هل الهواء مادة؟

قد يبدو سؤال هل الهواء مادة؟ مألوفًا للكثيرين. وعلى الأرجح يتبادر عدد من الأشياء إلى الأذهان عند سماع كلمة مادة، إلاّ أن الهواء قد لا يكون من بينها. وربما كان السبب هو عدم إمكانية رؤية الهواء، أو استخدام كلمة هواء للتعبير عن الفراغ أو اللاشئ في عدد من اللهجات والثقافات. لكن هل حقًا الهواء لا شئ؟ أم أن الهواء مادة؟ ما هو الهواء؟ وما هي المادة؟ 

يُقدم هذا المقال المعلومات الدقيقة اللازمة للإجابة على هذه الأسئلة.

ما هي المادة؟

من الناحية العلمية يُمكن تعريف المادة على أنها أي شئ له حجم وكتلة، أي أنه يشغل حيّز من الفراغ وله كتلة. هذا التعريف للمادة شائع إلى حد كبير ومقبول علميًا بشكل عام، ويُمكن أن يُنسب إلى علم الكيمياء. إلاّ أن الفيزيائيين، وفي حالات دقيقة وخاصة قد لا يقبلون بهذا التعريف، لكنّه يظل تعريف صحيح ومقبول لكلمة مادة.

يُعرّف قاموس ميريام ويبستر المادة على أنها: كل شئ يحتل مساحة أو حيز وله كتلة، ويتكون بشكل رئيسي من الذرات، والتي تتكون بدورها من البروتونات والنيوترونات والإلكترونات، وهي المكوّن الرئيسي لكل ما في الكون. والذرات هي الوحدات مُتناهية الصِغر التي تتكون منها الجزيئات. وقد توصّل العلماء إلى اكتشاف وتعريف 118 نوعًا من الذرات. ارتباط عدد من الذرات ببعضها يُشكل الجُزيئات، والجزيئات هي "وحدات البناء" التي تتكون منها مُختلف أنواع المواد.

ما هي الحالات الفيزيائية للمادة؟  

الحالة الفيزيائية للمادة هي الشكل الذي تظهر به أو تتواجد به مادة ما، وهي نتيجة مباشرة للخصائص الفيزيائية لذرات وجزيئات تلك المادة. هُناك أربع حالات فيزيائية رئيسية للمواد وهي الحالة الغازية، والحالة السائلة والحالة الصلبة وحالة البلازما. وهي حالات تحدث وتتواجد في الطبيعة، بالإضافة إلى حالة خاصة جدًا استطاع العلماء أن يتوصلوا إليها في إطار الأبحاث المخبرية وتم تسميتها بتكاثف بوز- أينشتاين (Bose-Einstein condensate).

فيما يخص الحالات الفيزيائية الرئيسية، يُمكن أن تنتقل المادة الواحدة بين هذه الحالات إذا تغيرت العوامل الفيزيائية المُحيطة بها مثل درجة الحرارة أو الضغط. لكن يبقى التركيب الكيميائي لتلك المادة ثابتًا، أي أن المادة تبقى كما هي وتتغير صورتها أو حالتها فقط. يُسمى انتقال أي مادة من حالة فيزيائية إلى أخرى بالتغير الفيزيائي. على سبيل المثال، يتواجد الماء عادةً في صورته السائلة، وإذا انخفضت درجة حرارته بشكل كافي يتجمد ويتحول إلى ثلج أو جليد (الحالة الصلبة) أما إذا ارتفعت درجة حرارة الماء بما يكفي سيتبخر ويتحول إلى بُخار الماء (الحالة الغازية)، لكنه في جميع تلك الحالات يظل ماء وله نفس التركيب الكيميائي (H2O). 

فيما يلي الخصائص الفيزيائية المميزة لكل حالة من حالات المادة الرئيسية:

• الحالة الصلبة: المادة الصلبة لها حجم وشكل ثابت، وذرات وجُزيئات المادة في الحالة الصلبة تكون مُترابطة بقوة وتصطف في ترتيب مُنتظم، كما أن المسافة بينها صغيرة مُقارنة بالمسافة بين الجزيئات في الحالات الأخرى. تتحرك ذرات وجزيئات المادة في الحالة الصلبة حركة اهتزازية بسيطة دون أن يتغير مكانها.
• الحالة السائلة: المادة السائلة لها حجم ثابت إلا أن شكلها يتغير وتأخذ شكل الإناء الذي يحتويها. وتكون الذرات والجزيئات بعيدة عن بعضها، والرابطة بينها أضعف من روابط الجزيئات في الحالة الصلبة، وتتحرك جُزيئات السوائل حركة حُرّة إلى حد كبير لكنها تبقى مُترابطة.
• الحالة الغازية: المادة الغازية أو الغازات ليس لها حجم ثابت وليس لها شكل ثابت، كما أن جُزيئاتها غير مُترابطة وتتحرك بحرية وبشكل عشوائي و تنفصل عن بعضها البعض، كما قد تصطدم ببعضها أثناء حركتها.
• البلازما: البلازما هي حالة خاصة للمادة الغازية، ويُمكن توضيح الفرق بين الغاز والبلازما كما يلي: إذا كان الغاز يحتوي على أيونات أو إلكترونات حُرة، وبالتالي أصبح قادرًا على حمل وتوصيل شحنة كهربائية، فإن هذه الخصائص تجعل منه بلازما وليس مُجرد غاز. ومن العوامل التي تُؤدي إلى تواجد البلازما في الطبيعة هي الصواعق الكهربائية (البرق) أثناء العواصف وهطول الأمطار.

ما هو الهواء؟

قبل الإجابة على سؤال هل الهواء مادة؟ لعله من المُفيد تعريف الهواء من الناحية العلمية. تُشير كلمة هواء إلى خليط من الغازات التي تُشكل بمجملها الغلاف الجوي لكوكب الأرض. ويتكون الهواء بشكل رئيسي من نوعين من الغازات وهُما النيتروجين الذي تصل نسبته في الهواء إلى 78%، والأكسجين الذي تبلغ نسبته في الهواء حوالي 21%. هذا يعني أن الأكسجين والنيتروجين معًا يُشكلان 99% من مُكونات الهواء. أما الـ 1% المُتبقية تتكون من الماء في صورته الغازية أي بُخار الماء، وأنواع أُخرى من الغازات مثل الأرجون، وثاني أكسيد الكربون، وغاز النيون، والهيليوم وغيرها.

من الناحية العلمية يتم تقسيم الهواء أو الغلاف الجوي بالأحرى إلى خمس طبقات مختلفة وهي:

• التروبوسفير: وهي طبقة الجو السُفلى التي تمتد من مُستوى سطح البحر وحتى ارتفاع 10 كيلومتر عن سطح البحر. وهي الطبقة التي يعيش فيها البشر والحيوانات في الغالب، كما أنها الطبقة التي تحتوي على الغُيوم، وتحدث فيها أغلب ظواهر الطقس.
• الستراتوسفير: وهي الطبقة الثانية التي تبدأ عند نهاية التروبوسفير وتمتد إلى ارتفاع 50 كيلومتر عن سطح البحر، أي أن سُمكها يُعادل حوالي 40 كيلومتر. وهي الطبقه التي تحتوي على طبقة الأوزون، كما أنها الطبقة التي يتعمد الطيارين قيادة الطائرات في الجزء الأسفل منها، لأن الهواء في هذه الطبقة يكون ساكنًا إلى حد ما، مما يُجعل الطيران فيها أكثر سهولة.
• الميزوسفير: وهي الطبقة الثالثة من طبقات الغلاف الجوي، والتي تمتد من نهاية الستراتوسفير وحتى ارتفاع 85 كيلومتر. ينخفض ضغط الهواء وكذلك كثافته في طبقة الميزوسفير انخفاضًا شديدًا مما يجعل التنفس في هذه الطبقة صعب جدًا، يكاد يكون مُستحيلًا. يُذكر أيضًا أنه عند دخول النيازك إلى الغلاف الجوي، عادةً ما تشتعل وتبدأ بالاحتراق في طبقة الميزوسفير.
• الثيرموسفير: تمتص هذه الطبقة من الغلاف الجوي الإشعاعات الكونية القادمة من الشمس مما يجعل درجة حرارتها مُرتفعة جدًا، وتُعتبر هذه الطبقة في بعض الأحيان جُزء من الفضاء الخارجي أكثر من كَوْنِها جزء من الغلاف الجوي للأرض، كما أن الكثير من الأقمار الصناعية تسبح حول كوكب الأرض في هذه الطبقة.
• الإكسوسفير: بالنسبة لغالبية العُلماء، تُعتبر هذه الطبقة جزء من الفضاء الخارجي، إلاّ أنه يُمكن وضعها كأحد طبقات الغلاف الجوي لِعدم وجود إجماع على هذا الأمر من جميع العلماء. هُناك أيضًا اختلاف في تقدير الارتفاع الذي تصل إليه هذه الطبقة، إذ يتراوح ارتفاعها بين 100 ألف كيلو متر بحسب بعض التقديرات و 190 ألف كيلومتر بحسب تقديرات أُخرى.

هل الهواء مادة؟

استنادًا إلى الحقائق العلمية المُثبتة عن الهواء، وإلى تعريف المادة، تكون الإجابة هي نعم، الهواء مادة من المواد بالفعل. وذلك لأن الهواء كغيره من المواد له كُتلة، كما أن الهواء يشغل حيزًا من الفراغ ولا يُمكن لمادة أخرى أن تشغل نفس الحيز في نفس الوقت. وهي الشروط اللازم توفرها في أي شئ لكي يُعتبر مادة، وبذلك يكون الهواء مادة تمامًا كالمواد السائلة والمواد الصلبة.

جديرٌ بالذكر أنه تم التوصل إلى حساب كتلة الهواء أي إجمالي كتلة الغلاف الجوي لكوكب الأرض، وهي 5.1480 مليار مليار كيلوغرام، أي 51480 وإلى يمينها 15 صفرًا. (المصدر م9 و م10)

اقرأ\ي أيضًا:

هل يُمكن اختراق حاجز الصوت فعلاً؟ 

هل بلوتو كوكب؟

هل يمكن قياس سرعة الصوت في الماء؟

هل ينتقل الصوت في الفراغ؟