تحقيق مسبار
يُعد سؤال هل المباحث تراقب الجوالات من الأسئلة الهامة التي كثيرًا ما تتبادر إلى أذهان مُستخدمي الهواتف الجوالة، وخصوصًا الهواتف الذكية منها. إذ تُعتبر مسألة خصوصية المُستخدمين وسريّة بياناتهم، من الأمور الحساسة ذات الأهمية الخاصة، كما أن فرض أي شكل من أشكال الرقابة عليها يخضع لقوانين وتشريعات، تختلف من بلد لآخر.
يتناول هذا المقال مسألة خصوصية مُستخدمي الجوالات، ويُقدم المعلومات اللازمة لتوضيح تفاصيل الموضوع، لِيُجيب على عدد من الأسئلة حوله، وعلى رأسها: هل المباحث تُراقب الجوالات؟
ما هو مفهوم أمن الجوالات؟
من أجل إيضاح المقصود بمفهوم أمن الجوالات، من الأفضل البدء أولًا بتعريف الأمن السيبراني، وذلك لأن أمن الجوالات هو شكل خاص، أو نوع من أنواع الأمن السيبراني.
الأمن السيبراني هو مصطلح يُعبر عن جميع الوسائل والإجراءات التقنية التي تهدف إلى حماية الفضاء السيبراني، وذلك من خلال حماية جميع الأجهزة والمعدات كالخوادم والأجهزة الشخصية كالجوالات (Hardware) والبرامج والتطبيقات (Software)، بالإضافة إلى جميع الشبكات التي تربط هذه الأجهزة ببعضها، والبيانات المُخزنة على هذه الأجهزة من جميع أشكال الانتهاك والاختراق المُحتملة. ويشمل الأمن السيبراني عددًا من الأنواع إلى جانب أمن الجوالات، من بينها أمن شبكات الاتصال وأمن شبكة الإنترنت وأمن المعلومات.
أمّا أمن الجوالات، فالمقصود به مجموعة من الإجراءات التي تتم من خلال تقنيات مُعينة تهدف إلى حماية الجوالات على وجه الخصوص، بِوَصفها أحد مُكونات شبكات وأنظمة الاتصالات الحديثة. هُناك عدة أنواع من الأخطار المُحتملة التي تُهدد الجوالات، والتي من المُفترض الحرص على حماية الجوال منها، من بينها برامج التجسس على الجوال (Mobile spyware) وبرامج سرقة المعلومات البنكية (Mobile banking Trojans).
معلومات مُفصلة حول أمن الجوالات والمخاطر التي تستهدفها وطرق حماية الجوالات من هذه المخاطر في مقال مسبار هل يمكن سرقة الصور من الجوال؟
هل المباحث تراقب الجوالات؟
نعم، يُمكن للأجهزة الأمنية والمباحث أن تراقب الجوالات، وليس المقصود أن جميع أجهزة الجوال في العالم تخضع للرقابة بالضرورة، وإنما المقصود أنه من الناحية التقنية بإمكان الأجهزة الأمنية والمباحث أن تراقب الجوالات إذا قررت ذلك، بالإضافة إلى أنه أمر وارد الحدوث.
من الصعب تحديد إذا كانت المباحث تراقب الجوالات في كل دولة من دُول العالم، لكن تم توثيق الكثير من الحالات التي قامت فيها المباحث بمراقبة الجوالات في عدد من الدول، فعلى سبيل المثال لا الحصر في مدينة بالتيمور الواقعة في ولاية ماريلاند الأمريكية، قامت المباحث بمراقبة جوالات مُواطنين، بِمعدل يقترب من مرتين في اليوم، وذلك بين عامي 2007 و 2015.
كيف تُراقب المباحث الجوالات؟
عندما تقوم الأجهزة الأمنية بمراقبة الجوال، عادةً ما يكون الهدف الرئيسي لهذا الإجراء هو معرفة مكان تواجد الجوال، وبالتالي مكان تواجد صاحبه في أي وقتٍ من الأوقات. هُناك عدد من الطُرق والتقنيات الحديثة التي تُتيح للمباحث أن تراقب الجوالات وبالتالي تحقيق هذا الهدف، ومن بين هذه الطُرق:
- الحصول على بيانات الموقع من شركة الاتصالات: في أي دولة من الدول، تتكون شبكة الهاتف الجوال بشكل رئيسي من عدد من أبراج الاتصالات المُرتبطة ببعضها البعض. كُل هاتف جوال يتصل بأحد هذه الأبراج أثناء تواجده في مكانٍ ما، وهو بطبيعة الحال، أقرب بُرج إلى ذلك الهاتف من أبراج الشبكة، وبالتالي فإن شركة الاتصالات، لديها سجل خاص بِكل مُشترك يُوضح موقع البرج الذي التقط منه جوال هذا المُشترك الإشارة في أي وقت من الأوقات. مما يعني أن حُصول المباحث على هذا السجل، يُتيح لها معرفة أماكن تواجد هذا الجوال وصاحبه خلال الفترة المطلوب معرفة تحرّكات هذا الشخص خلالها. بالإضافة إلى ذلك، يُمكن للمباحث أن تطلب من شركة الاتصالات معلومات موقع جوال مُعين في الوقت الحالي، أو الأماكن التي سيتواجد فيها في المستقبل لفترة مُعينة.
جديرٌ بالذكر أن أحد شركات الاتصالات الأمريكية، وهي شركة (Verizon) كشفت عن أن المباحث طلبت منها الحصول على بيانات الموقع لجوالات مختلفة، حوالي 21000 مرة بين شهر يناير وشهر يونيو من عام 2015. - استخدام أجهزة تتبع خاصة (Stingray-like device): هُناك نوع من أجهزة التتبع التي يُمكنها أن تُحاكي عمل أبراج الاتصالات، وبالتالي عندما يتواجد أي هاتف جوال بالقرب من هذه الأجهزة، يلتقط الجوال الإشارة الصادرة عنها، ويتعامل معها كما لو كانت الإشارة الحقيقية الصادرة عن أحد أبراج شبكة الاتصال الحقيقية، ويقوم الجوال بإرسال بيانات مكان تواجده لهذا الجهاز بشكل تلقائي، تمامًا كما يفعل مع الأبراج الفعلية. كما أنه يُمكن للأجهزة الأمنية والمباحث، الحصول على سجل المكالمات التي تم إجراؤها أثناء اتصال الجوال بهذا الجهاز.
- الحصول على بيانات الـ(GPS): تقوم العديد من تطبيقات الجوال مثل تطبيقات الخرائط وتطبيقات منصات التواصل الاجتماعي وغيرها من التطبيقات بتخزين بيانات الـ(GPS) الخاصة بالجوال، مما يعني أماكن تواجد هذا الجوال وصاحبه. ويُمكن بسهولة للجهات الحكومية والمباحث أن تحصل على هذه البيانات، سواء خلال فترة ماضية، أو في الوقت الحالي. كما يُمكن أيضًا تحقيق نفس الهدف، أي أن تُراقب المباحث الجوالات ومعرفة أماكن تواجدها من خلال تطبيقات خاصة تعتمد فكرة عملها على تقنية البلوتوث.
ما الذي يجعل المباحث تراقب الجوالات؟
يُمكن القول أنه حتى وقتٍ قريب، كان الدافع الرئيسي الذي يجعل الأجهزة الأمنية والمباحث تراقب الجوالات، هو الاعتبارات الجنائية والأمنية. إلاّ أنه بعد انتشار فيروس COVID-19، وتحول مرض كورونا إلى جائحة عالمية، سمحت حكومات العديد من الدول للمباحث أن تُراقب الجوالات، كوسيلة من وسائل مواجهة الوباء والسيطرة عليه.
وكانت حجة السماح للمباحث بأن تراقب الجوالات بشكلٍ عام، أنّها ستتمكن من تتبع حالات الإصابة، ومعرفة أماكن تواجد الأشخاص الذين تم تشخيصهم بالمرض، وكذلك معرفة الأشخاص الذين احتك بهم هؤلاء المرضى، ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم، أي إخضاعهم للفحص الطبي والعزل الإلزامي، وكذلك معرفة إذا ما قام أحد الأشخاص المفروض عليهم العزل الإلزامي بخرق هذا العزل وبالتالي اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه. بالإضافة إلى رسم الخرائط التي تُوضح أماكن تواجد أعداد كبيرة من الإصابة بالفيروس بهدف التعامل مع هذه الأماكن بالشكل المُناسب والتحذير من التوجه إليها أو التواجد فيها
يُذكر أن مُنظمة هيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch)، أشارت إلى أن مثل هذه الإجراءات، حتى وإن كانت يتم تطبيقها بهدف مواجهة جائحة كورونا، تُعتبر إجراءات مُثيرة للقلق فيما يخص حقوق المواطنين وخصوصية بياناتهم وتفاصيل حياتهم الشخصية، وأشارت المنظمة أيضًا إلى أن إجراءات مُشابهة كانت تُطبق في الماضي بهدف مُكافحة الجريمة، إلاّ أنه تم استخدامها خارج الإطار الزمني الذي تم اتخاذها من أجله، بالشكل الذي ينتهك الحقوق المدنية.
اقرأ/ي أيضًا: