تحقيق مسبار
قد يختلط الفرق بين علم النفس والطب النفسي على الكثير من الناس، وذلك بسبب التشابه بين كِلا الأمرين، وهو تشابه يُمكن أن يصل إلى حد التداخل بين علم النفس والطب النفسي فيما يخُص المُمارسة المهنية. فما هو علم النفس؟ وما هو الطب النفسي؟ هل هي مُجرد مُسميات مُختلفة للشيء ذاته؟ أم أنه يُمكن التفريق بين علم النفس والطب النفسي؟ وإذا كان بالإمكان التفريق بينهما، فما هي الفوارق بين علم النفس والطب النفسي؟
يُوضح هذا المقال مفهوم علم النفس والطب النفسي، ويُقدم الإجابة على الأسئلة سابقة الذكر.
ما هو علم النفس؟
علم النفس هو فرع حديث نسبيًا من العلوم، وهو العلم الذي يُعنى بدراسة وفهم عقلية الإنسان وطريقة تفكيره وكُل ما له علاقة بها مثل طريقة عمل الدماغ كعُضو، وكذلك كل ما يترتب عليها، من أجل الوصول إلى فهم أعمق لِمشاعر وعواطف الإنسان، وذكرياته، ووعيه وإدراكه وشخصيته، بالإضافة إلى الذكاء البشري والقُدرات المعرفية للبشر، والدوافع المُختلفة لِسلوكهم وتصرفاتهم.
تعود الجُذور التاريخية لعلم النفس إلى فترة ما قبل الميلاد، حيث تناول عدد من الفلاسفة اليونانيين القُدماء مثل سُقراط وأفلاطون، بعض موضوعات علم النفس من وجهة نظر فلسفية. إلا أن تأسيس علم النفس بصورته الحديثة، كعلم قائم بذاته بِمَعزِل عن الفلسفة، يُمكن أن يُنسب إلى الطبيب والعالم الألماني فِلهلم فونت، الذي قام بتأسيس أول معمل تجريبي لعلم النفس في العالم، وذلك في عام 1879.
مُنذ ذلك الحين، شَهِد علم النفس تطورًا كبيرًا، وأصبح هُناك العديد من التخصصات الدقيقة التي تندرج تحت علم النفس، فيما يلي عدد من هذه التخصصات:
- علم النفس السُلُوكي: يبحث هذا الفرع من علم النفس في العلاقة بين عقلية الفَرد وأفكاره، وبين التصرفات والسُلوكيات التي يُبديها بناءً على هذه الأفكار. الأشخاص المُتخصصون في علم النفس السُلوكي يقومون بدراسة كيفية اكتساب الإنسان لِعادة ما، وكذلك كيفية الإصابة بأنواع الرّهاب أو ما يُعرف بالفوبيا، كما أنهم يقومون بتشخيص ومُعالجة حالات الإصابة بمجموعة من الاضطرابات النفسية التي تُسمّى بالاضطرابات السلوكية.
اقرأ/ي عن الفوبيا في مقال مسبار: هل يمكن علاج الفوبيا بطرق مجربة؟
- علم النفس السريري (Clinical psychology): أخصائيو علم النفس السريري يعملون على دراسة وفهم الأمراض العقلية والنفسية مثل الاضطراب ثُنائي القط واضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب، من أجل تشخيص وعلاج المرضى المُصابين بمثل هذه الأمراض. وذلك من خلال مُراقبة المريض ومتابعة حالته، وعقد جلسات حوارية معه بهدف الاطلاع على مشاعر المريض وعواطفه والتجارب التي مرّ بها.
- علم النفس المَعرفي: يُركز هذا الفرع من علم النفس على طريقة تعلم الإنسان وطريقة عمل الدماغ لدى تلقيه معلومات جديدة، والآلية التي يقوم الدماغ من خلالها بمعالجة تلك المعلومات وتخزينها في الذاكرة. المُتخصصون في هذا الفرع من علم النفس يتعاملون مع الأشخاص المُصابون بصعوبات التعلّم وحالات ضعف الذاكرة والخَرَف.
معلومات أكثر حول ذاكرة الإنسان في مقال مسبار: هل طرق تنشيط الذاكرة فعالة؟ - علم النفس الاجتماعي: يُعنى هذا الفرع من علم النفس بدراسة تصرفات الأفراد وسلوكياتهم وردود أفعالهم تحت تأثير العوامل الاجتماعية والظروف المُجتمعية. المُتخصصون في هذا الفرع من علم النفس عادة ما يقومون بدراسة تأثير المُجتمع على الفَرد، والمواقف التي يتبنّاها الأشخاص، بالإضافة إلى سلوكيات مثل إطلاق الأحكام المُسبقة على الآخرين وممارسة التفرقة والتمييز بحقهم.
ما هو الطب النفسي؟
الطب النفسي هو أحد تخصصات الطب الذي يُعنى بدراسة وتشخيص وعلاج الأمراض النفسية والعقلية. عادة ما يتم تعريف الطب النفسي من خلال تعريف الطبيب النفسي، وهو الشخص الذي يقوم بدراسة الطب أولًا والحصول على التصريح اللازم لممارسة مهنة الطب كطبيب عام، ثم متابعة دراسة الطب النفسي كتخصص، لكي يُتاح له مُمارسة الطب النفسي. دراسة الطب أولًا ثم دراسة تخصص الطب النفسي تجعل الطبيب النفسي قادرًا على التعامل مع الأمراض العقلية والنفسية من الناحية العُضوية والنفسية على حدٍ سواء، كما أنه مُصرح له باستخدام طيف واسع من التقنيات التشخيصية بما في ذلك التحاليل المخبرية، واستخدام كافة الأساليب العلاجية بما في ذلك كتابة الوصفات الطبية، وتحديد نوع الدواء وجرعته، بالإضافة إلى تقنيات علاجية أخرى مثل العلاج بالصدمات الكهربائية.
بعد التشخيص، يقوم الطبيب النفسي بوصف نوع أو أكثر من أنواع الأدوية التي يُصرّح للأطباء النفسيين مُعلاجة مرضاهم باستخدامها. أبرز أنواع هذه الأدوية هي مُضادات الاكتئاب، ومُضادات الذُهان، والأدوية المُنوّمة. كما يقوم بمُتابعة الحالة والتدخل لتغيير نوع الدواء أو تعديل الجُرعة إذا كان هُناك حاجةً لذلك. كما أنه في أغلب الحالات، يقوم الطبيب النفسي، بتوصية المريض بتلقّي العلاج النفسي (Psychotherapy) والذي يُسمى في الانجليزية أيضًا بالعلاج بالكلام (Talk therapy).
الأمراض التي يتولّى الطبيب النفسي تشخيصها وعلاجها تشمل ما يلي:
- اضطراب القلق (Anxiety).
- الوسواس القهري (OCD).
- اضطراب ما بعد الصدمة.
- الاكتئاب.
- اضطرابات النوم.
- الإدمان.
- انفصام الشخصية.
- أنواع الرّهاب المُختلفة (Phobia).
هل يمكن التفريق بين علم النفس والطب النفسي؟
نعم هذا صحيح، الفرق بين علم النفس والطب النفسي كبير، فبالرغم من التشابه بينهما، وبالرغم من اشتراك المُتخصصون في كل من علم النفس والطب النفسي في تشخيص ومُعالجة أغلب أنواع الأمراض العصبية والنفسية، إلاّ أن هُناك فروق بين علم النفس والطب النفسي، وتنعكس هذه الفروق بوضوح على الأشخاص المُتخصصون في كُلٍ منهما. فيما يلي توضيح للفرق بين علم النفس والطب النفسي:
علم النفس | الطب النفسي |
علم قائم بذاته. | أحد تخصصات الطب. |
دراسة التفكير والسلوك والتصرفات والتفاعل مع المؤثرات المُختلفة. | دراسة الطب العام أولًا ثم دراسة الأمراض العقلية والنفسية بدقة كتخصص. |
الشخص المُتخصص أخصائي نفسي وليس طبيب. | الشخص المُتخصص طبيب في المقام الأول، وطبيب نفسي على وجه التحديد. |
الشخص المُتخصص يتولّى علاج الحالات الأقل خُطورة مثل الاكتئاب واضطرابات التعلم وغيرها. | الشخص المُتخصص يتولّى علاج الحالات الأكثر خُطورة وشدة، مثل الاكتئاب الحاد وانفصام الشخصية. |
الشخص المتخصص لا يَصِف الأدوية | يحق للشخص المُتخصص وصف الأدوية، بالإضافة إلى استخدام طُرُق علاجية أخرى. |
جدير بالذكر أن أقوى أشكال التشابه والتداخل بين علم النفس والطب النفسي يظهر في المُمارسة المِهنية للأشخاص المُتخصصون في كُلٍ منهما. وذلك لأنه في أغلب الأمراض النفسية والعصبية، يكون العلاج النفسي جُزء من خُطة العلاج، حيث يتولّى الطبيب النفسي بشكل رئيسي التشخيص ووصف الأدوية ومُتابعة استجابة المريض للأدوية، بينما يقوم بإحالة المريض لأخصائي نفسي، لكي يتولّى مَهمة العلاج النفسي.
اقرأ\ي أيضًا:
هل يمكن علاج الاكتئاب الذهاني؟