تحقيق مسبار
يحتار الكثيرون سواء من المصابين بالوسواس القهري أم بمن يحيط بهم فيما لو كان الوسواس القهري خطيرًا على المصاب به أو على المحيطين به.
يُعرّف هذا المقال اضطراب الوسواس القهري ويشرح أعراضه وأسبابه وطرق علاجه، كما يجيب على سؤال هل الوسواس القهري خطير؟
الوسواس القهري (Obsessive Compulsive Disorder)
يعتبر اضطراب الوسواس القهري أحد الاضطرابات النفسية والعقلية الأكثر شيوعًا، وتتضمن الإصابة بالوسواس القهري الأفكار المزعجة والوساوس وأفعال جسدية أو ذهنية متكررة. وتظهر الأعراض على الشخص منذ الطفولة أو في مرحلة المراهقة ونادرًا ما يحدث بعد سن الأربعين.
يؤثر اضطراب الوسواس القهري على الأشخاص بشكل مختلف، ولكنه عادةً ما يتسبب في نمط معين من الأفكار والسلوكيات. ويشمل الوسواس القهري على ثلاثة عناصر رئيسية مترابطة ببعضها:
- الوساوس (الهواجس): تعرف الوساوس على أنها أفكار غير مرغوبة وغير محببة، وقد تشتمل تلك الأفكار على صور أو دوافع ملحة متكررة. تسبب تلك الأفكار التوتر والاشمئزاز أو القلق.
- العواطف: تسبب الوساوس والهواجس السلبية المتكررة شعور مهيمن بالضيق الشديد والقلق والتوتر.
- القهرية (الإلزامية): تتصف الأفعال الجسدية والأنشطة الذهنية التي يقوم بها مريض الوسواس القهري بصفة الإلزامية أو القهرية، فهو يقوم بتلك الأفعال نتيجة القلق النفسي الناجم عن الوساوس التي تعاود الظهور بطريقة خارج عن إرادته.
يخفف ممارسة السلوك القهري من القلق مؤقتًا، لكن سرعان ما تبدأ الدورة مرة ثانية وتعاود الوساوس الظهور، فيصيب المريض الإحساس بالقلق ويجد نفسه مكرهًا مرة أخرى على ممارسة السلوك القهري.
أعراض الوسواس القهري وأنواعه
من الصعب حصر أعراض الوسواس القهري وأنواعه لكن من المفيد معرفة أن هناك 4 محاور رئيسية تتفرع منها أنواع وأعراض الوسواس القهري المختلفة.
- هواجس تتعلق بالنظافة والتلوث والخوف من الجراثيم والعدوى، وتترجم إلى سلوك قهري كغسل اليدين بصورة متكررة أو الاستحمام لساعات طويلة.
- هواجس تتعلق بالتناظر وطريقة الترتيب، وتترجم إلى سلوك قهري يتمثل في ترتيب الأشياء والاغراض بطريقة أو تسلسل معين لا يقبل التغيير أبدًا.
- الأفكار المحرمة والممنوعة، كالأفكار المتعلقة بالجنس أو الدين أو أفكار عنيفة لإيذاء الآخرين أو إيذاء الذات.
- هواجس تتعلق بالتكديس، وتترجم إلى حاجة ملحة إلى جمع أو الاحتفاظ ببعض الأشياء.
قد يظهر الوسواس القهري عند بعض الأشخاص على شكل حكة متكررة للأنف أو إغماض العين بوتيرة معينة أثناء الكلام أو استخدام لازمة لفظية طوال فترة الحديث. كما أن بعض الحالات مثلًا تتجاوز حدود الحركات الجسدية فيقوم بعض مرضى الوسواس القهري بالتأكد من إغلاق الأبواب والشبابيك بصورة مستمرة.
كما أنّ مريض الوسواس القهري لا يستطيع أن يسيطر على هذا السلوك والأفكار، لذلك فهي تسمّى قهرية، كما أن المريض يقضي ما لا يقل عن ساعة على الأقل يوميًا في ممارسة تلك الأفكار أو السلوكيات القهرية. علاوةً على ذلك، فإن المريض لا يشعر بأي بهجة أو متعة بعد ممارسة هذا السلوك، إنما يشعر بارتياح بسيط لفترة وجيزة جدًا قبل أن تبدأ دورة الهواجس مرة أخرى.
أسباب الوسواس القهري
لم يستطع المختصون إلى يومنا هذا حصر الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالوسواس القهري، لكن هناك بعض العوامل التي من شأنها رفع فرص الإصابة به، تاليًا أبرز تلك العوامل مع التذكير أن وجودها لا يعني حتميًا الإصابة بالوسواس القهري.
- عوامل وراثية: 50% من الحالات المصابة بالوسواس القهري هي حالات تنتقل بالوراثة، وتزيد فرص الإصابة بها كلما كان المصاب الموجود في العائلة أقرب إلى الشخص كالأم أو الأب أو الأعمام والأخوال. كذلك من المهم معرفة أن بعض العائلات قد تسهم في تشكيل الوسواس القهري لدى أبناءها عن طريق ممارسة آليات تأقلم غير صحية من الوالدين أثناء المواقف الصعبة.
- الجنس (ذكر أم أنثى): قد يكون الذكور معرضين للإصابة بالوسواس القهري أكثر من الإناث في مرحلة الطفولة. أما في مرحلة البلوغ فإن فرص الإصابة بالوسواس القهري متساوية لدى الذكور والإناث على حد سواء. ومن الملاحظ أيضًا أن أنواع الوسواس القهري تُحكم بالجنس إلى حد ما، فالرجال غالبًا ما يصابون بأنواع الوسواس القهري المتعلقة بالتناظر والترتيب والجنس، أما النساء فهم عرضة أكثر للإصابة بالوسواس القهري المتعلق بالتلوث والتنظيف.
- تركيبة الدماغ: رصدت دراسة مجموعة متنوعة من التغيرات الوظيفية والهيكلية في دماغ مرضى الوسواس القهري، والتي قد تكون عاملًا معززًا لفرص الإصابة باضطراب الوسواس القهري. لكن الدراسة خلصت إلى إن المزيد من الدراسات والبحوث المستقبلية في هذا المجال لا تزال مطلوبة لفهم الفيزيولوجيا المرضية للمرض بشكل كامل، ولا يمكن تعميم نتائج الدراسة على جميع المرضى المصابين بالوسواس القهري.
- الصفات الشخصية: تساهم خصائص شخصية معينة في رفع فرص الإصابة بالوسواس القهري، فمثلًأ يعتقد أن الأشخاص ذوي الطبيعة العصبية معرضين أكثر للإصابة.
- الأمراض العقلية: وجود مرض عقلي مثل اضطراب القلق العام يعتبر عامل خطورة قد يرفع من فرص الإصابة بالوسواس القهري. كذلك فإن الإصابة بالوسواس القهري ذاته قد يكون عامل خطر للإصابة بأمراض عقلية أخرى، فالعلاقة والتداخل بين هذه الأمراض معقد للغاية.
تشخيص الوسواس القهري
لا بد من زيارة الطبيب لتشخيص مرض الوسواس القهري، فلا يكفي أن تراود الشخص أفكار ملحة بين الحين والآخر ليُشخّص بالوسواس القهري، ويكون تشخيص الطبيب بإجراء الفحوصات التالية:
- فحص جسدي.
- اختبارات الدم.
- التحدث بعمق مع المريض عن طبيعة الأفكار والمشاعر التي تراوده.
علاج الوسواس القهري
لا يوجد علاج لاضطراب الوسواس القهري. ولكن قد يطور المريض قدرة على إدارة تأثير أعراض الوسواس القهري على حياته من خلال الأدوية أو العلاج النفسي أو الاثنين معًا. تاليًا أبرز طرق علاج الوسواس القهري:
- العلاج النفسي: من الممكن أن يساعد العلاج السلوكي في تغيير أنماط تفكير المريض من خلال نموذج علاجي يسمى (التعرض ومنع الاستجابة). يضع الطبيب المعالج المريض في مواقف تهدف إلى إثارة السلوك القهري لديه ليساعد المريض بعد ذلك على كيفية تقليل الأفكار والأفعال المتعلقة بالوسواس القهري ثم إيقافها.
- العقاقير الطبية: تساعد الأدوية النفسية التي تسمى مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية العديد من الأشخاص في السيطرة على الوساوس والأفعال القهرية. قد يستغرق الأمر من 2 إلى 4 أشهر ليظهر أثر العقاقير على المريض.
- التعديل العصبي بالكهرباء: ينصح الطبيب المعالج أحيانًا في حالات نادرة باللجوء إلى علاج التعديل العصبي. ويشمل العلاج على استخدام الأجهزة التي تغير النشاط الكهربائي في منطقة معينة من دماغ المريض، ويحدث الإجراء هذا إما بالتحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة وهو معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لعلاج الوسواس القهري، أو اعتماد إجراء أكثر تعقيدًا وهو التحفيز العميق للدماغ عن طريق استخدام أقطاب كهربائية تزرع في رأس المريض.
هل الوسواس القهري خطير؟
الوسواس القهري ليس خطيرًا ويمكن السيطرة عليه بطرق علاجية مختلفة، لكن من الممكن أن يصبح الوسواس القهري خطيرًا إذا ما ترافق مع الاكتئاب الحاد، وقد يدفع الاكتئاب الحاد مريض الوسواس القهري إلى الانتحار. كما أنّه من الممكن أن يكون الوسواس القهري سببًا للإصابة بأمراض عقلية خطرة واختلالات نفسية أخرى، تاليًا أبرزها:
- الاكتئاب الحاد: وهو حالة من الحزن الشديد واليأس وفقدان الرغبة في الاستمرار بالعيش الذي يمتد على مراحل زمنية طويلة.
- اضطرابات الأكل: تظهر تلك الاضطرابات على شكل سلوك غير طبيعي تجاه الطعام، فإما يمتنع المريض عن الطعام أو يفرط في تناوله.
- اضطرابات القلق والتوتر: يصيب المريض الهلع والخوف من عدة مواضيع ومواقف عامة غير مرتبطة، ويتفاعل مع هذه المخاوف بطريقة غير عقلانية.