تحقيق مسبار
في بعض الثقافات تُنصَح الأمهات الحوامل بالنظر إلى المناظر الطبيعية الخلابة أو الأشخاص الوسيمين وذلك للاعتقاد السائد إن الجنين يزداد جمالاً عند النظر إلى كل ما هو جميل.
يَعرض هذا المقال أبرز الاعتقادات السائدة في الموروث الشعبي عن الخلقية، ويجيب عن سؤال هل يتأثر شكل الجنين بما تراه الأم الحامل؟ ويستعرض نبذة مختصرة عن أثر الوراثة على شكل الطفل والعوامل التي تؤثر فعلاً في شكل الجنين، وما هي أبرز التشوهات الخلقية التي تؤثر على شكل الجنين، وأخيرًا يُقدم مجموعة من النصائح للسيدات الحوامل لتَجنب حصول التشوهات الخلقية الولادية.
اعتقادات من الموروث الشعبي
هناك الكثير من الاعتقادات الخاطئة التي تتناقلها الأمهات عن الجدات عن كيف يتأثر شكل الجنين بما تراه الأم الحامل، وتختلف هذه الاعتقادات باختلاف الشعوب والثقافات حول العالم، لكن تاليًا أبرز تلك الاعتقادات:
- يتأثر شكل الجنين بما تراه الأم الحامل: مثلًا لا تُنصح الأم الحامل بالنظر إلى الحيوانات ذات الشكل القبيح أو المشاهد المروعة خشية أن يولد الطفل دميمًا أو مشوهًا.
- شكل الأم الحامل يدل على جنس الجنين: حسب أقوال وقصص متناقلة فإن المولودة البنت تستحوذ على جمال الأم، فإذا كانت حاملًا بأنثى، تظهر المرأة الحامل غير جميلة ومُرهَقة كما تخلو بشرتها من النضارة، على عكس السيدة التي تحمل مولودًا ذكرًا فتبدو أكثر جمالًا وتوردًا.
- صبغة الشعر تؤثر على شكل الجنين: حسب المعتقد السائد في العديد من بلدان العالم فإن صبغة الشعر تؤثر على عيني الطفل فتسبب فقدان البصر أو التشوهات الخلقية.
هل يتأثر شكل الجنين بما تراه الأم الحامل؟
كلا، لا يتأثر شكل الجنين بما تراه الأم الحامل، ولا يوجد أي أدلة علمية تُثبت صحة هذا المعتقد. وتتفق جميع المصادر العلمية أن ما يؤثر على شكل الجنين هو الحمض النووي وعوامل الوراثة وبعض العوامل التي قد تسبب التشوهات الخلقية التي تؤثر على شكل الجنين، فمعظم السمات الخارجية التي يرثها الطفل هي نتيجة تفاعل جينات متعددة من كلا الوالدين تعمل معًا بطريقة فريدة ولا يوجد طريقة موحدة تحدد عمل الوراثة، وبالتالي لا يمكن التنبؤ بشكل الجنين على وجه الدقة.
ويكسب الجنين سماته الخارجية من سمات الأبوين والأجداد، وتشمل هذه السمات لون العينين والبشرة والبُنية الجسمانية والطول ولون الشعر وملامح الوجه أيضًا. وبالإضافة إلى السمات الخارجية، من الممكن أيضًا أن تنتقل بعض الأمراض من جيل إلى آخر ضمن نطاق العائلة الواحدة عن طريق الوراثة، مثل بعض أمراض الدم وأمراض القلب وبعض التشوهات الخلقية الأخرى.
الوراثة وأثرها على شكل الجنين الخارجي
كما ذكرنا سابقًا، لا يتأثر شكل الجنين بما تراه الأم الحامل، إنّما يتأثر بعوامل الوراثة، ستعرض هذه الفقرة كيفية انتقال الصفات الوراثية مثل لون العينين والشعر ولون البشرة والبنية الجسمانية من الأبوين إلى الجنين ضمن القواعد العامة لعلم الوراثة:
- لون الشعر: إذا كان الأبوان يمتلكان شعرًا أسودًا أو بنيًا فمن المرجح أن يكون شعر الجنين باللون البني أو الأسود ونادرًا ما يكون لون أشقرًا. أما إذا كان أحد الأبوين بشعرٍ داكنٍ والآخر يشعرٍ أشقرٍ فعلى الأغلب أن يولد الطفل بشعرٍ داكنٍ لأن لون الشعر الغامق هو الأقوى.
- لون العين: يولد جميع الأطفال بعيون رمادية مائلة إلى الزرقة، ويستغرق الأمر ستة أشهر قبل أن يستقر لون عين الطفل. إذا كان كلا الوالدين بعيونٍ زرقاء فإن الطفل غالبًا سيكون بعيون زرقاء، أما إذا كان أحد الأبوين بعيونٍ بنية فإن الطفل غالبًا سيكون بعيون بنية كون اللون البني هو الأقوى، بينما إذا كان أحد أجداد الطفل من ذوي العيون الزرقاء فتزداد احتمالات حصول الطفل على عيون زرقاء.
- الطول والبنية الجسمانية: على الرغم من وجود جداول متخصصة وطرق حسابية تساعد في التنبؤ بطول الطفل ووزنه بالرجوع إلى طول ووزن الأبوين، فإن العوامل المحيطة بالطفل مثل نوع تغذية الطفل بعد الولادة وتغذية الأم الحامل أثناء الحمل هي الأكثر تأثيرًا وتحكمًا بطول الطفل ووزنه في المستقبل.
- لون البشرة: إذا كانت بشرة أحد الأبوين غامقةً والآخر أبيض البشرة فغالبًا ما سيكون المولود ذو بشرةٍ داكنةٍ، لأن لون البشرة الداكن هو الغالب والأقوى حسب قوانين علم الوراثة. علمًا أنّه قد يستغرق الأمر وقتًا يصل أحيانًا إلى عامين إلى أن يستقر لون بشرة الطفل.
أبرز التشوهات الخلقية التي تؤثر على شكل الجنين
يقصد بالعيوب والتشوهات الخلقية مجموعة الحالات الطبية التي تنشأ مع الجنين خلال فترة الحمل داخل رحم الأم وترافق الطفل منذ ولادته، وقد تكون العيوب الخلقية طفيفة أو شديدة ويظهر معظمها في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، كما أنّ بعض العيوب الخلقية غير ضارة بينما يحتاج البعض الآخر إلى علاج طبي طويل الأمد. تاليًا أبرز التشوهات والعيوب الخلقية التي يتعرض لها 3% من إجمالي الأطفال حديثي الولادة حول العالم:
- الشفة المشقوقة: وهو شق في الشفة العلوية أو سقف الحلق يحدث بسبب عدم التصاق أجزاء وجه الجنين بشكل صحيح أثناء نموه في رحم الأم. تعتبر الشفة المشقوقة والحنك المشقوق من أكثر عيوب الوجه الخلقية شيوعًا في المملكة المتحدة. ويعاني الأطفال المولودين مع هذا العيب الولادي من صعوبة الرضاعة الطبيعية أو الرضاعة من الزجاجة، كما ويعتبر هؤلاء الأطفال أكثر عرضةً للإصابة بالتهابات الأذن وتسوس الأسنان. علاوةً على ذلك، فهم بحاجة إلى تقويم اللغة والنطق لديهم.
- القدم الملتوية: يولد ما يزيد عن طفل واحد من كل 1000 مع حالة القدم الملتوية. وتؤثر هذه الحالة على شكل القدم فتبدو ملتويةً إلى الأسفل أو إلى الداخل أو يواجه داخل القدمين بعضهما البعض. وتربط دراسة منشورة حالات القدم الملتوية بتقدّم سن الأم الحامل أو كونها مدخنة أو مصابة بداء السكري.
- شق العمود الفقري: يحدث هذا التشوه نتيجة عدم تطور العمود الفقري والحبل الشوكي للجنين بشكل صحيح داخل الرحم. وشق العمود الفقري هو نوع من عيوب الأنبوب العصبي، وهو الهيكل الذي يتطور في النهاية إلى دماغ الطفل والحبل الشوكي.
يبدأ الأنبوب العصبي في التكون في بداية الحمل ويُغلق بعد حوالي 4 أسابيع من حدوث الحمل، وفي حالة شق العمود الفقري لا يتطور جزء من الأنبوب العصبي أو ينغلق بشكل صحيح، مما يؤدي إلى حدوث عيوب وتشوهات في الحبل الشوكي وشكل عظام العمود الفقري (الفقرات). ويُرَجح أن يكون نقص حمض الفوليك قبل وفي المراحل الأولى من الحمل هو أبرز عوامل الخطر في حالات شق العمود الفقري.
- تشوهات الأطراف: هي حالة من حالات التشوهات الولادية تؤثر على بنية عظام ساقي أو ذراعي الجنين، وأحيانًا يولد الجنين بتشوهات في أكثر من طرف واحد. تؤدي حالات تشوه الأطراف إلى اضطراب النمو الطبيعي لبنية عظام المولود وتشوهات في الهيكل العظمي. وترتبط أكثر حالات تشوهات الأطراف بالتعرض للمركبات الكيماوية الخطرة وبعض العقاقير الطبية أو أن تكون الأم مدخنة.
- متلازمة داون: هي حالة تحدث نتيجة خللٍ في عدد الكروموسومات عند الجنين، تسبب متلازمة داون تأخر في النمو الجسدي والعقلي للطفل، كما تؤثر متلازمة داون على شكل الطفل فتكون ملامح وجه الطفل مسطحة ورقبته قصيرة وشكل الأذنين غير نمطي وتكون عينا الطفل مائلةً إلى الأعلى، كذلك فإن ألسنة الأطفال المصابين بمتلازمة داون تكون ذات شكل مميز، فاللسان طويل ومنتفخ ويختلف عن شكل اللسان الطبيعي، أما بالنسبة لبنية الطفل الجسمية فيُصاب الطفل بضعف العضلات.
- أمراض القلب الخلقية: تُعتبر أمراض القلب هي الأكثر انتشارًا بين أنواع العيوب والتشوهات الخلقية. تؤثر هذه العيوب على عمل القلب والدورة الدموية. أبرز أعراض أمراض القلب الخلقية تتمثل في تسارع ضربات قلب الجنين فوق المعدلات الطبيعية وازرقاق الأظافر والشفتين والجلد، كما يصاحب الأعراض السابقة تعب وتنفّس سريع. وعادةً ما يستطيع الطبيب المختص تشخيص هذه العيوب أثناء الحمل وفي حالات أقل يحصل التشخيص بعد الولادة أو في مراحل متأخرة من الطفولة، بعض الحالات تخضع للعلاج إما بالأدوية أو عن طريق الجراحات التصحيحية أو لعمليات زراعة القلب، حيث يقرر الطبيب المختص العلاج المناسب وفقًا لعمر الطفل وحجمه وشدة الحالة المرضية وتأثيرها على صحة الطفل العامة.
عوامل تزيد فرص حصول التشوهات الخلقية
على الرغم من أن أسباب حصول التشوهات والعيوب الخلقية لا تزال غير محسومة أو مؤكدة، لكن في بعض الأحيان يتعرض الطفل لبعض المؤثرات داخل رحم الأم ينتج عنها عيوب خلقية أو تشوهات تظهر على شكل الجنين الخارجي أو وظائف الأعضاء أو نمو الجنين البدني والعقلي. تاليًا أبرز العوامل والأسباب التي تزيد من فرص حدوث العيوب الخلقية الولادية:
- تاريخ عائلي من العيوب الخلقية أو الاضطرابات والطفرات الوراثية.
- تعاطي المخدرات أو المشروبات الكحولية والتدخين أثناء الحمل.
- تجاوز الأم عمر الـ 35 عامًا يرفع فرص ظهور التشوهات الخلقية والاختلالات الجينية.
- إصابة الأم بالعدوى الفيروسية أو البكتيرية وبعض أمراض الجهاز التناسلي.
- تعاطي بعض الأدوية التي تحتوي على مركبات الليثيوم عالية الخطورة.
- إصابة الأم بداء السكري يرفع فرص ولادة الطفل بتشوهات خلقية.
نصائح لتجنب إصابة الجنين بالتشوهات الخلقية
على الرغم من استحالة منع حصول العديد من التشوهات والعيوب الخلقية، إلا أنه يمكن تقليل احتمالية حدوث بعض هذه الحالات من خلال الوعي بآثار العوامل المختلفة السابقة للولادة، تاليًا بعض النصائح التي من الممكن أن تمنع أو تقلل فرص حدوث بعض تلك التشوهات والعيوب أو تقلل من التأثير طويل المدى للتشوهات والعيوب الخلقية:
- تناول حمض الفوليك: الحرص على زيارة الطبيب وتناول كمية مناسبة من أقراص حمض الفوليك قبل وأثناء الحمل، إذ يمكن أن يساعد تناول حمض الفوليك في منع عيوب الأنبوب العصبي لدى الجنين، بالإضافة إلى تناول الأطعمة التي تحتوي على حمض الفوليك مثل العدس والخضروات الورقية الخضراء والفاصوليا السوداء وعصير البرتقال والأطعمة المصنوعة من منتجات الحبوب المدعمة (بعض أنواع الخبز وحبوب الإفطار) ودقيق الذرة المدعم.
- القيام بفحص ما قبل الحمل: من الضروري مراجعة الطبيب ومقدمي الرعاية الصحية للاطلاع على ظروف الحامل الصحية ووضع خطة مناسبة قبل كل حمل. يتم في تلك المراجعات تحديد ومناقشة جميع الوصفات الطبية والأدوية والفيتامينات والمكملات التي تُنصح بها السيدة، كذلك تنصح باستبدال أو التوقف عن أخذ بعض الأدوية التي قد تزيد من فرص إصابة الجنين بالتشوهات الخلقية.
- الامتناع عن بعض العقاقير الطبية والممارسات غير الصحية: من الضروري أن تمتنع السيدة الحامل أو التي تخطط لحصول حمل عن الكحول والتبغ والمخدرات وبعض الأدوية.
- التأكد من الحصول على بعض اللقاحات: من الضروري أن تقوم الحامل بأخذ تطعيمات ضد الأمراض التي لا تمتلك مناعة طبيعية منها، أي أنها لم تصب بها في مراحل الطفولة مثل الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية وجدري الماء.
الكشف المبكر عن العيوب الخلقية
: يمكن استخدام التصوير بالموجات فوق الصوتية وفحص مصل الأم للكشف عن التشوهات الجنينية الخطيرة، بما في ذلك عيوب الأنبوب العصبي واضطرابات الكروموسومات، بالإضافة إلى ذلك يمكن فحص الأطفال بعد الولادة بحثًا عن مجموعة متنوعة من الاضطرابات الوراثية وأمراض الدم واضطرابات الأيض والهرمونات لتوفير التشخيص المبكر، كما يمكن أيضًا استخدام الجراحة لعلاج العديد من العيوب الخلقية بما في ذلك الشفة المشقوقة والحنك المشقوق وشق العمود الفقري أحيانًا حتى قبل ولادة الطفل. أما بالنسبة لأمراض القلب والكلى، فغالبًا ما يتم علاج عيوب القلب والجهاز الكلوي قبل الولادة جراحيًا بينما لا يزال الطفل في الرحم.