تحقيق مسبار
هل يمكن التخلص من ظاهرة الاحتباس الحراري؟ كثيرًا ما يتبادر هذا السؤال إلى أذهان بعض الأشخاص المهتمين بالاستقرار البيئي على المدى القريب والبعيد، وهذا يتزامن مع زيادة التصنيع وتفاقم استهلاك الموارد البيئية الهامة.
يجيب المقال التالي على هذا السؤال، ويقدم معلومات حول ظاهرة الاحتباس الحراري، كما ويوضح أسباب الاحتباس الحراري، بالإضافة إلى أضرار الاحتباس الحراري وآثاره.
ظاهرة الاحتباس الحراري
ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي تُعرف أيضًا باسم ظاهرة الاحترار العالمي (Global Warming). وهو احترار طويل الأمد يطرأ على مناخ الأرض بسبب ممارسات بشرية معينة مثل حرق الوقود الأحفوري، من شأن هذه الممارسات زيادة معدلات غازات الاحتباس الحراري التي تعمل على حبس الحرارة داخل الغلاف الجوي التابع للأرض، فتزيد من معدل درجة حرارة الأرض.
وتمت ملاحظة ظاهرة الاحتباس الحراري في فترة ما قبل الصناعة، أي ما بين عام 1850 و1900، وقد أشارت التقديرات أن متوسط درجة الحرارة العالمية للأرض آنذاك ازدادت بنسبة 1.8 درجة فهرنهايت. ويزداد هذا الرقم 0.36 درجة فهرنهايت كل عقد من الزمن. وتم التنبؤ بأن متوسط درجة حرارة سطح الأرض سوف يزداد ما بين 5.4 و 7.2 درجة فهرنهايت بحلول عام 2100، بالمقارنة مع متوسط 1986-2005 في حال استمرت انبعاثات الكربون بالازدياد بمعدلاتها الحالية.
أسباب الاحتباس الحراري
أصبحت ظاهرة الاحتباس الحراري مشكلة لا يمكن إنكارها، ولكونها حاضرةً على طاولة المشكلات البيئية، من الضروري معرفة أسباب حدوثه. توضّح القائمة التالية بعضًا من أهم أسباب الاحتباس الحراري:
- تأثير الدفيئات، إذ مقابل كل 100 وحدة من الإشعاع الشمسي الواصل لسطح الأرض، هناك 30 وحدة مُنعَكسة إلى الفضاء، وبالتالي فهناك 70 وحدة لا تنعكس ويتم الاحتفاظ بها داخل الغلاف الجوي. وتزداد ظاهرة الاحتباس الحراري في ظل وجود الدفيئات التي تحافظ على الحرارة وتقلل من انعكاسها.
- التأثير الإشعاعي، أحد أسباب الاحتباس الحراري، إذ يكون أصله طبيعيا أحيانًا مثل الانفجارات الناتجة عن البراكين والتي يتسبب الرماد والغبار والغازات المنبعثة منها بمنع أشعة الشمس من الوصول لسطح الأرض. وقد يكون التأثير الإشعاعي بشريًا من خلال زيادة تركيز البشر لنسب الغازات التي تزيد من ظاهرة الاحتباس الحراري، كثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز، في نطاقات زمنية ومكانية مختلفة.
- حرق الغابات وإزالتها، عند حرق الغابات وإزالتها لأغراض بشرية معينة، يتم التخلص من أهم مصادر الأكسجين، إذ يعد النبات مصدرًا هامًا للأكسجين الذي يحافظ على التوازن البيئي، وعند التخلص من النباتات من البديهي أن تزداد معدلات ثاني أكسيد الكربون في الجو، ومن ثم ترتفع درجة حرارة الأرض.
- استخدام المَركَبَات، فهي تعتمد على حرق الوقود الأحفوري الذي يزيد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات السامة التي تزيد من ارتفاع درجة حرارة الأرض.
- ذوبان التربة الصقيعية، والتي تحتوي على غازات بيئية محبوسة تحت سطح الأرض لسنوات طويلة، وفي حال ذوبان الجليد تنطلق الغازات مرة أخرى نحو الغلاف الجوي متسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض.
أضرار الاحتباس الحراري
إن العواقب الناجمة عن الاحتباس الحراري وخيمة، كون أضرار الاحتباس الحراري تهدد حياة الإنسان بشكل خاص والكائنات الحية الأخرى بشكل عام إلى جانب الهواء والماء. وتكمن أهم أضرار الاحتباس الحراري فيما يلي:
- يؤثر ارتفاع درجات الحرارة التي يسببها الاحتباس الحراري على صحة الإنسان، وخاصة من يسكنون المناطق الساحلية على المحيط الهادئ والمحيط الهندي ومنطقة جنوب الصحراء في أفريقيا. إذ تؤثر التغيرات المناخية على صحة الإنسان، ويُقدّر وجود 150 ألف حالة وفاة سنويًا تحدث بسبب تغير المناخ.
- من أضرار الاحتباس الحراري قدرته على تغيير أنماط هطول الأمطار، وإصابة الأرض بالجفاف، ومن ثم فقدان الإنتاجية الزراعية وحدوث ندرة في المحاصيل الزراعية.
- توصف عدم القدرة على السيطرة الأمنية للبلدان كأحد أضرار الاحتباس الحراري، فهناك دول عظمى بحاجة لموارد ضخمة تتسبب في تعزيز الاحتباس الحراري على حساب دول فقيرة فاقدة للاحتياجات الأساسية، هذا الأمر من شأنه خلق النزاعات والصراعات والحروب.
آثار الاحتباس الحراري
إن آثار الاحتباس الحراري ليست بسيطة، فهي تؤثر على سطح الأرض بما فيه وما يسكنه من إنسان ونبات وحيوان.
النقاط التالية توضّح بعضًا من آثار الاحتباس الحراري:
- ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض، ولا شك أن في ارتفاع درجة حرارة الأرض أضرار ومخاطر منها ذوبان المسطحات الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر.
- تهديد النظام البيئي، من آثار الاحتباس الحراري قدرته على تهديد حياة الشعاب المرجانية وهشاشتها، الأمر الذي يؤثر على حياة الكائنات النباتية والحيوانية.
- تغيير المناخ، هناك علاقة واضحة ما بين الاحتباس الحراري وتغير المناخ، فبعض المناطق على سطح الأرض تعاني من الجفاف، وبعضها يوجد فيها الفيضانات.
- زيادة معدلات الوفيات، هناك علاقة ما بين الآثار الناتجة عن الاحتباس الحراري والإنسان، فكلما استمرت الفيضانات بالحدوث كلما كانت الخسائر البشرية واردة. ولأن درجات الحرارة تُغيِّر في أنماط الرطوبة والحرارة، فهي بيئة جيدة للحشرات الضارة بالإنسان مثل البعوض القادر على نقل الأمراض ونشرها بين البشر، كالملاريا وحمى الضنك.
هل يمكن التخلص من ظاهرة الاحتباس الحراري؟
صحيح، من الممكن التخلص من ظاهرة الاحتباس الحراري، ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، إذ تحتاج هذه العملية لتكاثف الجهود العالمية من أجل الاتفاق على أهم أسباب الاحتباس الحراري، والدراية بمخاطره البيئية الحالية والمستقبلية، ومن ثم توزيع المهام التي تساهم في التخلص من ظاهرة الاحتباس الحراري، إلى جانب مساندة الدول الغنية للدول الفقيرة في مواجهة الأزمة وحلها.
ويحتاج التخلص من ظاهرة الاحتباس الحراري أساليب وأسس واضحة في محاربة مجمل أسباب حدوثها، فعلى سبيل المثال تعتمد المركبات المتنقلة على الوقود من أجل الانتقال من مكان إلى آخر، ومن أجل التخلص من الاحتباس الحراري يتوجب إحضار بديل للوقود على أن يكون هذا البديل صديقًا للبيئة، بالتالي فإن هذه العملية تتطلب بدائل كثيرة نظرًا لتشعب المُسبِّبات والتي لابد من توفيرها للحفاظ على كوكب الأرض وما عليه من تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
حلول ظاهرة الاحتباس الحراري
إن حلول ظاهرة الاحتباس الحراري متعددة، فلا يوجد حل واحد فقط، أحد أهم الحلول إيجاد حل للغازات الجوية المنبعثة والتي تزيد من الاحترار العالمي. وفيما يلي توضيح لأهم الحلول المُمكِنة لظاهرة الاحتباس الحراري:
- تحسين جودة الطاقة، من خلال التركيز على تحسين كفاءة طاقة الأجهزة التي تعتمد على الطاقة في تشغيلها مثل أجهزة التبريد والتدفئة، هذه الطريقة تطمح لتقديم خدمات ذات كفاءة عالية باستخدام ضئيل للطاقة، وبالتالي التقليل من ظاهرة الاحتباس الحراري.
- اعتماد وسائل النقل الوقود منخفض الكربون، واتباع أساليب النمو الذكي للتقليل من المسافات التي تقطعها المركبات، واستخدام وسائل النقل الجماعي عالية الكفاءة.
- دعم استهلاك الطاقة المتجددة، مثل طاقة الشمس وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية، من خلال صنع تقنيات خاصة بها، فهي تقلل من التكلفة، وتلبي احتياجات الأفراد من الطاقة، وتحافظ على البيئة ضمن حلول ظاهرة الاحتباس الحراري.
- محاولة التخلص من كهرباء الوقود الأحفوري تدريجيًا، من خلال:
- التوقف عن بناء أي محطات طاقة جديدة تعمل من خلال حرق الفحم.
- إغلاق المحطات القديمة بشكل تدريجي.
- البدء بتخزين انبعاثات الكربون من محطات الطاقة، وقد تحتاج هذه العملية جهودًا صعبة وكبيرة.
- الحفاظ على الغابات والاهتمام بالزراعة، فإن إزالة الغابات الاستوائية تمثل ما يقارب 30% من الاحتباس الحراري العالمي.
- تعزيز صنع تقنيات منخفضة الكربون أو عديمة الكربون، وستكون نقطة تحول كبيرة في ملف حلول ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي تتمحور حول تسخير الطاقة من مصادر طبيعية كالطحالب والبكتيريا.