تحقيق مسبار
إنّ الخصائص الفيزيائية الفريدة من نوعها للألماس، جعلت له قيمة عالمية كبيرة، وأحاطته بدوائر الاحتكار، فهل يمكن صناعة الألماس؟
يجيب المقال التالي على هذا السؤال، ويتحدث عن الألماس وتاريخه، وصناعة وتصنيع الألماس، إلى جانب كيفية صناعة الألماس، وأخيرًا صناعة الألماس الصناعي.
الألماس
الألماس هو عنصر طبيعي صلب يتكوّن من الكربون الذي تعرَّض للضغط ودرجات الحرارة العالية، والذي عمل على إذابة المعادن في باطن الأرض واستبدالها بالألماس، حتى حُمل إلى سطح الأرض بعد ثوران بركاني، وترسَّب في الصخور النارية التي تُعرف بصخور الكمبرلايت واللامبرويت.
ويُعتبر الغرافيت أحد أشكال الكربون المستقرة كيميائيًا، الذي يتحوّل إليه الألماس فيما بعد ولكن ببطء شديد. ويُعتبر الألماس المادة الأعلى صلابة والأكثر موصلية للحرارة، أكثر من أي مادة طبيعية أخرى، الأمر الذي جعلها تدخل في صناعة أدوات القطع والتلميع.
تاريخ الألماس
في العودة إلى تاريخ الألماس، وفي عام 1870 ميلادي تحديدًا، كان الألماس عنصرًا نادرًا جدًا في الطبيعة، وكان يتواجد في مجاري أنهار كل من دولتي الهند والبرازيل، الأمر الذي جعل سعره باهظًا آنذاك، وارتبط الأمر بقلة الإنتاج السنوي للألماس، حيث لم يتم إنتاج سوى أرطال قليلة منه كل سنة. حتى تم اكتشاف منجم بالقرب من نهر أورانج في جنوب أفريقيا، والذي أدى إلى زيادة وفرة عنصر الألماس الطبيعي في الأسواق، وهذا ما زاد من مخاوف المستثمرين البريطانيين في المنجم آنذاك، ومن احتمالية تعرّض استثماراتهم للخطر بعد إدراكهم للموقف.
فيما بعد، أسس السير إرنست أوبنهايمر هو ومجموعة من المستثمرين الأوائل في الصناعة مؤسسة (De Beers Consolidated Mines)، من أجل التحكم في عرض الألماس في السوق، حتى تطوّرت عمليات التوريد لأربعة مراحل في فترة التسعينيات، وتمكنت (De Beers) من السيطرة على مرحلتين مهمتين لاحتكار هذا العنصر، في سبيل السيطرة على عمليات شراء الألماس الخام.
وُيذكر أنه في الستينيات أخضعت وزارة العدل الأمريكية شركة (De Beers) لدفع رسوم الاحتكار، واختارت الأخيرة عدم الرد في المحكمة، الأمر الذي حظر عليها العمل في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد استطاعت شركة (De Beers) أن تلجأ لآليات معينة للسيطرة على إمدادات الألماس والسيطرة على إنتاجها من خلال شركة (Diamond Trading Company).
هل يمكن صناعة الألماس؟
صحيح، من الممكن صناعة الألماس، حيث تمكَّن الكيميائيون وصانعو الألماس في المختبر من سد جزء لا بأس به من الطلب الزائد على الألماس، خاصة في ظل زيادة الاستخدام الصناعي لهذا العنصر. وتطورت صناعة الألماس حتى أصبح من الممكن صنع أحجار صناعية عديمة اللون تتطابق مع الأحجار الطبيعية تمامًا، وتتشابه بشكلٍ كبير معها عند النظر إليها بالعين المجردة، ليكون عالِم الأحجار الكريمة الشخص الوحيد القادر على التفريق بينهما، من خلال معدات واختبارات خاصة.
صناعة الألماس
لقد أوجدت صناعة الألماس فرقًا في عالم المجوهرات والصناعة، فالألماس التجاري الذي يعتمد على الضغط العالي ودرجات الحرارة المرتفعة، يُنتِج ألماس أصفر اللون، ويعود سبب وجود اللون الأصفر لشوائب النيتروجين الموجودة فيه. ومن الممكن صناعة ألماس بألوان مختلفة كالأزرق أو الأخضر أو الوردي، من خلال إضافة البورون، أو من خلال عملية التشعيع التي تحدث بعد التوليف. أمّا عن صناعة الألماس بواسطة ترسيب البخار الكيميائي، فتُقدّم بلورات منفردة بحجم مليمترات.
تصنيع الألماس
لقد كانت فكرة تصنيع الألماس تراود أذهان عدد من الكيميائيين في فترات من الزمن، وعلى رأسهم الكيميائي جيمس بالانتين هاناي الذي ادَّعى في عام 1880 ميلادي أنه صنع الألماس، من خلال تسخين البارافين مع (Bone oil) والليثيوم، وقام بتحويلها إلى حرارة لونها أحمر داخل أنابيب حديدية مُحكمة الإغلاق. ولكن لم تُكرر هذه الفكرة فيما بعد، وهذا ما جعلها فكرة غير عملية وغير مُجدية في فضاء تصنيع الألماس.
أما عن الكيميائي هنري مويسان، فلقد ادعى عام 1893 ميلادي بأنه قام بتصنيع الألماس من خلال بوتقة من الكربون النقي مع الحديد، بعدما وضعها داخل فرن كهربائي وعرّضها لحرارة شديدة تصل ل 4000 درجة مئوية، ومن ثم عرَّضها لضغط كبير ومفاجئ، ومن ثم قام بتبريدها في حمام مائي. ولكن تضاف هذه التجربة أيضًا كثاني تجربة لم تُكرر في تصنيع الألماس.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين، تمكَّن الفيزيائي الأمريكي بيرسي ويليامز بريدجمان من تصنيع الألماس، بعد دراسات كبيرة للمواد القادرة على تحمل الضغط العالي، وأسّس شركة باسم (جنرال إلكتريك)، والتي تمكن في مختبرها من صنع الألماس عام 1955 ميلادي. واعتمدت العملية حينها على آلية ضغط معدن الغرافيت لما يقارب 7 جيجا باسكال، تحت درجات حرارة تفوق 1700 درجة مئوية، في ظل وجود مُحفِّز معدني. ومنذ عام 1960 ميلادي، تم تصنيع أطنان من الألماس بمواصفات عالية، وبأشكال مختلفة منه سنويًا.
وفي خمسينيات القرن المنصرم أيضًا، بحث الروس لإيجاد طرق جديدة لتصنيع الألماس، من خلال تحلّل الغازات المحتوية على الكربون على درجات حرارة عالية جدًا وضغط منخفض، مثل غاز الميثان.
وفي عام 1961 ميلادي، استُخدمت الموجات الصَدمية لأول مرة في تصنيع مسحوق الألماس، ومازال يتم إنتاج كميات صغيرة من الألماس بهذه الطريقة حتى هذه اللحظة. أمّا في الثمانينيات، طوّرت اليابان طريقة لترسيب البخار الكيميائي وقابلة للتطبيق التجاري.
كيفية صناعة الألماس
توجد طريقتان رئيسيتان في صناعة الألماس، الأولى من خلال عمليات الضغط العالي ودرجات الحرارة العالية (HPHT) أو (High Pressure High Temperature)، والثانية من خلال ترسيب الأبخرة الكيميائية (CVD) أو ( Chemical Vapor Deposition). وتعتبر الطريقة الأولى الأنسب والأفضل في صناعة الألماس، كونها تعتمد على فكرة تآصل الكربون، أي تحويل الغرافيت إلى ألماس. أما الطريقة الثانية فتعتمد على صناعة الألماس من خلال تحويل الغاز إلى مواد صلبة، والتي تتناسب مع صناعة الأحجار الكريمة على الأكثر.
صناعة الألماس الصناعي
تتم عملية صناعة الألماس الصناعي من خلال تعريض معدن الغرافيت لدرجات من الحرارة المرتفعة جدًا، إلى جانب ضغطٍ عالٍ جدًا، فينتج عن ذلك ألماس صناعي تتشابه خواصه بخواص الألماس الطبيعي، التي تحظى باهتمام عالمي كبير، وأهمها:
- الصلابة الشديدة.
- الشفافية العالية في حال كان نقيًا.
- الموصلية العالية للحرارة.
- المقاومة الكهربائية العالية.
وتتم صناعة الألماس الصناعي على شكل حُبيبات وبلورات صغيرة من الألماس على الأغلب، والتي تستخدم لأغراض صناعية كطلاءات صلبة لبعض المعدات، منها عجلات الطحن ومناشير المحاجر ومثاقب التعدين وسحب الأسلاك. إلى جانب الأغشية الألماسية التي تُزرع على مواد معينة بعد تعريض الغاز المُكربن أو الغاز الذي يحتوي على كربون للحرارة العالية، والتي تستخدم في النهاية في أدوات القطع، ونوافذ الأجهزة البصرية.
اقرأ/ي أيضًا:
هل يفقد الألماس قيمته عند البيع، وهل يوجد عوامل مؤثرة أخرى؟