تحقيق مسبار
ما هي البيدوفيليا؟ من هو الشخص البيدوفيلي؟ هل البيدوفيليا مرض؟ كيف يُمكن مُعالجة هذه المشكلة وحماية الضحايا المُحتملين منها؟ تُثير كلمة بيدوفيليا لدى سامعيها العديد من الأسئلة مثل الأسئلة سابقة الذكر، تمامًا كما أنها تُثير لدى سماعها الكثير من المشاعر السلبية كالغضب والكراهية وحتى الاشمئزاز تجاه الشخص البيدوفيلي، إذ تُعد جرائم الاعتداءات المُرتبطة بالبيدوفيليا من أبشع الجرائم التي يُمكن أن تُرتكب في مُجتمعٍ ما.
يستعرض هذا المقال المعلومات اللازمة للإجابة على عدد من الأسئلة حول البيدوفيليا مثل الأسئلة المذكورة أعلاه وعلى رأسها: هل البيدوفيليا مرض؟
ما هي البيدوفيليا؟
يُعتبر تعريف البيدوفيليا من الأمور المُعقدة نسبيًا، إلاّ أنه وبشكل عام تُعرّف البيدوفيليا على أنها الشعور بالاستثارة الجنسية والانجذاب جنسيًا بشكل دائم ومتُكرر تجاه الأطفال دون سن البلوغ. وهي أحد أنواع الانحرافات السلوكية الجنسية (البارافيليا). تُستخدم كلمة البارافيليا للتعبير عن مجموعة من الانحرافات السلوكية الجنسية التي تُخالف الانجذاب الجنسي الطبيعي لدى البالغين. ويعتمد تعريف البيدوفيليا بشكل رئيسي على عُمر الشخص البيدوفيلي، وكذلك عُمر الأطفال الذين ينجذب إليهم، وهو أمر يجعل تعريف البيدوفيليا من الناحية القانونية تحديدًا أمراً مُعقدًا، فبالرغم من وجود اتفاق عام على تعريف البيدوفيليا إلّا أن تحديد حالات البيدوفيليا بدقة باستخدام الأرقام للتعبير عن أعمار كُل من البيدوفيلي والأطفال الذين ينجذب إليهم جنسيًا، أمر يختلف اعتمادًا على عدة مُتغيرات.
من الناحية العلمية يتم تعريف السلوك الجنسي لشخصٍ ما على أنه بيدوفيليا إذا كان يبلغ من العمر 16 سنة فما فوق، ويزيد عُمره بخمس سنوات أو أكثر عن الأطفال الذين ينجذب إليهم جنسيًا. أمّا من الناحية القانونية، فهُناك اختلافات من بلد لآخر، على سبيل المثال، في الولايات المتحدة الأمريكية، تُعتبر العلاقة الجنسية اغتصابًا من الناحية القانونية، إذا كان أحد طرفي العلاقة يبلغ من العمر 18 عامًا فما فوق، بينما الطرف الآخر يبلغ من العمر 16 عامًا أو أقل.
من هو الشخص البيدوفيلي؟
بشكل عام يمكن تعريف الشخص البيدوفيلي على أنّه الشخص الذي ينطبق عليه تعريف البيدوفيليا من الناحية العلمية، ولكن ليس بالضرورة من الناحية القانونية. كما أن الأشخاص الذين تمت إدانتهم بارتكاب اعتداءات جنسية بحق الأطفال ليسوا بالضرورة بيدوفيليين من الناحية العلمية. ويرى الباحثون أن هُناك عددًا من العوائق التي تُواجه الدراسات والأبحاث العلمية حول البيدوفيليا والشخص البيدوفيلي.
بالرغم من ذلك، تُشير الأبحاث إلى بعض الخصائص والصفات المُميزة لحالات البيدوفيليا وهي:
- البيدوفيليا أكثر شيوعًا لدى الرجال، وتتفق أغلب الإحصائيات على أن الغالبية العُظمى (أكثر من 90%) من البيدوفيليين رجالًا وليسوا نساء. وعلى سبيل المثال، تُشير السجلات القانونية لولاية نيويورك إلى أن 98% من مُرتكبي الاعتداءات الجنسية هُم رجال.
- الشخص البيدوفيلي عادةً ما يكون مُصابًا بأنواع أخرى من الانحرافات السلوكية الجنسية، مثل الساديّة وحُب التعرّي أمام الغُرباء (Exhibitionism)، كما أظهرت إحدى الدراسات أن الأشخاص البيدوفيليين تظهر لديهم أعراض اضطرابات نفسية وعصبية أخرى مثل النرجسية واضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع.
- ليس كُل من يقوم بالاعتداء جنسيًا على طفل هو بيدوفيلي من الناحية العلمية، إذ تُشير الدراسات التي أُجرِيت على هؤلاء الأشخاص إلى أسباب أخرى لمثل هذه الاعتداءات، من بينها أن يُقدم الشخص المُدان على هذا الفعل تحت تأثير المشروبات الكحولية أو المُخدرات.
- قد ينجذب الشخص البيدوفيلي جنسيًا إلى الأطفال من كِلا الجنسين، كما قد يكون انجذابه جنسيًا للأطفال مُوجهًا إلى الأطفال الذكور أو الأطفال الإناث فقط. وقد ينجذب الشخص البيدوفيلي جنسيًا للأطفال فقط، أو أن يُكون مُيوله الجنسي موجه للأطفال وللبالغين أيضًا.
- في دراسة أخرى، أظهرت الاختبارات والفُحوصات الطبية أن الشخص البيدوفيلي عادةً ما يكون لديه مُعدل ذكاء (IQ) أقل من المتوسط العام، بالإضافة إلى وجود اضطرابات في مناطق مُعينة من الدماغ، وهي المناطق الجبهية الصدغية (Frontotemporal Regions) وكذلك اللوزة الدماغية (Amygdala).
- تُشير الدراسات إلى أن هُناك نسبة كبيرة من الأشخاص البيدوفيليين تعرّضوا هُم أنفسهم لاعتداء جنسي عندما كانوا أطفالًا.
هل البيدوفيليا مرض؟
استنادًا إلى الأبحاث والدراسات التي تم إجراؤها حول البيدوفيليا وبالرغم من محدوديتها، يُمكن القول أن الإجابة هي نعم، البيدوفيليا مرض. فقد تم إدراج البيدوفيليا في الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض العقلية (Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders) من قِبل الجمعية الأمريكية للطب النفسي بدايةً من العام 1968. كما أنّ أغلب الحالات التي يتم التعامل معها إن لم يكن جميعها يتم إحالتها إلى المراكز الطبية بأوامر قضائية صادرة بحق أشخاص، أقدموا على ارتكاب اعتداءات بحق أطفال. وذلك لأن القانون في الولايات المتحدة الأمريكية مثلًا يُلزِم المصحات النفسية والمراكز الطبية بإبلاغ السُلطات في حال توجه إليهم أي شخص طلبًا للعلاج، وهو الأمر الذي يجعل الأشخاص البيدوفيليين يمتنعون عن طلب العلاج من تلقاء أنفسهم.
هذا وتُصنف البيدوفيليا كمرض مُزمن لا يُمكن علاجه بشكل نهائي، إلاّ أن الخطة العلاجية المُتبعة تهدف إلى السيطرة على الميول الجنسي تجاه الأطفال والتأكد من أن الأشخاص البيدوفيليين لن يرتكبوا أي اعتداءات بحق الأطفال، أو عدم تكرار مثل تلك الاعتداءات في حال كان الشخص قد أقدم على ارتكابها سابقًا، هذه الخطة العلاجية هي:
- العلاج بالأدوية والعقاقير: يتم استخدام مجموعة من الأدوية للتعامل مع الشخص البيدوفيلي، على رأسها العلاج الهرموني، حيث يتم حقن المريض بأدوية مُماثلة لهرمون الأنوثة البروجيستيرون (Progesterone)، وذلك بهدف خفض مُستوى هرمون الذكورة التستوستيرون () في الدم، وبالتالي كبح وتقليل مُستوى الشهوة الجنسية للمريض. كما تُستخدم أيضًا بعض أنواع مُضادات الاكتئاب التي تُسمى ( Selective Serotonin Reuptake Inhibitors) بهدف السيطرة على الخيالات الجنسية والشعور بالرغبة الجنسية المُلِحة.
- العلاج السلوكي المعرفي: أو جلسات العلاج النفسي (Psychotherapy) التي تأخذ أشكالًا وأنواعًا مُتعددةً بهدف توعية الشخص البيدوفيلي بخطورة عواقب أفعاله ونتائجها المُدمرة على الضحايا، وزرع القدرة على التعاطف معهم وبالتالي عدم تكرار اعتداءاته على الأطفال. كما تُستخدم أيضًا تقنيات أخرى في إطار العلاج السلوكي المعرفي مثل بناء المهارات الاجتماعية والتدريب على تجنب المواقف التي تُثير لديه انجذابه الجنسي للأطفال.
كيف يُمكن حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية؟
هُناك العديد من النصائح التي يُسديها الخُبراء للوالدين من أجل حماية الطفل من التعرض لاعتداء جنسي، وكذلك حمايته من تكرار مثل هذه الاعتداءات في حال وقعت بالفعل ومن بينها:
- الاهتمام بتفاصيل حياة الطفل اليومية والتعرّف على الأشخاص الذين يتفاعل معهم الطفل في حياته بشكل عام.
- توعية الطفل ببعض الحقائق حول جسده وخُصوصًا المناطق الحساسة وتعليمه أنه ليس من المقبول أن يقوم أحد بلمس جسده أو رؤيته عاريًا وخصوصًا تلك المناطق.
- الحفاظ على رابطة قوية مع الطفل مبنية على الثقة والطُمأنينة، والتأكد أنه لن يتردد أو يخاف من إخبار والديه بأنه يتعرض لأي اعتداء أو تحرش، وأنه لا يجب إبقاء هذا الأمر سِرًا.
- تشجيع الطفل على رفض الإغراءات أو أي عُروض من الغرباء أو حتى من غير الغرباء في حال كانت غير مألوفة أو تتعلق بأجسامهم.
اقرأ/ي أيضًا:
هل يمكن التفريق بين علم النفس والطب النفسي؟