تحقيق مسبار
تُعرف حدائق بابل المعلقة على أنها إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، ويقال بأنها توجد في العراق اليوم، حيث كان هذا الموقع مزدهرًا قديمًا، لكن ليس هناك دليلًا حقيقيًا على أن حدائق بابل المعلقة موجودة حتى الآن أو أنها كانت موجودة أصلًا، حيث لم يتم العثور على أدلة كافية تثبت أنها وجدت حقًا ولم يتم اكتشاف سوى الأنقاض، وحتى اليوم يوجد فقط تقارير وروايات الكتّاب الذين عاشوا في تلك الفترة الزمنية والذين لم يروا في الواقع عجائب العالم المزعومة، وقيل إنها بنيت حوالي 600 قبل الميلاد.
أين تقع حدائق بابل المعلقة؟
تقع حدائق بابل المعلقة حسب الروايات بالقرب من القصر الملكي في بابل، بينما يعتقد البعض الآخر بأنها لا تقع في بابل بل في نينوى وهي عاصمة الإمبراطورية الآشورية. كما يوجد معتقدات تُشير إلى أن حدائق بابل المعلقة لم تكن موجودة في الأساس وهي حدائق خيالية، لأن النصوص البابلية القديمة والآثار التي وجدت حتى الآن، خالية من أي إثبات على أن حدائق بابل المعلقة كانت موجودة في الأصل، ولم يظهر أي دليل على مثل هذه الحدائق في حالة خراب في موقعها المفترض.
وبالرجوع إلى وصف الكتّاب القدامى، فإنّه يدل على أن حدائق بابل المعلقة تقع في عاصمة نبوخد نصّر، وكانت لا تزال موجودة في العصور الهلنستية. ووصف عدد من المؤلفين الكلاسيكيين الحدائق المعلقة بالتفصيل، على الرغم من اختلاف بعض المصادر حول من قام ببنائها، إلا أن هناك أوصاف معينة كانت مشتركة وتم الاتفاق عليها، وهي أن الحدائق كانت تقع بالقرب من القصر الملكي وتم وضعها على تراسات مقببة، وكانت تسقى بنظام استثنائي للري، وسُقِفت بشرفات حجرية وُضعت عليها طبقات من المواد المختلفة، مثل القصب والبيتومين والرصاص، بحيث لا تتسرب مياه الري عبر المدرجات.
وعلى الرغم من عدم العثور على آثار معيّنة للحدائق المعلقة، إلا أن عالم الآثار الألماني روبرت كولديوي بدأ التنقيب في عام 1899 في مدينة بابل الواقعة اليوم في العراق، واكتشف هيكلًا مقوسًا فريدًا من نوعه ولم يجد أي شيء مماثلًا في أي مكان آخر في أنقاض المدينة، وكان كولديوي مقتنعًا بأن اكتشافه بمثابة البنية التحتية لعجائب العالم القديم، حيث كان عبارة عن سلسلة غير عادية من غرف التأسيس والأقبية في الركن الشمالي الشرقي من القصر في بابل، وبالتالي كان يُعتقد أنه ربما كان جزءًا من البنية التحتية للحدائق المعلقة الشاهقة ذات يوم.
ويُعد البحث عن الحدائق أحد أكثر المهام إثارة في دراسات بلاد ما بين النهرين، ولا يزال علماء الآثار في حيرة من أمرهم فيما إذا كانت حدائق بابل المعلقة قد وُجدت قديمًا أم لا، وإن وُجدت سابقًا فأين هي ولم ليس هنالك أي أثر لمكانها. كما أن مُصطلح الحدائق المعلقة غير مفهوم بشكل كلي، حيث يوجد تصورات عديدة للشكل وهذه هي الصورة الأكثر شيوعًا.
من بنى حدائق بابل المعلقة؟
هناك عدد من الروايات حول من بنى حدائق بابل المعلقة، وقبل الحديث عنها لا بدّ من التعرف على مدينة بابل، والتي تعد من أشهر مدن العصور القديمة، حيث كانت عاصمة جنوب بلاد ما بين النهرين (بابل) من أوائل الألفية الثانية إلى أوائل الألفية الأولى قبل الميلاد، وعاصمة الإمبراطورية البابلية الجديدة (الكلدانية) في القرنين السادس والسابع قبل الميلاد، عندما كانت في أوج روعتها. وتقع أطلالها الواسعة الآن على نهر الفرات على بعد حوالي 55 ميلًا (88 كم) جنوب مدينة بغداد الجديدة، بالقرب من مدينة الحلة الحديثة في العراق، والتي تقع على بعد حوالي 80 كيلومترًا (50 ميلًا) جنوب بغداد الحديثة في العراق.
وبابل مدينة قديمة لها تاريخ من الاستيطان يعود تاريخه إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وكانت أعظم فترة في تاريخ المدينة في القرن السادس قبل الميلاد في عهد نبوخذ نصر الثاني، عندما كانت المدينة عاصمة الإمبراطورية البابلية الجديدة، حيث أسس نبوخذ نصر والد نبوخذ نصر الثاني الإمبراطورية (حكم 625-605 قبل الميلاد) بعد انتصاراته على الإمبراطورية الآشورية، واستمر نبوخذ نصر الثاني من بعد والده الذي حكم المدينة لمدة 43 عامًا في القيام بأمور أعظم، بما في ذلك الاستيلاء على القدس في عام 597 قبل الميلاد.
ثم شرع الملك البابلي في جعل عاصمته واحدة من أروع المدن في العالم، وعندها تم بناء بوابة عشتار عام 575 قبل الميلاد بأبراجها الجميلة وتصويرها في بلاطات الحيوانات الحقيقية والخيالية، وأحاط المدينة بسور كان عبارة عن جدار مزدوج من الطوب بطول 7-20 كيلومتر، وهو الأكبر على الإطلاق. وقيل أنه قام ببناء الحدائق المعلقة الواسعة في القرن السادس قبل الميلاد، التي انتشرت شهرتها في جميع أنحاء العالم، وبناها كهدية لتعزية زوجته أميتيس ابنة ملك الميديين، وموطنها الأصلي هو ميديا الواقعة في الجزء الشمالي الغربي من إيران الحالية، وأميتيس تزوجت من نبوخذ نصر الثاني لتأسيس تحالف بين الشعبين، لكن كانت المدينة التي أتت منها خضراء وعرة وجبلية، بينما كانت بلاد ما بين النهرين عبارة عن تضاريس مسطحة مشمسة، فكان هذا الأمر محبطًا لها، وكانت تشعر بالحنين إلى وطنها ذو النباتات الجميلة والجبال، فقرر الملك أن يخفف من اكتئابها عن طريق القيام ببناء مكان يشبه وطنها، وهو عبارة عن مبنى على شكل جبل اصطناعي بحدائق على السطح، لأنها افتقدت الجبال والمساحات الخضراء في وطنها.
وفي رواية أخرى يعتقد البعض الآخر أن الحدائق المعلقة من عمل الملكة الأسطورية اليونانية سميراميس، خلال فترة حكمها الذي استمر خمس سنوات بدءًا من عام 810 قبل الميلاد، وهي والدة الملك الآشوري أداد نيراري الثالث، الذي حكم من 810 إلى 783 قبل الميلاد.
وأيًا من كان قد بنى حدائق بابل المعلقة، فهو كان بحاجة أن يجد أعجوبة في هندسة الري، فيعتقد العلماء أنه كان عليهم استخدام نظام من المضخات وعجلات المياه والصهاريج لرفع المياه وإيصالها من نهر الفرات القريب إلى الجزء العلوي من الحدائق.
هل حدائق بابل المعلقة موجودة الآن؟
لا يوجد دليل حقيقي على أن حدائق بابل المعلقة موجودة الآن، فلم تكن مدينة بابل القديمة لقرون سوى كومة من الأنقاض الطينية التي لم يستكشفها العلماء مطلقًا، على الرغم من أن موقع المدينة معروف جيدًا، على عكس العديد من المواقع القديمة، إلا أنه لم يبق من هندسته المعمارية شيئًا مرئيًا.
وقام عالم الآثار روبرت كولديوي بالحفر في موقع بابل لمدة أربعة عشر عامًا، مكتشفًا العديد من معالمه، بما في ذلك الجدران الخارجية والجدران الداخلية وأساس برج بابل وقصور نبوخذ نصر وطريق الموكب الواسع الذي يمر عبر قلب المدينة.
كما اكتشف كولديوي قبوًا يضم أربعة عشر غرفة كبيرة ذات سقوف مقوسة من الحجر، وتشير السجلات القديمة إلى أن موقعين فقط في المدينة استخدما الحجر، وهما الجدار الشمالي للقلعة الشمالية والحدائق المعلقة، وتم بالفعل العثور على الجدار الشمالي للقلعة الشمالية وكان يحتوي بالفعل على حجر، مما جعل كولديوي يعتقد أنه وجد قبو الحدائق.
لكن بعض علماء الآثار الحديثين شكّكوا في اكتشاف كولديوي، بحجة أن هذا الموقع بعيد جدًا عن النهر، بحيث لا يمكن ريّه بكمية المياه المطلوبة، بالإضافة إلى أن الألواح التي تم العثور عليها مؤخرًا في الموقع تشير إلى أن الموقع تم استخدامه لأغراض إدارية وتخزينية، وليس كحديقة ترفيهية، ولذلك ما زال الغموض يحيط بهذه الحدائق، فإذا كانت حدائق بابل موجودة حقًا، فماذا حدث لها؟.
ويجدر الذكر أن هناك تقرير يفيد بأن المدينة تعرضت لزلزال في القرن الثاني قبل الميلاد، ونتيجة لذلك ربما تكون البقايا المختلطة، والتي معظمها مصنوع من الطوب اللبن، قد تآكلت ببطء مع ندرة الأمطار. كما تساءل البعض ماذا لو لم توجد الحدائق المعلقة في بابل على الإطلاق؟ فربما كانت موجوة في مدينة أخرى تمامًا في العالم وليس في بابل نفسها، وطبعًا لا تزال جميع هذه التساؤلات موضع بحث ودراسة حتى الآن.
اقرأ/ي أيضًا: