تحقيق مسبار
التعرق أثناء الليل من الحالات المألوفة عادةً؛ اعتمادًا على مدى دفء غرفتك وعدد البطانيات التي تنام بها وطبيعة النظام الغذائي المُتبع، لكن يُمكن اعتبارها من الحالات الخطيرة في حال تبلّل الفراش أو الملابس بشكلٍ غير مألوف، وهذا يجعلنا عن نبحث حول أسباب التعرق الليلي والقلق وعن مخاطره؛ إذ يمكن أن يحدث التعرّق بسبب مجموعة من العوامل البسيطة أو أسبابٍ تثير القلق، هنا سنتحدث عن المسببات والحلول المقترحة والأعراض الأخرى المصاحبة له.
هل التعرق الليلي مثير للقلق؟
الحقيقة أنه يجب علينا أولًا التفريق بين التعرق الطبيعي الناتج عن ارتفاع درجة حرارة الغرفة، أو الشعور المفرط بالدفء والتعرق الليلي المفرط أو البارد كما يُوصف أحيانًا، الذي يُعرف بأنه هبّات ساخنة شديدة تتكرر بشكلٍ دائمٍ ولا ترتبط بارتفاع درجة حرارة الغرفة، وتُسبّب بلل الشراشف والملابس. في بحثنا هنا قد لا تثيرنا مشكلة العرق بقدر الأعراض الأخرى المرتبطة بها، التي تستوجب زيارة الطبيب في بعض الحالات؛ لتقديم الحلول المناسبة، ومن هذه المشاكل:
- مرض الارتجاع المريئي: قد يكون من أسباب التعرق الليلي والقلق مرض ارتجاع المريء، الذي يسبب ارتداد حمض المعدة إلى المريء بعد تناول الوجبات الغذائية مسببًا ألما في الصدر وتقلصات في المريء، مع الشعور بصعوبة البلع ومشاكل في الجهاز الهضمي والتنفسي، وقد تكون هذه مشكلةً خطيرةً في حال تكرارها مرتين أو أكثر خلال الأسبوع، وفي مثل هذه الحالات يجب الامتناع عن تناول الطعام قبل الذهاب مباشرةً إلى النوم، ومحاولة اتخاذ بعض التدابير؛ مثل رفع السرير قليلًا من جهة الرأس؛ لتقليل شدة الارتجاع المريئي، وتلقي العلاجات اللازمة لهذه الحالة.
- التوتر والقلق: قد تحدث مشكلة التعرق الليلي بسبب التوتر والقلق وبعض مشاكل الصحة العقلية؛ مثل: مشاعر الخوف والرهبة، أو الأحلام المزعجة، إضافةً الى الضعف والتعب العام، ومشاكل الجهاز العصبي؛ ومنها صعوبة التفكير بسبب القلق.
- توقف التنفس أثناء النوم: ويحدث ذلك بسبب انسداد مجرى الهواء وبعض المؤثرات على الجهاز العصبي المركزي، وهذه من أهم أسباب التعرق الليلي بحسب دراسة أجريت عام 2013، أثبتت أن المصابين بانقطاع النفس أكثر عُرضةً بثلاثة مرات للإصابة بالتعرق الليلي والقلق؛ إذ تسبب هذه الحالة مجموعة من الأعراض الأخرى المتمثلة في التعب والإعياء في فترة النهار، والاستيقاظ المتكرر في الليل، مع إيجاد صعوبة في التنفس، وهذا يؤثر بشكلٍ كبيرٍ على التركيز أثناء النهار مع الشعور ببعض التعب وألم والتهاب في الحلق، وقد يسبب انقطاع التنفس أثناء النوم مشاكل أشد خطورة؛ مثل مشاكل القلب والأوعية الدموية.
- السرطان: قد يكون التعرق المفرط أثناء الليل أحد المؤشرات الضعيفة على الإصابة بالسرطان، فيما قد تكون مجرد عَرض للإصابة بالأنفلونزا، لكن للتفريق بين الحالتين يجب مراجعة الطبيب، خصوصًا في حال الشعور بالحمى لفترة طويلة مع الإرهاق والتوعك؛ أما في حال فقدان الوزن غير المبرر فقد تكون المشكلة أشد خطورةً ومؤشرًا على وجود السرطان كما ذكرنا، ومن السرطانات المسببة لمشكلة التعرق الليلي؛ سرطان الغدد الليمفاوية وسرطان الدم، وقد تكون مصاحبةً بالأعراض التالية: التعب العام، وضعف الجسم، إضافةً إلى الحمى والقشعريرة، وتورّم الغدد الليمفاوية وإلى آلام العظام؛ في هذه الحالة فخطة العلاج تختلف تمامًا وتستدعي العلاج الكيماوي أو الجراحة أو الأدوية الأخرى المتعلقة بالسرطان.
- التهابات خطيرة: بعض أنواع الالتهابات تُسبب التعرق الليلي؛ مثل: السل الذي يصيب الرئتين، والتهاب الشغاف الذي يصيب صمامات القلب، إضافةً إلى التهاب العظم، أو داء البروسيلات، وفايروس العوز المناعي، وقد تُصاحب هذه الحالات مجموعةً من الأعراض؛ مثل: القشعريرة والحمى وآلام العضلات والجسد بالكامل، إضافةً إلى الضعف العام وفقدان الوزن المصحوب بقلة الشهية؛ وفي مثل هذه الحالة يكون العلاج بالمضادات الحيوية أو أدوية الفيروسات المستخدمة لعلاج هذه الأمراض.
- الاضطرابات العصبية: قد يحدث التعرق الليلي في بعض الحالات نتيجة بعض المشاكل العصبية؛ مثل: السكتات الدماغية، أو تكهّف النخاع، أو الاعتلال العصبي اللاإرادي، أو قد يحدث بسبب عسر المنعكسات اللاإرادية، وهذه الحالات تُسبب أعراضًا أخرى غير التعرق الليلي؛ مثل: فقدان الشهية ومشاكل الجهاز الهضمي المتنوعة أو فقدان الوعي، والشعور بالدوخة والتعب مع إمكانية الإصابة بالخدر والوخز في الذراع والساقين والقدمين، كما قد يخلط بعض المرضى بين التعرق الليلي الطبيعي والتعرق بسبب الذعر الليلي، وهو اضطراب عاطفي يصيب الشخص بالهلع والخوف الشديد، ثم الاستيقاظ من النوم سريعًا، والتعرق في الحالات الطبيعية يحمل بعض القلق، لكنه لا يشبه أبدًا القلق المُصاحب للذعر الليلي.
- الهبّات الساخنة أو سن اليأس: يحدث التعرق الليلي بشكلٍ كبيرٍ في سن اليأس عند النساء؛ كمرادف للهبات الساخنة أثناء النهار في فترة انقطاع الطمث، وفي هذه الحالة قد يكون العلاج هرمونيًا؛ لتعويض بعض الهرمونات الضرورية في هذه الفترة والتي ستقلل حتمًا من التعرق الليلي والأعراض المرتبطة بها، كما يمكن استخدام علاجات أخرى؛ مثل: جابابنتين، الكلونيدين، أو الفينلافاكسين والتي تساعد في التقليل من التعرق الليلي، كما تستطيع بعض النساء تقليل هذه الأعراض بتغير نمط حياتهن واتباع بعض الخطوات الأساسية، التي تجعلهنّ يتحكمنّ بهذه المرحلة بشكلٍ أكبرٍ من خلال:
- ممارسة الرياضة بانتظام.
- تناول الفيتامينات والمكملات الغذائية؛ مثل فيتامين D3.
- تغير النظام الصحي وتناول الأغذية المناسبة لهذه الفترة.
- تجنّب المحفزات العصبية؛ مثل الكافيين والمخدرات وشرب الكحول.
- تناول الأدوية: قد تسبّب بعض أنواع الأدوية مشاكلًا في التعرق الليلي؛ مثل المنشطات؛ بما فيها الكورتيزون والبريدنيزون، إضافةً إلى مضادات الاكتئاب ومثبطات امتصاص السيروتونين، وأدوية السكري وعلاجات الهرمونات، كما أن بعض الأدوية التي يتم تناولها لخفض الحرارة؛ مثل الأسبرين والأسيتامينوفين، قد تسبب التعرق الليلي في بعض الأحيان، فيما تسبّب بعضها مشاكلًا أكبر؛ مثل الاحمرار في الجلد، وإذا كان التعرق الليلي مرتبطًا بتناول الأدوية فقد يوصي الطبيب بتخفيف الجرعات، أو تعديلها بما يتناسب مع حالة المريض.
أسباب خطيرة للتعرق الليلي والقلق
ذكرنا مسبقًا بعض أسباب التعرق الليلي والقلق التي تستدعي التوجه للطبيب في حال تكرارِها لفترة طويلة، لكن هناك أسباب تستدعي التوجّه المباشر والفوري للطبيب لتلقي العلاجات؛ لأنها تهدد الحياة بشكلٍ كبيرٍ، ويكفي حدوثها لمرة واحدة فقط للاتصال بالإسعاف مباشرة؛ ومنها:
- الصدمة: وهي حالة صحية تعني انخفاض تدفق الدم إلى الدماغ والأعضاء الحيوية بشكلٍ مفاجئ مسببًا صدمةً للجسم، وإجهادًا يظهر على شكل عرق بارد أو عرق ليلي؛ بسبب وصول كمياتٍ قليلةٍ من الأكسجين للدماغ، وهنا يعتبر العرق مؤشرًا على خطر يهدد الحياة، خصوصًا إذا كان مصحوبًا بسرعة ضربات القلب والتنفس، وانخفاض النبض، وشحوب الجلد، والدوخة عند الجلوس أو الوقوف، عندها يجب التوجّه إلى الطوارئ مباشرةً لتلقي العلاجات المناسبة.
- الإغماء: وهو حالة تشبه الصدمة بشكلٍ كبيرٍ وتحدث بسبب انخفاض ضغط الدم المفاجئ، وتسبّب التعرق الشديد المصحوب بالدوار والغثيان، وهذه حالة تستدعي التوجّه المباشر للطبيب لإجراء الإسعافات الأولية.
- أزمة قلبية: قد يحدث التعرق الليلي كعرض مصاحب للأزمة القلبية، خصوصًا إذا كان مصحوبًا بألم في الصدر أو ضغط في الذراع والرقبة، عندها يجب مباشرةً إعطاء المريض الأسبرين، ثم التوجه مباشرةً إلى المستشفى.
- انخفاض السكر: إذ كان المريض يعاني من مرض السكري ويتناول أدوية لتخفيضه؛ قد يُصاب أحيانًا بالتعرق الليلي بسبب نقص الجلوكوز في الدم كعرض من أعراض الأدوية، وهي حالة مشابهة لنقص الأكسجين في الدم تستوجب التوجه مباشرةً للمستشفى لتلقي العلاج المناسب؛ لأنها قد تهدّد الحياة.
هل يمكن علاج التعرق الليلي والقلق؟
الحقيقة أن مشكلة التعرق الليلي لا تعتبر من المشاكل الخطيرة؛ إن لم تكن مرتبطةً بأحد الأسباب التي سبق ذكرها؛ مثل الالتهابات والسرطانات والارتجاع المريئي وغيرها؛ إذ يُمكن التوجّه إلى الطبيب لتحديد السبب الحقيقي وخطة العلاج الناجحة، التي تتضمن غالبًا إجراءات وقائية للمساعدة على النوم المريح وعلاج الأرق المُصاحب لهذه الحالة، وتعديلات بسيطة في النظام الغذائي لمنع تفاقم الحالة الطبية؛ مثل: تجنب الأطعمة المصنعة والحارة، والابتعاد عن تناول المشروبات الكحولية، وتقليل تناول الكافيين؛ لأن هذه الإجراءات ستقلّل بشكلٍ كبيرٍ من التعرق الليلي والقلق المصاحب له، كما يمكن اتباع الخطوات التالية أيضًا:
- فتح النوافذ أو استخدام مروحة لتقليل درجة حرارة الغرفة قدر المستطاع.
- تغيير الأغطية بأخرى أخف تسمح بمرور الهواء، أو استخدام أغطية تمتص الرطوبة.
- وضع كيس ثلج تحت المخدة لتبقى أبرد، أو استخدام منشفة باردة على الوجه.
- شرب كميات وفيرة من الماء البارد أثناء الليل؛ للحفاظ على برودة الجسم ورطوبته.
- تقليل التمارين الرياضية في الليل؛ لأنها قد تكون سببًا في التعرق الليلي.
- الاستمتاع بحمام بارد قبل النوم مباشرة.
- ممارسة بعض تمارين التنفس والاسترخاء قبل النوم وبعد الاستيقاظ مباشرة.
- اتباع نظام غذائي منخفض السكريات والدهون.
- الحفاظ على الوزن المثالي للجسم.
الأعراض الخطيرة المصاحبة للتعرق الليلي
بعض الأعراض المصاحبة لحالة التعرق الليلي والقلق تكون خطيرة وتستدعي زيارة الطبيب؛ مثل:
- فقدان الوزن المفاجئ ودون أسباب مبررة.
- آلام متنوعة في الجسم.
- حمى مستمرة مع القشعريرة.
- سعال مزمن وقد يكون دمويًا أحيانًا.
- مشاكل في الجهاز الهضمي؛ ومنها الإسهال.
اقرأ/ي أيضًا:
هل يمكن تمييز أنواع الأمراض النفسية والعقلية من غير طبيب؟
هل أعراض القلق النفسي عند الرجال خطيرة؟