تحقيق مسبار
كثيرًا ما نسمع عن تجاربٍ لجني الأموال من ابتكار طرائقٍ بديلةٍ لصناعة المعادن الثمينة والتي أبرزها الذهب، لكنّها في مجملها تكون مجرّد خدعةٍ أو معلوماتٍ مضللةٍ. لذلك فقد يتساءل العديد من الناس هل يمكن صناعة الذهب كيميائيًا، هل سيحمل هذا الذهب ذات القيمة التي يحملها الذهب الحقيقي. في هذا المقال سيتم الإجابة عن التساؤل المطروح، إضافةً إلى استعراض مراحل تصنيع الذهب الخام وكيفية صناعة الذهب.
عنصر الذهب
قبل الحديث عن صناعة الذهب، لا بدّ من التعرّف على معدن الذهب (Au)، والذي هو عنصرٌ كيميائيٌّ موجودٌ في الطبيعة، وهو أحد أبرز المعادن الثمينة الذي يتميّز بلونه الأصفر اللامع والزاهي. وينتمي الذهب للمجموعة 11 (IB) والدورة 6 من الجدول الدوري للعناصر. وعادةً ما يكون الذهب موجودًا في الطبيعة بشكلٍ نقيٍّ نسبيًا.
وإضافةً إلى خصائصه الجمالية، يمتلك الذهب العديد من الصفات التي جعلته ذو قيمةٍ استثنائيةٍ عبر التاريخ، حيث يتميّز الذهب بانّه مستقرٌّ ومرنٌ للغاية بنفس الوقت، إضافةً إلى قابلية السحب والطرق والناقلية الكهربائية ومقاومة التآكل. ولم يضاهي الذهب تاريخيًّا أي معدنٍ آخر بسبب قيمته العالية والمعتبرة منذ العصور الأولى.
صناعة الذهب
تمرّ صناعة الذهب بعدّة مراحل بدءًا من الاستخراج والتنقيب وحتى التشكيل النهائي للسبائك والمجوهرات. وعند التفكير في كيفية استخراج الذهب، فإنّه غالبًا ما يتبادر إلى الذهن الأشخاص الذين يرتدون القبعات الصلبة ويعملون تحت الأرض، لكنّ تعدين خام الذهب هو مجرد مرحلةٍ واحدةٍ في عمليةٍ طويلةٍ ومعقدةٍ حتى وصوله إلى المستهلك، حيث تُعدّ عمليّة استخراج المادّة الخام لمعدن الذهب أولى الخطوات لصناعة الذهب وعملية تحويله إلى صورته النهائيّة المعروفة كالسبائك والليرات والمجوهرات الذهبية.
وقبل ذلك بفترةٍ طويلةٍ، يتم إجراء العديد من الدراسات الاستكشافية والفحوصات المُهمّة من أجل تقدير كميّة خام الذهب الذي سيتم استخلاصه بأكبر قدرٍ ممكنٍ من الدقةٍ، وكذلك كيفية استخراج خام الذهب ومعالجته بكفاءةٍ وأمانٍ ومسؤوليةٍ، وذلك قد يستغرق عادةً ما بين 10 و20 عامًا بعد اكتشاف وجود خام الذهب، قبل أن يصبح منجم الذهب جاهزًا لإنتاج معدن الذهب، الذي يمكن صقله وتحويله إلى سبائك.
تصنيع الذهب الخام
تمر عملية تصنيع الذهب الخام بعدة مراحل، بدءًا من عملية تعدين الذهب بعد الانتهاء من عمليات التنقيب والاستكشاف والجمع ضمن مراحل، حيث تستغرق مرحلة تعدين الذهب ما بين 10-30 سنة. وتمثل مرحلة تعدين الذهب العمر الإنتاجي لمناجم الذهب، وهي المرحلة الأساسية في تصنيع الذهب الخام، حيث يتم خلالها استخراج الذهب الخام ومعالجته (تصنيعه) إلى ذهب.
وتتضمن عملية معالجة أو تصنيع الذهب تحويل الصخور والرّكاز والخام إلى سبيكة معدنية من الذهب ذات نقاءٍ كبيرٍ -تُعرف باسم doré- تحتوي عادةً على 60-90٪ ذهب. حيث أنّه بعد عملية تحديد الصخور المحتوية على الذهب، تجري معالجة هذه الصخور الحاوية على فلز (خام) الذهب كأولى خطوات تصنيع الذهب الخام. ولكي يتم استخلاص خام الذهب من تلك الصخور، تقوم الشركات المسؤولة عن تصنيع الذهب الخام باستعمال عملياتٍ معقّدةٍ للتعدين، حيث يتم في بادئ الأمر تكسير كتل الصخور الضخمة إلى أجزاءٍ أصغر، ثم داخل المطاحن يتم تحويلها إلى الآلات المُسمّاة بالكسّارات (crushers)، من أجل تحطيمها إلى أجزاءٍ بحجم الحجارة الصغيرة، وبعدها يتم تحويل القطع الصغيرة لتدخل في آلاتٍ دوارة مليئة بالكرات الفولاذية، التي تعمل على سحق ركازة خام الذهب إلى جزيئاتٍ صغيرةٍ وناعمةٍ. بعد ذلك يتولّى مسؤولو تشغيل المطحنة عمليّة خلط الطين بالماء، واستخلاص لُب المادّة بواسطة خزّانات الترشيح.
ويتم استخلاص الذهب الخام من الخليط خلال عملية الترشيح بواسطة بعض المواد الكيميائيّة المُذيبة كالسيانيد، حيث يتم مزجه مع الأكسجين، فيتفاعلان معًا ويؤدّي ذلك إلى تذويب الذهب داخل المادة. وبعد ذلك يقوم العاملون بإدخال الدقائق الكربونيّة فيلتصق الذهب بالكربون، وتتم عمليّة الترشيح والفصل لفلز الذهب الخام بواسطة غرابيل أو ستائر خاصة، تُنقّي الكربون الحامل للذهب منه.
وبما أنَّ الذهب الخام المُستخرج يحوي على مجموعةٍ متنوعةٍ من الشوائب عند استخراجه، بما في ذلك معادن الزنك والنحاس والفضة والحديد، لذلك يتم استخدام طريقتين عادةً للتنقية: عملية المطحنة (Miller) التي تنتج ذهبًا بنسبة نقاء 99.5% فقطK وعملية ولويل (Wohlwill) التي تنتج ذهبًا بنسبة نقاء 99.99%. وبعد ذلك يتم إذابة الذهب من خلال صهره في الأفران على درجة حرارة 1148 درجة مئوية ثم صبّ الذهب النقي بصورة سبائك.
كيفية صناعة الذهب
لفهم كيفية صناعة الذهب عالميًا يجب معرفة طرائق تنقية الذهب المتبعة بعد استخلاصه من الصخور الحاوية على خام الذهب. حيث تعتمد عملية (Miller) على حقيقة أن جميع الشوائب الموجودة في الذهب تقريبًا تتحد مع الكلور الغازي بسهولة أكبر من ارتباط الذهب به عند درجات حرارة تساوي أو تزيد عن درجة انصهار الذهب. لذلك يتم أولًا تذويب الذهب غير النقي ثم يُضخ الكلور الغازي في السائل الناتج، وبنتيجة ذلك تشكل الشوائب مركبات كلوريد تنفصل في طبقة على سطح الذهب المصهور. وتعد هذه العملية سريعة وبسيطة، لكنها تنتج ذهبًا بنسبة نقاء 99.5 بالمئة فقط.
في المقابل، تزيد عملية (Wohlwill) من درجة النقاء إلى حوالي 99.99٪ بالاعتماد على طريق التحليل الكهربائي، حيث يُضاف الذهب الذي يحتوي على شوائب إلى محلول إلكتروليتي يتم إنتاجه من دمج حمض الهيدروكلوريك وكلوريد الذهب، تحت تأثير التحليل الكهربائي. حيث يعمل الذهب المصبوب كقطب موجب الشحنة، ويذوب القطب الموجب وتنتقل الشوائب إلى المحلول؛ أو تنتقل إلى قاع خزان التكرير الكهربائي على شكل مادةٍ لزجةٍ غير قابلةٍ للذوبان. ويتجه الذهب تحت تأثير المجال الكهربائي إلى قطب سالب الشحنة يسمى الكاثود، حيث يتم استعادته إلى حالةٍ معدنيةٍ نقيةٍ للغاية بنسبة 99.99%.
وعلى الرغم من أنّ عملية (Wohlwill) تنتج ذهبًا عالي النقاء، إلّا أنها تتطلب من المُنتج الاحتفاظ بمخزونٍ كبيرٍ من الذهب (بشكلٍ أساسيٍ للإلكتروليت)، وهذا مكلفٌ للغاية. حيث يمكن للعمليات القائمة على أساس التنقية الكيميائية المباشرة والاسترداد من المحلول كعنصر الذهب أن تسرّع بشكل كبير معالجة الذهب، وتلغي الحاجة إلى مخزونات الذهب باهظة الثمن في تلك العملية.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ التطورات التكنولوجية الحالية تعمل بشكلٍ متزايدٍ على جعل عملية تعدين الذهب أكثر ذكاءً ونظافةً وفعالية، حيث تم تصميم المناجم الآن مع وضع هذه التقنيات في الاعتبار، وأصبحت الكهرباء والرقمنة والأتمتة عناصرًا شائعةً بشكلٍ متزايدٍ في عمليات تصنيع الذهب، وهذا ما يجعل كثيرًا من الأشخاص يبحثون حول هل يمكن صناعة الذهب كيميائيًا.
مراحل صناعة الذهب
من أجل توضيح مراحل صناعة الذهب، يجب معرفة أنَّ هذه المراحل جميعها ضرورية حتى يتم الحصول على الشكل النهائي للذهب. وبشكلٍ عام تضم مراحل صناعة الذهب ما يلي:
- الصَّهر: وهو استخلاص الذهب من المعدن الخام الذي يقترن به. فبعد الصهر يكون الذهب نقيًا بنسبة 90٪ ولكنه غير مقبولٍ للسوق لأنّه لا يزال يحتوي على شوائبٍ معدنيةٍ أخرى مثل الفضة أو النحاس أو الألومنيوم أو الحديد. ويعدّ الصهر أهم مرحلةٍ من مراحل صناعة الذهب، لأنّه إذا تمّ إجراؤه بشكلٍ غير صحيحٍ، فسيظل الذهب في صورته الخام وسيخسر المنتج الأرباح منه، حيث يتمّ احتساب جميع أرباح الذهب وفقًا للنقاوة والوزن، فكلما زادت درجة الشوائب في الذهب، قلّت قيمته وبالتالي قل صافي الربح في النهاية. وعادةً ما تقوم الشركات الكبيرة بصهر الذهب في الموقع لتقليل التكاليف، ولكن لا يمكنها تكرير الذهب بنفسها، حيث يتم صهر الذهب باستخدام الضغط العالي والحرارة والمواد الكيميائية المختلفة لتفكيك الخام وصهر الذهب لفصله عن الشوائب، ومن أجل ذلك يجب تسخين الذهب إلى ما يزيد عن 1046 درجةٍ مئوية.
- حرق الشوائب: تتم هذه العملية للتخلص من جميع الشوائب عبر صهر الذهب، وهي عمليةٌ خطيرةٌ للغاية. ولا تزال العديد من العمليات تستخدم الزئبق السائل لفصل الذهب عن الشوائب الأخرى، ويعد الزئبق مادةً شديدة السمية وقويةً حيث يمكن أن تؤدي هذه المادة إلى أمراضٍ طويلة الأمد إذا تم التعامل معها بطريقةٍ خاطئةٍ. وكذلك قد يكون التخلص من الشوائب المستخدمة في هذه العملية ضارًا بالبيئة المحيطة، إذا تم التخلص منها بشكلٍ غير صحيحٍ.
- صبّ السبائك الذهبية (dorés): بمجرد انتهاء عملية الصهر وتنقية الذهب، يُصّبُّ الذهب في صورة سبائكٍ لنقله إلى العملية التالية من مراحل صناعة الذهب. وتعد السبائك هذه أسهل طريقةٍ للنقل، لأنَّ كل الذهب موحد ويمكن تكديسه. ويتم صبّ السبائك إمّا في وزن 10 أرطال أو 20 رطلًا.
كيفية صناعة الذهب كيميائيًا
على مدار مئات السنين بحث العلماء عن كيفية صناعة الذهب كيميائيًا، فقد اجتهد الكيميائيون في مختبراتهم لإنتاج مادةٍ أسطورية تُعرف باسم حجر الفيلسوف. وقيل إنّ المادة الحمراء الكثيفة المفترضة والشمعية تتيح العملية التي أصبحت مرادفًا للكيمياء - Chrysopoeia، التحول، أو التحويل، من المعادن الأساسية مثل الرصاص إلى الذهب.
وقد استخدم الكيميائيون طرائقًا كيميائيةً عديدةً لمحاولة صنع الذهب من الرصاص، كانوا يبحثون عن طريقٍ تمكنهم من صنع ذهبٍ ثمينٍ من معدنٍ أكثر وفرةً وأقلّ فائدةً وسعرًا، مثل الرصاص. لكنّهم لم ينجحوا أبدًا في التوصل إلى كيفية صناعة الذهب كيميائيًا.
أمّا في الوقت الحالي، فقد استطاعت الكيمياء والفيزياء النووية الحديثة تحقيق هذا التغيير، حيث أنّه عن طريق اصطدام النيوترونات بذرات الرصاص، يقوم النيوترون بقطع البروتونات لتشكيل ذرةٍ من الذهب، ويتم الحصول على تلك النيوترونات من مُعجّل (مُسرّع) الجسيمات الذي يُسرّع النيوترونات لمنحها مزيدًا من الطاقة عندما تصطدم بذرةٍ. لكن يبقى هناك مشكلةٌ واحدةٌ فقط، وهي أنَّ العملية تكلّف أكثر للقيام بها من قيمة الذهب الناتج عنها، أي أنّها لا تزال غير مجديةٍ اقتصاديًّا.
لذلك، من الناحية العلمية يمكن القيام بذلك، لكنّ ذلك لا يكون مجديًا من الناحية الاقتصادية. ويعود السبب الرئيسيّ وراء البحث عن كيفية صناعة الذهب كيميائيًا في اقتصاد اليوم أنّ الذهب يحتفظ بقيمته بشكلٍ جيدٍ للغاية، وغالبًا ما يُنظر إليه على أنه استثمارٌ آمنٌ، خاصةً أثناء فترات الركود الاقتصادي.
كيفية صنع الذهب في البيت
كثيرٌ يرغبون في فهم كيفية صنع الذهب في البيت. لكن أولًا وقبل كل شيء، يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ ما يجعل المعدن ثمينًا هو ندرته، فالذهب لديه خصائصٌ مميزةٌ، وفي صناعة المجوهرات، يتم تحديد نسبة الذهب بالقيراط، فالذهب الخالص هو من عيار 24 قيراط؛ لذلك فإن كلّ قيراطٍ يساوي 4.167 % من محتوى الذهب، بحيث يكون على سبيل المثال 18 قيراطًا يساوي 18×4.167 أي 75% ذهب نقي. وتشير كلمة نقاوة الذهب إلى أجزاءٍ من كل ألف للذهب الخالص في السبيكة. على سبيل المثال، الرقم المكون من ثلاث تسعات يتوافق مع نقاء الذهب بنسبة 99.9 في المائة.
وبالتالي لا يمكن توضيح فكرة كيفية صنع الذهب في البيت، فهذا أمرٌ غير ممكنٍ إطلاقًا. أمّا من ناحيةٍ علميةٍ، فيمكن إنشاء الذهب من عناصرٍ أخرى. لكنّ العملية تتطلب توفّر مفاعلاتٍ نوويةٍ؛ بمعنى أنّ ذلك لا يمكن أن يتمّ إلا في المخابر المجهّزة والمخصصة لمثل هذه التجارب، وهي عمليةٌ مكلفةٌ للغاية بحيث لا يمكن حاليًا كسب المال عن طريق بيع الذهب الذي يتم إنشاؤه خلالها.
هل يمكن صناعة الذهب كيميائيًا؟
في الحقيقة ممكن من الناحية العلمية النظرية، لكن من الناحية العملية لا يمكن ذلك، أو بمعنى آخر لا يكون ذلك مجديًا. فكما سبق ذكره، حتى يمكن صناعة الذهب كيميائيًا يكون هناك حاجةٌ لمفاعلاتٍ نوويةٍ وتجهيزاتٍ متطورةٍ، وبالتالي مصروفٌ كبيرٌ من الطاقة والمواد. وعادةً ما يتم صناعة الذهب كيميائيًا من البلاتين أو من الزئبق، والذي من خلال التحلل الإشعاعي الطبيعي يمكن أن يؤدي إلى تشكّل الذهب.
كما ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أنّه من خلال عملية الإنتاج هذه، فإنّ الكثير من الذهب الذي تم إنشاؤه من عناصرٍ أخرى يكون مشعًّا، ويعدّ الذهب المشع خطيرًا على البشر ولا يمكن بيعه تجاريًّا.
لذلك يُعد إنشاء الذهب من العناصر الأخرى حاليًا تجربةً مخبريةً باهظة الثمن، وليس نشاطًا تجاريًا قابلًا للتطبيق.