تحقيق مسبار
هذا المقال من سلسلة مقالات، يستهدف فيها "مسبار" طلاب المدارس وطلاب الجامعات، بهدف التعريف بتقصي الحقائق والتحقق من الأخبار المُضللة والتزييف العميق، ضمن مشروع التوعية بالأخبار الزائفة الذي يُقدّمه "مسبار" في أنشطة متنوعة، تضم مقالات توعوية، وورشات تدريبية في مجال التحقق من الأخبار.
أصبح استخدام تقنية التزييف العميق رائجًا في العديد من الأغراض، وكأي تقنية حديثة، فإن التزييف العميق له استخداماته الكثيرة، التي قد تعود بالنفع الكبير على الأفراد والمجتمع، لكن يمكن أيضًا استخدامها بطرق غير شرعية لإلحاق الضرر بالأفراد أو لإحداث مشاكل اجتماعية وسياسية، فما هو التزييف العميق وما هي مخاطر هذه التقنية؟ وهل يمكن الحد من آثار التزييف العميق؟ وهل يمكن التعرف على هذه التقنية أو كشفها؟
ما هو التزييف العميق؟
التزييف العميق تقنية ظهرت عام 2017، وتُستخدم لإنتاج مقاطع صوتية أو مقاطع فيديو بجودةٍ ودقة عاليتين لتبدو كأنها حقيقية، إلاَّ أنها ليست كذلك، حيث تعتمدُ على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في صناعةِ مقاطع فيديو يظهر فيها الأشخاص يقومون بأمورٍ معينة أو يتحدثون عن مواضيع ما، في حين أنَّهم لم يفعلوا ذلك في الحقيقة. وبينما كان في الماضي يمكن إنتاج صور تبدوا حقيقية باستخدام برامج تعديل الصور المختلفة، أصبح من الممكن إنتاج مقاطع فيديو باستخدام التزييف العميق لتبدو وكأنها حقيقية تمامًا. ومع التطور الكبير في الأدوات التقنية، أصبحت التطبيقات المستخدمة في التزييف العميق متاحةً للجميع وسهلة الاستخدام أيضًا، ويمكن إنتاج فيديو بهذه التقنية لأي شخصٍ بالخطوات البسيطة أدناه:
- يتم جمع مجموعة من الصور عن الشخص المستهدف، لتكون هذه الصور هي البيانات التي يعتمد عليها التطبيق في صناعة فيديو بتقنية التزييف العميق. وفي حين أن جميع هذه الصور لنفس الشخص، تختلف فيما بينها من حيث ملامح الوجه وزاوية الالتقاط، وغيرها من التفاصيلِ التي يحتاجها البرنامج.
- يقوم البرنامج بترتيب هذه الصور من أجلِ تشكيل نمطٍ معين لملامح وجه الشخص المستهدف، حيث يقوم بفرزِ الصور إلى مجموعاتٍ، ومن ثم إعادة رسم الوجه بناءً على البيانات التي قام بجمعها من هذه الصور، وكلما كانت الصور أكثر ومن زوايا مختلفة، كلما كانت التزييف العميق أكثر دقة وكفاءة.
- بعدما يقوم البرنامج بنسخِ ملامح الوجه بالكامل، يبدأ بتحديد التغير في ملامحه اعتمادًا على قاعدة البيانات الموجودة مسبقًا، وباستخدام تقنية التعلم العميق (Deep Learning)، يستطيع البرنامج رسم وجهِ الشخص بالكامل وبملامح أو أوضاع مختلفة، مثل الضحك أو ظهور ملامح الحزن عليه أو أي وضعٍ آخر حسب رغبة المصمم.
- بعد انتهاء البرنامج من بناء وجه الشخص بالكامل، سيتمكن المصمم من إعادةِ استخدامه في مقطع فيديو باستخدام تقنية التزييف العميق، حيث يستطيع مثلًا استبداله أو وضعه على جسم شخصٍ آخر، أو إعادة تصميم جسم الشخص الضحية لبناء مقطع فيديو مكتمل بتقنية التزييف العميق.
مخاطر التزييف العميق
تعتمد آثار التزييف العميق على الغرض من استخدامِ هذه التقنية، فبينما يمكن استخدامها مثلًا في صناعة أفلام السينما وألعاب الفيديو، تُستخدم هذه التقنية على نطاق واسعٍ في أغراض غير قانونية أو غير أخلاقية، ويمكن إدراك مخاطر التزييف العميق عند التعرف على أوجه استخداماتها العديدة، في أغراض غير قانونية أو أخلاقية. ويمكن تلخيص أهم مخاطر التزييف العميق بالنقاط التالية:
- تُساهم في انتشار الأخبار الكاذبة: نسبة استجابة المتابعين لمقاطع الفيديو أعلى من استجابتهم لأي مادةٍ إعلامية من نوع آخر، ولو كانت هذه المقاطع مصنوعة بتقنية التزييف العميق، فإنَّ هذا من شأنه أن يساهم في تعزيزِ مصداقية المعلومات المضللة والُمسَاهمة في انتشارِ الأخبار الزائفة بوتيرةٍ أعلى.
- تساهم في حدوث مشاكل سياسية واجتماعية: على عكسِ مقاطع الفيديو العادية أو الحقيقية، فإنَّ المقاطع المعمولة بتقنية التزييف العميق تَنسب أفعالاً أو أقوالًا غير حقيقية للأشخاصِ الذين ظهروا بها، وهذا يسبب الكثير من المشاكلِ لهؤلاء الأشخاص، عدا عن المشاكل الاجتماعية أو السياسية التي قد تحدث نتيجةً لاستخدام هذه التقنية.
- أداةٌ للنصب والاحتيال عبر الإنترنت: التلاعب الصوتي من أكثر تطبيقات التزييف العميق شيوعًا، ويمكن استخدام التلاعب الصوتي في عملياتِ النصب والاحتيال على الأفراد أو المؤسسات، من خلالِ انتحال صوت أشخاص معينين ومحاولة الحصول على الأموال باسم هذا الشخص.
مخاطر التزييف العميق أكثر من ذلك بكثير، فبينما يمكن الحد من مخاطره على الصعيد السياسي مثلًا، قد يكون من الصعب الحد من آثاره السيئة على الصعيد الفردي، خصوصًا لو استخدمت هذه التقنية في ابتزازِ الأشخاص أو الإضرار بسمعتهم ومكانتهم الاجتماعية، إضافةً إلى أن مخاطر التزييف العميق قد تطالُ الحقوق الفكرية وحقوق الملكية فيما لو استخدمت لأغراضٍ فنية دون الحصول على التراخيص اللازمة.
هل يمكن التعرف على تقنية التزييف العميق؟
نعم، يمكن التعرف على تقنية التزييف العميق، فهناك العديدُ من التطبيقات والتقنيات التي تساعد في الكشف عنها من خلالِ فضح الثغرات وتمييز الملامح المُصطنعة، وقد يكون التعرف على هذه التقنية هو الوسيلة الأمثل للحدِ من آثارها الخطيرة، حيث يساعد اكتشافها على تفنيدها وفضحها، الأمر الذي يحول دون تصديق الناس لها. وعلى الرغمِ من قوة هذه التقنية في تزييف الحقائق وجعل الأكاذيب أكثر إقناعًا وأكثر عُرضة للتصديق، إلا أنَّه يمكن التعرف على هذه التقنية وكشفها، فبالرغم من قوتها لا تخلو من الثغرات. وعلاوةً على الوسائل التقنية، هناك مجموعة من الإرشاداتِ التي يمكن أن تساعد الأفراد في التعرف على تقنية التزييف العميق، منها:
- الانتباه إلى حركات الوجه وتبدُّل ملامحه، فبينما تتبدل ملامح الوجه طبيعيًا بشكل انسيابي، يمكن التعرف على تقنية التزييف العميق من خلالِ التبدل في ملامح الوجه، والتي قد تبدوا كأنها مجموعة متتالية من الصورِ التي يتم تبديلها بشكلٍ سريع لتبدو كأنها حقيقية.
- أكثر الثغرات التي يمكن رصدها في مقاطع الفيديو موجودة في تفاصيل الوجه، مثل مدى التباين أو التناسق في ملامح الوجه أو غيرها من التفاصيل، يمكن مثلًا كشف الثغرات من خلال الإطلاع على مجموعةٍ من الصور الحقيقية للشخص الذي يظهر في الفيديو ومقارنة ملامح وجهه مع الفيديو.
- هناك بعض التفاصيل التي يمكن من خلالها التعرف على تقنية التزييف العميق، مثل الوهج في العينين أو شيخوخة الشعر والوجه عمومًا، وعدد مرات إغماض العين، وهل حركات الوجه طبيعية وانسيابية؟، كما يمكن مثلًا ملاحظة الاختلافات في شكل الشعر ولمعان البشرة وغيرها من التفاصيل.
وعلى الرغمِ من أن تقنية التزييف العميق تعمل بالذكاء الاصطناعي، وبينما يبدو من الصعب التعرف عليها وكشفها في البداية، إلاَّ أن كشفها يصبح سهلًا مع الممارسة. ومع تزايد الحملات المكافحة لهذه التقنية من أجلِ الحد من آثارها، هناك العديدُ من المواقع والمؤسسات التي تقدم دروسًا ونصائح للأفراد تساعدهم على كشف التضليل من خلال التعرف على تقنية التزييف العميق.
هل يمكن الحد من آثار التزييف العميق؟
بينما يتزايد استخدامها يومًا بعد يوم في مختلف الأغراض، تزداد الأصوات المعارضة لهذه التقنية، والتي تطالب بتقنينِ استخدامها من أجل الحد من آثار التزييف العميق. وعلاوةً على ضرورة توفير تقنيات ووسائل مساعدة للكشف عنها، هناك الكثير من الإجراءاتِ التي من شأنها أن تساعد في الحد من آثار التزييف العميق، منها:
- فرض القوانين التي تُنظم استخدام هذه التقنية وبشكلٍ يمنع استخدامها في أغراضٍ غير أخلاقية أو غير قانونية، بالإضافةِ إلى فرض رقابة على الشركاتِ أو المتاجر الإلكترونية التي توفر التقنيات المستخدمة في التزييف العميق.
- توفير الدعم للمؤسسات والجهات المجتمعية التي تعملُ على مكافحة التزييف العميق في أغراضٍ غير قانونية، وذلك من خلال منحهم التقنيات اللازمة للكشف عنها، أو من خلالِ توفير المصادر العلمية التي تساعدهم على مكافحتها، أو حتى من خلالِ توفير الدعم المالي اللازم لهذه المؤسسات.
- دعم الخبراء والمختصين في مجالِ التقنية من أجل مساعدتهم على تطوير تقنيات وتكنولوجيا أكثر كفاءةً في كشف التزييف العميق في مقاطع الفيديو أو المقاطع الصوتية، واستخدام تقنياتٍ متطورة في أجهزة التصوير أو المونتاج، للحدِ من إعادة استخدام المواد المرئية في تقنية التزييف العميق.
ولا يحتاجُ الحد من آثار التزييف العميق المزيد من التشريعات القانونية أو تقنيات التحقق فحسب، وإنَّما يتطلب الأمر أيضًا نشر الوعي حول مخاطر هذه التقنية ومن جميع الجوانب، وهذا من شأنه أن يساعد في الحد من آثار التزييف العميق بأكثرِ من طريقة، فبينما يساهم نشر الوعي في الحدِ من إنتاج المزيد من مقاطع الفيديو باستخدام هذه التقنية، يساهم أيضًا في جعل المجتمع أقلَّ عرضة لآثاره من خلال التحققِ من مصداقية مقاطع الفيديو قبل تداولها.
اقرأ/ي أيضًا:
هل التزييف العميق من أخطر برامج تحرير الصور؟