تحقيق مسبار
يراود سؤال هل تلوث البيئة خطير أذهان الكثيرين، وكذلك إذا ما كان تلوث البيئة خطيرًا لدرجة تستدعي القلق، خصوصًا في ظل الحديث عن ظاهرة التغيّر المناخي. فما هو تلوث البيئة؟ وما هي أنواعه؟ وما علاقة تلوث البيئة بالتغيّر المناخي؟ وهل تلوث البيئة خطير؟
يُقدم هذا المقال المعلومات اللازمة للإجابة على هذه الأسئلة.
ما هو تلوث البيئة؟
تُشير كلمة تلوث البيئة بشكلٍ رئيسي إلى عملية إنتاج عدد من المواد والمُخلفات والتي يُشار إليها بكلمة مُلوِثات، ثم إدخالها أو مُخالطتها لأي عُنصر من عناصر النظام البيئي، أي الهواء والتُربة والمُسطحات المائية. والمُلوثات عادةً تكون في صورة مواد كيميائية أو مُخلفات صلبة، إلاّ أن مفهوم تلوث البيئة ومُلوثات البيئة قد يتسع ليشمل أشياء غير محسوسة مثل الحرارة والضوضاء، طالما أنها تُؤثر على جودة النظام البيئي ولها انعكاسات مباشرة على الكائنات الحية التي تعيش فيه.
يُمكن لِمُلوثات البيئة أن تكون مواد ناتجة عن ظواهر طبيعية مثل الرماد البركاني، إلاّ أنها في أغلب الحالات تكون مواد ناتجة عن مُختلف الأنشطة البشرية، وخاصة تلك المُرتبطة بمظاهر الحياة الحديثة، مثل عوادم السيارات ودُخان المصانع، والمُنتجات الثانوية التي تنتج من عمليات التصنيع المُختلفة، أو المُلوثات الناتجة عن حرق الوقود بهدف توليد الكهرباء، وكذلك المُبيدات الحشرية ومُبيدات الأعشاب الضارة التي تُستخدم في المزارع، والتي تتسرب إلى التربة بشكل مُباشر وغيرها.
وعلى الرغم من أن تلوث البيئة يحدث بشكل رئيسي في المُدن والمُدن الكُبرى تحديدًا والمناطق المأهولة بالسُكان، إلاّ أن الآثار المُترتبة على تلوث البيئة تمتد إلى المناطق الريفية، بل وحتى المناطق المعزولة من الكوكب والتي تخلو من السُكان، وذلك لأن النظام البيئي لكوكب الأرض ككل مُترابط، وبالتالي يُمكن للملوثات أن تنتقل عبر النظام البيئي من مكان إنتاجها أو دخولها إلى النظام البيئي، إلى أماكن بعيدة جدًا عن مكانها الأصلي.
ما هي أنواع تلوث البيئة؟
بِحسب ما يُورده الموقع الرسمي لبرنامج الأمم المتحدة البيئي، هُناك أربعة أنواعٍ رئيسية لتلوث البيئة، هذه الأنواع هي:
- تلوث الهواء: يُعتبر تلوث الهواء أخطر المشاكل البيئية المُعاصرة، ويتسبب سنويًا في وفاة حوالي 7 ملايين شخص حول العالم. وذلك لأن مُلوثات الهواء تُؤدي إلى الإصابة بالعديد من الأمراض والمشاكل الصحية، مثل السكتة الدماغية وسرطان الرئة وأمراض الجهاز التنفسي المُزمنة. وتُعد عوادم السيارات ودخان المصانع، بالإضافة إلى محطات توليد الكهرباء التي تعتمد على الفحم كوقود، من أهم مصادر مُلوثات الهواء.
- تلوث المياه العذبة: يُقدر حجم المُخلفات البشرية التي يتم التخلص منها عن طريق إلقائها في مجاري المياه العذبة كالأنهار، بحوالي 2 مليار طن سنويًا. وهو أمر يُؤدي إلى ارتفاع مُعدلات الإصابة بالأمراض الناجمة عن تلوث المياه وخصوصًا بين الأطفال. حيث يُقدر عدد وفيات الأطفال الناتجة عن أمراض مُرتبطة بتلوث المياه بحوالي 4000 طفل يوميًا. جدير بالذكر أن أبرز مصادر تلوث المياه العذبة تشمل الصناعات الثقيلة ونُفايات المُدن وكذلك المياه العادمة.
- تلوث التربة: تتسبب الحوادث الصناعية الكُبرى وكذلك التعامل مع النُفايات الصناعية بشكل غير صحيح في تسرب المواد الكيميائية وغيرها من الملوثات إلى التربة، وخصوصًا في قطاع صناعات التعدين واستخراج النفط. ويُؤدي هذا الأمر بدوره إلى العديد من الآثار السلبية على النظام البيئي، كما أن له مخاطر صحية مباشرة على صحة الإنسان، وذلك لأن النباتات وتحديدًا المحاصيل الزراعية الغذائية، تمتص هذه المُلوثات السامة من التربة، ويُصبح تناول هذه المحاصيل أمر يُشكل خطر على صحة من يتناولها.
- تلوث البحار والشواطئ: تلوث البحار والشواطئ هو أيضًا أحد أنواع تلوث البيئة التي يتسبب بها الإنسان، وذلك من خلال إلقاء النفايات وخاصةً النفايات البلاستيكية في البحار، سواء بشكل مُتعمد أو بشكل غير مُتعمد، فقد تصل مثل هذه المُخلفات و الأجسام الصلبة إلى البحر نتيجة العواصف الشديدة والأعاصير التي تجرف الكثير من المُخلفات الصلبة إلى البحار والمحيطات. ويُقدر حجم النفايات البلاستيكية التي يتم إلقائها في البحار والمُحيطات بحوالي 8 ملايين طن سنويًا. وقد ثَبُت أن لهذه المخلفات آثار سلبية على النظام البيئي والحياة البحرية، كما أن جُزيئات البلاستيك مُتناهية الصِغر قد تصل إلى جسم الإنسان من خلال الغذاء، وذلك لأن الأسماك والكائنات البحرية الأخرى التي تُعد مصدر رئيسي للغذاء بالنسبة للإنسان، تتناول مثل هذه النفايات عن طريق الخطأ.
هل تلوث البيئة خطير؟
نعم بكل تأكيد، تلوث البيئة خطير بالفعل. فقد ثَبُت علميًا أن هُناك العديد من المخاطر والأضرار التي يتسبب بها تلوث البيئة، من أبرزها الأضرار التي تلحق بالنظام البيئي لكوكب الأرض، وبالتالي تنعكس سلبًا على جميع الكائنات الحية، وكذلك الأضرار التي تلحق بصحة جسم الإنسان بشكلٍ خاص.
أضرار ومخاطر تلوث البيئة
فيما يلي عدد من أبرز الأضرار والمخاطر التي يتسبب بها تلوث البيئة:
أولًا: مخاطر تلوث البيئة على النظام البيئي
- الأمطار الحِمضية: وهي الأمطار التي تحتوي على تركيز عالي من أحماض النتريك (Nitric Acid) وأحماض الكبريتيك (Sulfuric acid). وتحدث هذه الظاهرة كنتيجة مباشرة للانبعاثات الناتجة عن استخدام الوقود الأحفوري. وتُلحق الأمطار الحمضية الضرر بالغطاء النباتي كما أنها تُؤدي إلى اختلال مُؤشر الحامضية للماء والتربة.
- الإضرار بطبقة الأوزون: طبقة الأوزون هي إحدى طبقات الغلاف الجوي لكوكب الأرض، والتي تعمل على حماية البيئة والكائنات الحية من أشعة الشمس الضارة. ويُعتبر تلوث الهواء بأنواع مُعينة من المواد الكيميائية المُستخدمة في الصناعة وعلى رأسها الهيدرو كلوروفلوروكربونات (Hydro chlorofluorocarbons) من أهم العوامل التي تُلحق الضرر بطبقة الأوزون.
- الاحتباس الحراري والتغير المناخي: الغازات المُنبعثة كنتيجة لاستخدام الوقود الأحفوري، وكذلك غاز الميثان الذي تُساهم في إنتاجه مزارع تربية المواشي، تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل عام والتسبب في ظواهر التغير المناخي، مثل موجات الحرارة المرتفعة والجفاف، وارتفاع مُستوى سطح البحر، وكذلك تغير درجة حرارة المحيطات والبحار وغيرها. جميع هذه الظواهر لها تأثير مُباشر على جميع الكائنات الحية وعلى النظام البيئي بأكمله.
ثانيًا: مخاطر تلوث البيئة على جسم الانسان
- الأمراض الناتجة عن تلوث الهواء: وتشمل عددًا من الأمراض مثل حساسية العين والأنف والربو،ومرض انسداد الرئة المزمن وسرطان الرئة والكبد، وكذلك أمراض القلب، بالإضافة إلى التسبب في ولادة أجنة مُشوهة والوفاة المُبكرة.
- الأمراض الناتجة عن تلوث الماء: هُناك الكثير من الأمراض والمخاطر الصحية الناتجة عن تلوث المياه، سواء كانت المياه العذبة أو مياه الشواطئ، من بينها الإسهال والتيفوئيد وداء الصّفر والتهاب الدماغ والتهابات الجهاز التنفسي والتهاب الكبد الوبائي، بالإضافة إلى إلحاق الضرر بعدد من أعضاء وأجهزة الجسم من بينها الكبد والكِلى والجهاز المناعي والجهاز التناسلي والجهاز العصبي والغدد الصمّاء وغيرها.
- الأمراض الناتجة عن تلوث التُربة: وتشمل بعض الأعراض الطارئة التي تدوم لوقت قصير نسبيًا مثل الصداع والقيء والوَهَن العام و حساسية العين والطفح الجلدي، بالإضافة إلى عدد من الأمراض المُزمنة الخطيرة مثل اللوكيميا وتلف الكبد وتلف الكِلى وغيرها.
اقرأ/ي أيضًا: