تحقيق مسبار
مع تصاعد الوعي المجتمعي حول مواضيع الصحة النفسية والعقلية، يبحث الكثيرون لمعرفة فيما لو كان هناك إمكانية لعلاج الشيزوفرينيا بشكل ناجح.
يتناول هذا المقال مرض الشيزوفرينيا ويشرح أعراضه وأسبابه، ويجيب على سؤال إمكانية علاج الشيزوفرينيا بشكل ناجح، ويستعرض مجموعة من طرق علاج الشيزوفرينيا، وفي النهاية يصحح بعض المعلومات المغلوطة التي يتم تداولها حول مرض الشيزوفرينيا.
مرض الشيزوفرينيا
تعرف الشيزوفرينيا أو الفصام على أنها حالة صحية عقلية تبدأ أعراضها بالظهور عادة في أواخر مرحلة المراهقة أو بداية مرحلة الشباب. يمتد تأثير أعراض الشيزوفرينيا ليشمل جميع مجالات الحياة الشخصية والاجتماعية للمريض، وتؤثر الشيزوفرينيا على طريقة الكلام والتفكير والعواطف وغيرها، كما أنها تؤثر على شعور المريض بالواقع من حوله.
في الغالب تظهر أعراض الشيزوفرينيا الأبرز في أواخر مرحلة المراهقة وحتى أواخر الثلاثينات، لكنها تظهر في العادة على الذكور في مراحل أبكر من ذلك. كما أنّ بعض حالات الشيزوفرينيا تظهر على شكل سلوكيات غير طبيعية في مراحل الطفولة المبكرة، وتتطور بعد ذلك إلى شيزوفرينيا مثالية عند دخول مرحلة البلوغ، وفي حالات أخرى تبدأ الأعراض بالظهور فجأة وبدون أي تمهيد.
وتعتبر الشيزوفرينيا مرضًا نادرًا يصيب نسبة ضئيلة من السكان لا تتجاوز 1%، لكن له تأثير كبير على المصاب وعلى المجتمع المحيط به على حد سواء.
أعراض الشيزوفرينيا
تختلف أعراض الشيزوفرينيا من مريض إلى آخر ومن مرحلة إلى أخرى. تاليًا أبرز أعراض مرض الشيزوفرينيا:
- أعراض سلبية وإيجابية: يطلق على العارض لفظ إيجابي أو سلبي حسب زيادة أو نقصان نشاط مناطق معينة من الدماغ. فالأعراض الإيجابية هي التي تحصل نتيجة زيادة في نشاط منطقة في الدماغ، أما الأعراض السلبية تظهر نتيجة نقصان النشاط في مناطق أخرى في الدماغ. تتمثل الأعراض الإيجابية في الهلوسة والأوهام التي تظهر على المريض، فيتخيل أنه رئيس دولة معينة مثلًا، أما الأعراض السلبية فتتمثل في عدم القدرة على الإحساس بالفرح وفقدان الرغبة في المشاركة بأي نشاط اجتماعي، كذلك عدم القدرة على التعاطف أو التعبير عن أي نوع من المشاعر. وفي أغلب الأحيان تستجيب الأعراض الإيجابية كالهلوسة والأوهام لأدوية الشيزوفرينيا، على عكس الأعراض السلبية التي لا تستجيب للأدوية والعقاقير الطبية.
- أعراض سلوكية: يواجه مريض الشيزوفرينيا تحديات في إنشاء علاقات صحية مع الآخرين سواء في العمل أو في الدائرة الاجتماعية الأقرب المتمثلة في الأسرة والمعارف، كذلك فإن المريض يكون غير قادر على التفاعل مع مشاعره أو فهما. وفي العادة لا يعتبر مرضى الفصام أشخاص عنيفين، لكن قد يقوم مريض الشيزوفرينيا بإظهار شيء من العنف في سلوكه مع الآخرين، وقد يؤدي استخدام المخدرات إلى نشوء السلوك العدواني والعنيف عند المرضى.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مريض الشيزوفرينيا يعجز عن الاعتناء بنفسه ومظهره العام، فيواجه المصاب صعوبة في أداء أبسط المهام مثل ارتداء الملابس الملائمة أو الحلاقة والعناية بالنظافة الشخصية، ويؤثر هذا العارض على شعور المريض بالاستقلالية والاعتماد على نفسه على المدى البعيد.
- أعراض معرفية: هي الأعراض المتعلقة بالذاكرة والتفكير، وتعتبر الأصعب في التمييز والاكتشاف لأنها تختلط مع أعراض حالات وأمراض أخرى. تشمل تلك الأعراض على سبيل المثال صعوبة في التركيز وسرعة في تشتت الانتباه، كذلك صعوبة في فهم واسترجاع المعلومات وصعوبات في التعلم. كما قد يواجه المريض أيضًا صعوبات في اتخاذ القرارات.
أسباب مرض الشيزوفرينيا
لا تزال الأسباب الدقيقة للإصابة بمرض الشيزوفرينيا أو الفصام غير معروفة على وجه الدقة. ويشير الباحثون والأخصائيون إلى أن مجموعة من العوامل الجسدية والوراثية والنفسية والبيئية يمكن أن تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالشيزوفرينيا من غيرهم. تاليًا أهم العوامل التي ترفع نسب الخطورة وتزيد فرص الإصابة:
- عوامل وراثية: يمكن أن تنتقل الشيزوفرينيا أو الفصام في العائلة الواحدة. ومن المرجح أنّ مجموعات مختلفة من الجينات تجعل الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالفصام، مع ذلك فإن امتلاك الجينات لا يعني بالضرورة الإصابة بأعراض المرض.
- تركيبة الدماغ: يشير الأخصائيون إلى أن ثمة اختلاف طفيف في تركيبة الدماغ بالنسبة للأشخاص المصابين بالشيزوفرينيا. تلك الاختلافات في التركيبة والتطور قد لا تظهر على كل المصابين بالشيزوفرينيا، لكنها تزيد من فرص الإصابة بالشيزوفرينيا.
- خلل في عمل النواقل العصبية: تُعَرف النواقل العصبية (الدوبامين والسيروتونين) على أنها مواد كيميائية تنقل الرسائل بين خلايا الدماغ. إن عدم التوازن في النواقل العصبية قد يكون عاملًا في الإصابة بالشيزوفرينيا، كذلك فإن التغيير في حساسية الجسم تجاه الناقلات العصبية هو أحد العوامل التي ترفع فرص الإصابة بالشيزوفرينيا. إضافة إلى ذلك، الأدوية التي تعمل على تغيير مستويات النواقل العصبية في الدماغ تستطيع تخفيف بعض أعراض الشيزوفرينيا أو الفصام.
- مضاعفات أثناء الولادة: من المعتقد أن تعرض المواليد لمضاعفات مثل انخفاض الوزن عند الولادة والولادة المبكرة ونقص الأوكسجين أثناء الولادة قد يكون لها تأثيرًا على الدماغ، وبالتالي قد تُعزز فرص الإصابة بالشيزوفرينيا في المستقبل، لكن هذا لا يعني أن جميع المواليد الذين مروا بجميع أو أحد تلك المضافات سيصابون حتمًا بالمرض.
بالإضافة إلى ما ذكر أعلاه، هناك بعض المحفزات التي تُعجل الإصابة بالشيزوفرينيا للأشخاص الذين تتوافر لديهم جميع أو أحد أسباب الإصابة بالشيزوفرينيا المذكورة أعلاه. تاليًا أبرز تلك المحفزات:
- الضغوط النفسية: ويقصد بها الآلام النفسية وحالات الحزن الشديد المصاحبة للمشاكل العاطفية أو موت شخص قريب والبطالة أو التعرض للاضطهاد النفسي والجسدي.
- تعاطي المخدرات والكحول: قد تؤدي بعض الأدوية خاصة القنب (الحشيش) أو الكوكايين أو الأمفيتامينات إلى ظهور أعراض الشيزوفرينيا لدى الأشخاص المعرضين للإصابة.
هل هناك علاج ناجح للشيزوفرينيا؟
لا يوجد علاج نهائي ناجح للشيزوفرينيا، إنما يوجد طرق لإدارة أعراض المرض فقط في الوقت الحالي. يتم علاج الشيزوفرينيا وإدارة أعراض المرض عن طريق الأدوية والعلاج النفسي والسلوكي. ويؤكد الأخصائيون في هذا المجال دائمًا على ضرورة الحصول على العلاجات فور تشخيص المرض، إذ كلما كان العلاج في وقت مبكر كلما كانت النتائج أكثر فاعلية، وبفضل الطرق المستخدمة في علاج الشيزوفرينيا يستطيع العديد من المصابين أن يتعافوا إلى درجة تمكنهم من عيش حياة شبه طبيعية مع المجتمع المحيط بهم.
طرق علاج الشيزوفرينيا
تاليًا أنواع علاج الشيزوفرينيا المتبعة لإدارة أعراض المرض:
- العقاقير الطبية: يوصى عادةً باستخدام مضادات الذهان كعلاج أولي لأعراض نوبة الفصام الحادة. وتعمل هذه الأدوية عن طريق منع تأثير مادة الدوبامين الكيميائية على الدماغ. ويمكن لهذه الأدوية أن تقلل من مشاعر القلق أو العدوانية في غضون ساعات قليلة من الاستخدام، لكن في المقابل قد تستغرق عدة أيام أو أسابيع لتقليل الأعراض الأخرى مثل الهلوسة أو الأفكار الوهمية.
- العلاج النفسي: العلاج النفسي أحد الطرق المستخدمة في علاج الشيزوفرينيا، حيث يساعد العلاج النفسي المريض في التعامل مع أعراض الهلوسة أو الأوهام بشكل أفضل، كما يمكن العلاج النفسي المريض من التعامل بعض الأعراض السلبية لمرض الشيزوفرينيا مثل اللامبالاة أو قلة الاستمتاع وفقدان الاهتمام والحافز للاستمرار.
- العلاج السلوكي المعرفي: يهدف هذا النوع من علاج الشيزوفرينيا إلى المساعدة في تحديد أنماط التفكير التي تسبب المشاعر والسلوك غير المرغوب فيه واستبدال هذا التفكير بطريقة تفكير أكثر واقعية ومفيدة. على سبيل المثال قد يتم تدريب المريض على التعرف على أنواع التفكير الوهمي وكيفية ضبط الذات وطريقة التصرف مع هذه الأفكار. ويحتاج معظم المرضى إلى سلسلة من جلسات العلاج المعرفي السلوكي على مدار عدة أشهر.
- العلاج الأسري: يعتمد الكثير من المصابين بالشيزوفرينيا على أفراد الأسرة لرعايتهم ودعمهم. وعلى الرغم من استعداد أكثر الأُسر لمساعدة المريض، إلا أن حالة المريض قد تفرض ضغوطًا وتحديات على حياة الأسرة. لذلك يهدف العلاج الأسري إلى تأهيل الأسرة لتقديم الرعاية المناسبة والدعم للمريض التشخيص.
- العلاج عن طريق الفن: يعزز هذا النوع من علاجات الشيزوفرينيا التعبير الإبداعي لدى مريض الشيزوفرينيا. ويجد بعض الأخصائيون في هذا النوع من العلاجات أن التعبير عن الأشياء بطريقة غير لفظية من خلال الفنون يمكن أن يوفر تجربة جديدة للمرضى ويساعدهم على تطوير طرق جديدة للتواصل مع الآخرين.
أبرز المعلومات المغلوطة عن الشيزوفرينيا
يوجد جملة من المعلومات المغلوطة عن مرض الشيزوفرينيا يتداولها الناس دون الاستناد إلى دليل علمي، أحد أسباب انتشار هذه المعلومات المغلوطة هو الجهل بالمرض والعدد الضئيل من المصابين به حيث أنّ أغلب الناس يجهلون طريقة التعامل مع المصابين كونه مرض غير شائع. بالإضافة إلى ذلك، فإن الوصمة الاجتماعية التي يسببها المرض تدفع المرضى إلى عدم الانفتاح أو الحديث عن المرض بسهولة.
- الانفصام يعني تعدد الشخصيات: أحد أبرز المعلومات المغلوطة حول الشيزوفرينيا هو أنه يتسبب في تعدد الشخصيات أو الانقسام في الشخصية الواحدة. قد يعتقد الناس أن الشخص المصاب بالشيزوفرينيا يتصرف كما لو كان لديه هويتان منفصلتان أو أكثر.
والحقيقة هي أن أبرز الخصائص الرئيسية لمرض الشيزوفرينيا هي الاضطرابات في عمليات تفكير الشخص زحصول الهلوسة أو الأوهام، ومع ذلك فإن هذه الحالة لا تسبب انقسامًا في الشخصية، فتلك حالة منفصلة تُعرف باسم اضطراب الشخصية الانفصامية.
- مرضى الشيزوفرينيا لا يستطيعون الحصول على عمل: يوجد شائعة مغلوطة أن مرضى الشيزوفرينيا عاجزين عن تأدية أعمال أو البقاء في وظائف ثابتة.
والحقيقة مختلفة تمامًا، مرضى الشيزوفرينيا قادرين تمامًا على العمل، خاصة الفئة التي تستجيب للعلاج والقادرة على التمتع بالاستقلال والعمل.
- مرضى الشيزوفرينيا أشخاص عنيفين: تقضي هذه المعلومة المغلوطة أن مرضى الشيزوفرينيا أشخاص يتسمون بالعنف.
والحقيقة على العكس تمامًا، مرضى الشيزوفرينيا هم أكثر عرضة لأن يكونوا ضحية للعنف وليس العكس.
- مريض الشيزوفرينيا يمتاز بمزاج حاد ومتقلب: تدعي المعلومة أن مزاج مريض الشيزوفرينيا يتغير دراماتيكيًا في غضون دقائق.
والحقيقة أن التغيير الدراماتيكي المفاجئ في الشخصية لدى المصابين بالشيزوفرينيا ليست الحالة الاعتيادية والطبيعية للمريض ونادرًا ما تحدث، حيث يستغرق التحول في شخصية المريض وقتًا طويلًا ويمر بعدة مراحل. المرحلة الأولى تبدأ عندما يتبلد إحساس المريض فيعجز عن الشعور والتفاعل مع من حوله، ومن ثم يبدأ بالانعزال عن المجتمع وبعدها يبدأ بالانفصال عن الواقع ويشهد نوبات من الذهان والهلوسة والأفكار الغير واقعية.
- مرضى الشيزوفرينيا لا يعيشون مع عوائلهم: يعتقد الكثير من الناس أن مرضى الشيزوفرينيا يعيشون دائمًا في مستشفيات الأمراض العقلية والنفسية.
والحقيقة أن المرضى القادرين على إدارة الأعراض والذين يتلقون العلاج بانتظام يعيشون مع عوائلهم حياةً هادئةً ومستقرةً أو منفردين أو في بيوت جماعية، فلا يوجد نمط يحدد طريقة عيشهم.