تحقيق مسبار
الإهمال العاطفي أو الإساءة العاطفية هو نوعٌ من أنواع الإساءة التي تحدث في مختلف العلاقات العامة، ويُطلق عليه أيضًا مصطلح الإساءة النفسية؛ إذ يُسبّب أعراضًا خفيّةً غير ظاهرة تدور حول سيطرة شخص على شخص آخر؛ مثل سيطرة أحد الأزواج على الآخر أو سيطرة الوالدين على الطفل، وتشمل على مجموعةٍ كبيرةٍ من الإساءات النفسية واللفظية التي تُؤثر بشكل كبير على الأشخاص جسديًا ونفسيًا، لكن ما هي هذه التأثيرات بشكل دقيق، وهل يُمكن التخلص منها؟
ما هو الإهمال العاطفي؟
يُمكن تعريف الإهمال العاطفي بأنه تجاهل احتياجات الفرد أو إبطالها بطريقة معينة وعدم تقديرها من قبل شخص آخر، ويحدث هذا نتيجة انفصال الأشخاص عن بعضهم أو عدم فهمهم لاحتياجات بعضهم البعض، أو بسبب الضعف وعدم القدرة على تلبية هذه الاحتياجات، أو لأسباب أُخرى ناتجةً عن مشاكل نفسية سابقة أو بعض مشاعر الغيرة أو الانشغال وغيرها من الأسباب التي تكون مقصودة أو غير مقصودة أحيانًا، وتختلف آثار هذا الإهمال بمقدار نوع الإساءة، ومن أهم أنواع الإساءات ما يلي:
- الهجمات اللفظية: وتشمل التلفظ بألفاظ غير ملائمة أو التهديدات المستمرة.
- تقييد حرية الشخص الآخر: عن طريق منع الشريك من القيام بأعمال معينة.
- السيطرة المالية: وتشمل السيطرة على المال أو الأغراض الشخصية المتنوعة؛ مثل السيارة.
- الإهانات: وتشمل الكلام البذيء والشتائم والإذلال.
آثار الإساءة العاطفية
تُعتبر آثار الإهمال العاطفي أقل وضوحًا من آثار الإهمال الجسدي؛ إلّا إنّها تؤثّر بنسب متفاوتة على الأطفال والبالغين، ويُمكن أن تتمثل أعراضها فيما يلي:
- تقليل نسبة الرضا عن العلاقة.
- زيادة أعراض الاكتئاب والقلق.
- صعوبات في النوم والأرق.
- تدني نسبة احترام الذات.
- ظهور بعض الأفكار الانتحارية.
- زيادة المشاكل الصحية الجسدية؛ منها: عسر الهضم والصداع المزمن والألم وقرحة المعدة.
- التأثير على نمو الأطفال.
هل يؤثر الإهمال العاطفي على الأشخاص جسديًا ونفسيًا؟
يُعتبر هذا الإهمال نوعًا من أنواع الإساءة العاطفية التي يتم ممارستها من شخص على آخر ويتم من خلال سلوكيات معينة تُؤثر فعليًا على الشخص في المستقبل من ناحية نفسية وجسدية، ويُسبب مجموعةً من الأمراض والمشاكل؛ لذلك يجب محاولة اكتشافه، من ثم إيجاد الحلول الملائمة، ويُمكن التعرّف عليه من خلال مجموعة من الممارسات:
- المطالبة بالاحترام: عن طريق وضع قيود وقوانين يُمنع تجاوزها وفي حال تجاوزها سيتعرض الشخص المُعنّف للعقاب.
- تجاهل الاتصالات: يتعرّض الشخص المُهمَل إلى تجاهل أحاديثه واتصالاته المتنوعة، سواءً كانت عبر الهاتف أو عبر الرسائل النصية.
- نقص الاهتمام: يتم ممارسة الإهمال على الشريك من خلال تجنّب النظر إليه أثناء الحديث أو ما شابه.
- عرقلة المشاريع الاجتماعية: يتعرّض الأشخاص المُهمَلون إلى العديد من الخطط لعرقلة ومنع أنشطتهم الاجتماعية المتنوعة.
- تحريض المُحيطين: يحاول الشخص المُمارِس للإهمال تحريض المحيطين حول الشريك وإخبارهم بمشاكله النفسية.
- اللامبالاة: يُعاني الشخص المُهمَل من نقص الاهتمام واللامبالاة تجاه المشاعر والمشاكل المتنوعة.
- تجنّب العلاقات الحميمة، والامتناع عن التواصل الجسدي بشتّى أشكاله أو جعله وسيلةً للضغط.
من هم الأشخاص المعرضين للإهمال العاطفي؟
لا تُعتبر جميع أشكال الإهمال مؤذيةً جسديًا؛ إلّا إنّها تُؤثر في بعض الحالات بنسب متفاوتة؛ إذ يتعرّض كِلا الجنسين لشكل أو أكثر من الإيذاء العاطفي والإهمال لكن بنسبٍ متفاوتة، هذا وبحسب دراسة أسترالية تحدّث عنها موقع هيلث دايركت وجدت أنّ واحدةً من كلّ 4 نساء تتعرّض لشكل من أشكال الإهمال والإساءة، بينما يتعرّض له رجلٌ من كلّ 6 رجال، كما يتعرّض بعض الأطفال لنوع من أنواع الإهمال لكن الدراسات عليهم تُعتبر قليلة ولا يمكن تحديد النسبة.
الإهمال العاطفي للطفل
يتعرّض الأطفال في بعض الحالات لعِدّة أنواع من الإساءات العاطفية، التي يكون له آثارًا نفسيةً وجسديةً وخيمةً مستقبلًا؛ ومن هذه الإساءات:
- الإهمال: نقص التعبير عن المشاعر وعدم إظهار الحب للطفل وتجنّب ممارسة الألعاب معه.
- الرفض والعداء: رفض تصرّفات الطفل المختلفة لأسباب غير معروفة أو معروفة؛ مثل رفض جنسه مثلًا.
- التعليقات المُهينة: وصف الطفل بصفات مُزعجة وألقاب مُهينة.
- التوقعات المُفرطة: تحميل الطفل أعباءً كبيرةً بسبب وضع مجموعة من التوقعات عليه.
التأثيرات على البالغين
إنّ الإساءات العاطفية في مرحلة الطفولة لها عواقب كبيرة في المستقبل تنتقل معهم إلى مرحلة البلوغ نتيجة تجاهل احتياجاتهم العاطفية؛ بالتالي يُصبح من الصعب معرفة كيفية التعامل معهم في مراحلهم العمرية المتنوعة؛ ممّا سيُسبب لهم مجموعة من الآثار الجانبية في مرحلة البلوغ والمراحل اللاحقة؛ ومنها:
- الاكتئاب.
- اضطرابات ما بعد الصدمة.
- صعوبة الثقة في الآخرين.
- الإصابة باضطرابات الأكل.
- الشعور بالفراغ.
- الشعور بالنقص والدونية.
- الابتعاد عن العلاقات الحميمة.
- الشعور بعيوب عميقة وشخصية.
- الشعور بالذنب.
- سرعة الانفعال والغضب والعدوانية.
- عدم القدرة على إيصال المشاعر للآخرين؛ إذ يصبح هؤلاء الفئة مُهملين لأبنائهم وشركائهم في المستقبل.
ما هو الإهمال العاطفي في الحياة الزوجية؟
يُعتبر الإهمال في العلاقات الزوجية شائعًا بكثرة بسبب عدم فهم مُتطلبات الزواج من ناحية والانشغال بمتاعب العمل من ناحية أُخرى، ويُمكن تعريفه بأنه نقص في الإجراءات التي تُثبت وجود رعاية حقيقية، التي ينتُج عنها نقصًا في تلبية احتياجات الشريك والاستماع لمشاعره وتفهُمها. والإهمال هنا لا يعني الإساءة بشكل مُطلق؛ إذ يجب التفريق بين المفهومين؛ لأنّ الإهمال يُمكن أن يحدث دون وجود الإساءة بالرغم من إمكانية حدوثها، كما أن الإساءة تتطلّب القيام بإجراء سلبي تجاه الآخرين بالقول أو الفعل، أمّا الإهمال يعني تجاهل الرغبات والمشاعر بشكل أكبر دون القيام بإجراءات وتصرّفات واضحة.
أسباب الإهمال العاطفي في الزواج
يُسبّب الإهمال العاطفي ركودًا في العلاقات العامة مع التأكّد من الشعور بشيء خاطئ فيها، هذا على عكس الإيذاء الجسدي الذي يسهل تحديده واتخاذ قرار في إنهاء العلاقة بسببه.
إنّ أفضل طريقة لحلّ مشكلة الإهمال هي معرفة السبب الحقيقي وراءه، والتي تكون بسبب تغيير نمط الحياة أو بسبب ضغط العمل أو إنجاب طفل جديد، فيما يكون أحيانًا نتيجة تعرّض أحد الأزواج للإهمال العاطفي أثناء الطفولة وعدم الحصول على الرعاية والاهتمام الكافي الذي يجعله عُرضةً أكبر للعديد من المشاكل النفسية؛ ومنها الاكتئاب والقلق وتدنّي احترام الذات وانعدام الثقة وغيرها من الأعراض التي تجعله غير قادر على الاهتمام بالشريك وتلبية متطلباته العاطفية من منطلق فاقد الشيء لا يعطيه.
علاج الإهمال العاطفي من الزوج
يجب إدراك أن الزوج المُهمِل لا يكون دائمًا مُدركًا لأفعاله وتصرفاته؛ أيّ أنّها أفعالًا لا إرادية؛ فمن المحتمل أن لا تكون لديه نيّة لإيذاء الزوجة بالفعل، بل أن أفعاله ناتجة عن مشاكل نفسية سابقة؛ إذ يُحتمل أن يكون ضحيةً في السابق. كما أنّ ممارسته للإهمال لا تعني تعنيف الزوجة أو ضربها أو الإساءة لها، بل يُمكن تجاهلها والاستهتار بمشاعرها فقط. وأيًا كانت الأسباب فلا شك أنّ له آثارًا جسيمةً على الزوجة تتمثّل في الخوف والارتباك والخجل والشعور بالوحدة والانعزال والقلق، كما تتطوّر الأعراض أحيانًا وتؤثّر على الجسم مُسببةً مجموعةً من الأعراض؛ منها الألم المزمن أو ما يُعرف بمتلازمة التعب المزمن وغيرها من الأعراض.
فيما يخص طُرق العلاج فتبدأ بعد فهم المشكلة أولًا، ثم التوجّه إلى طبيب مُختصّ أو استشاري في العلاقات الأُسريّة لتحديد المشكلة الرئيسية ثم محاولة حلّها، وفي بعض الحالات يكون الخضوع لجلسة نفسية مشتركة أفضل للشريكين لتحديد أسباب المشكلة ومحاولة حلّها ومنع تفاقمها وإنتاج أطفال مُهمَلين في المستقبل، كما يعمل الطبيب على تعليم الأزواج طريقة تغيير السلوك والتفاعل مع الآخرين وفهم طريقة التواصل الصحيحة.
أيضًا سيعمل الطبيب النفسي على مساعدة الزوج على فهم مشاعره وطريقة التعبير عنها بالشكل الصحيح؛ إذ يكون سبب الإهمال أحيانًا عدم القدرة على التعبير عن المشاعر وليس عدم وجودها فعليًا؛ فالشخص المُهمَل منذ الصغر لا يستطيع التعبير عن ذاته ورغباته بشكل فعليّ ولا يستطيع التواصل مع الآخرين، أيضًا يعمل الطبيب على تعليم الشخص الطريقة المُثلى للتعامل مع المشاكل والمخاوف ليتمكّن لاحقًا من تصحيح السلوكيات الخاطئة والمشاكل الناتجة عنها.
ما هي آثار الإهمال العاطفي للزوجة؟
يتم تسليط الضوء عادةً على الإساءات الجسدية أكثر من الإساءات النفسية؛ بالرغم من تأثيرها الكبير على الحياة الزوجية وتركها أثرًا سلبيًا لفتراتٍ طويلة، لكن التعبير عن هذا النوع من الإساءات يعتبر أكثر صعوبة بسبب قِلّة الإدراك أحيانًا وقِلّة فهم الاحتياجات النفسية من ناحية أُخرى؛ فتشعر الزوجة بالإهمال وعدم التقدير لأن الطرف الآخر لا يستمع لها بالقدر الكافي ولا يهتم لمشاكلها العاطفية والنفسية؛ فيحدث شرخًا كبيرًا في العلاقات الزوجية يصعب إصلاحه مُسببًا انهيار الحياة الزوجية في نهاية المطاف، كما يسبب إهمال الزوجة عاطفيًا مجموعةً من الآثار منها:
- قِلّة تقدير الذات: إنّ قِلّة استماع الشريك للزوجة يُشعرها بالدونية وعدم الثقة وأنها غير قادرة على جذب الحديث وجذب انتباه الشريك؛ فتشعر بالضغط النفسي نتيجة محاولتها لجذب الاهتمام الذي سيواجَه بمزيد من الإهمال والفتور والنفور؛ بالتالي تتفاقم المشكلة وتبدأ المرأة بإهمال نفسها والدخول في حالة من الاكتئاب.
- جلد الذات: هذه النقطة مُرتبطة بسابقتها ويترتّب عليها الشعور بالدونية والنقص، كما تنتهي بالعنف تجاه جميع أفراد الأُسرة، كما تتطوّر للوصول إلى بعض الأمراض النفسية.
- العصبية: استمرار المرأة في طلب الاهتمام يولّد ضغطًا عصبيًا عليها وعلى الرجل؛ لعدم مقدرته على إبداء الاهتمام الكافي وافتعال المشاكل للبقاء خارج المنزل والتخلّص من الضغط، هذا يزيد الأمور سوءًا وتدخل الأُسرة في صراعات ومُشاحنات دائمة.
- الابتعاد الجسدي: مع زيادة الشعور بالإهمال تبدأ مرحلة التباعد الجسدي والانغلاق كلًّا على نفسه، وهذا يُسبب اختلالًا في توازن الأُسرة وتحوّل البيت إلى مكان للسكن فقط دون وجود مشاعر.
- فتور العلاقة الحميمة: تنتهي فترة الابتعاد الجسدي وتتطور المشاكل بشكل أكبر مُتمثلةً في انعدام العلاقة الحميمة؛ لأن الزوجة تعتقد أن دورها مُقتصر على إشباع رغبات الشريك، هذا ما ترفضه ضمنيًّا وبالتالي تزداد الأمور صعوبةً ويزداد الإهمال العاطفي.
- الرغبة في الانفصال: يكثُر في هذه المرحلة الحديث عن الانفصال وكأنّه الحلّ المثالي؛ بسبب رغبة كلّ طرف بالعيش بطريقة مُستقلة والقيام بأعماله لوحده ويبدأ انشغال كلّ طرف بالعمل أو الأصدقاء أو الهاتف.
اقرأ/ي أيضًا: