تحقيق مسبار
يسمع الكثير من الناس عن مرض الفوبيا أو الرّهاب، ويتساءلون عن ماهية هذا المرض وأعراضه وعن إمكانية علاج الفوبيا بأنواعها.
في هذا المقال سيتم البحث في تعريف مرض الفوبيا (الرّهاب)، وأنواعه، وأعراضه، وطرق تشخيصه، إضافة إلى الإجابة على سؤال هل يمكن علاج الفوبيا بطرق مجربة؟
الفوبيا (الرّهاب)
يُعتبر الرهاب نوعًا من أنواع القلق، وهو عبارة عن خوف شديد ومستمرّ وغير واقعيّ قد يتغلّب عليه الشخص بتجنّب السبب الذي يدفعه للخوف، أو يضطر لمواجهته في مواقف معينة مما يسبب له ضيقًا وقلقًا شديدين.
هذا النوع من القلق والخوف لا يمكن السيطرة عليه، ويمكن أن يسبّب في بعض الأحيان نوبة هلع، وهي حالة مفاجئة لا يسببها خطر حقيقي وتستمرّ لعدة دقائق. وعند الوصول لمرحلة متقدمة من الرهاب يصبح المرض مسيطرًا على الأشخاص، مما يسبّب لهم مشاكل اجتماعيّة وعائليّة ويدفع بهم لتغيير جذريّ في نمط الحياة.
غالبًا ما يبدأ الرهاب بين سنّ 15 وسنّ 20 بنسبٍ متساويٍة بين الإناث والذكور، وقد يبدأ أيضًا في مرحلة الطفولة.
أنواع الفوبيا (الرّهاب)
تتعدد أنواع الرهاب كثيرًا وتختلف من شخص مصاب إلى آخر، فقد تكون بسيطة ومحدودة أو متعددة، لكن توجد ثلاثة أنواع رئيسيّة للرهاب وهي:
- الرهاب البسيط أو المحدّد: يُعتبر النوع الأكثر شيوعًا، ويعتمد على الخوف من حيوانات معينة (كالقطط) أو أشخاص (كالمهرّجين) أو مواقف (كالأماكن المغلقة) أو بيئات معينة (كالمرتفعات).
- اضطراب القلق الاجتماعي: يخشى الشخص في هذه الحالة المواقف الاجتماعيّة ومقابلة الناس خوفًا من الإحراج، أو يخاف من مقابلة عمل أو تقديم حفل موسيقي وغيرها من المواقف التي تجعل المريض محطّ أنظار، ووُجد أن الأطفال الذين لديهم خلفية اجتماعيّة سلبية معرّضين أكثر للإصابة بالرهاب الاجتماعي.
- رهاب الأماكن الخالية: يجد الشخص صعوبة بالغة في البقاء في مكان مغلق كمطعم أو حافلة أو سينما مثلًا، وهؤلاء الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بنوبات الهلع وما يرافقها من تسرّع قلب وتعرّق.
- أنواع أخرى فرعية شائعة للفوبيا (الرّهاب)
حيث أن كثيرًا من الناس يكره مواقف أو أشياء معيّنة تحدث في الحياة اليوميّة ويخاف منها، ومن هذه الأنواع:
- أكروفوبيا: ويعرف برهاب المرتفعات، حيث يتجنب الأشخاص المصابين الذهاب إلى الجبال وصعود المباني العالية، وعند التواجد في مثل هذه الأماكن يشعر الشخص أنه على وشك فقدان الوعي والموت بالإضافة للتعرق والدوار.
- الهيموفوبيا: وهو رهاب الدم أو الإصابة التي ينتج عنها النزف، حيث يحدث الإغماء عند ملامسة الدم أو رؤيته، سواء كان دمه أو دم أشخاص آخرين.
- الساينوفوبيا: وهو الخوف من الكلاب.
- النيكتوفوبيا: يسمى برهاب الليل والأماكن المظلمة، يبدأ كخوف في مرحلة الطفولة وقد يتقدم في سن المراهقة ليعتبر رهابًا.
- أوفيديوفوبيا: وهو الخوف من الأفاعي.
- أراكانوفوبيا: وهو الخوف من العناكب.
- أفيوفوبيا: وهو الخوف من السفر بالطائرة ووسائل الطيران الأخرى.
- دينتوفوبيا: وهو الخوف من طبيب الأسنان بعد المرور بتجربة مؤلمة جدًا في العيادة، ويسبب هذا النوع من الرهاب ضرر على صحّة الأسنان.
مسببات الفوبيا (الرّهاب)
لا يوجد سبب محدّد للرهاب، لكن عمومًا يُعتقد أنه ناتج عن تجربة شخصيّة أو مُكتسبة، وربما تلعب الجينات دورًا في حدوثها، فعلى سبيل المثال يتعلّم الأطفال من ردّات فعل أهاليهم في مواقف معيّنة مما قد يسبب لهم خوفًا وقلقًا تجاه هذه المواقف.
وكذلك قد يتعرّض الشخص لتجربة سيّئة مع حيوان أو موقف معين مما يسبب له رهابًا، إذ توجد بنية في الدماغ تدعى "اللوزة"؛ تسبّب إثارة مشاعر قويّة وردَّ فعل مخيف في كل مرة يواجه فيها الشخصُ المُسبّبَ ذاته وهو مقتنع بأن الخطر أكبر مما هو عليه في الواقع.
وأيضًا قد يكون لرؤية أحداث صادمة ومخيفة جرت على أشخاص أخرين تأثير سلبيّ على الشخص مسبّبًة له أنواعًا من الرهاب المرتبطة بهذه الأحداث.
أعراض الفوبيا (الرّهاب)
قد يبقى الشخص دون أعراض حتى يتعرض للمصدر الذي يسبب له رهابًا، وأحيانًا مجرّد التفكير في السبب يجعله يشعر بالخوف (وهذا يُسمّى القلق الاستباقي)، ويسبّب الرهاب أعراضًا متعددة ومنها:
- الرجفان.
- الغثيان والدوخة.
- التعرّق.
- ضيق في التنفس وزيادة دقّات القلب.
- اضطراب في المعدة.
وتصبح هذه الأعراض شديدة وتؤثّر على حياة الشخص إذا كان يعاني من رهاب معقّد وشديد.
عوامل الخطر للإصابة بالفوبيا (الرّهاب)
يزداد خطر حدوث الرهاب عند الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي له، وأيضًا يكون للعمر والحالة الاجتماعية والاقتصادية دور في حدوث الرهاب.
أما بالنسبة للجنس عمومًا فالاحتمال متساوٍ، لكن تتباين احتمالات الإصابة حسب نوع الرهاب، فمثلًا النساء أكثر عرضة للإصابة برهاب الحيوانات، ويميل الرجال للإصابة برهاب طبيب الأسنان.
تشخيص الفوبيا (الرّهاب)
يوجد العديد من الإجراءات للكشف عن وجود اضطراب الرهاب، حيث يقوم أخصائيّ الصحّة العقليّة بالسؤال عن الأعراض الحاليّة بالإضافة للتاريخ العائلي لمعرفة ما إذا كان هناك خلفيّة وراثيّة للرهاب.
ويسأل الطبيب عن موقف أدّى لخوف شديد، ومن المفيد مشاركة الطبيب بالحديث عن تجربة أو صدمة مؤلمة أدت إلى حدوث الرهاب، كالتعرّض لهجوم كلب شارد وحدوث رهاب الكلاب، والتعبير عن المشاعر والأفكار عند مواجهة سبب الرهاب ووصف الأعراض الجسديّة الحاصلة عندها، فيستطيع الطبيب عندها تحديد نوع الرهاب.
ومن الشائع أيضًا الإصابة بالاكتئاب وتعاطي المخدرات عند مرضى الرهاب؛ فيجب تحرّي علامات ذلك أيضًا.
هل يمكن علاج الفوبيا بطرق مجربة؟
صحيح، يُعتبر الرهاب مرضًا قابلًا للتشخيص ويمكن التغلّب عليه، ويتعامل الطبيب النفسي معه كحالة جديّة تستلزم التشخيص والعلاج، حيثُ يُجري الطبيب فحصًا طبيًّا شاملًا لاستبعاد الأمراض الجسديّة والنفسيّة الأخرى، وعمومًا حتى يحصل المريض على الشفاء يجب الالتزام بعلاج الفوبيا كاملًا وتطبيق تعليمات الطبيب.
علاج الفوبيا (الرّهاب)
يجب على الشخص المصاب بالرهاب فهم طبيعة مرضه والتعايش معه أو التغلب عليه، ويلتمس المرضى تحسنًا كبيرًا في الأعراض عند البدء بالعلاج، ومن العلاجات المستخدمة:
- العلاج النفسي: أثبت علاج الفوبيا بالعلاج النفسي فعاليّته في تحسين حياة المصابين بالرهاب، فهو علاج يعتمد على تلبية الاحتياجات العاطفيّة والتركيز على سلوك المريض وعلاقاته، ويتضمن العلاجَ السلوكيّ المعرفيّ الذي يستند على تغيير الأفكار غير المفيدة، وكذلك العلاج بالتحدث مع الأخصّائي.
- الاستماع الدائم لمخاوف المريض وتقديم المشورات والنصائح: وهو من التقنيات المستخدمة أيضًا، حيث أنه من المفيد إشراك المريض بمناقشات مع مجموعات تعاني من رهاب مماثل.
- العلاج بالأدوية: تساعد الأدويةُ المضادّة للاكتئاب والمهدّئاتُ على علاج الفوبيا (مع التأكيد على عدم استخدامها دون استشارة الطبيب لما لها من تأثيرات جانبيّة وتداخلات دوائيّة كما أنها غير آمنة لدى الحامل).
- متابعة الأمراض الأخرى التي يعاني منها المريض: إضافة إلى إجراء فحوصات دورية للمساعدة على بناء صحّة عقليّة وجسديّة سليمة.
- العلاجات المكمّلة: يمكن علاج الفوبيا عن بعلاجات تختلف عن العلاج الطبي، ومن أنواعها التنويم المغناطيسي واليوغا والتمارين الرياضية والتدليك وغيرها من أساليب الاسترخاء.
استراتيجيات يجب القيام بها لدعم علاج الفوبيا
إن علاج الفوبيا الرئيسيّ والأهم يكون بمواجهتها، فيجب على الشخص مواجهة مخاوفه وعدم تجنبها بل انتهاز أيّ فرصة للقيام بالعمل الذي يؤدّي للرهاب ممّا سيزيد الثقة بالنفس، وكذلك من الضروريّ وجود أشخاص من عائلة مريض الرهاب أو محيط عمله يثق بهم ويشاركهم مخاوفه، وأحيانًا يمكنه الاعتماد عليهم ومصاحبتهم له للأماكن التي لا يشعر بها بالراحة.
وإن لتجنّب الكحول والمخدرات وكذلك الإقلال من النيكوتين والكافيين دورًا إيجابيًّا، فبعض الأشخاص الذين يعانون من الرهاب يجدون راحةً في تناول هذه المواد في مواقف معيّنة، مما قد يسبب إدمانًا ويودي بالشخص إلى أمراض أخرى.