تحقيق مسبار
قد تكون فكرة تعدد طبقات الأرض أشبه بعالمٍ من الألغاز، إذ لم يتوصل علماء الجيولوجيا بشكلٍ عمليٍ لباطن الأرض، بل عمدوا إلى سبل التجارب وتدوين الملاحظات والنظريات في تفسير باطن الأرض وتركيباته المختلفة.
يستعرض هذا المقال عددًا من المعلومات عن طبقات الأرض.
حول طبقات الأرض
تتميز طبقات الأرض في اختلاف خصائص كل طبقة عن الأخرى، إذ يمكن تقسيم طبقات الأرض وفقًا لطريقتين، أولًا التركيب الكيميائي للأرض، وثانيًا التركيب الفيزيائي لها. ويجدر الإشارة إلى الحالة التكاملية التي تربط طبقات الأرض في بعضها البعض، إذ تتداخل فيما بينها لينتج عنها ترتيبًا معينًا يوضح مدى الترابط بين التركيبات الكيميائية والفيزيائية للصخور في باطن الأرض، فالتركيب الكيميائي للصخور هو المحدد لسلوكها الفيزيائي، بالإضافة إلى عوامل الضغط ودرجات الحرارة التي تتعرض لها.
وعلى الرغم من التطور العلمي الكبير الذي توصل إليه الإنسان من خلال استكشافه عالم الفضاء والأقمار الصناعية، إلا أن باطن الأرض وتجاويفه الداخلية مازالت بعيدة عن متناوله. ولكن لعلم الزلازل الدور الأكبر في التعرف على الأرض وطبقاتها.
هل طبقات الأرض أربعة؟
صحيح، من الممكن القول أن طبقات الأرض أربعة وهي القشرة والوشاح واللب الخارجي واللب الداخلي. وتحتوي كل طبقة على تركيبتها الكيميائية وحالتها الفيزيائية الخاصة بها والتي تؤثر بشكلٍ مباشرٍ على سطح الأرض وما عليه من حياة، كحدوث البراكين والزلازل على سبيل المثال والتي يعود أصلها لحركة الصفائح الناتجة عن اختلاف درجات الحرارة في باطن الأرض.
كما ومن الممكن تصنيف طبقات الأرض إلى ثلاثةٍ على اعتبار أن كلٍ من اللب الخارجي والداخلي يندرجان تحت مُسمى النواة أو اللب.
ما هي طبقات الأرض؟
تتنوع طبقات الأرض وفقًا لتركيبها الكيميائي والفيزيائي، ويمكن توضيحها فيما يأتي ابتداءً من سطح الأرض وحتى النواة:
- طبقات الأرض وفقا لترتيبها الكيميائي:
- القشرة: وهي الغلاف الذي يحيط سطح الأرض، وتنقسم إلى نوعين: القشرة القارية والقشرة المحيطية. تتميز القشرة القارية بكونها أكثر سُمكًا وأقل كثافةً من القشرة المحيطية التي تجلس عليها المسطحات المائية. كما و تتكون القشرة الأرضية من أكسيد السيليكون وأكسيد الألمنيوم، ويختلف سمكها من منطقة لأخرى على سطح الأرض، فقد تكون بسُمك خمسة كيلومترات تحت التلال الموجودة في المحيطات، وقد تكون بسمك 70 كيلومترًا تحت أعلى سلسلة جبلية على سطح الأرض. تشكل القشرة واحد بالمئة فقط من حجم الأرض الكلي على الرغم أنها تشكل سطح الأرض وما عليه من قارات وقيعان محيطات.
- الوشاح: تأتي طبقة الوشاح تاليًا بعد القشرة في الترتيب الكيميائي لطبقات الأرض. يحتوي الوشاح على نسب أقل من الألمنيوم والسيليكون بالمقارنة مع القشرة، كما وتحتوي على كلٍ من المغنيسيوم والحديد. تعتبر طبقة الوشاح الأكبر حجمًا بين طبقات الأرض، إذ تُشكّل 84 بالمئة من حجم الأرض، ويتراوح سمكها 2900 كيلومتر.
- النواة: أو اللُب، يُشكّل الحديد والنيكل أهم مكونات لب الأرض، ويتراوح سمكها 3500 كيلومتر.
- طبقات الأرض وفقًا لترتيبها الفيزيائي:
- الغلاف الصخري: ويسمى الليثوسفير (Lithosphere)، وهو أول طبقات الأرض الفيزيائية، يتميز بصلابته وبكونه المكان الذي يعيش عليه الإنسان والكائنات الحية بأكملها. يتكون الغلاف الصخري من القشرة التي تحتل الجزء العلوي منه، ووشاح الغلاف الصخري الذي يكون في الجزء السفلي منه. ينتج عن الغلاف الصخري الصفائح التكتونية والتي تمثل الحركات التي تحدث في غلاف الأرض الصخري.
- الغلاف الموري: ويسمى الأستينوسفير (Asthenosphere)، وهي الطبقة التي تأتي مباشرة بعد الغلاف الصخري. يشبه تركيب الغلاف الموري الكيميائي تركيب الغلاف الصخري ولكنه يتمتع بمرونة أكثر لأنه يقترب من نقاط انصهار الصخور.
- طبقة الميزوسفير العلوية: وتأتي تحت الغلاف الموري، وتعتبر طبقة انتقالية تستجيب فيها الصخور للضغط الواقع عليها فتصبح أكثر كثافة مع العمق.
- طبقة الميزوسفير السفلية، وتكون هذه الطبقة على عمق 660 كيلومتر من سطح الأرض. إذ تبدأ كثافة الصخور في الازدياد إلى أن تصل إلى 2900 كيلو متر حتى الالتقاء باللب الخارجي.
- اللب الخارجي، تشكّل كثافة اللب الخارجي ضعف كثافة القشرة الأرضية، وما يقارب مرة ونصف من كثافة الوشاح. يتميز اللب الخارجي بكونه سائلًا إذ لا يمكن لموجات S المرور بداخله.
- النواة الداخلية، تتميز النواة الداخلية بدرجة حرارتها العالية، ولكنها ليست أعلى بكثير من درجة حرارة اللب الخارجي. وتتكون بشكل رئيسي من الحديد. وعلى الرغم من درجة حرارة النواة المرتفعة جدًا إلا أنها في حالتها الصلبة، وذلك لأنها تتعرض لضغط صخري كبير جدًا يبقيها في حالة الصلابة.
طبقات الأرض وحركة الصفائح التكتونية
يعد الانجراف القاري أحد اهتمامات علم طبقات الأرض أو الجيولوجيا. وهو الاختلاف الذي يطرأ على الكتل الأرضية الكبيرة على مدى ملايين السنين. ولقد اكتُشف أن سبب هذا الاختلاف يعود لحركة الصفائح التكتونية الموجودة في قشرة الأرض.
لا تتحرك القشرة الأرضية دون عامل مسبب، فهي مجرد غلاف يغطي ما يحدث أسفل الأرض من حركة وضغط. وعند التأمل في خطوط القارات الساحلية، ستبدو وكأنها تتواءم فيما بينها كأحجية. فعلى سبيل المثال، السواحل الغربية لقارة أفريقيا التي تبدو وكأنها تتطابق مع السواحل الشرقية لأمريكا الجنوبية. ونتيجةً لذلك اعتقد الفيزيائي الألماني ألفريد فيغنر أن سطح الأرض كان عبارة عن كتلة قارية أصلية واحدة تسمى بانجيا (Pangaea) والتي تعني كل الأرض، والتي تعرضت للانفصال لأسباب جيولوجية معينة وكوَّنت في النهاية القارات السبع الحالية.
وبعد تعمق الدراسات البحثية، وضَّح علماء طبقات الأرض أن القشرة الأرضية تنقسم إلى صفائح تكتونية، وأن حركة هذه الصفائح هي السبب وراء ما يسمى بالانجراف القاري.
كيفية دراسة طبقات الأرض
تمكَّن علماء الجيولوجيا من دراسة قشرة الأرض بشكل عَمَلي والتعرف على تكوينها، وذلك لكونها متاحة وسهل الوصول إليها، لكن تبقَى الدراسات محدودة جدًا على الطبقات الأخرى من الأرض كالوشاح واللب.
فيما يلي الطرق التي تمكن العلماء من خلالها لدراسة طبقات الأرض:
- التجارب المعملية على الصخور والمعادن، إذ ساعدت أعمال الحفر والتنقيب العلماء في دراسة سطح الأرض، بالإضافة إلى النيازك التي يمكن من خلالها معرفة أصول النظام الشمسي.
- الأدلة المغناطيسية والجاذبية، إن للأرض مجال مغناطيسي، والذي يعود لتأين المواد وسط سائل داخل الأرض، وبهذا لخَّص العلماء أن اللب الخارجي للأرض سائل. وكما تمتلك الأرض مجالًا مغناطيسيًا، فهي تمتلك أيضًا مجالًا للجاذبية. وإن الجاذبية الأرضية تتأثر بالكثافة، بحسب ما توصل له العالم إسحاق نيوتن. وفي النهاية، استند العلماء أن باطن الأرض أكثر كثافةً من قشرتها، كما وتبيَّن أن باطن الأرض يحتوي على معادن.
- قياس ودراسة الموجات الزلزالية، نظرًا لصعوبة الحفر من أجل الوصول إلى باطن الأرض المتمركز بالنواة، لجأ العلماء لاستخدام موجات الزلازل وكيفية انتقالها أثناء وبعد الزلزال، إذ تتأثر هذه الموجات بالخصائص الفيزيائية للمادة التي تمر من خلالها، والتي تؤثر على سرعة الموجات. وإن هناك نوعان من الموجات الزلزالية، موجات (P) والتي تسمى بموجات الضغط، والتي بإمكانها المرور عبر المواد السائلة والصلبة، وموجات (S) والتي تسمى بموجات القص، التي تعبر من خلال المواد الصلبة فقط دون السائلة. ومن خلال دراسة عبور هذه الموجات تمت معرفة خصائص المواد أو الطبقات وبأن اللب الخارجي من طبقات الأرض سائلًا، والنواة الداخلية صلبة.
اقرأ/ي أيضًا:
