تحقيق مسبار
أصبحت أنواع الأمراض النفسية والعقلية من أكثر الأمراض انتشارًا في العالم، ولا تقلُّ خطورتها عن الأمراض الجسدية الأخرى التي يصاب بها الانسان، فلماذا تحدث هذه الأمراض، وما هي أعراضها؟ وهل يمكن تمييز أنواع الأمراض النفسية والعقلية من غير طبيب؟
لماذا تحدث الأمراض النفسية؟
يُعرف المرضُ النفسي (Psychological illness) على أنًّه حالةُ اضطرابٍ يُصاب بها الشخص نتيجةً لعدة عواملٍ تُسبب تغيراتٍ في سلوكه وتفكيره ومزاجِه أيضًا، مما يؤثر سلبًا على حياة المريض اليومية، كما وتشير الاضطرابات العقلية إلى حدوثِ تشوُّهاتٍ في العقل ينتجُ عنها مضاعفاتٍ تمسُّ سلوكه، وبالرغم من أنه لا يوجد سببٌ واحدٌ للأمراض النفسية والعقلية، إلا أنه هناك العديد من العوامل التي قد تؤدي إلى حدوث هذه الأمراض، من ضمن هذه العوامل:
- عوامل بيولوجية؛ تلعبُ التفاعلات الكيميائية في الدماغ دورًا هامًا في الصحة العقلية، كما وتُسبب التغييرات الحاصلة في نواقله العصبية وعدم اتزانها اضطراباتٍ في صحة عقل المريض.
- عوامل بيئية؛ تشير الأبحاثُ إلى احتمالية إصابةِ الأطفال بأمراضٍ عقلية ونفسية إذا ما كانت أمهم تتعاطى المخدرات أو الكحول أثناء حملها بهم، كما وقد يؤثر تعرضها للتسمم أو إصابتها بالفايروسات على صحة جنينها العقلية.
- عوامل وراثية؛ بعض الأمراض النفسية والعقلية وراثية، فقد تنتقل الأمراض النفسية من خلال الجينات من شخصٍ إلى آخر في نفس العائلة، ومن هذه الأمراض الاكتئاب والتوحد واضطراب ثنائي القطب، بالإضافة إلى الفُصام.
- عوامل اجتماعية؛ تلعبُ العديد من العوامل الاجتماعية دورًا هامًا في صحة الشخص النفسية والبدنية أيضًا، فقد يكون لبعض تجارب الحياة أثرًا على حالة الفرد النفسية، مثل تعرضه لأحداثٍ مؤلمة تسبب له الصدمة ثم اضطراب ما بعد الصدمة.
كما أنّ هناك علاقة وثيقة بين المخدرات والأمراض النفسية والعقلية، وبحسب المعهد الوطني الأمريكي لتعاطي المخدرات، فإن متعاطي المخدرات أكثر عُرضةً للإصابة بأمراضٍ نفسية بمرتين عن غيرهم، وقد تم تشخيص 34 مليون نسمة عام 2015 مصابين بأمراضٍ نفسيةٍ مختلفة، كان ما يقارب الثمانية ملايين منهم مصابين باضطراب تعاطي المخدرات، وعلى الرغم من عدم قدرةِ العلماء على تحديد العوامل المسببة لهذا الاضطراب، إلا أنهم وجدوا العديد من العوامل المشتركة بينه وبين الإدمان.
ما هي أعراض الأمراض النفسية والعقلية؟
على خلافِ الكثير من الأمراض الشائعة، هناك القليلُ من الإشارات المادية الواضحة الدالة على وجود مرضٍ أو اضطرابٍ نفسي، ولكل اضطرابٍ مجموعة أعراضٍ خاصة يمكن أن تختلف اختلافًا كبيرًا في شدتها، ولكن يمكن أن تشمل العلامات الشائعة للأمراض النفسية والعقلية عند مختلف الفئات العمرية ما يلي:
- استمرار الشخص بالتفكير طول الوقت وبشكلٍ مرتبك.
- الشعور بالقلق المفرط أو الغضب المفرط.
- عدم الاحتكاك بالآخرين أو الحديث معهم وانسحابه من محيطه، وهو ما يُعرف بالانسحاب المجتمعي.
- حدوث تغييرات في الروتين اليومي كمواعيد النوم والطعام.
- اضطرابات في النوم ومشاهدة الكوابيس بشكل مستمر.
- وجود أمراض جسدية غير مبررة.
- عدم القدرة على التعامل مع الأنشطة والمسؤوليات اليومية المختلفة.
- مزاج سلبي مطوَّل، وغالبًا ما يكون مصحوبًا بضعفِ الشهية أو حتى انعدامها.
- الشعور بالغضب الشديد وبشكل مفاجئ، بالإضافةِ إلى تقلباتِ المِزاج الحادة.
- التفكير المفرط بأمور غريبة أو رؤية وسماع أشياء غير موجودة (الأوهام).
هذه العلامات عامة، تظهر بعضها أو كلها على من يعانون من بعض أنواع الأمراض النفسية والعقلية ولمختلف الفئات العمرية. لكن هناك أيضًا بعض الإشارات الدالة على وجود مرضٍ نفسي عند فئات عمرية بعينها كالأطفال، فقد تظهر بعض التغييرات في سلوكيات الطفل كتمرده على أوامر أهله ومعلميه، أو تقصيره في أداء الواجبات المدرسية مثلًا، لذى تلجأ المدرسة إلى المرشد التربوي في مراقبة سلوك طلابها وتحديد من تظهر عليه أي من علامات وأعراض الأمراض النفسية والعقلية المختلفة من أجل التعامل مع هذه الحالات بشكلٍ مبكر.
هل يمكن تمييز أنواع الأمراض النفسية والعقلية من غير طبيب؟
لا يمكن تمييز أنواع الأمراض النفسية والعقلية من غير طبيب، كما أنَّه لا توجد أدواتٍ طبية معينة لتشخيص المريض بأحد أنواع الأمراض النفسية والعقلية. علاوةً على ذلك، إنَّ محاولة معرفة الفرق بين السلوكيات المتوقعة وما قد تكون علامات المرض العقلي ليس بالأمر السهل دائمًا، حيث لا يوجد اختبارٌ موحد يتم بناءً عليه الحكم على صحة الشخص النفسية والعقلية، لذلك أصدرت الرابطة الأمريكية للطب النفسي دليلًا للأطباء كي يساعدهم على تمييز الأمراض النفسية وتشخيصها، وتمر عملية تشخيص الحالة النفسية للمريض بعدة مراحل:
- الفحص الطبي للمريض، قبل أن يتم فحص الحالة النفسية للمريض، فإنه يتم فحصُ جسده كي يتم التأكد أولًا من عدم وجود أي أمراضٍ جسدية تؤثر على صحته النفسية والعقلية، حيث يخضعُ المريض لعدة اختباراتٍ سريرية، كما ويقوم الطبيب أيضًا بالاطِّلاع على السجل الصحي للمريض في هذه المرحلة.
- التقييم النفسي للمريض، يتم تقييم صحة المريض بشكلٍ عام بناءً على صحته البدنية، وبعد التأكد من خلوه من أيةِ أمراضٍ قد تؤثر على صحته النفسية، يخضع المريض لاختباراتٍ عقلية من أجل تقييمه، وقد يقوم الطبيب بإشراك أفراد الأسرة أيضًا في هذه المرحلة من التشخيص.
وبناءً على نتائج الفحص الطبي والتقييم العقلي للمريض، يقوم الطبيبُ وبالعودة إلى الدليل الإرشادي بتشخيص المريض بأحدِ الأمراض النفسية والعقلية.
أكثر الأمراض النفسية شيوعًا
هناك أكثر من 200 شكل من أشكالِ الأمراض العقلية، مصابٌ بها مئات الملايين حول العالم والعدد بازدياد، وتفيدُ منظمة الصحة العالمية بأن قرابة 75% من إجمالي المصابين بأحد أنواع الأمراض النفسية والعقلية لم يتلقوا الرعاية الصحية اللازمة، وفي تقريرها أواخر عام 2019 حول الصحة النفسية، ذكرت المنظمة مجموعة من الأمراض النفسية الشائعة عالميًا:
- الاكتئاب، يعاني قرابة 400 مليون شخص حول العالم من الاكتئاب، وهو أحد الأسباب الرئيسية للعجز، وتُعتبر النساءُ أكثر عُرضةً للإصابةِ بالاكتئاب من الرجال، ومن سماته الشعور بالحُزن وقلة الاهتمام وعدم تقدير الذات.
- اضطراب ثنائي القطب، يعاني 60 مليون إنسان حول العالم من الاضطراب ثنائي القطب، يعاني أصحابُ هذا المرض من الاكتئابِ الحاد وقلة النوم بالإضافة إلى نوبات الهوس التي تؤثر سلبًا على الروح المعنوية للمريض ومزاجه العصبي.
- الفُصام، يعاني منه 21 مليون شخص حول العالم، والفصام هو اضطرابٌ ذهني يجعلُ الشخص يتصور أمورًا غير موجودة، ومن أهم سِماته حدوث خللٍ في التفكير وتقلباتٍ مفاجئةٍ في سلوكيات المريض.
- الخرف، هناك ما يزيد عن 35 مليون مصاب بالخرف حول العالم، ويحدث المرض كنتيجة للإصابة بأمراضٍ عقلية أخرى، مثل الزهايمر أو الجلطات الدماغية، وقد يحدث أيضًا بشكلٍ طبيعي نتيجة التقدم في العمر، وهو من الأمراض العقلية التي لم يوجد لها علاج حتى الآن.
- التوحد، هو مرضٌ ناتجٌ عن اضطراباتٍ في النمو، وهو من الأمراض النفسية المُزمنة، حيث يُصاب به الشخص غالبًا منذ طفولته ويستمر حتى شبابه، ويسبب التوحد خللًا لدى المصاب في وظائف جهازه العصبي ينتُج عنها ضعفًا في السلوك الاجتماعي لدى المريض.
اقرأ/ي أيضًا:
هل يمكن علاج الاكتئاب الذهاني؟
هل هناك أعراض نفسية لارتفاع الكوليسترول؟