تحقيق مسبار
إن الفساد الإداري من القضايا التي تسعى كافة الدول حول العالم إلى التعامل معها؛ نتيجةً للآثار السلبية الكبيرة التي تتسبب بها على مستوى الفرد والمجتمع ومؤسسات القطاعين العام والخاص. يُسلّط هذا المقال الضوء على كثيرٍ من الإرشادات التي تساعد في القضاء على الفساد الإداري، مع بيان أنواع هذا الفساد، إلى جانب بعض الأمثلة على كل نوع منها.
هل يمكن مكافحة الفساد الإداري؟
توجد العديد من الطُرق لمكافحة الفساد الإداري والحدّ من الآثار السلبية له، التي تؤثر على الأفراد والمجتمعات؛ فإن الفساد الإداري من الآفات التي لا تقلّ خطورةً عن الآفات المُهلكة الأُخرى في المجتمع، وتسهم في تدمير جميع الإمكانيات المتوفرة سواءً كانت على الصعيد المادي أو صعيد الموارد البشرية، وهو ما يُشير إلى ضرورة انتهاج طريق المكافحة لهذا الفساد.
كيف تتم مكافحة الفساد الإداري؟
هُناك العديد من السياسات التي يمكن اتباعها للحد من الفساد الإداري ومكافحته وكبح جماحه في المؤسسات المختلفة، وأبرز هذه السياسات ما يأتي:
- المحاسبة: لا بُد من خضوع الذين يشغلون المناصب الإدارية العامة إلى المساءلة القانونية مع أنواع المساءلة الأخلاقية والإدارية؛ ذلك من قِبل الأشخاص الذين يعلونهم في التسلسل الهرمي من السلطة حتى الوصول إلى الجهة الرقابية المَعنيّة في الدولة.
- المُساءلة: لا تُعنى المُساءلة بالأشخاص الذين يشغلون المناصب العامة؛ وإنما بالموظفين في القطاع العام كيفما كانت طريقة اختيارهم وتولّيهم للوظيفة، وذلك حتى يتم التحقّق من توافق عملهم مع الوصف القانوني للوظيفة التي يشغلونها.
- الشفافية: يُمكن تعريف الشفافية بأنها الوضوح فيما تقوم به المؤسسات، وكذلك وضوح علاقتها مع المواطنين، بالإضافة إلى علنيّة الغايات والأهداف والإجراءات، وينطبق ذلك على المؤسسات الحكومية والمؤسسات الأُخرى.
- النزاهة: إن النزاهة مجموعةٌ من القيم التي تتعلق بالأمانة والإخلاص والصدق، بالإضافة إلى المِهنيّة أثناء مزاولة العمل، والفرق بينها وبين الشفافية اتصال النزاهة بقيم معنوية وارتباط الشفافية بإجراءات عملية لا بالقيم الأخلاقية المعنوية.
- التثقيف: ينبغي على الجهات المسؤولة تثقيف الناس حول الفساد الإداري، بالإضافة إلى إزالة جميع الضوابط الاجتماعية غير المرغوب فيها والتي تتدخل في حياة الناس الشخصية؛ للحد من الفساد المذكور.
- إجبار المؤسسات الحكومية على الإبلاغ عن أنشطتها: يجب على الجهات المَعنيّة في الدولة إجبار الوكالات والمؤسسات الحكومية على الإبلاغ عن أنشطتها؛ للتحقّق من عدم وجود الفساد، بالإضافة إلى تقليل مستوياته أيضًا.
- إجراء عمليات التفتيش: من الضروري إجراء عمليات التفتيش؛ لاكتشاف الأنشطة التي تتعلق بالفساد الإداري داخل الدولة، بالإضافة إلى محاسبة الفاسدين ومعاقبتهم لردعهم وردع غيرهم من القيام بأيّ أنشطة فاسدة.
- إصلاح الإدارات العامة والتنفيذية: استطاعت الإصلاحات في الإدارة المالية الحد من الفساد الإداري في العديد من الدول، وذلك إلى جانب الإصلاحات التي تتعلق بتعزيز دور الهيئات المَعنيّة بالتدقيق والكشف عن الفساد.
- تمكين المواطنين من المطالبة بمكافحة الفساد: ينبغي على الدولة تعزيز صلاحيات المواطنين وتمكينهم من المطالبة بمكافحة الفساد الإداري، بالإضافة إلى تمكينهم من مساءلة الحكومة لتبادل الثقة بين الحكومة والمواطنين بشكل يحِدُّ من الفساد الإداري.
- التأثير على الرأي العام: إلى جانب التثقيف تستطيع الدولة التأثير على الرأي العام حتى يترسخ للمواطنين مبدأ رفض الفساد بشكل عام؛ إما لأنه من الأخطاء الأخلاقية، أو نتيجةً لكونه غير مُجدٍ من الناحية العملية.
- وضع استراتيجيات مكافحة البطالة والتضخم: يُمكن للبطالة والتضخم التأثير على الأفراد وجعلهم ينخرطون في بعض أنشطة الفساد الإداري، ولذلك فإن مكافحة هذه الظواهر يُمكن أن تساعد في الحد من الفساد المذكور.
هل عقوبة الفساد الإداري مفيدة بالفعل؟
لا شك بأن عقوبة الفساد الإداري مُفيدة بالفعل؛ فإنها تساعد في منع الفاسد من الانخراط في أنشطة فساد جديدة لأمنه من العقاب، بالإضافة إلى ردع الآخرين عن ممارسة أنشطة الفساد لما يرونه من سهولة الإفلات من العقوبات. ولا بُد من تطوير الآليات المناسبة لاكتشاف أنشطة الفساد، ثم التعامل معها على النحو المناسب وإيقاع العقوبات على مرتكبيها.
ما تعريف الفساد الإداري؟
يُمكن تعريف الفساد الإداري بأنه انحرافٌ إداريٌ وتنظيميٌ يقوم به العامل تجاه المنظمة التي يعمل لديها، ويُمكن أن يكون هذا النوع من الفساد في المؤسسات الحكومية أو الخاصة؛ فإنه يتعلق بالتسلسل الهرمي للمؤسسة بصرف النظر عن كيانها القانوني، ومنه تخلّي الموظف عن القيام بالواجبات الموكلة إليه جزئيًا أو كُليًّا، وكذلك الإهمال وعدم احترام المواعيد الرسمية للدوام. ويجدر التنبيه إلى وجود الكثير من القضايا التي تشيع حول الفساد الإداري ولا تكون صحيحة؛ منها قضية تجميد صلاحيات سعاد عبد الرحيم من قبل والي تونس، وهي قضية انتهى تحقيق مسبار إلى كونها من الأخبار المُضللة.
ما هي أسباب الفساد الإداري؟
توجد العديد من الأسباب التي تؤدي إلى أنشطة الفساد الإداري في المؤسسات المختلفة، ومنها ما يأتي:
- غياب وجود الحرية والحياد: تُعزز مبادئ الحرية والحياد في المؤسسة قيم المراقبة والنزاهة، وغيرها من القيم الأُخرى الضرورية للحد من الفساد، وإذا لم تتوفر هذه المبادئ؛ فلا بُد من وجود الفساد الإداري في المؤسسة.
- التأثير السياسي: إن تأثير الحزب السياسي على الفساد الإداري ملحوظ في العديد من الدول، وذلك لأن موظفي المؤسسات العامة يرتبطون بجماعات أو أحزاب سياسية تؤثر عليهم، ويُعد هذا التأثير من أسباب الفساد الإداري.
- ضعف الشفافية والمساءلة: إذا أصبحت مبادئ الشفافية والمساءلة للموظفين والمسؤولين نادرة؛ فإن ذلك يُعزز من فرصة الفساد الإداري؛ لأن الموظف يأمن العقاب.
- الأنانية وشهوة الحصول على المال: في ظل المجتمعات الرأسمالية تتزايد سلوكيات الشهوة مما يجعل الناس أكثر أنانية، ويُمكن للموظف في ظل هذه المجتمعات اتباع سلوكيات الفساد الإداري لجني أرباح شخصية قليلة مع نسيان الأرباح الكبيرة للدولة.
- ارتفاع أسعار السلع: يواجه الناس كثيرًا من المشاكل عندما تصبح أسعار السلع مرتفعة، ويصبح من الصعب متابعة أنشطة الحياة مع تدني الأجور، وهو ما يؤدي إلى الانخراط في سلوكيات الفساد الإداري لجني الأرباح.
هل توجد عوامل تؤدي إلى زيادة الفساد الإداري؟
تساعد الكثير من العوامل في تعزيز وجود الفساد الإداري داخل أراضي الدولة، وتضم القائمة الآتية عددًا من عوامل انتشار الفساد الإداري:
- عدم وضوح الإجراءات الحكومية: في بعض الأحيان تكون الإجراءات الحكومية غير واضحة، أو أنها تكون مُعقدة وتحول بين الموطنين وإمكانية الحصول على مصالحهم بالطرق النظامية، ولذلك يلجؤون إلى المساعدة بطرق فاسدة غير مشروعة.
- ضعف فعالية الرقابة المالية والإدارية: إن ضعف الفعالية في الرقابة المالية والإدارية من قِبل الأجهزة والمؤسسات المعنية من العوامل التي تزيد من مستويات الفساد، ويكون ضعف الفعالية بسبب تنافس المؤسسات المختصة أو ازدواجية المعالجة وغيرها.
- فشل مشاريع القضاء على الفساد: ربما تفشل مشاريع المحافظة على المال العام والتخلص من الفساد؛ نتيجة لوجود بعض الدوائر المتنفذة التي تعرقل سير هذه المشاريع وتحول بينها وبين تطبيقها في الواقع؛ مما يتسبب بزيادة الفساد الإداري.
- نقص الجرأة في تطبيق العقوبات: أحيانًا تضعف الجرأة في تطبيق العقوبات على الأفراد الذين يتورطون في أنشطة الفساد الإداري؛ نتيجةً لتهاون الجهات المختصة أو لنفوذ الفاسدين أو بسبب نقص الإمكانية في متابعتهم، ويؤدي ذلك إلى تعزيز الفساد.
- قلة الوعي السائد: تنتشر أنشطة الفساد الإداري أحيانًا لقلة الوعي عند المجتمعات فيما يتعلق بالآثار السلبية التي تترتب على سلوكيات الفساد، وعدم معرفتهم بأهمية المكاسب التي يمكن نيلها عند تحقيق مبادئ الشفافية ومكافحة الفساد.
- التباهي بمخالفة القانون: يتباهى بعض الناس بقدرتهم على مخالفة القوانين واتباع سلوكيات الفساد الإداري، حتى أصبحت لدى بعض الأفراد من الأسباب التي تؤدي إلى زيادة المكانة الاجتماعية وتجعلهم من الوجهاء.
ما هي أنواع الفساد الإداري؟
تحتوي القائمة الآتية على أنواع الفساد الإداري الرئيسية:
- الانحرافات التنظيمية: يُشير هذا النوع إلى المخالفات التي يقوم بها الموظف أثناء القيام بمهماته الوظيفية التي تتعلق بالعمل أساسًا؛ منها عدم احترام العمل والامتناع عن أداء العمل المطلوب من الموظف، وأيضًا عدم الالتزام بتعليمات المسؤولين.
- الانحرافات السلوكية: يتضمن هذا النوع جميع المخالفات التي يتم ارتكابها من قِبل الموظف وتتعلق بسلوكياته وتصرفاته الشخصية، ومن ذلك عدم الحفاظ على كرامة وظيفته، بالإضافة إلى الوساطة والمحسوبية وسوء استخدام السلطة.
- الانحرافات المالية: تجمع الانحرافات المالية مُختلف المخالفات المالية والإدارية التي لها ارتباط بسير العمل للموظف؛ منها الإسراف في استخدام المال العام، وفرض الإتاوة على بعض الأشخاص استغلالًا للسلطة التي يتمتع بها الموظف.
- الانحرافات الجنائية: يتعلق هذا النوع بالقضايا الجنائية التي تصدر عن الموظف أو المسؤول وتتعلق بالعمل؛ منها أخذ الرشوة وكذلك التزوير، بالإضافة إلى قضايا اختلاس الأموال العامة.
هل توجد الكثير من الآثار السلبية للفساد الإداري؟
بالفعل هُناك الكثير من الآثار السلبية التي تنتج عن تفشي الفساد الإداري في الدولة، ولا تقتصر هذه الآثار على مؤسسة أو مجموعة من الأفراد وإنما يُمكن أن تعم المجتمع بأكمله، ومنها ما يأتي:
- نقص الإيرادات الحكومية: تخسر الدولة كثيرًا من الإيرادات نتيجة لبعض أعمال الفساد الإداري؛ منها الرشوة، وكذلك تقديم الدعم إلى الأشخاص غير المستحقين، ويؤثر ذلك على الأداء الاقتصادي للدولة بشكل كبير.
- الفشل في جذب الاستثمارات: إذا تفشّت أشكال الفساد الإداري داخل الدولة؛ فإن ذلك يؤدي إلى الفشل في جذب المستثمرين من الخارج، كما أن المستثمرين المحليين يقومون بنقل أموالهم واستثماراتهم إلى الخارج أيضًا بسبب الفساد.
- تدني مستويات المعيشة: عندما تنتشر سلوكيات الفساد الإداري ويؤدي ذلك إلى التأثير على الأداء الاقتصادي للدولة تتأثر المستويات المعيشية للأفراد بشكل مباشر، كما أن كلفة الخدمات الحكومية الأساسية التي يحتاجونها تصبح أكبر نتيجة لهذا الفساد.
اقرأ/ أيضًا:
هل الشيشان هي البوسنة والهرسك؟