تحقيق مسبار
هل الذباب يرى؟ من المعروف أن جميع الحشرات ومن بينها الذباب تمتلك أعضاء خاصة تُسمى قرون الاستشعار، إلا أن وظيفة قرون الاستشعار ليست الرؤية وإنما الإحساس، فيما يخص الذباب، تؤدي قرون الاستشعار لدى الذباب وظيفة الشم، وتحسس ما تُلامسه بالإضافة الى وظائف أخرى. لكن ماذا عن الرؤية؟ هل الذباب يرى؟ وما هي طبيعة الرؤية لدى الذباب؟ هل الذباب يرى الألوان؟
يُجيب هذا المقال على عدد من الأسئلة حول حاسّة الإبصار لدى الذباب.
تشريح جسم الذباب؟
الذباب أحد فصائل الحشرات التي تتفرع إلى أكثر من 100,000 نوع، وهناك فرق واضح بين أحجام وأشكال الأنواع المختلفة للذباب. فمن الناحية العلمية، يُصنف البعوض وذباب المنزل كنوعين من نفس الفصيلة، بالرغم من الاختلاف الكبير بينهما من حيث الحجم والشكل. لكن بشكل عام، تمتلك جميع أنواع الذباب تقريبًا عدد من الأعضاء الرئيسية عند وصولها لمرحلة الحشرة البالغة، وهي آخر مراحل النمو في حياة الذباب.
نظرًا للعدد الكبير جدًا لأنواع الذباب، ولأن ذُبابة المنزل هي الأكثر شيوعًا في المناطق المأهولة بالسُكان، تم اختيار ذبابة المنزل كمثال توضيحي لشرح تركيب جسم الذباب. فيما يلي الأعضاء الرئيسية في جسم ذباب المنازل:
- البطن: وهو الجزء الذي يظهر باللون الأصفر من خلال الأجنحة الشفافة، وذلك عند النظر إلى الذبابة من الأعلى أثناء وقوفها على سطح ما. كما يُمكن للبطن أن يكون رمادي اللون في ذباب المنازل.
- الصدر: وهو الجزء الثاني الذي يتوسّط جسم الذباب، والذي ترتبط به الأجنحة والأرجل. ينقسم الصدر بدوره إلى ثلاثة أجزاء مُتمايزة، الجزء الأمامي من الصدر، وهو الأقرب للرأس، ثم الجزء الأوسط من الصدر، والجزء الخلفي من الصدر.
- الرأس: وهو الجزء الأمامي من جسم الذباب والذي يحمل عدد من الأعضاء الهامة مثل قرون الاستشعار والفم الماصّ، بالإضافة إلى زوج من العيون المُركّبة. تتميز عين الذبابة بحجمها الكبير نسبيًا ولونها الأحمر في حالة ذباب المنازل. كل عين من عيني الذبابة تتكون من حوالي 4000 جُزء، ويتخذ كل جزء الشكل الهندسي سُداسي الأضلاع.
- الجناحان: يمتلك الذباب جناحان اثنان فقط وهُما المسؤولان بشكل رئيسي عن تأدية وظيفة الطيران. بالإضافة إلى عُضوين آخرين وهما الهالتر، الهالتر ليست أجنحة بالمعنى الحقيقي وإنما هي أعضاء تُساعد في توازن الذباب وضبط حركته أثناء الطيران. أجنحة الذباب شفافة اللون و يتخللها شبكة من الأوردة. بعض أنواع الحشرات التي تُصنف عِلميًا ضمن فصيلة الذباب تفتقر إلى الأجنحة بشكل كامل.
- الفم: يتكون فم الذباب من عدة أجزاء، الجُزء الرئيسي هو الأنبوب الذي يؤدي وظيفة امتصاص الغذاء، حيث أن الذباب يتغذى على السوائل فقط. يُمكن للذباب أن يتناول الطعام الصلب عن طريق إفراز اللعاب والعصارة المعوية على الطعام أولًا ليتحول إلى الحالة السائلة ومن ثم امتصاصه. في بعض الأنواع كالبعوض وذبابة التسي تسي الأنبوب صلب وله القدرة على إحداث ثُقب في سطح الجلد الخاص بالحيوانات التي تقوم هذه الأنواع بامتصاص الدم من أجسامها والتغذّي عليه.
- قرون الاستشعار: تتواجد قرون الاستشعار في وجه ذباب المنازل تحديدًا بين العينين، وينقسم كل قرن استشعار إلى ثلاث أجزاء. قرون الاستشعار هي الأعضاء المسؤولة عن الإحساس والتقاط الروائح لدى الذباب.
الصفات الواردة في القائمة أعلاه هي صفات ذباب المنازل بشكل رئيسي، إلا أنها صفات مشتركة بين الغالبية العُظمى لأنواع الذباب. معلومات أكثر حول أنواع الذباب وخصائص وسلوك الذباب، بالإضافة إلى فوائد الذباب للإنسان والنظام البيئي، يُقدمها أحد المقالات التي نُشِرت سابقًا على مِسبار بعنوان: هل هناك فوائد للذباب؟.
هل الذباب يرى؟
نعم هذا الصحيح، الذباب يرى بالفعل. صحيح أن هُناك بعض أنواع الذباب الأقل شُهرة وانتشارًا، والتي لا تمتلك أعين، وبالتالي لا يُمكنها الرؤية، إلاّ أنه يُمكن القول أن هذه الأنواع هي استثناء القاعدة، إذ أن أغلب الذباب يرى ما حوله بطريقة خاصة، تختلف عن رؤية كائنات أخرى كالإنسان مثلًا. وقد أُجريت العديد من الدراسات والأبحاث حول الأعيُن المُركبة للذباب وحاسة الإبصار لدى الذباب، أدت إلى اكتشاف خصائص مُميزة لرؤية الذباب.
وقد اكتشف مجموعة من الباحثين أن حاسة الإبصار لدى الذباب تُعتبر قوية وحادة، وهو الأمر الذي يُخالف الاعتقاد الذي ساد قديمًا بأن الذباب يرى ولكن بشكل ضعيف وبدائي. فقد توصل الباحثون إلى نتيجة مفادها أن مُستقبِلات الضوء الخلوية الموجودة في عيون الذباب، يُمكنها أن تتحرك بسرعة عالية جدًا، مما يعني أن حاسة الإبصار أقوى بكثير مما كان يُعتقد قبل نشر نتائج هذه الدراسة.
هل الذباب يرى الألوان؟
صحيح، يستطيع الذباب أن يرى الألوان. يُشير مقال نُشر حول رُؤية الذباب للألوان على الموقع الرسمي لجامعة هارفارد أن الذباب يرى الألوان بنفس الآلية التي نستطيع أن نُميز بها نحن البشر ألوان ما نراه. تعتمد رؤية الألوان بشكل رئيسي على الطول الموجي للطيف الضوئي الذي يعكسه الجسم الذي ننظر إليه، وعندما يصل الضوء إلى شبكية العين، تتمكن الخلايا المُستقبلة للضوء من التقاطه وتحليله، ومن ثم يتم إرسال إشارات خاصة بكل لون عبر العصب البصري إلى مركز الإبصار في الدماغ، والذي يقوم بدوره بترجمة هذه الإشارات فتحدث الرؤية، وذلك بحسب الطول الموجي للضوء الذي تم إلتقاطه عبر الشبكية.
وعلى الرغم من أن الذباب يرى الألوان بنفس الآلية المذكورة أعلاه تمامًا كالإنسان، إلا أن الفارق بين الذباب والإنسان في هذا الأمر يكمن في عدد الألوان التي يُمكن أن يراها أو يُميزها كلٌ منهما. تستطيع عين الإنسان أن ترى الأطياف التي يتراوح طولها الموجي بين 300 نانومتر وهو الطول الموجي للون البنفسجي، وبين 700 نانومتر وهو الطول الموجي للون الأحمر. في حين أن الذباب يرى أطيافًا تبدأ من 300 نانومتر لكن لا تصل إلى 600 نانومتر في حدها الأقصى، مما يعني أن الذباب لا يرى اللون الأحمر أو الأصفر أو البرتقالي.
ماذا يرى الذباب؟
أو بصياغة أخرى كيف يرى الذباب ما حوله؟ صحيح أن آلية الإبصار لدى الذباب تتشابه إلى حد كبير مع آلية الإبصار لدى العديد من الكائنات الأخرى، ومنها الإنسان، إلاّ أن الذباب يرى ما حوله بشكل مُختلف، والسبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى التركيب المُعقد لِأعين الذباب. إن كل عين من عيني الذبابة تتكون من الآلاف من أجزاء الإبصار، كل جزء منها يُمكن اعتباره عينًا بحد ذاتها، لأن كل جزء منها يلتقط الضوء ومُرتبط بِشُعيرة عصبية تنقل ما يراه إلى الدماغ. فيما يلي اثنين من خصائص الإبصار لدى الذباب:
- عدم القدرة على تدقيق النظر: لا يستطيع الذباب أن يُركز نظره على جزء مُعين من مجال إبصاره، كما لا يمكن للذباب أن يُحرك عينيه، إلاّ أن التركيب المُعقد للعين بالإضافة إلى كِبر حجمها وبُرُوزِها عن سطح الوجه بشكل ملحوظ، يمنح الذباب مجال رؤية واسع جدًا، يكاد يصل إلى 360 درجة.
- تمييز الأشكال والحركة: عندما يرى الذباب ما حوله يُميّز بشكل رئيسي أشكال وأبعاد الأجسام التي يراها، وحركتها في حال كانت أجسامًا مُتحركة بشكل جيد، لكن الذباب لا يرى بشكل واضح تفاصيل هذه الأجسام وبالطبع ألوانها في حال كان اللون يقع خارج الطيف المرئي بالنسبة للذباب.
اقرأ\ي أيضًا: