تحقيق مسبار
يهدف هذا المقال إلى بيان تاريخ نشأة علم المنطق، بالإضافة إلى مساهمات الفيلسوف أرسطو في تطوير هذا العلم مع ذكر الكُتب البارزة الذي قام أرسطو بتأليفها في هذا الميدان، ويتطرّق المقال كذلك إلى تاريخ نشأة المنطق الحديث، ويعتني بذكر بعض المسائل المنطقية البارزة؛ مثل مقولات أرسطو المعروفة باسم المقولات العشر، وكذلك درجات الحجج المنطقية من حيث قوتها وضعفها.
هل أرسطو من مؤسسي علم المنطق؟
يُعد أرسطو واحدًا من أبرز مؤسسي علم المَنطق، وعلى الرغم من وجود العَديد من الفلاسفة، الذين تكلّموا عن الطريقة المنهجية في التفكير وكيفية طرح الأسئلة وإيجاد الأجوبة عليها؛ ومنهم أفلاطون وسقراط؛ إلّا إنّ أرسطو، وهو واحد من تلاميذ أفلاطون، وضع نظامًا شاملًا من القواعد للتفكير وفحص البراهين والحِجَج، ويجدر الذكر بأن المنطق آلة تستفيد منها جميع العُلوم الأُخرى.
كيف بدأ تاريخ علم المنطق؟
بدأ تاريخ علم المَنطق بين القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد من خلال تطوير القواعد والأنظمة، التي يُمكن الاعتماد عليها لإجراء الأقيسة المنطقية. ومرّ المنطق في هذه الفترة بعِدّة مراحل من التمحيص والتطوير مرورًا بسُقراط، ثم تلميذه أفلاطون وحتى وصلت إلى أرسطو، الذي وضع العديد من القواعد في أساليب القياس والحُجج وأدرجها في كُتبه، ثم تبعه ثاوفرسطس ليرأس مدرسة المشائين وقام بتطوير الضروب المُنتجة في القياس المنطقي، كما قام بتقديم القياس الشرطيّ في علم المَنطق، ثم مرّ المنطق بالمدرسة الميغارية التي وضعت مُفارقة كريت وقامت بمعاداة مدرسة أرسطو؛ إلّا إنّ هذه المدرسة اندثرت فيما بعد واستمر انتشار المنطق مُرورًا بالعصور الوسطى، ثم عصر النهضة وحتى وصلت إلى العصر الحديث.
ما هي أبرز أعمال أرسطو المنطقيّة؟
قام أرسطو بتأليف الكُتب الآتية في علم المنطق:
- المَقولات العشر: يعتني هذا الكتاب بنقاش تفاصيل الجوهر وما يُمكن نسبته إليه من الصفات، وسُميت بالمقولات العَشر؛ لأنّها تدرس الجوهر، بالإضافة إلى تسعِ صفات تُنسب إليه، وهذا يعني أن الجوهر مقولة وكلّ واحدة من الصفات مقولة؛ فيكون المجموع عشر مقولات.
- كتاب العبارة: يهتم كتاب العبارة ببيان العديد من الدلالات المنطقيّة، بالإضافة إلى دراسة بُنية بعض الأنواع من القضايا المنطقيّة والعلاقات الموجودة بين هذه القضايا.
- كتاب القياس: يتكوّن هذا الكتاب من مجلّدين اثنين، وذكر فيه أرسطو كثيرًا من التفاصيل حول القياس المنطقي، وهو طريقة ترتيب المُقدّمات حتى تكون صادقة وغير مُحتملة لأن تكون كاذبة.
- كتاب البرهان: قام أرسطو بكتابة هذا الكتاب لبيان نظريته عن البراهين المَنطقيّة، وهو كتاب يتكوّن من مُجلّدين اثنين، ويُمثّل هذا الكتاب كذلك تفسير أرسطو للمنهج العلمي.
- كتاب المواضيع الجدليّة: اعتنى كتاب المواضيع الجدليّة لأرسطو بدراسة التفكير غير البُرهاني، وهو كتاب من ثماني مُجلّدات يستطيع المرء قراءته لمعرفة طريقة تشكيل الحِجج المنطقية والأقيسة.
- كتاب تفنيد السُفسطائيّة: تمّ تقديم هذا الكتاب من قبل أرسطو؛ لدراسة العديد من المُغالطات المنطقية ومناقشتها، وقام أرسطو بتأليف هذا الكتاب في الأصل ليكون جزءًا من المواضيع الجدليّة؛ إلّا إنه أُفرد في كتاب مُستقل.
ماذا تعني المقولات العَشر عند أرسطو؟
قدّم أرسطو المقولات العَشر لدراسة الصفات التي تُحمّل على الجوهر في القضايا المنطقية؛ مثل الطول أو القُصر أو الثني أو الانثناء وغيرها، بالإضافة إلى دراسة الجوهر الذي تُحمّل عليه هذه الصفات في علم المنطق وما ينقسم إليه؛ وهي الجوهر والكمّ والكيف والإضافة والفعل والانفعال والمتى والأين والمُلك والوَضِع.
مقولة الجوهر
يُعرّف الجوهر بأنه ماهيّة إذا وُجدت خارج الذهن كانت قائمة بحدّ ذاتها؛ فإنها هي الموضوع الذي تُحمّل عليه الصفات في القضية المنطقية، وينقسم إلى عِدّة أقسام؛ منها الهَيُولَى والصورة والجوهر المُجرّد. وهو -أي الجوهر- أُولى المقولات العَشر، وإليه تُنسب جميع الأعراض؛ فإذا قال القائل: "زيدٌ طويل؛ فإن زيدٌ أسود، حُمّلت عليه صفة الطول التي تندرج في مقولة الكيف، وكذلك إذا قلنا ثنى زيدٌ الغُصن؛ فإن زيدًا جوهر أوقع الانثناء -الذي هو من مقولة الفعل- على الغُصن، والغُصن جوهر قبل الانثناء الذي هو من مقولة الانفعال.
مقولات العَرَض
إن العرض ماهيّة إذا وُجدت في الخارج احتاجت إلى موضوع تقوم فيه خلافًا للجوّهر، وينقسِم العرض إلى ذاتي ونسبي، وينقسم كلُّ واحد منهما إلى عِدّة أقسام على النحو الآتي:
- العَرض الذاتي: يُعرف العَرض الذاتي بأنه عَرض مفهومٌ بذاته دون الحاجة إلى شيء يُنسب إليه حتى يكون مفهومًا، وينقسم العرض الذاتي إلى الكم والكيف:
- مقولة الكم: إن مقولة الكم واحدةٌ من المقولات العَشر، وينقسم الكمّ إلى مُنفصل ومُتصل، أمّا المُنفصل فلا يكون بين أجزائه حدٌّ مُشترك خلافًا للمُتصل، الذي يكون بين أجزائه حدٌّ مُشترك؛ كالنقطة بين نقطتين في تشكيل الخط.
- مقولة الكيف: يُعد الكيف ثالث المقولات العَشر عند أرسطو؛ ومنه الكيفيّات التي يُدركها الإنسان بحواسه الخَمس؛ مثل حرارة النار وحلاوة العَسل، كما أن العلم ممّا يندرج في مقولة الكيف أيضًا.
- العَرض النسبي: يُمكن تعريف العَرض النسبي بأنه العرض الذي يُعقل معناه عند نسبته إلى الغير، وينقسم إلى سبعة أقسام كما يأتي:
- مقولة الأين: يُعرف الأين بأنه الهيئة التي تُعرض للشيء نتيجةً لوجوده في مكان مُعيّن، ويُعرف الأين بأنه حقيقي إذا لم يزدد المكان عن الحيّز الذي يشغله الجسم؛ كالماء في الكأس، وإلّا فهو غير حقيقي، والأين مقولة من المقولات العَشر.
- مقولة المتى: إن المتى خامس المقولات العَشر، وهو هيئة تُعرض للشيء بسبب حصوله في الزمان، وتُعرف مقولة المتى بأنها حقيقية إذا لم يزدد الزمان عن الهيئة المذكورة؛ كالصيام في النهار؛ وإلّا فغير حقيقية.
- مقولة الوَضع: الوضع سادس المقولات العشر عند أرسطو، وهو هيئة تُعرض للشيء بسبب نسبة بعض أجزائه إلى بعض، أو نسبتها إلى بعض الأمور الخارجة عنها؛ كالقُرب والبُعد والقيام والجلوس والنوم.
- مقولة المُلك: يتم تعريف الملك بأنه هيئة تُعرض للشيء بسبب الأشياء التي تُحيط به وتنتقل معه عند انتقاله؛ مثل الثوب الذي يلبسه الإنسان أو الجلد الذي يحيط الحيوانات، وهو سابع المقولات العَشر في علم المنطق.
- مقولة الإضافة: الإضافة ثامن المقولات العَشر عند أرسطو، وهي نسبة لا يُعقل معناها إلا بالقياس إلى أُخرى، ولا تُعقل الأُخرى إلى بقياسها إلى الأولى أيضًا؛ وذلك مثل الأبوّة وبالنوْة، وكذلك الغلام وسيّده.
- مقولة الفعل: إن الفعل هيئة تُعرض للشيء عند تأثيره في غيره ما دام تأثيره فيه مُستمرًا؛ وذلك مثل التسخين أو الثني أو الليّ أو الضَرب.
- مقولة الانفعال: الانفعال عاشر المقولات العَشر، وهو هيئة يتعرّض إليها الشيء عند تأثرّه بغيره ما دام غيره مُؤثرًا فيه؛ وذلك كما في انثناء الغصن ما دام غيره يثني به.
متى بدأ ظهور علم المنطق الحديث؟
بدأ المنطق الحديث بالظهور في القرن السادس عشر الميلادي تقريبًا خلال عصر النهضة، وكان المنطق في هذه الفترة مُضطربًا، وعكس ما يشهده العالم وقتها من الاضطرابات السياسيّة المُحيطة؛ بما فيها دور الكنائس داخل أوروبا، بالإضافة إلى الثورة العلميّة وتطوّر الرياضيات، وكذلك سقوط بعض الإمبراطوريات والدول وصعود غيرها، كما أن هذه الفترة اتسمت بمُعاداة منطق أرسطو أو المنطق الكلاسيكي في كثيرٍ من الأحيان، ويُعد مارتن لوثر من المَناطقة في هذه الفترة، وكذلك ديسيديريوس إيرازموس الذي مدح أرسطو؛ إلّا إنّه لم يمدح نظريته المنطقيّة.
ما الذي يدرسه علم المنطق؟
يهتم علم المنطق بدراسة المعلومات التصوّرية والتصديقيّة من جهة كونها مُوصِلة إلى المجهولات التصوّرية أو التصديقيّة؛ وذلك من خلال التعريفات والحُجج؛ إذ إن التعريفات تُساعد في معرفة المجهولات التصوريّة بالاعتماد على المَعلومات التصوريّة؛ وذلك كما في تعريف الإنسان بأنه حيوان ناطق؛ فمتى حصلت صورة الناطقيّة في الذهن وحصلت صورة الحيوانيّة وُجدت صورة في الذهن عن الشيء الذي يُسمّى إنسانًا، وتُساعد المعلومات التصديقيّة في معرفة المجهولات التصديقيّة أيضًا من خلال الأقيسة المنطقيّة؛ فإذا علم الفرد بأن كل صِهالٍ فرسٌ مع علمه بأنّ كل فرس حيوان عَلِم بأن كل صِهالٍ حيوانٌ.
هل تختلف درجات الحجج والبراهين في علم المنطق؟
إن الحُجج والبراهين في علم المنطق مُختلفة بالنظر إلى درجة القِطَع بصدق المُقدّمات أو كذبها، وفيما يأتي بيان لأقسام الحُجج المنطقية:
- البُرهان: يعتمد البُرهان في تركيبه على مُقدّمات يقينيّة مقطوع بصدقها وصحتها، وهو أجلُّ أنواع الحُجج المنطقية وأكثرها قوّة، وتُعرف مُقدّمات الحُجة البرهانيّة من المتواترات أو المحسوسات أو غيرها ممّا يفيد اليقين.
- الجدل: تضمّ الحُجة الجدليّة مُقدّمات من مُقدّمات مشهورة أو مُقدّمات يُسلِّم الخَصمَان بصحتها دون القطع بكونها صحيحة أو خاطئة؛ وذلك لإخضاع الخصم أثناء المُناظرة أو إقناعه.
- الخِطابة: تتكوّن الحُجة الخِطابيّة من مُقدّمات يُظنّ بها الصدق والصحة؛ نظرًا لصدورها ممّن يَظِنُّ به الطرف المُقابل عدم الكذب دون القطع بكون هذه المُقدّمات صحيحة؛ وذلك مثل قولهم فلان مُتلصص؛ لأنه يسير بالسلاح في الليل، وليس ذلك بصواب فقد يكون شُرطيًّا.
- الشِعر: تتألف الحُجة الشِعريّة من مُقدّمات تنشرح إليها النفس وتنبسط إليها أو تنقبض، وليست من الحُجج الصادقة؛ وذلك كما في قولهم كلّ عسلٍ مُرّ لتنفير الناس عنه؛ فإن النفس تنفر من هذا الوصف.
- السفسطة: تُعرف السفسطة بأنها الحُجة التي تحتوي على مُقدّمات كاذبة؛ وذلك كما في قولهم زيدٌ ميّت وكلّ ميّت جماد؛ وبذلك فإن زيدًا جمادٌ، وليس بصحيح؛ فإن الميّت ليس جمادًا وإنّما حيٌّ عُرض له وصف الموت.
هل كُتب علم المنطق مُفيدة؟
لا شكّ أن في كُتب علم المنطق فائدة كبيرة للراغبين في معرفة مصطلحات هذا الفن، بالإضافة إلى التعرّف على طريقة تركيب الحُجج المنطقيّة أو تشكيل التصوّرات وإنشاء التعريفات مع معرفة الضُروب المُنتجة من الأقيِسة المنطقيّة والضُروب العقيمة غير المُنتجة، ومن هذه الكتب كتاب ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة وكتاب شرح السلم المروّنق للأخضري، وكذلك كتاب تعريف المقولات لمحمد بن عليّان في المقولات العَشر التي ذكرها أرسطو في كتاباته.
اقرأ/ي أيضًا:
هل حقائق علم النفس تفسر تصرفات الإنسان؟
هل يوجد أهمية لتعلّم مهارات التفكير العلمي؟
هل علم دراسة الإنسان يُعنى بالسلوكيات والحضارات؟
هل التنمية البشرية وتطوير الذات علمين منفصلين أم بينهما رابط؟
