تحقيق مسبار
مرضُ الزهايمر هو أحد الأمراض الشائعة التي يكثُر الحديثُ عنها والبحث حول ماهيته ومسبباته وأعراضه ومضاعفاته، ولعل أهم الأسئلة التي تتبادرُ إلى الأذهان؛ هي هل مرض الزهايمر يسبب الوفاة؟.. لكن قبل ذلك سنحاول تعريف المرض من الناحية العلمية، والتي يُمكن تلخيصها بأنه إضطراب تنكّسي في الدماغ يُدمر تدريجيًا خلايا الدماغ والخلايا العصبية ومهارات التفكير والذاكرة، ويصيب الأشخاص عادةً في منتصف الستينات؛ إذ تختلف طبيعتُه وتأثيره على الأشخاص بحسب سرعة تطوره؛ حيث يؤثر أحيانًا بشكلٍ بسيطٍ على الوظائف العقلية، فيما يعاني البعض الآخر من شراسة كبيرة في المرض تسرق ذاكرتهم وتُعطّل حياتهم اليومية بشكلٍ متسارعٍ.
هل مرض الزهايمر يسبب الوفاة؟
الحقيقة أنّ مرض الزهايمر يُصنّف بأنه سادس مسبّب للوفاة في الولايات المتحدة، كما أن بعض الدراسات الحديثة تشير إلى أنه يحتل المرتبة الثالثة بعد أمراض القلب والسرطان خصوصًا لدى كبار السن، إضافةً إلى أنه المسبّب الأكثر شيوعًا للخرف بين كبار السن، وهو عبارة عن فقدان الأداء المعرفي والتفكير والقدرات السلوكية للأفراد؛ مما يجعله يتعارض مع حياتهم ونشاطاتهم العامة.
إن المشكلة الأهم في مرض الزهايمر أنه لا يمكن علاجه بشكلٍ فعّالٍ، كما أن معظم الوفيات التي تحدث بسبب مرض الزهايمر لا يتم تسجيلها في شهادة الوفاة على أنها ناتجة عن الزهايمر، وإنّ بعض الوفيات لم تشخيصها بالمرض فعليًا لحين وفاتها؛ لذلك فإن العديد من الدراسات تشير إلى أن الوفيات الناجمة عن مرض الزهايمر في كبار السن، الذين تتجاوز أعمارهم 75 عامًا، تصل إلى ما يقارب 6 أضعاف الأعداد المسجلة، وهذا يعني أن المرض فعليًا يسبّب الوفاة بشكلٍ رئيسيّ.
فيما يخص الخرف المصاحب للزهايمر؛ فإنه يتراوح في شدّته من المرحلة المعتدلة إلى المرحلة الشديدة؛ لأن الشخص يصبح بحاجة للمساعدة في القيام بأبسط واجباته اليومية وأنشطته الأساسية، وقد تختلف شدة الخرف ونوعه باختلاف التغيّرات الدماغية التي تُسببه، كما تختلف أنواعه وتشمل خرف أجسام ليوي، والخرف الوعائي، واضطرابات الجبهة الصدغية، وقد يكون من الشائع أن يُصاب الأشخاص بالخرف المختلط أو الإصابة بنوعين او أكثر من أنواع الخَرَف، كما يعاني بعض الأشخاص من مرض الزهايمر والخرف الوعائي.
كيف يسبّب مرض الزهايمر في الوفاة؟
بعد تأكيدنا على الاستفسار في مقدمة المقال وهو هل الزهايمر يسبب الوفاة يجب تحديد كيفية ذلك؛ فعند تطوّر المرض ووصوله إلى مراحله الأخيرة يشعر المريض بالارتباك والهيجان بشكلٍ كبيرٍ، فيما قد يصبح انطوائيًا ومعزولًا؛ وفي الحالتين يحتاج لأشخاصٍ يساعدونه على أداء أبسط الأمور في حياته؛ لأنه غير قادر على رعاية نفسه، كما يصبح الشخص مقيدًا في الفراش ما يعني انخفاض قدرته ونشاط أعضائه ويفقد شهيته شيئًا فشيئًا، ثم تتطوّر الأمور حتى يفقد القدرة على البلع، وهذه الأسباب مجتمعةً تسبّب سوء التغذية وقد يلجأ الأطباء إلى تغذيتهم بطرق معينة؛ منها الأنبوب المتصل بالمعدة والذي قد يُسبب للمريض مشاكلًا ومخاطرًا أكبر؛ منها الالتهابات الرئوية، كما أن استقرارهم في الفراش يسبّب ضمورًا في عضلاتهم وتغيرًا في مستوى الضغط وتقرحات في الجسم، وهذه تكون بداية رحلة الموت، التي تبدأ بموت الأعضاء شيئًا فشيئًا بعيدًا عن المشاكل التي قد يتعرضون لها بسبب الخرف؛ مثل السقوط أو أذية أنفسهم دون إدراكهم للأمور، لهذا فالحقيقة أن معظم وفيات كبار السن تكون بسبب مرض الزهايمر.
هل يؤثر مرض الزهايمر على الدماغ؟
لا شك أن مرض الزهايمر يؤثّر بشكلٍ فعليٍّ على الدماغ، لكن في بحثنا هل مرض الزهايمر يسبب الوفاة فعليًا أو لا يجب معرفة تأثيره على الدماغ بالفعل عن طريق المقارنة بين الدماغ السليم والدماغ المصاب بالزهايمر؛ حيث لوحظ أن الدماغ يبدأ بالتغير قبل عقد من ظهور الأعراض، وتحدث أولى التغييرات بسبب تراكم البروتينات غير الطبيعي، التي تُشكّل لويحات الأميلويد وتشابكات تاو، فيما تموت الخلايا العصبية السليمة عند توقفها عن العمل وتفقد الروابط مع الخلايا العصبية الأخرى، كما أن الضرر يلحق بالحُصين والقشرة المخية الأنفية الداخلية، وهي الأجزاء المسؤولة عن تكوين الذكريات؛ عندها تبدأ أجزاء الدماغ بالانكماش بسبب موت الخلايا العصبية، وتتقلص أنسجة المخ بشكل كبير.
سبب تسمية مرض الزهايمر
سُمي مرض الزهايمر على اسم مكتشفه الدكتور ألويس الزهايمر عام 1906، الذي لاحظ وجود تغيّرات في أنسجة المخ لإمرأة ماتت بسبب مرضٍ عقليّ جديدٍ لم يعرف سببه، وشملت أعراضه: مشاكلًا في السلوك، وفقدان الذاكرة، ومشاكلًا في اللغة، عندها تمّ فحص دماغها فوجد فيه بعض الكتل غير الطبيعية، تُسمى حاليًا بـ لويحات الأميلويد، إضافةً إلى حزم متشابكة من الألياف تُسمى التشابك الليفي العصبي، ولا زالت للآن هذه اللويحات تعتبر السمة الرئيسية للمرض، كما ينتج عن هذا المرض فقدان الروابط بين الخلايا العصبية في الدماغ، التي تنقل الرسائل العصبية من الدماغ إلى العضلات ومن الدماغ إلى الخلايا الأخرى في الدماغ أيضًا.
هل يوجد أنواع لمرض الزهايمر؟
هل هنالك أنواع لهذا المرض وهل مرض الزهايمر يسبب الوفاة، هذه الأسئلة شائعة عند كثير من المرضى وعائلاتهم، كما يكثُر البحث عن أعراض هذا المرض، المتمثلة في حدوث مشاكل الذاكرة وضعف الإدراك بشكلٍ كبيرٍ، وهذه أولى مؤشرات الخطر التي تستلزم التوجّه إلى الطبيب والتأكّد من تشخيص المرض؛ إذ يُعاني الأشخاص المصابين بالزهايمر من مشاكل في الذاكرة أكثر من الوضع الطبيعي المناسب لأعمارهم، كما قد تظهر لديهم بعض المشاكل في حاسّة الشم وصعوبات في الحركة، وهذه الأعراض ترتبط بالاختلال المعرفي المعتدل، الذي يكون عادةً عرضًا أوليًا للمرض، لكنه في بعض الأحيان يتحوّل إلى الإدراك الطبيعي. تختلف الأعراض الأولية بشكلٍ كبيرٍ من شخصٍ لآخر؛ فقد تظهر على شكل البحث عن الكلمات والأسماء والإدراك لبعض الأمور، فيما قد تظهر أكثر شدّة؛ مثل ضعف المنطق، ولا زالت الأبحاث مستمرة لاكتشاف التغيّرات المبكرة على أدمغة الأشخاص المصابين أو المعرضين للإصابة؛ للمساعدة على اكتشاف المرض في مراحله المتقدمة. فيما يلي أنواع مرض الزهايمر:
- الزهايمر الخفيف: يعاني المصابون في هذا النوع من فقدان ذاكرة كليّ، وصعوباتٍ متنوعة تشمل الضياع وعدم التعرف على الأماكن والأشخاص، إضافةً إلى صعوبة التعامل مع الأموال وتكرار الأسئلة بشكلٍ ملحوظ، كما يُعانون من استغراق وقتٍ طويلٍ لممارسة الأعمال البسيطة والمهام اليومية العادية، وهذه المرحلة تكون فيها المؤشرات أكبر وُيمكن من خلالها تشخيص الحالة بشكلٍ مباشرٍ.
- الزهايمر المعتدل: هذه المرحلة تعتبر أصعب قليلًا لأن الضرر هنا وصل إلى مناطق الدماغ المتحكمة باللغة والمنطق؛ لذلك يفقد الشخص القدرة على تمييز الروائح والأصوات، وتبدأ مرحلة الضياع وعدم التعرّف على الأشخاص وأفراد العائلة، كما يشعر المريض بعجزه عن إتمام المهام المتنوعة؛ مثل ارتداء الملابس وقيادة السيارة وغيرها، فيما يشعر بعض المرضى بأعراض أكبر تتمثل في الأوهام والهلوسة والتصرف باندفاع دون تقدير العواقب.
- الزهايمر الشديد: هذه المرحلة هي الأخيرة والتي يتم فيها انتشار اللويحات والتشابكات في جميع أجزاء الدماغ مسببةً تقلصًا في أنسجة المخ، وتُصبح مهمة التواصل معهم أصعب بكثير؛ لذلك يحتاج المريض إلى رعاية تامة، وقد يقضي معظم وقته نائمًا.
ما هي أسباب مرض الزهايمر؟
يبحث العلماء بشكلٍ متواصلٍ عن أسباب مرض الزهايمر، لكن الحقيقة أن السبب الفعليّ غير معروف للآن، فيما يُعتقد أن الزهايمر المبكر ناتج عن طفرةٍ جينيةٍ، أما فيما يخص الزهايمر المتأخر؛ فإن السبب الفعلي غير محدّد؛ بسبب حدوث مجموعة معقدة من التغيّرات الدماغية على مدى سنوات متعددة، كما يُعتقد أن السبب عائد إلى العوامل الوراثية والبيئية المتنوعة ونمط الحياة بشكلٍ عامٍ، لكن هذه الأسباب إلى الآن لم يتم تحديدها لتقليل الإصابة بالمرض أو تخفيف أعراضه، كما أن الأبحاث مستمرة لمعرفة المزيد عن السمات البيولوجية واللويحات والتشابكات؛ إذ يستخدم العلماء مجموعةً من التقنيات المتطورة في تصوير الدماغ؛ للبحث عن طريقة تطوّر وانتشار اللويحات غير الطبيعية في الدماغ، كما يبحث العلماء عن تأثيره على كبار السن بالتحديد وربطه بالتغيّرات الطبيعية، التي تلحق الضرر بالخلايا العصبية مع تقدّم العمر ومساهمتها في تطوّر المرض .
العوامل الوراثية
معظم المصابين بالمرض تظهر لديهم الأعراض في عمر الستين، وقد حاول العلماء البحث عن الجين المسبّب لمرض الزهايمر المتأخر ووجدوا أن أحد أشكال جين صميم البروتين الشحمي يزيد خطر الإصابة بالمرض، وهذا الجين موجود بأشكال متنوعة؛ منها APOE ε4، لكن حمله لا يُعتبر مؤشرًا مؤكدًا على الإصابة بالمرض، كما أن بعض المصابين بالزهايمر لا يحملون هذا الجين.
فيما يخص الزهايمر المبكر، الذي يصيب الناس في الثلاثينيات أو منتصف الستينيات من العمر، ويعتبر أقل انتشارًا من الزهايمر المتأخر؛ فإنه يحدث بسبب تغيير في الجينات، وفي بعض الدراسات فإن المصابين بمتلازمة داون معرضون بشكلٍ أكبرٍ للإصابة بالزهايمر؛ إذ يُعتقد أن السبب هو الكروموسوم 21، الذين يملكون نسخةً إضافيةً منه، وهذا الكروموسوم يحتوي على الجين المولّد للأميوليد الضار.
العوامل الصحية والبيئية ونمط الحياة
الحقيقة أن أسباب مرض الزهايمر لا يمكن تحميلها للعوامل الوراثية والجينات فقط، بل إن نمط الحياة والأمراض المتنوعة قد تلعب دورًا مهمًا في تطوّر المرض بحسب العديد من الدراسات؛ لذلك فإن الأبحاث مستمرة لإيجاد نمط حياة صحي يُقلّل من خطر الإصابة وخطر تطوّر المرض، ويشتمل هذا النمط على زيادة النشاط البدني وتناول الأطعمة المغذية، إضافة إلى المشاركة الاجتماعية، وهذا عمومًا من العادات والأنماط التي تُساعد على تقليل مخاطر الشيخوخة، أو الإصابة بمعظم الأمراض؛ ومنها مرض الزهايمر.
اقرأ/ي أيضًا: