تحقيق مسبار
بالرغم من انحسار استخدام الإسطرلاب في الوقت الراهن نتيجةً لوجود الكثير من التقنيات التي تسدُّ مكانه؛ إلّا إنّه كان من أبرز الأدوات المُستخدمة لمراقبة مواقع النجوم ومعرفة الارتفاعات في السابق. يتطرق هذا المقال إلى بعض استخدامات الإسطرلاب، بالإضافة إلى أنواعه وطريقة استخدامه في مراقبة النجوم ومع توضيح خطوات صناعة إسطرلاب خاص في المنزل.
هل الإسطرلاب يُستخدم لقياس ارتفاع الأجرام السماوية؟
يُستخدم جهاز الإسطرلاب لقياس ارتفاع الأجرام السماوية بالفعل، كما أن لهذا الجهاز عِدّة استخدامات أُخرى؛ منها تحديد التوقيت المحلي ومسح الأبعاد والتثليث، وتمّ الاعتماد عليه لتحديد الاتجاهات نحو مكة المكرمة أيضًا، كما تمّ الاعتماد على بعض أنواع الإسطرلاب للقيام بوظيفة المِنْقلة أو المِسْطرة أيضًا، وهو واحدٌ من الأجهزة التي تمّ استخدامها مُنذ آلاف السنين.
من هو مخترع الإسطرلاب؟
يُنسب اختراع الإسطرلاب إلى العالم الفلكي الإغريقي هيباركوس في القرن الثاني قبل الميلاد، وتمّ شرح مبادئ عمل الإسطرلاب بعد ذلك من قِبل بطليموس في القرون الميلادية الأولى، وتمّت ترجمة هذه المبادئ من اللغة الإغريقية إلى العربية من قِبل حُنَيْن ابن إسحق في القرن التاسع الميلادي، وتميّزت هذه الترجمة بدقّة كبيرة، واستفاد منها كلٌّ من العرب والأوروبيين بعد ذلك.
أين تمّ اكتشاف الإسطرلاب الأقدم في العالم حتى الآن؟
تمّ اكتشاف أقدم إسطرلاب في العالم حتى الآن بالقُرب من سواحل جزيرة الحلّانية التابعة لسلطنة عُمان خلال الوقت الراهن، ويبلغ عُمر هذا الإسطرلاب 1,500 عام تقريبًا، وهو واحدٌ من 104 إسطرلاب تاريخي تمّ اكتشافها حول العالم. وكانت العديد من العلامات الموجودة على هذا الجهاز مطموسة نتيجةً للعديد من العوامل؛ إلّا إنّه تمّ الاعتماد على تقنيات المسح بالليزر؛ لرؤية العلامات الصغيرة المحفورة المتبقية التي لا تُمكن رؤيتها بالعين المجردة، وأسفر المسح عن 18 علامة لقياس الزاوية.
ما هي الأجزاء الرئيسية في الإسطرلاب؟
يتكوّن جهاز الإسطرلاب من عِدّة أجزاء رئيسية، وهي الأجزاء الآتية:
- العَضادة: تقع العَضادة على ظهر الإسطرلاب، وهي عبارة عن شريط دوّار يمكنه قياس الارتفاعات، بالإضافة إلى أخذ قراءة الزوايا إلى الأُفق، كما يتم الاعتماد عليه لتحديد تاريخ الأبراج أيضًا.
- أم الصفائح: تُعد أم الصفائح الجزء الأساسي من الإسطرلاب، وتتم كتابة الزوايا على حافتها، وهي زوايا تمّ تقسيمها على 24 ساعة في اليوم الواحد، وتقع في الجزء السفلي، وتحتها العضادة وفوقها تقع الصفائح الأُخرى.
- الصفائح: عادةً ما يحتوي الإسطرلاب على 3 صفائح تهدف إلى قياس دوائر العرض، ويتم تركيب صفائح خطوط العرض فوق الصفيحة السفلية المعروفة بأم الصفائح، وتعلوها الشبكة في الجزء العلوي.
- الشبكة: يتم تشكيل الشبكة على هيئة لوحة لبيان خريطة السماء ليلًا مع توضيح مسار الشمس أيضًا، وتدور هذه الشبكة مع مرور الوقت لوضع النجوم في مكانها الصحيح باستمرار، وهي الجزء الذي يعلو صفائح دوائر العرض.
- المؤشر: يقع المؤشر في الجزء العلوي من الإسطرلاب، وعُرف هذا الجزء باسم الفرس عند العرب لاستخدام شكل شبيه بالفرس بدلًا من المؤشر، ويتم الاعتماد عليه لمحاذاة النجوم أو الشمس مع الوقت المرسوم على أم الصفائح.
هل جهاز الإسطرلاب من أدوات الملاحة؟
لا شك بأن جهاز الإسطرلاب من أبرز أدوات الملاحة، التي تمّ استخدامها قديمًا قبل التوصّل إلى الأدوات الحديثة والأجهزة المتقدمة والطُرق المتطورة؛ مثل نظام التموضع العالمي، وفيما يأتي بعضًا من أدوات الملاحة القديمة الأُخرى:
- البوصلة: تمّ الاعتماد على البوصلة من قبل المستكشفين القدماء للتعرّف على الاتجاهات بشكل أساسي، وتكوّنت البوصلة البدائية من حجر مغناطيسي يتم تعليقه على حبل أو إرساؤه على قطعة خشبية في الماء؛ للإشارة إلى الاتجاه الصحيح.
- الساعة الرملية: تمّ اكتشاف الساعة الرملية حوالي القرن العاشر الميلادي تقريبًا، وتمّ الاعتماد على هذه الساعات لمعرفة الوقت، كما استخدمها البحّارة الأوائل لمعرفة سرعة السفن بالعُقدة.
- الرُبع: تمّ ابتكار هذه الأداة في العصور الوسطى لقياس الارتفاعات ومعرفة خطوط العرض، وهي عبارة عن خشبة على شكل رُبع دائرة تُثبّت عليها الدرجات من 0-90 درجة، ويمكن استخدام الرُبع لتحديد ارتفاعات الجبال أو التلال ومعرفة زاوية الشمس.
- الكُرة السماوية: استطاعت الكرة السماوية تصوير السماء للمستكشفين، وهي كرة محمولة تمّ الاعتماد عليها في الملاحة، وأصبحت متوفرة بشكل عملي وأسعار معقولة مع نهايات القرن السادس عشر.
- المُخططات: تمكّنت المُخططات من إعطاء البحّار صورةً عن المكان الذي يذهب إليه، كما أنها ساعدت على التخطيط للرحلات؛ إلّا إنّ المخططات التي سبقت القرن السادس عشر لم تكن دقيقة بما فيه الكفاية نتيجةً لعدم تحديد خطوط الطول بدقّة.
- لوحة العبور: تتكوّن لوحة العبور من قطعة خشب دائرية، وتمّ رسم نقاط البوصلة فوق هذه القطعة الخشبية مع وجود 8 ثقوب ذات أبعاد متساوية على ذات نصف القُطر من الخشبة، وتمّ الاعتماد على هذه اللوحة لتقريب المسار الذي تقطعه السفينة أثناء العبور.
كيف يتم استخدام جهاز الإسطرلاب؟
يمكن الاعتماد على الإسطرلاب للبحث عن النجوم في السماء كما يأتي:
- التعرّف على الأجزاء الرئيسية: لا بُد من معرفة الأجزاء الرئيسة الخمسة للإسطرلاب قبل البدء بالاستخدام؛ ذلك حتى يستطيع المرء التعامل معها وقراءتها بشكلٍ صحيح، وهي أم الصفائح والعضادة والشبكة والمؤشر، بالإضافة إلى الصفائح.
- مُحاذاة العضادة مع التاريخ: يجب على الشخص محاذاة العضادة في جهاز الإسطرلاب حتى يصل إلى التاريخ الحالي، كما يُمكن ضبط العضادة ومحاذاتها مع التاريخ المستقبلي أو الماضي الذي يرغب بمعرفة النجوم عند حلوله أيضًا.
- محاذاة المؤشر مع التاريخ: بعد الانتهاء من محاذاة التاريخ المطلوب مع العضادة يتم تدوير الإسطرلاب؛ ذلك حتى يصير المؤشر بمحاذاة التاريخ على الشبكة، التي تقع في الجزء العلوي من الإسطرلاب تحت المؤشر مباشرةً.
- التحريك لمحاذاة الوقت: ينبغي تحريك المؤشر والشبكة معًا حتى تتماشى مع الوقت الذي يمضي من الليل، ويجدر الذكر بأن الوقت مُثبّت على الحافة الخارجية من أم الصفائح وتكون مرئيةً للشخص بشكلٍ واضحٍ عند النظر إلى الإسطرلاب.
- النظر إلى النجوم في السماء: إذا انتهى المرء من جميع الخطوات السابقة بشكل صحيح؛ فيمكنه رؤية جميع النجوم التي تقع فوق خط الأُفق على صفائح الإسطرلاب عند النظر فوق خط الأفق في الواقع، ولا يُمكن رؤية النجوم تحت هذا الخط.
- التحقّق من موقع النجم: يُمكن الاعتماد على مؤشرات البوصلة التي يتم رسمها فوق صفائح الإسطرلاب؛ لمعرفة الموقع الدقيق للنجم؛ منها رمز ESE الذي يشير إلى وجود النجم في الجزء الجنوبي الشرقي من السماء.
هل توجد أنواع مختلفة من الإسطرلاب؟
هُناك عِدّة أنواع مختلفة من الإسطرلاب بالفعل، ومنها الأنواع الآتية:
- الإسطرلاب العالمي: يتكوّن هذا النوع من صفيحة واحدة فقط، وتحتوي الصفيحة على مؤشر مُتدرّج في المقدمة، ويُمكن استخدامها لأيّ مكان في أرجاء العالم؛ لذلك عُرف باسم الإسطرلاب العالمي.
- الإسطرلاب الكروي: يتميّز هذا الإسطرلاب بشكله الذي يُشبه الكرة، وتستطيع الكرة توفير العديد من المعلومات التي يحتاجها المُستكشف؛ مثل الارتفاع وخط الأفق، وتحتوي الكرة كذلك على بعض الثقوب للسماح بتحديد خط العرض المطلوب.
- الإسطرلاب دي روجاس: يستطيع هذا الإسطرلاب عرض النقاط على الكرة السماوية بشكل مُجسّم، ويُعد تطبيقًا على الإسقاط العامودي؛ ذلك لأن المستخدم يقوم بإسقاط الخطوط المستقيمة الموازية لخط الاستواء على الخطوط المتوازية على الكرة السماوية.
- الإسطرلاب البحري: عند صناعة الإسطرلاب البحري تمّ تصميمه للتثبيت على المنصّات المُخصصة في السفن خلافًا لأجهزة الإسطرلاب المحمولة الأرضية، وساعد هذا الجهاز البحّارة على معرفة مواقع النجوم فوق خط الأفق.
كيف تتم صناعة الإسطرلاب في المنزل؟
يمكن للشخص صناعة إسطرلاب خاص به في المنزل بدلًا من شراء الإسطرلاب، وذلك بالاعتماد على بعض الأدوات المتوفرة عادة داخل المنزل، وفيما يأتي خطوات صناعة الإسطرلاب:
- تجهيز المعدات: قبل البدء بصناعة الإسطرلاب يجب التحقّق من توفير الأدوات، وهي رسمة منقلة الإسطرلاب، قطعة من الورق المقوى، قطعة خيط بطول 30 سنتمتر، الغراء اللاصق، زوج من المقصات، شريط لاصق، مثقاب، صامولة وماصّة.
- لصق الرسمة على الورق: على الشخص وضع رسمة منقلة الإسطرلاب فوق قطعة الورق المقوّى، ثم يقوم باستخدام الغراء اللاصق لتثبيتهما مع بعضهما البعض، وبعد ذلك يتم قص الأجزاء الزائدة من الورق المقوّى.
- استخدام المثقاب: عندما يصير شكل الإسطرلاب جاهزًا فوق الورق المقوّى ينبغي على المرء استخدام المثقاب؛ لخرق المنطقة المُحدّدة لذلك على الخط المُنحني من الرسمة؛ فإنها تحتوي على العديد من الثقوب الخارجية غير المُكتملة.
- تثبيت الماصّة: تُعرف الماصّة باسم القشّة أو الشفاط، ويتم تثبيت الماصة على طول الجانب الخارجي من إحدى حافتي رسمة الإسطرلاب، ثم يتم تثبيتها باستخدام الشريط اللاصق من الحافتين، وبعد ذلك ينبغي قص الأطراف الزائدة من جانبي الماصة.
- تثبيت الخيط: تحتوي رسمة الإسطرلاب على نقطة سوداء قرب الزاوية القائمة، وهي النقطة التي ينبغي ثقبها لإدخال الخيط منها، ومن الضروري ربط الخيط من الجزء الخلفي للإسطرلاب أو لصقه بعد إدخاله.
- ربط الصامولة: بعد الانتهاء من ربط الجزء الخلفي للخيط يتم تثبيت الصامولة في الجزء الأمامي ليكون الإسطرلاب جاهزًا، ويمكن الاعتماد على أي أداة أُخرى توفر وزنًا بدلًا من الصامولة إذا لم تتوفر.
- البدء بقياس الارتفاعات: يمكن للشخص استخدام الإسطرلاب الذي صنعه في المنزل لقياس الارتفاعات المُختلفة للمباني والأشجار، كما يمكن الاعتماد عليه للتحقّق من ارتفاع الشمس أيضًا بسهولة كبيرة.
اقرأ/ي أيضًا:
هل دوران الأرض حول الشمس حقيقة؟
هل هناك أكثر من نوع لكسوف الشمس؟