تحقيق مسبار
مع الانتشار الواسع لمرض السرطان عالميًا، يتبادر إلى ذهن العديد من المصابين به أو أقربائهم فيما لو كان العلاج الكيماوي يشفي السرطان.
يطرح هذا المقال مجموعة من الحقائق والأرقام حول مرض السرطان، ثمّ يستعرض ما هو مرض السرطان وكيف يظهر وما هي أعراضه وطرق علاجه، ويُخصص الحديث عن العلاج الكيماوي بأنواعه وكيف يتلقّاه مريض السرطان وما هي آثاره الجانبية، ويجيب على سؤال هل العلاج الكيماوي يشفي السرطان؟
السرطان حقائق وأرقام
في تقريرٍ نشرته منظمة الصحة العالمية في بداية شهر مارس/آذار 2021 حول السرطان، ذكرت فيه مجموعة من الأرقام والإحصائيات العالمية حول مرض السرطان، وكان أبرز ما جاء في التقرير:
- السرطان هو السبب الرئيسي الثاني للوفاة على مستوى العالم، وهو مسؤول عن حوالي 10 ملايين حالة وفاة سنويًا. كما أنّ حوالي 1 من كل 6 وفيات بسبب السرطان على الصعيد العالمي.
- ما يقرب من 70٪ من الوفيات الناجمة عن السرطان تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
- يعود سبب حوالي ثلث الوفيات الناجمة عن السرطان إلى التدخين وارتفاع مؤشر كتلة الجسم وتعاطي الكحول وانخفاض تناول الفاكهة والخضروات وقلة النشاط البدني.
- يعتبر التدخين أهم عامل خطر للإصابة بالسرطان، وهو مسؤول عن حوالي 25٪ من وفيات السرطان.
- الالتهابات المسببة للسرطان، مثل التهاب الكبد وفايروس الورم الحليمي البشري (HPV) مسؤولة عن حوالي 30٪ من حالات السرطان في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
- الكشف المتأخّر عن مرض السرطان وعدم الوصول إلى التشخيص والعلاج أمرًا شائعًا، لا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
- العلاج الشامل لمرض السرطان متوفر في أكثر من 90٪ من البلدان ذات الدخل المرتفع، ولكنّه أقل من 15٪ في البلدان منخفضة الدخل.
- التأثير الاقتصادي للسرطان كبير ومتزايد، إذ قُدّرت التكلفة الاقتصادية الإجمالية للسرطان في عام 2010 بنحو 1.16 تريليون دولار أمريكي.
ما هو مرض السرطان؟
السرطان هو مرض يصيب الخلايا التي تعتبر الوحدة الأساسية في تكوين الجسم وأعضائه. يقوم الجسم بتصنيع الخلايا بشكل مستمر وذلك لاستمرار عملية النمو أو لاستبدال الخلايا التالفة أو الميتة بخلايا جديدة، إذ توجد جينات معينة في الجسم مسؤولة عن هذه العملية. وينتج مرض السرطان في حال حدوث خلل معيّن في هذه الجينات مما يؤدي إلى خلق خلايا جديدة غير صحية وسريعة في الانتشار، وقد تنمو هذه الخلايا وينتج عنها كتلة جديدة يطلق عليها اسم ورم.
كيف يظهر السرطان وينتشر في الجسم؟
تنمو الخلية السرطانية حتى يصبح حجمها بحجم رأس الدبوس، بعد ذلك تقوم بخلق أوعية دموية وليمفاوية خاصة بها، وهذا يؤدي إلى أخذها لحجم أكبر وملاحظ في الجسم، وتسمّى هذه الكتلة الجديدة بالورم. أحياناً تتحرك بعض أنواع الخلايا السرطانية بعيداً عن مكان ظهور الورم الذي نشأ أولاً، إما من خلال سوائل الأنسجة المحيطة بالورم أو عن طريق مجرى الدم، ثم تجتاح وتغزو الأعضاء الأخرى. عندما تصل تلك الخلايا إلى موقع جديد، تستمر في النمو وتشكل ورم جديد في هذا المكان، وهذا النوع من الأورام يسمى السرطان الثانوي.
اقرأ أيضًا: هل الرنين المغناطيسي يكشف السرطان؟
الإصابة بالسرطان
تزيد نسبة احتمالية الإصابة بأحد أنواع السرطانات مع التقدّم بالعمر، ويرجع ذلك على الأغلب إلى تراجع قدرة خلايا الجسم على إصلاح الخلل الجيني إذا حصل.
ويمكن حصر الأسباب الأخرى التي من الممكن أن تؤدي إلى الإصابة بالسرطان بالعوامل التالية:
- البدانة والسمنة المفرطة: تعتبر البدانة والسمنة المفرطة ثاني أكثر سبب محتمل للإصابة بالسرطان، كما أن الحفاظ على وزن مثالي يخفف احتمالية الإصابة بثلاثة عشر نوعًا من السرطان.
- أشعة الشمس والأشعة فوق البنفسجية: يعتبر التعرض العالي للأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس أحد الأسباب الرئيسية لسرطان الجلد، لهذا ينصح بقضاء أوقات أكثر في الظل واستخدام واقيات الشمس في الأجواء الحارة.
- النظام الغذائي المتبع: الاستهلاك العالي من اللحوم المعالجة واللحوم الحمراء قد يزيد من احتمالية الإصابة بالسرطان، ويمكن لنظام غذائي صحي أن يحمي من نوع واحد من عشرين نوع آخر من السرطان، لذلك فإن اتباع نظام غذائي غني بالألياف قد يقلل من خطر الإصابة بالسرطان كسرطان الأمعاء والمعدة.
- استهلاك الكحول: يتسبب تناول الكحول بسبعة أنواع من السرطان، أهمها سرطان الثدي والفم والأمعاء والمريء والحنجرة والكبد، والتقليل أو التوقف عن تناول الكحول من شأنه أن يقلل من خطر الإصابة بإحدى هذه الأنواع من السرطان.
- التدخين: يعد التدخين أكبر سبب محتمل للإصابة بالسرطان، ويسبب التدخين حوالي 7 من كل 10 إصابات بسرطان الرئة في بريطانيا، والذي يعد السبب الأكثر شيوعًا للوفاة من السرطان. التقليل من التدخين أو تركه قد يجعلك أقل عرضة للإصابة بسرطان الرئة.
- أماكن وطبيعة العمل: بعض الوظائف يكون العاملين فيها أكثر عرضة للإصابة بالسرطان، كالعمل تحت أشعة الشمس لأوقات طويلة والعمل بالمناوبات الليلية، كذلك العاملين بعوادم سيارات الديزل والمبيدات الحشرية والتعدين والطلاء، لذلك فإن اتباع إجراءات السلامة العامة في العمل قد يقلل من نسب الإصابة بالسرطان.
اقرأ/أيضًا: هل يصاب الرجال بسرطان الثدي؟
علاج السرطان
يُعرف الطب المختص في علاج السرطان بطب الأنكولوجيا، وتختلف طرق العلاج بناءً على عدة عوامل، يعتمد علاج السرطان بشكل رئيسي على نوع السرطان، مراحل تطوره، مكانه وعمر المصاب.
ومن أبرز طرق العلاج:
الجراحة: تتم باستئصال الخلايا السرطانية أو أجزاء من العضو المصاب جراحيًا، ومن ثم مراقبة عودته أو انتقاله.
العلاج الإشعاعي: يستخدم به جرعات عالية من الإشعاع لقتل الخلايا السرطانية، ومنع نموها أو تقليص حجمها.
العلاج الكيماوي أو الكيماوي: تستخدم فيه العقاقير لقتل الخلايا السرطانية، أو تقليص حجمها ومن ثم استئصالها جراحيًا ومراقبة عودتها أو انتشارها من جديد.
العلاج المناعي: أحد أنواع علاج السرطان التي تعزز من عمل جهاز المناعة لمقاومة الخلايا السرطانية، وهو فرع من فروع العلاج البيولوجي الذي يستخدم موادًا مصنوعة من الكائنات الحية لعلاج السرطان.
العلاج المُوجّه: أحد فروع الطب الدقيق، والذي يستهدف البروتينات التي تتحكم في نمو الخلايا السرطانية وانقسامها وانتشارها، وكلما ازداد فهم العلماء للحمض النووي المكون للخلايا السرطانية، ازدادت الفرصة للقضاء على السرطان بالعلاج الموجه.
العلاج الهرموني: أحد العلاجات الخاصة التي يتم فيها علاج السرطانات التي تستخدم الهرمونات للنمو، كسرطان البروستاتا والثدي.
العلاج بالخلايا الجذعية: علاج دقيق يستهدف من تدمرت خلاياهم المناعية وامتنعت عن تكوين الدم، بسبب الإجهاد الخطير أثناء العلاج الكيماوي والإشعاعي، ويكون بإعادة زرع خلايا منتجة للدم ومكوناته التي تساهم في مقاومة الجسم للخلايا السرطانية.
الطب الدقيق أو الشخصي: وهو أحد أنواع العلاج الذي يستهدف أشخاص محددين نتيجة لفهم الأطباء للأساس الجيني لمرضاهم، وبفضل التقدم في العلم الآن فقد أدرك العلماء أن أورام المرضى تحدث تغيرات جينية، وأن التغييرات التي تحدث في سرطان شخص ما، قد لا تحدث لدى الآخرين الذين يعانون من نفس النوع من السرطان، لذلك يستهدف الأطباء الخلايا السرطانية للشخص المصاب بعلاجات تؤدي أكبر مفعول نتيجة لفهمهم للأساس الجيني لمرضه.
ما هو العلاج الكيماوي؟
العلاج الكيماوي نوع قوي من العقاقير الكيماوية التي تهدف إلى تدمير الخلايا السرطانية المتنامية في الجسم. ويستعمل العلاج الكيماوي عادةً في علاج السرطان نظرًا لما تتميز به الخلايا السرطانية من سرعة في النمو والتوالد أكثر من بقية الخلايا الأخرى.
يستعمل العلاج الكيماوي إلى جانب علاجات أخرى كالجراحة والعلاج بالأشعة والهرمونات. ويعتمد اختيار هذه العلاجات على مرحلة ونوعية السرطان والحالة الصحية للمريض وسوابقه في علاج السرطان، بالإضافة إلى موقع الخلايا السرطانية في الجسم واختيارات المريض العلاجية. لكن أهمية العلاج الكيماوي وضرورته الطبية لا تجعله بمنأى عن التأثيرات السلبية على المريض.
يُستخدم العلاج الكيماوي لأسباب عديدة وليس فقط للقضاء على الورم، إذ أنه يقلل من انتشار الخلايا السرطانية وكذلك من عددها، وأيضًا يساهم في تقليل حجم الأورام الكبيرة تحضيرًا للجراحة أو نوع آخر من العلاج، ويُعطى أيضًا كعلاج وقائي بعد القيام بالجراحة، مثل استئصال ورم بالثدي أو الثدي بأكمله، للتأكد من القضاء على كل الخلايا السرطانية وتجنب النكس.
أنواع العلاج الكيماوي
يوجد خمسة مجموعات رئيسية من الأدوية الكيماوية وهي:
- العوامل المؤلكلة (Alkylating Agents): وأكثر ما تكون فعالة عندما يكون الورم السرطاني بحالة همود وغير نشط.
- المضادات الحيوية المضادة للأورام: وتؤثر بمراحل مختلفة من دورة حياة الخلية السرطانية، وهي مستخلصة من الفطر.
- النباتات القلوية: مستخلصة من النباتات وتأثيرها الأساسي بمرحلة الانقسام الورمي.
- مثبطات التوبوايزوميراز (Topoisomerase inhibitors): تقوم هذه المواد بإضعاف بنية الخلية السرطانية وإعاقة انقسامها.
- مضادات الاستقلاب: تؤثر بمرحلة معينة من دورة الانقسام فتمنعه، وهي عبارة عن مركبات شبيهة بالخلية السرطانية.
كيف يتلقى المريض العلاج الكيماوي؟
يوصي العلماء بأن يتم منح العلاج الكيماوي بناءً على توافق بين الطبيب ومريضه، مع مراعاة كل الظروف والمتغيرات المحيطة بصحته. ويُعطى العلاج الكيماوي عادة للمريض بأساليب وأشكال مختلفة منها:
- عقاقير أو إبر يتم حقنها عن طريق الوريد.
- حقنه مباشرة في الورم السرطاني حسب موقعه، إذ يمكن للطبيب زرع جهاز يبث جرعات العلاج الكيماوي بانتظام.
- على شكل مرهم، حيث يتم علاج بعض سرطانات الجلد عبر مراهم كيميائية.
- العلاج الموضعي، كأن يُحقن مباشرة لعضو من الأعضاء كالجهاز العصبي المركزي أو البطن أو الصدر.
- تؤخذ بعض أنواع العلاج الكيماوي على شكل حبوب عبر البلع.
ويستخدم العلاج الكيماويّ في علاج أنواع كثيرة من السرطانات، مثل سرطانات الثدي والكبد والمثانة والرئة، وبعض السرطانات الدماغية والجلدية. كما يُستخدم العلاج الكيماوي أيضًا لأمراض غير سرطانية مثل أمراض المناعة الذاتية كالذئبة الحمامية والتهاب المفاصل الرثياني، وذلك بجرعات أقل من المستخدمة في علاج السرطان، وكذلك يُستخدم لتحضير المرضى المصابين بأمراض نقي العظم للعلاج بالخلايا الجذعية.
فعالية العلاج الكيماوي في علاج السرطان
تشمل العوامل التي تؤثر على نوع العلاج الكيماوي ومدى نجاحه ما يلي:
- موقع ونوع ومرحلة السرطان.
- عمر الشخص وصحته العامة وأي حالات طبية يعاني منها.
هل العلاج الكيماوي يشفي السرطان؟
تعتمد الإجابة على سؤال هل العلاج الكيماوي يشفي السرطان إلى حدٍ كبير على نوع ومرحلة وموقع السرطان وصحة المريض العامة. في أغلب الحالات، يمكن أن يشفي العلاج الكيماوي السرطان بشكل كامل.
يستخدم الأطباء العلاج الكيماوي إما كخط العلاج الأول أو بالاشتراك مع علاجات أخرى مثل الجراحة، ويقوم الأطباء بإجراء اختبارات على فترات لتقييم فعالية العلاج الكيماوي، وإذا كان العلاج الكيماوي لا يشفي السرطان وغير فعال، فقد يلجأ الأطباء إلى التفكير في خيارات أخرى، وتختلف الخيارات البديلة حسب نوع ومرحلة السرطان.
تشمل العلامات التي تشير إلى أن العلاج الكيماوي لا يشفي السرطان ما يلي:
- ورم ينمو أو لا يتقلص.
- انتشار السرطان إلى مناطق أخرى من الجسم، ويسمّى في هذه الحالة بالورم الخبيث.
- عودة أعراض السرطان.
- ظهور أعراض إضافية غير الأعراض التي كان يعاني منها المريض.
في حالة حدوث أي من هذه المشكلات، قد يكون العلاج الكيماوي لا يشفي السرطان، لذلك قد يوصي الأطباء بأنواع أخرى من العلاج.
كم من الوقت يمكن أن يستغرق العلاج الكيماوي حتى يشفي السرطان؟
عادةً ما تستمر دورة العلاج الكيماوي لعلاج السرطان من 3 إلى 6 أشهر. لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ الوقت اللازم للعلاج الكيماوي حتى يشفي السرطان يعتمد على عوامل مختلفة، بما في ذلك نوع ومرحلة السرطان والصحة العامة للشخص ونوع دواء العلاج الكيماوي الذي يستخدمه الطبيب.
ومع ذلك، يمكن أن تكون هناك آثار جانبية ضارة أثناء العلاج الكيماوي، وقد يحتاج الشخص إلى تعديل أسلوب حياته أو روتين عمله أثناء العلاج. ومع ذلك، عادة ما يتم التخلّص من هذه الآثار الجانبية بعد أن يشفي العلاج الكيماوي السرطان وتوقّف المريض عن أخذ العلاج.
الآثار الجانبية للعلاج الكيماوي
على الرغم من أن العلم أثبت دور العلاج الكيماوي في مهاجمة الخلايا السرطانية، فإنه بالمقابل أكد أيضًا تسبّبه في آثار جانبية حادة تؤثر على نمط عيش المرضى، لكن الأطباء يعتبرون أن هذه الآثار الجانبية رغم قساوتها في كثير من الحالات لا يمكن أن تقارن بالمخاطر التي يتعرّض لها مريض السرطان الذي لا يتلقى العلاج والتي قد تصل به إلى درجة الوفاة.
وعلى الرغم من أن قائمة هذه الآثار الجانبية طويلة، إلا أنه يمكن تلخيصها في خمسة آثار رئيسية تشمل:
- التعرض للإصابة بفقر الدم
- ضعف نظام المناعة
- تخثر الدم
- تساقط الشعر
- الغثيان والقيء.