تحقيق مسبار
تُعتبر إمكانية تفسير الأحلام علميًا من الأمور التي تستوقف الكثيرين وتسترعي انتباههم، وتُشكل أحد التساؤلات التي تتبادر إلى أذهانهم. فقد ظلّ تفسير الأحلام لفترة طويلة، ضمن المسائل التي تكتسب طابعًا دينيًا وروحانيًا، ويستند أغلب مُفسرو الأحلام إلى مصادر وطُرق تفسير لا تخضع للمنهجية العلمية. لكن ماذا عن رأي العلم في تفسير الأحلام؟ هل هُناك أبحاث علمية حول الأحلام؟ هل يُمكن تفسير الأحلام علميًا؟ وإن كانت الإجابة بنعم، فكيف تعاملت المنهجية العلمية مع الأحلام لتجعل تفسيرها علميًا أمرٌممكن؟
يتناول هذا المقال الأحلام وكيفية حدوثها وتفاصيل أخرى حولها من الناحية العلمية، ليقدم الإجابة على عدد من الأسئلة حولها ومن بينها: هل يمكن تفسير الأحلام علميًا؟
ما هو التعريف العلمي للأحلام؟
من الناحية العلمية الأحلام هي القصص والمشاهد والأفكار والمشاعر التي ينتجها العقل وتحدث أثناء النوم، والتي يُمكن أن تُراود الشخص النائم بأشكال مُتعددة، كما يُمكن أن تكون مُضحكة أو حزينة، أو أن تكون مُخيفة أو حميمية. أكثر أنواع الأحلام حدوثًا هي الأحلام المرئية، أي الصور والمشاهد التي يراها النائم، والتي يُمكن لها أن تكون مشاهد بالألوان، أو مشاهد بدون ألوان، أي بالأبيض والأسود كالأفلام القديمة، باستثناء الأحلام التي يحلم بها الشخص الضرير. وذلك لأن الأشخاص الذين يُعانون من فقدان حاسة الإبصار، عادةً ما تتضمن أحلامهم أصواتًا أو مشاعر وأحاسيس أو حتى روائح أو أصواتًا معينة، أكثر من أن تتضمن رؤية صور ومشاهد.
وقد توصل العلماء والباحثون إلى عددٍ من الحقائق والخصائص التي أصبحت مقبولة على نطاق واسع حول الأحلام، من بين هذه الخصائص:
- رؤية الأحلام أثناء النوم أمرٌ شائعٌ جدًا يحدث لجميع الناس في كُل مرةٍ ينامون فيها، ويتكرر في كل ليلة أكثر من مرة، حتى إذا لم يتذكّر الشخص النائم أحلامه بعد الاستيقاظ، أو ظنّ أنه لم يحلم.
- تحدث الأحلام بشكل تلقائي خارج عن إرادة وسيطرة الإنسان، ومن الشائع أن تتضمن مشاهدًا أو أحداثًا عاشها الشخص النائم في الواقع أثناء اليقظة، أو مشاهد تُشبه أحداثًا وقعت بالفعل.
- يُمكن للأحلام أن تكون غير منطقية على الإطلاق، وأن تتضمن أحداثًا غير مفهومة وغير مُترابطة.
- مُدة الحلم الواحد تتراوح بين 5 دقائق وعشرون دقيقة، والغالبية العظمى من الأحلام لا يتذكرها صاحبها بعد استيقاظه من النوم.
- يُمكن للأحلام أن تُساعد الدماغ على التعلّم، كما يُمكنها أن تُساعد على تطوير وتحسين الذاكرة طويلة الأمد.
ما الذي يُسبب الأحلام؟
يُمكن القول أن أسباب حدوث الأحلام، والدوافع التي تجعل الدماغ يُنتج الأحلام، والدور الذي تلعبه فيما يخص الصحة العقلية والنفسية، كلها أمورٌ محل خلاف بين العُلماء. فهُناك عدد من التفسيرات والنظريات التي وُضِعت للإجابة على مثل هذه الأسئلة، أي لماذا نحلم؟ أو ما الذي يُسبب الأحلام؟ إلاّ أنه ليس هُناك إجابة واحدة قاطعة تحظى بإجماع العلماء. فيما يلي توضيح لعدد من الأسباب المُحتملة لحدوث الأحلام ودورها في النشاط العقلي:
- أن الأحلام تحدث كتعبيرٍ عن رغباتٍ دفينةٍ لم يتم إشباعها أو أمنياتٍ لم يتم تحقيقها، أو أفكارٍ تم كبتها وعدم التعبير عنها. وهي النظرية التي توصل إليها العالم سيغموند فرويد والتي لا تزال لها مُؤيديها.
- أن الأحلام تحدث نتيجةً لإشاراتٍ عصبيةٍ عشوائيةٍ صدرت عن الدماغ أثناء النوم.
- أن الأحلام هي الطريقة التي يستجيب بها العقل البشري، لِمُؤثراتٍ حقيقيةٍ وقعت أثناء النوم لكنها وصلت إلى الدماغ، على سبيل المثال، وصول أصواتٍ إلى الدماغ عن طريق حاسة السمع أثناء النوم.
- أن العقل يُنتج الأحلام كوسيلة للتمرين على مواجهة المواقف الخطرة في الحقيقة، من خلال الآلية التي تُعرف باسم رد فعل بالمواجهة أو الهرب (Fight Flight Response)، وذلك عن طريق قيام العقل بإنتاج أحلام تُحاكي مواقف خطرة أو مُخيفة.
- أن العقل يُنتج الأحلام بهدف تطوير مهاراتٍ مُعينةٍ مثل مهارات التحليل وإيجاد الحلول المناسبة لأي موقف أو مُشكلة تحتاج إلى حل، وكذلك بهدف رفع كفاءة عمل الذاكرة وتخزين المعلومات.
بعض العُلماء يرفضون كل هذه التفسيرات، ويرون أن المُجتمع العلمي لم يتوصّل بعد إلى أي تفسيرٍ قاطعٍ لسبب حدوث الأحلام أو إذا كان لها دواعٍ بيولوجية، ويعتبرون أن حدوث الأحلام ليس إلاّ عَرَض جانبي عشوائي ناتج عن الوصول إلى مرحلة "حركة العين السريعة".
يُشار إلى أن مرحلة حركة العين السريعة (REM) هي آخر مرحلة من مراحل النوم، وهي المرحلة التي تحدث فيها الأحلام في الغالب. معلومات أكثر حول مراحل النوم، وكذلك طُرق تحسين جودة النوم في مقال مسبار هل يمكن تعلم كيفية النوم بسرعة؟
هل يُمكن تفسير الأحلام علميًا؟
في الحقيقة، يُعتبر تفسير الأحلام علميًا من الموضوعات التي لا زالت تتصف بالكثير من الغموض، وتُثير حيرة العُلماء، تمامًا كما أنها تُثير الخلاف بينهم. إلا أنّ الآراء العلمية التي تحظى حتى الآن بمقدارٍ من التوافق فيما يخص تفسير الأحلام، يُمكن تلخيصها على النحو التالي:
- الأحلام يُمكن أن تعكس بعض الحقائق حول صاحبها، أي أنها قد تُساعد في فهم عواطفه وأفكاره ودوافعه وغيرها من الصفات النفسية والشخصية.
- الدلالات التي تحملها الصور والمشاهد أو أي عُنصر من عناصر الحلم التي يراها الشخص النائم، أمرٌ شخصيٌ خاصٌ به ولا ينطبق على غيره من الناس. على سبيل المثال، رؤية أحد أنواع الفواكه في الحلم، قد يكون له دلالةٌ نفسيةٌ بالنسبة لشخصٍ ما، في حين قد يكون له دلالة مختلفة تمامًا بالنسبة لشخص آخر، أو أن يكون بلا أي معنىً على الإطلاق بالنسبة لشخصٍ ثالث.
- عُلماء النّفس لا يُقرون بصحة كُتب تفسير الأحلام ولا يعترفون بما فيها ولا يعتبرونه أمرًا علميًا يُمكن الاعتماد عليه.
- لا يُمكن التنبؤ بالمستقبل من خلال الأحلام، وأي حادثة مسجلة عن أحلام استطاع أصحابها من خلالها التنبؤ بالمستقبل هي محض مصادفة.
- الأحلام التي تتكرر باستمرار كغيرها من الأحلام، يُمكن أن تُساعد الأخصائي النفسي في فهم مشاعر ومشكلة الأشخاص الذين يُعالجهم، من خلال ربط هذه الأحلام بمشاعر ومشاكل وتجارب المريض، لكن هذا لا يُعتبر تفسيرًا علميًا لهذه الأحلام.
- يقول البروفيسور باتريك مكنمارا وهو أستاذ في علم الأعصاب في جامعة بوسطن "رُبما نتمكن في يومٍ من الأيام من فك شفرة الأحلام… لكننا مازلنا بعيدون جدًا عن فك شفرة الأحلام" وذلك في مقال من كتابته يحمل عنوان "سذاجة تفسير الأحلام".
مما سبق يُمكن القول أن الإجابة هي لا، لا يُمكن تفسير الأحلام علميًا، والمنهجية العلمية لا تُقر إلًا بوجود رابط بين أحلام الإنسان وبين واقعه وتجاربه، لكن لا يُمكن أن يكون تفسير الأحلام علميًا ولا يُمكن تعميم تفسير الأحلام على جميع الناس.
اقرأ/ي أيضًا: