تحقيق مسبار
منذ سنوات طويلة، وسؤال هل السبليمنال حقيقي يشغل بال الكثيرين. وعكف العديد من الباحثين وعلماء النفس على دراسة ما يسمى بالسبليمنال (Subliminal) أو الرسائل أو المحفزات اللاشعورية، وتناولته العديد من الكتابات والمقالات، نظرًا لما أثاره السبليمنال من شكوك حول جدية تأثيره وما إذا كان فعالًا في تغيير سلوك الأفراد والتأثير على قرارتهم في الحياة اليومية أو لا. في هذا المقال سيتم استعراض مفهوم السبليمنال وتطبيقاته وما توصل إليه العلم في هذا الشأن.
ما هو السبليمنال؟
السبليمنال أو اللاشعوري بمعناه اللغوي هو الوجود أو العمل تحت عتبة الوعي، أو استخدام منبهات بشكل غير كافٍ لإنتاج إحساس منفصل، ولكن غالبًا ما تكون مصممة لتكون شديدة بما يكفي للتأثير على العمليات العقلية أو سلوك الفرد.
وترتبط الرسائل والإدراك اللاشعوري بفكرة التحكم بالعقل، حيث أن التحكم بالعقل هو المكان الذي يمكن فيه السيطرة على فرد أو مجموعة من الأفراد دون وعيهم؛ ويُعتقد أنها أيضًا فكرة أنه يمكن جعل الناس يفعلون أشياء لا يفعلونها في العادة. الرسالة اللاشعورية، والتي تسمى أيضًا الرسالة المخفية، هي رسالة مصممة لتتجاوز الحدود العادية للإدراك. إنها غير مسموعة للعقل الواعي ولكنها مسموعة للعقل اللاواعي.
من الناحية النظرية، تقدم الرسائل اللاشعورية فكرة لا يكتشفها العقل الواعي، وقد يتجاهل الدماغ المعلومات لأنه يتم توصيلها بسرعة، حيث ولدت الرسائل اللاشعورية للمرة الأولى في دار سينما نيوجيرسي في صيف عام 1957، أثناء عرض فيلم "Picnic"، عندما قام باحث السوق جيمس فيكاري بإضاءة الإعلانات "Eat Popcorn" و "Drink Coke" على الشاشة كل 5 ثوان. كانت الانقطاعات سريعة جدًا -1/3000 جزء من الثانية- لدرجة أن العقل الواعي لم يكتشفها. وأوضح فيكاري أن وضع هذه الرسائل اللاشعورية في صورة متحركة أدى إلى زيادة مبيعات الفشار بنسبة 58٪ ومبيعات Coke بنسبة 18٪.
كيف يعمل السبليمنال؟
يتكون العقل من جزأين متفاعلين: الوعي واللاوعي، والعقل الواعي هو الذي يمنح للفرد السيطرة التنفيذية على الذهن. أما اللاوعي، كما يشير فرويد، هو جزء من العقل يعمل تحت مستوى الإدراك الواعي. ويعتبر اللاوعي أقوى من الوعي عندما يتعلق الأمر بمعالجة المعلومات؛ فالعقل الباطن قادر على معالجة 20000 بت من المعلومات في وقت واحد، في حين أن الوعي يمكنه التعامل فقط مع 7 ± 2 بت من المعلومات في نفس الوقت.
الرسائل أو المنبهات اللاشعورية هي عبارة عن إشارات أقل من مستوى العتبة المطلقة (The Absolute Threshold Level/ ATL) للإدراك الواعي. هذه العتبة المطلقة تُعرَّف على أنها أدنى مستوى من التحفيز يمكننا اكتشافه، سواء كان بصريًا أو سمعيًا أو حسيًا، وما إلى ذلك. عندما تنخفض المنبهات الخارجية إلى ما دون العتبة المطلقة (ATL)، لا يمكن اكتشافها عن طريق الوعي. لذلك لا يمكن للعقل الواعي أن يدرك المنبهات الشعورية حتى بالبحث عنها. كما يُعتقد أن الإدراك اللاشعوري هو نتيجة لتقنية اتصال مصممة بشكل متعمد تهدف إلى توليد استجابة، بحيث يقوم الناس بأشياء لا يفعلونها في العادة.
ما هي أنواع السبليمنال؟
يشير مدرس علم نفس التسويق والتصميم، نيك كولندا، إلى أنه هناك ثلاثة أنواع رئيسية من الرسائل اللاشعورية، وهي:
- الرسائل غير المرئية: وهي الإشارات المرئية التي تومض بسرعة (عادةً بضعة أجزاء من الألف من الثانية) بحيث لا يدركها الناس.
- الرسائل الصوتية: وهي إشارات صوتية منخفضة الحجم يتم إدخالها في مصدر صوت أعلى، مثل الموسيقى.
- Backmasking: وهي عبارة عن رسالة صوتية يتم تسجيلها بشكل عكسي، بهدف تشغيلها إلى الأمام لإخفاء الرسالة المعكوسة.
هل السبليمنال حقيقي؟
ليس هناك دليل علمي حاسم على أن السبليمنال حقيقي حتى الآن، حيث لاحقًا تحدى رئيس شركة الاختبارات النفسية (Psychological Corp)، فيكاري لتكرار تجربته، بعد فشله في إعادة تحقيق المكاسب في المبيعات، اعترف فيكاري بأنه قد زيَف النتائج، فيما يعتقد بعض الخبراء أنه لم يكمل التجربة الأصلية على الإطلاق.
بينما يقول الأستاذ المساعد في علم النفس بجامعة مينيسوتا دولوث، إيان زيمرمان في حديثه مع مجلة (LiveScience) إنه "يُعتقد أن الدعاية اللاشعورية هي شكل قوي جدًا من أشكال التأثير. ولكن في الحقيقة لا يوجد الكثير لتبني عليه هذا الاستنتاج"، مشيرًا إلى أنها قد تكون مؤثرة بالفعل، لكن قوتها ترتبط بوجود بعض المحفزات الأخرى، بما في ذلك ما إذا كان الجمهور في حالة مزاجية للمنتج الذي يتم الإعلان عنه. لذلك أكد زيمرمان أنه إذا لم يتم مواجهة أي نوع من الاحتياجات أو الهدف الذي تتعامل معه الرسالة اللاشعورية، "فمن المحتمل ألا تكون فعالة للغاية".
كما أثبتت دراسة أجريت عام 2016 في مجلة (Neuroscience of Consciousness)، أنه عندما تحدث التأثيرات اللاشعورية، فإنها لا تدوم طويلًا، لذلك تقترح الدراسة أنه ربما لا تكون الإعلانات اللاشعورية قادرة على تحرك شخص ما من الأريكة إلى المتجر بالفعل، حيث أنه من أجل التأثير على صنع القرار في مواقف الحياة الواقعية، يجب تخزين الرسائل اللاشعورية على المدى الطويل بعد تعرضات قليلة فقط؛ على سبيل المثال بعد مواجهة واحدة مع إعلان تلفزيوني مموه. علاوة على ذلك، يجب تخزين الرسائل حتى لو كانت تحتوي على معلومات علائقية معقدة تتطلب تكاملًا دلاليًا، مثل "السياسي (س) سيخفض الضرائب". ولكي تكون الرسائل اللاشعورية فعالة، يجب أن يكون البشر قادرين على الدمج اللغوي والتخزين السريع لأجزاء غير واعية من المعلومات الجديدة في ذكريات ارتباطية طويلة الأمد يمكن استرجاعها إذا كانت ذات صلة بسياق قرار لاحق.
كما أظهرت بعض الدراسات أن الناس ينجذبون أكثر إلى المحفزات أو المنبهات اللاشعورية ببساطة نتيجة التعرض المتكرر لتلك المحفزات.
وفي إحدى مدوناته يقول نيك كولندا إنه قد زعم استخدام الرسائل اللاشعورية لإنجاز بعض مهامه الروتينية، لكن الحقيقة أنه لم يقم باستخدامها أبدًا في العروض المباشرة التي يقوم بها، حيث أنه "كان وما زال متشككًا جدًا" في تأثير الرسائل اللاشعورية. وبالرغم من وجود بعض الدراسات الحديثة التي تبشر باحتمالية أن تكون الرسائل اللاشعورية فعالة، بحسبه، إلا أن هناك العديد من التحديات التي يمكن أن تحول دون إثبات ذلك.
ويخلص كولندا في ختام مدونته إلى أن الرسائل اللاشعورية، قد تكون ذات تأثير على الأفراد، لكنها في الوقت نفسه لا يمكن أن تجعل الفرد يقوم بشيء لا يريد القيام به في الأصل.