تحقيق مسبار
قد يحتار الكثيرون في تصنيف الفايروس كائنًا حيًا أم لا، وحيث يُصاب الكثيرُ من البشرِ بأمراض مختلفة نتيجةَ ما يُسمى عَدوى فايروسية، يتساءل البعضُ عن طبيعة هذه الفايروسات وآلية عملها وعمّا إذا كان الفايروس كائنًا حيًا مثل الجراثيم أم لا؟
في هذا المقال سيتم التعريف بالفيروسات، وآلية عملها، وأهم أنواعها، بالإضافة للإجابة على سؤال هل الفيروس كائن حي؟
الفايروسات
تُعَدُّ الفايروسات أصغر المكروبات الموجودة على كوكب الأرض، إذ يُستخدَم المجهر الإلكتروني لرؤيتها، وتتكون من نواة من إحدى المادتين الوراثيتين (RNA) أو (DNA) تُحاط بغلاف بروتيني يُدعَى "القفيصة"، وأحيانًا تُحاط القفيصة بطبقة تُدعَى الغلاف، ولها أشكال مختلفة (كشكل القضبان أو الذيول الأسطوانية)، وهي صغيرة الحجم جدًا ولا يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة أبدًا، إذ أن ما يقارب 500 مليون من الفايروسات الأنفية مثلًا يمكن أن تُصبح بحجم رأس الدبوس.
مثل الجراثيم، قد تسبّب الفايروسات أمراضًا عديدةً للإنسان والحيوان، فهي قادرة بشدّة على إمراض الكائن الحي وأحيانًا قتله، وبمجرد إصابتها لخلية (التي يصبح اسمها الخلية المضيفة) تبدأ الاعتماد عليها لإنتاج المزيد من الفايروسات.
كما أنّه يُمكن للجراثيم الاتصال فيما بينها عن طريق إشارات خاصة مما يكسبها بعض صفات الكائنات الحية على عكس الفايروسات.
ويوجد الفايروس بحالتين مختلفتين:
- حالة السكون التام عند عدم اتصاله بالخلية المضيفة
- حالة النشاط عند اتصاله بمضيفه المناسب.
آلية عمل الفيروسات
تدخل الفايروسات إلى جسم الإنسان أو الحيوان بطرق مختلفة، وعادة ًما تدخل عن طريق الأغشية المخاطيّة للفم أو الأنف أو الأعضاء التناسبيّة، وكذلك من خلال اللدغات والجروح، وبعضها ينتقل عبر الاتصال المباشر مع جلد وسوائل جسم المصاب، أو عبر الاتصال غير المباشر مثل العطاس والسعال، ويمكن أن تنتقل بواسطة الطعام والشراب الملوّثين، وأيضًا عبر الجرذان والبعوض.
بعد دخولها للجسم، تلتصق بسطح خلية ما حسب نوع الفايروس، وتُحرر حمضها النووي ليذهب إلى نواة الخلية المضيفة ويصنّع نُسخًا للفايروس، ثم تخرج هذه النسخ وتُحاطُ بغلافٍ بروتيني لتكوّن فايروسات جديدة، إذ أن كلّ فايروس جديد سوف يصيب خلية سليمة أخرى ويكرّر العملية ذاتها من الالتصاق والانتساخ، وبمجرد بدء الفايروس بالتكاثر يُصاب الكائن الحي بالمرض بحال لم يستطع الجهاز المناعي في الجسم مهاجمة الفايروسات والقضاء عليها.
استقرار الفايروسات خارج الخلايا
تختلف الفترة الزمنيّة التي يمكن للفايروسات أثنائها البقاء خارج الخلايا الحيّة، فبعض الفايروسات مثل فايروس نقص المناعة المكتسب يستقر لوقتٍ قصيرٍ جدًا خارج الخلية ويحتاج إلى اتصالٍ وثيقٍ بين الكائن المُعدي والمُستقبل للعدوى ليحصل انتقال للفايروس، وبعض الفايروسات تستطيع البقاء لفترةٍ طويلةٍ قد تمتد لساعاتٍ أو عدة أيام، مثل الفايروس التاجي وفايروس شلل الأطفال.
أنواع الفايروسات
بالإضافة لاختلاف شكلها وطرق انتقالها، تختلف أنواعها كثيرًا ومعظمها تسبب أمراضًا فايروسيًّة تختلف في شدتها بين نوعٍ وآخر وأحيانًا ضمن النوع الواحد، ومن أنواعها:
- فايروسات الجهاز التنفسي
شائعة وتؤثر على الجهاز التنفسي بقسميه العلوي والسفلي، ومن الأمراض التي تسببها: الإنفلونزا، عدوى فيروس الجهاز المخلوي التنفسي، نزلة البرد، عدوى فيروس نظير الإنفلونزا، عدوى الفيروس الغدي، المتلازمة التنفسية الحادّة (السارس)، كوفيد-19 (كورونا المستجد).
تسبب هذه الفايروسات أعراضًا متنوعة كالسعال والعطاس وسيلان الأنف أو انسداده، وأيضًا الحمى وآلام معممة في الجسم، وتنتقل الفايروسات التنفسية عبر رذاذ السعال والعطاس وكذلك بعض الأشياء الملوثة بها كالطاولات وغيرها.
عادةً ما تُشفَى الأمراض الفايروسيّة التنفسيّة لوحدها، وقد تساعد في ذلك مسكنات الألم ومضادات الاحتقان، ويمكن الوقاية منها بالحفاظ على النظافة الشخصيّة وغسل اليدين.
- فايروسات المعدة والأمعاء
تسبب التهاب المعدة والأمعاء الفايروسي، وهو مرضٌ شائعٌ جداً، يسبب التهابًا وتهيّجًا في البطانة المعديّة والمعويّة، ومن هذه الفياروسات:
- نورو-فايروس: وهو الأكثر شيوعًا لنقل العدوى بين البالغين.
- فايروس الروتا: يصيب الأطفال بشكل شائع.
- الفايروس الغدي: يصيب الأطفال دون سن الثانية.
تنتقل هذه الفايروسات عن طريق الطعام والشراب الملوّثين، وتستطيع البقاء حيّة لفترات طويلة خارج الجسم. ومن الأعراض الشائعة التي تسببها الغثيان والإقياء والإسهال المائي وأحيانًا الصداع والحمى، بالإضافة إلى علامات الجفاف الناتجة عن الإسهال والإقياء (مثل جفاف الجلد وقلة نتاج البول). لا تحتاج إلى علاج عادةً ومن المفيد الإكثار من السوائل والأطعمة سهلة الهضم، ويمكن الوقاية منها بالحفاظ على النظافة وغسل اليدين المتكرّر، ويوجد لقاح ضد فايروس الروتا لحماية الأطفال.
- الفايروسات الكبديّة
غالبًا ما تنتج التهابات الكبد عن الفايروسات الكبديّة، والأنواع الفايروسيّة الأكثر شيوعًا هي:
- فايروس التهاب الكبد A: ينتقل عن طريق الطعام الملوث ببراز الأشخاص المصابين وكذلك أشيائهم الخاصة، يكون العلاج داعمًا فقط لتخفيف الأعراض دون التسبب بأذية دائمة للكبد، وله لقاح للوقاية.
- فايروس التهاب الكبد B: ينتقل عن طريق الدم من شخص مصاب إلى سليم وكذلك من الأم الحامل لجنينها وجنسيًا، ويعتبر السبب الرئيسي لحدوث سرطان الكبد، لا يوجد علاج للمرض ولكن له لقاح فعال
- فايروس التهاب الكبد C: ينتقل عن طريق الدم والأدوات الملوثة بدم المصاب، وكذلك من الأم الحامل لجنينها، ويعتبر سببًا مهمًا لسرطان الكبد وحدوث التهاب الكبد المزمن، وليس له لقاح لكن يوجد بعض الأدوية الفمويّة للمرض المزمن.
- الفايروسات التي تصيب الجهاز العصبي
تصيب الدماغ والأنسجة المحيطة به، ومن الأمراض التي تسببها التهاب السحايا الفايروسي، شلل الأطفال، داء الكلَب، التهاب الدماغ الفايروسي، والنكاف.
تؤدي هذه الفايروسات لظهور بعض الأعراض كالحمى والنعاس والاختلاجات، وتنتقل من خلال الاتصال الوثيق مع الشخص المصاب واستخدام أشيائه.
لا يوجد علاج محدد للفايروسات التي تصيب الجهاز العصبي، ولكن يمكن تخفيف الآلام والصداع بالأدوية المسكنة وكذلك الإكثار من السوائل والحصول على قسطٍ كافٍ من الراحة، ويوجد لقاح لفايروس شلل الأطفال والنكاف.
- فايروسات متعايشة مع الجسم ولا تسبب مرض
يوجد بعض الفيروسات من عائلة الفايروسات القهقرية تعيش في الجسم ولا تسبب مرضًا في الحالة الطبيعيّة، مثل الفايروس المضخم للخلايا (CMV)، إذ يُصاب به الكثير من الأشخاص دون عواقب، إلا أنه يصبح ممرضًا بشدة في بعض الظروف المعينة كترافقه مع الإصابة بفايروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز).
هل الفايروس كائن حي؟
يتداخل سؤال هل الفايروس كائن حي أم لا مع تعريف الحياة أساسًا وكون كائن ما حيًّا، ولكن عمومًا تفتقر الفايروسات للبنية الداخلية والوظائف والآليات التي تميز الكائنات الحيّة، بالتالي تُعَدُّ الفيروسات كائناتٍ غير حيّة، إذ أنها غير قادرةٍ بمفردها على أداء الوظائف الحيوية التي تميّز الكائنات الحيّة، بل تحتاج للتطفّل الدائم على الخلايا وإصابتها بالعدوى الفايروسيّة للاستمرار في تكاثرها.
ورغم احتوائها على المعلومات الوراثيّة (الجينيّة)، إلا أنها تعتمد على وجود خليةٍ قادرةٍ على ترجمة هذه المعلومات لتكوّن فايروسًا آخر قادر على الانتقال إلى خلية أخرى لتكرار العمليّة نفسها.
إذًا لا يُعد الفايروس كائنًا حيًا، إذ لا تستطيع التكاثر من تلقاء نفسه، على عكس الجراثيم.
اختلاف الفايروس عن الكائن الحيّ
- الفايروسات غير قادرة على التكاثر مثل بقية الكائنات الحية، فهي بحاجة دائمًا لخليّة مضيفة تعتمد عليها.
- تتميز الكائنات الحيّة بقيامها بعملية الاستقلاب لتوليد الطاقة اللازمة للقيام بالنشاطات المختلفة عن طريق تحطيم جزيئات الطعام وتحرير الطاقة منها، بينما الفايروسات لا تحتاج لطاقةٍ أبدًا إلا عندما تبدأ بالتكاثر، وتستمد هذه الطاقة أصلًا من الخلية المضيفة.
- تقوم الكائنات الحيّة بالحفاظ على التوازن الداخلي للجسم بآليات مختلفة كالتعرّق والارتعاش وغيرها، أما الفايروسات لا تستطيع المحافظة على توازنها الداخلي، إذ أنها لا تمتلك طريقةً في التحكم ببيئتها الداخليّة.
اللقاحات
تحتوي اللقاحات على الأشكال الضعيفة أو الميتة من الفايروسات، لذلك لا تسبّب مرضًا وإنما تقلل من فرص الإصابة بالمرض، وهي وسيلة آمنة وفعّالة للحماية من الكثير من الأمراض وبناء مقاومة ضدها، إذ تعمل على تحفيز جهاز المناعة لتكوين أجسام مضادة، وتُعطى معظمها حقنًا ويمكن إعطاء بعضها عن طريق الفم أو الأنف.
وعند إصابة الشخص بالفايروس يتعرّف الجهاز المناعيّ عليه (لتكوينه مسبقًا أجسامًا مضادةً نتيجة اللقاح)، وبالتالي يتمكّن من محاربته وتدميره بدلًا من حدوث المرض، إذ تساعد اللقاحات على منع حدوث المرض وتسببه بأذيات كبيرة، وقد تعطي اللقاحات مناعةً لعدة سنوات أو مدى الحياة.