث فيقال "سُكّرة"، وتقبل دخول ياء النسبة فيقال "سُكّري"، في إشارة مثلًا إلى المرض الذي يتسبب في صعوبة امتصاص هذه المادة في الدم بسبب مشاكل إفراز الأنسولين.
متى ظهر السّكر في العالم العربي والإسلامي؟
يعود الموطن الأصلي لنبات قصب السكر إلى الهند. وتعتبر الحضارة الفارسية أول من صنّع السكر باستعمال القصب، وكان أول مصنع له في "جُند بسابور". وانتشرت زراعة قصب السكر ومعامل تكريره في سورية ومصر وفلسطين وقبرص وبحر قزوين وصقلية وإسبانيا. وتم توظيف السكر في صناعة نوع من الحلوى سميت "قنده" حرفت باللغات الأوروبية إلى "Candy" وظلت هذه المناطق العربية والإسلامية المصدر الأساس للسكر في العالم الإسلامي وأوروبا حتى القرن السادس عشر الميلادي. وكانت الأندلس وصقلية صلة الوصل التي انتقلت عبرها صناعة السكر من العالم العربي والإسلامي إلى أوروبا.
وقد ارتبطت بصناعة السكر صناعات أخرى كثيرة أهمها صناعة الحلوى في العالم الإسلامي خصوصًا في عصر الدولة العباسية وعصر الدولة الفاطمية التي كانت توزع الحلوى في عيد الفطر وعيد الأضحى، وكانت توزع "قراطيس سكر القند" على العامة إذا ما رزق الخليفة بغلام وليًا للعهد، ومن أنواع الحلوى التي كثر الحديث عنها وكتبت فيها الأشعار للخلفاء: الفالوزج واللوزينج والخشاف والجلاب والفطير والهريسة، وكانت جميعها أساسها السكر والدقيق والسمن.
اقرأ/ي أیضًا: