تحقيق مسبار
تعتبر الذرة من الحبوب التي يستهلكها البشر غذائيًا بشكل رئيسي حول العالم، وهي عنصر أساسي في العديد من الأطباق المختلفة، ونظرًا لطعمها الحلو نسبيًا، يتسائل البعض فيما إذا كانت الذرة ترفع السكّر.
في هذا المقال سيتم التعريف بنبات الذرة وطرق زراعته وأنواعه وقيمته الغذائية، إضافةً إلى الإجابة على سؤال هل الذرة ترفع السكر؟
نبات الذرة
تُعَدُّ الذرة نباتًا عشبيًّا طويلًا يصل طولها من 1 متر إلى 4 متر، وتتألف من ساق واحدة منتصبة لها طبقة خارجية تدعى البشرة مع عدة طبقات تحتها، مما يزيد من قوة الساق ويجعلها غير مجوّفة على عكس العديد من الأعشاب، وتتكون الساق من عقد داخلية وخارجية يتناقص عددها حتى نهاية الساق، وتتطور ورقة وحيدة عند كل عقدة وتتكون كل ورقة من غمدٍ يحيط بالساق، وقد يصل عدد الأوراق إلى 30 ورقة في النبات الواحد وتختلف في عددها وحجمها بين نوع وآخر. بالإضافة إلى أنه نبات سنوي أحادي المسكن، إذ تحمل النبتة الواحدة أزهارًا مؤنثة ومذكرة، ويتم التلقيح بواسطة الرياح مما يكسبها صفة التكاثر السريع.
أما حبوب الذرة فإنها تكون محمولة في صفوف على القولَحة، والحبة من نوع "البرة" (Caryopsis)، حيث أن الثمرة تحتوي على بذرة واحدة ملتحمة عند غلاف الثمرة، وتختلف الحبات من حيث الشكل والمحتويات تبعًا لسلالة النبات، فقد تكون الحبات نشوية مستديرة في الذرة الصوان، أو مجعدة ذات محتوى عالي من السكر في الذرة الحلوة.
ونظرًا لتنوع أصنافها تنمو الذرة في مناخات وأماكن عديدة، وتنضج بعد زراعتها بنحو 60 يومًا إلى 330 يومًا، وتُعدُّ درجة الحرارة 68-72 فهرنهايت والتربة الخصبة العميقة وجيدة التصريف الظروف المثالية لنمو الذرة، بالإضافة إلى أنها تحتاج كمياتٍ كبيرةٍ من الماء مقارنةً مع الحبوب الأخرى وتؤثر المناخات الجافة بشدة سلبًا على نموها ومحصولها، فمن الأفضل زراعتها في مكان دافئ مشمس محمي من الرياح.
منشأ الذرة
بدأتْ زراعة الذرة منذ زمنٍ بعيد، وبينت الاكتشافات والبحوث الأثريّة أن المكسيك أولى الأماكن التي هجّن فيها المزارعون الذرة، وتُعدّ أيضًا من أهم النباتات المزروعة في العصور الوسطى في أمريكا.
واختلف معنى كلمة الذرة (Corn) بين دولةٍ وأخرى، فمثلًا في إنكلترا الذرة تعني القمح وفي اسكتلندا تشير إلى الشوفان. كما أنه يوجد تنوّع وراثيّ ومورفولوجي كبير بين سلالات الذرة التي طوّرها المزارعون، إذ تختلف في طول النبات وفي شكلها وطعمها وغيرها من الصفات.
المشاكل الشائعة التي تتعرض لها زراعة الذرة
- الطيور: خاصةً الحمام، فمن الممكن أن تتغذى على البراعم والأوراق والأزهار، لذلك يجب حمايتها بتغطيتها بنوع من الشبك.
- الفئران: تأكل البذور بعد زراعتها، لذلك من المستحسن وضع مصائد لها في الأماكن التي يمكن أن تسبب فيها أذى للنبتة.
- الحلزون: قد تتغذى على الشتلات الصغيرة، ولكن يمكن حماية الذرة منها باستعمال مصائد خاصة للحلزون.
أنواع الذرة
للذرة أنواع كثيرة تختلف فيما بينها بالشكل والاستخدامات وغيرها، ومن هذه الأنواع:
- الذرة الحقليّة: تُحصد بعد جفافها ولا يمكن تناولها مباشرةً من الحقل لأنها قاسية وغير حلوة، لذلك تُجرى عليها العديد من التغييرات كطحنها وتحويلها إلى منتجات غذائية مثل رقائق الذرة أو دقيق الذرة، ولكن غالبًا ما تُستخدم كعلف للحيوانات وأيضًا في صناعة الوقود.
- الفشار: وهو عبارة عن ذرة تحتوي على كمية صغيرة من الماء وتتحول إلى وجبة الفشار المعروفة بعد تعريضها للتسخين.
- الذرة الحلوة: يبدأ حصادها عندما تكون الحبوب صغيرة وطرية، وهي النوع الذي يأكله الناس وتُعلّب أحيانًا، بالإضافة إلى احتوائها على كمية كبيرة من السكر الطبيعي مقارنًة بالذرة الحقلية.
- الذرة البيضاء: تحتوي على نسبة عالية من النشا مقارنةً بالأنواع الأخرى، وهي مثاليةٌ لاستخراج الزيت منها وكذلك الإيثانول لصنع الوقود، فضلًا عن استخدامها كعلف للحيوانات، وبعض أنواعها يدعى بالذرة الشمعيّة المستخدمة في صنع المواد اللاصقة.
القيمة الغذائية للذرة
تحتوي 100 غرام من الذرة الصفراء المسلوقة على 96 سعرة حرارية، بالإضافة إلى المكونات الغذائية التالية:
- 3.4 غرام من البروتين.
- 21 غرامًا من الكربوهيدرات، وهو المكوّن الأساسي لها.
- 73 % ماء.
- 4.5 غرام سكر.
- 2.4 غرام من الألياف غير القابلة للذوبان (مثل السليلوز واللجنين).
- 1.5 غرام من الدهون.
وتحتوي الذرة أيضًا على العديد من الفيتامينات والمعادن التي تتغير كميتها حسب نوع الذرة، وعمومًا تحتوي على المنغنيز وهو عنصر أساسيّ وأيضًا على المغنزيوم والفوسفور الذي يلعب دورًا مهمًا في نمو أنسجة الجسم والحفاظ عليها، بالإضافة للزنك والنحاس وهو مضاد للأكسدة، وأيضًا الفيتامينات B وE وK وC بكميات أقل.
زيت الذرة
يُستخرج من الذرة عبر تكريرها بإزالة الأحماض الدهنية والفوسفوليبيدات من زيت الذرة الخام، حيث تُضغَطُ بدايةً الحبات ميكانيكيًا لاستخراج الزيت، ثم تُجرى عليها العديد من العمليات الكيميائية لإزالة المواد الضارة والشوائب وكذلك المذاق والروائح غير المرغوبة.
لا يحتوي زيت الذرة على بروتين أو كربوهيدرات، وإنما يحتوي على دهون وسعرات حرارية وفيتامين E، فأثناء عملية استخلاص الزيت تفقد الذرة الكثير من الفيتامينات والمعادن.
بالإضافة لاحتوائه على حمض اللينوليك ودهون أوميغا 3 التي تساعد على انخفاض نسبة الالتهاب في الجسم، وأيضًا له خواص مضادة للأورام ويساعد على تقليل مستويات الكوليسترول المرتفعة.
يعتبر زيت الذرة ذو جودة ممتازة ويُستخدَم على نطاق واسع في القلي والطهي نظرًا لفوائده ونكهته اللذيذة، وأيضًا يُضاف للسلطات والكعك والخبز والمخللات، بالإضافة إلى استخداماته الأخرى غير الغذائية كمادة للتشحيم ومُنظف في الصناعات ووقود للمحركات، ويُضافُ للعديد من مستحضرات التجميل والصابون وغيره.
ومع ذلك يجب الحد من استخدامه ما أمكن واستبداله بزيوت أخرى ذات فائدة أكبر مثل زيت الزيتون نظرًا لاحتوائه على كمية من الدهون غير الصحية مثل اوميغا 6.
الفوائد الصحيّة للذرة
للذرة العديد من الفوائد الصحيّة باحتوائها على العديد من العناصر الغذائيّة المفيدة لصحة الجسم، ومن هذه الفوائد:
- تُعَدُّ الألياف الموجودة في الذرة غذاءً مناسبًا للبكتريا الموجودة في الجهاز الهضمي طبيعيًا، مما يساعد على الحماية من سرطان القولون وتعزيز عملية الهضم.
- يمكن استبدال الدقيق الأبيض بمنتجات الذرة مما يحسّن من صحّة الأمعاء ويقلل من فرص الإصابة بالسكري وأمراض القلب.
- الذرة غنيّة بفيتامين C وهو من مضادات الأكسدة المهمة التي تعمل على حماية الخلايا من التلف وسوء الوظيفة وبالتالي الحماية من السرطان.
- تساعد على الحماية من مرض التهاب الرتوج.
- تعزيز صحة العين وحماية العدسة العينية باحتوائها على الكاروتين.
- زيت الذرة يتكون أساسًا من حمض اللينوليك وهو من الحموض الدهنية المتعددة غير المشبعة، وكذلك يحتوي على فيتامين E مما يجعله مناسبًا لمرضى ارتفاع الكوليسترول ويساعد على خفض مستوياته.
- مفيدة للنساء خلال فترة الحمل فهي تخفف من الإمساك بالإضافة إلى آثارها الجيدة على الجنين والوليد، فهي تقلل من مخاطر التشوهات الخلقية وتمنع حدوث الضمور العضلي وفقر الدم، بالإضافة إلى تقوية المناعة والذاكرة والمحافظة على صحة العيون وتنشط عمل أجهزة الجسم عمومًا.
بعض مخاطر تناول الذرة
في بعض الأحيان قد تتلوث الذرة ببعض السموم، مما يؤدي إلى الإصابة بمشاكل في الكبد والرئة والجهاز المناعي وكذلك الإصابة ببعض أنواع السرطانات بتناول هذه الذرة الملوثة على المدى الطويل، وقد تحتوي الذرة على بعض العناصر (مثل حمض الفيتيك) التي يمكن أن تمنع امتصاص العناصر الغذائية الأخرى المفيدة للجسم كالحديد والزنك.
كما يمكن أن تسبب الذرة بعض المشاكل الهضمية لدى الأشخاص الذين يعانون من متلازمة القولون العصبي والداء الزلاقي (وهو مرض يحصل فيه استجابة مناعية ذاتية عند تناول أي نوع غذائي يحتوي على الغلوتين)، مما يحرض أعراض عدم تحمل الغلوتين (الإسهال والتعب والانتفاخ وفقدان الوزن).
هل الذرة ترفع السكر؟
صحيح، بما أن الذرة تحتوي على النشويات والسكر فمن الممكن أن ترفع الذرة السكر في الدم، ولكن يستطيع الأشخاص المصابون بالسكري تناول الذرة بكميات قليلة دون الإكثار من تناولها؛ إذ أنها مصدر جيد للطاقة والمعادن والألياف والفيتامينات. كما أنها تحتوي على نسبة منخفضة من الصوديوم والدهون.
تعتبر الذرة من الأطعمة ذات المؤشر الجلايسيمي المنخفض، وهي التي يحاول أن يركز عليها مرضى السكري في تغذيتهم، على عكس الأطعمة ذات المؤشر الجلايسيمي المتوسط أو المرتفع.
وتنصح جمعية السكري الأمريكية بمراقبة كمية الكربوهيدرات التي يتناولها المريض، ووضع حد لها قدر الإمكان، حيث يحتوي عرنوس متوسط الحجم ومطبوخ من الذرة الحلوة الصفراء على 17.1 غرامًا من الكربوهيدرات على أقل تقدير.
مؤشر نسبة سكر الذرة في الدم (المؤشر الجلايسيمي)
مؤشر نسبة السكر في الدم هو مصطلح يشير إلى مدى تأثر مستوى سكر الدم من قبل أحد الأطعمة، ويقاس بواسطة مؤشر نسبة السكر في الدم ويرمز له بالرمز (GI) وهو مقياس من 0 إلى 100، حيث يمثل رقم 100 الغلوكوز (سكر الدم) النقي.
وتصنف الأطعمة عليه وفقاً لما يلي:
الأطعمة التي تسبب نسبة منخفضة من السكر في الدم تحصل على درجة أقل من 55 وتسمى الأطعمة ذات المؤشر الجلايسيمي المنخفض.
الأطعمة التي تسبب نسبة متوسطة من السكر في الدم تحصل على درجة بين 56 و69 وتسمى الأطعمة ذات المؤشر الجلايسيمي المتوسط.
الأطعمة التي يمكن أن تزيد من مستوى السكر في الدم تحصل على درجة أكثر من 69 وتسمى الأطعمة ذات المؤشر الجلايسيمي المرتفع.
يُقدّر مؤشر نسبة سكر الذرة في الدم بـ 52 درجة، لذلك تعتبر الذرة من الأطعمة ذات المؤشر الغلايسيمي المنخفض، لكن يجب الانتباه إلى المنتجات الغذائية الأخرى التي تدخل الذرة في صناعتها، مثل الفشار الذي قيمته على مؤشر نسبة السكر في الدم بـ 65 درجة، وأيضاً في رقائق الذرة يقدر بـ 81 درجة.
لذلك يجب على مرضى السكري التركيز على الأطعمة منخفضة المؤشر الغلايسيمي، حيث أن هذه الأطعمة تميل إلى إطلاق الغلوكوز (سكر الدم) ببطء وثبات، مما يساعد بالحفاظ على مستواه تحت السيطرة.