تقول ورقة صادرة عن مركز دراسات RAND "البيئة المعلوماتية التي يعمل ضمنها مستخدمو الإنترنت تتعكّر بسبب انتشار مصادر معلومات غير موثوقة. عندما صار بإمكان أي شخص موصول بالإنترنت أن ينقل معلومات لجمهور عالمي، ومع جهود وسائل الإعلام المطبوعة التقليدية للمنافسة في النظام الذي خلقته الأخبار عبر الإنترنت، فإن المعلومات التي تتوفر لنا لم تعد خاضعة لنفس عمليات ومعايير تنظيم المحتوى".
بناء على ذلك، فإن تشريح الشائعات وطبيعة عمل الأخبار الزائفة أصبح عملاً يحتاج إلى معرفة أكاديمية وإلماماً بالنظريات التي تلعب دوراً في تحليل هذا العالم وتقصّيه، لذلك يقدّم لكم "مسبار" مجموعة من الكتب التي تؤسّس لفهم جيد لعالم الشائعات.
صناعة الخبر في كواليس الصحف الأمريكية
دراسة طبيعة الشائعات ومعرفة كيفية مواجهتها تستلزم معرفة جيدة بكواليس صناعة الخبر الصحفي على أرض الواقع، ولا شكّ أنّ المطبخ الصحفي الأميركي يعدّ آلة صحفية كبيرة في العالم الآن. يتعرّض مؤلفا الكتاب جون ماكسويل هاميلتون، الصحفي وأحد أكبر الباحثين في مركز وودرو ويلسون الدولي، وجوروج أ. كريمسكي، الصحفي والمحاضر مؤسس مركز الصحفيين الأجانب، لمجموعة من المبادئ الأساسية في عالم الصحافة وتيسيرها، ويفسّرانها للجمهور عن طريق تناول قصص من الحياة اليومية في كواليس المؤسسات الصحفية الأميركية، مما يساعد على فهم كيفية كتابة الخبر وقواعده، والتعرّف على حياة الصحفيين وما يتعرّضون له يوميًّا.
ذكر الكتاب في مطلعه ما الذي يجب أن تقدمه الصحف للجمهور. ففي أربعينيات القرن الماضي، صرّحت لجنة حرية الصحافة الأميركية أنّ وسائل الإعلام يجب أن تقدم خمس خدمات عامة:
- رواية دقيقة وشاملة لأخبار اليوم في السياق الذي يعطيها معناها.
- يجب أن تكون بمثابة منتدى لتبادل التعليق والنقد.
- تمثيل عادل للجماعات التي يتكوّن منها المجتمع.
- تقديم وتوضيح لأهداف المجتمع وقيمه.
- توزيع واسع للأخبار.
"إلا أنّ للتعايش مع هذا الإحساس العميق بالخدمة العامة دور آخر، فإدارة الصحف عمل تجاري، وهي شركات تحقق الأرباح المالية لأصحابها" بحسب الكتاب، وهذا ما يجعل البنود الخمسة فائقة الأهمية لتحديد ما إذا كانت الأخبار الواردة من وسيلة إعلامية ما مضللة أم مهنية وغير متحيزة. وتمكّن تلك البنود الجمهور من استيعاب دور وسائل الإعلام وترفع قدرته على تقييمها، وهذا ما يجعل المتلقي فطناً وليس مجرّد مستهلك لأيّ نوع من الأخبار التي يتلقّاها.
لذا؛ تدور فصول الكتاب حول عدة مواضيع، أهمها: مصادر الخبر وكيفية تعامل الصحف مع الجمهور وتسويق منتجاتها له، وهو ما يرسم ملامح عالم صناعة الخبر، ويساهم ذلك في خلق ثقافة للقارئ تجعله قادراً على تمييز كيفية التحقق من موثوقية الخبر والتمييز بينه وبين الأخبار الزائفة.
بجانب هذه المواضيع المهمة التي تُكوّن فهماً معمقاً لعالم صناعة الأخبار، فهناك عدة مواضيع أخرى يتناولها الكتاب، فتحت عنوان "الصحافة كعمل ربحي" يناقش فصل كامل من الكتاب مدى قدرة الصحف على التربح من الصحافة، وفي الفصول التالية يسرد الكتاب تفاصيل مهنية دقيقة كمظهر الصحيفة ومزايا الصحفيين وعيوبهم، وما هو الخبر وما هي طبيعته، مما يجعل من الكتاب عاملاً مساعداً لاستكشاف عالم الشائعات من خلال فهم طبيعة عمل الصحف من الداخل.
الشائعات: الوسيلة الإعلامية الأقدم في العالم
ينتقل بنا الكتاب الثاني من هذه القائمة صوب عالم الشائعات، والذي عمل عليه الدكتور جان نويل كابفيرير، خبير العلامات التجارية والذي عمل في عدة بلدان حول العالم. يأخذنا الكتاب في رحلة حول الشائعات، خاصة في مجال التسويق. كما يتطرق الكاتب للحديث عن الشائعات في عالم السياسة وفي التصنيع وعدة مجالات أخرى. وبمثابة وصفة علاجية يقدّمها كابفيرير؛ يناقش هذا الكتاب كيفية إخماد الشائعات والتصدي لها ومواجهتها، وفي النهاية يتحدث عن أشكال ووسائل الوقاية من الشائعات.
يُعدّ هذا الكتاب أحد المراجع الكبيرة في دراسة الشائعات وتشريحها، لذا يتناول الكثير من المواضيع التي تدرس طبيعة الشائعة. ففي القسم الأول من الكتاب وتحت عنوان الدورة الحياتية للشائعات من البداية للنهاية، يناقش كابفيرير كيف تنشأ الشائعات وتنتشر ولماذا يصدقها الناس، ويحددّ اللاعبين المؤثرين الذين يتحكمون بها إلى أن تنتهي وربما العودة من جديد.
ثم يفسّر الكاتب في القسم الثاني أخطار الشائعات وكيف أنها مستترة. ليوضح في القسم الثالث استخدام الشائعات كما ذكرنا في قطاعات ومجالات مختلفة مثل التسويق مروراً ببحث حول الشائعات وبناء النجومية، والشائعات المالية والسياسية، والشائعة في بيئة المصنع والمكتب. ثم يختتم الكتاب بقسم إخماد الشائعات عن طريق الشائعات المضادة والتكذيب، وعن طريق تغيير صورة الشائعة والوقاية منها.
في زمن كوفيد-19 الذي نعيش فيه نجد أن المتخصصين كالأطباء يقعون ضحية لأخبار زائفة رغم أنهم أول المعنيين بالتحقق منها وعدم تداولها إلا إن كانت مثبتة ودقيقة. وبالتالي فإن نشر ثقافة التحقق والتثبت من كل الأخبار والمعلومات الواردة أصبح أمراً ملحًّا.
يعدّ هذا الكتاب الأهم في هذه القائمة، وهذا لسببين: الأول أن الكاتب أحد أهم العقول في عالم المعلومات، والثاني المواضيع التي يتناولها الكتاب. بالنسبة للكاتب؛ فهو كاس ر. سانستين، الأستاذ في جامعة هارفارد ومؤسس ومدير برنامج الاقتصاد السلوكي والسياسة العامة في كلية الحقوق بجامعة هارفارد. وفي عام 2018، حصل على جائزة هولبرغ من حكومة النرويج، الجائزة توصف أحياناً بأنها مكافئة لجائزة نوبل في القانون والعلوم الإنسانية.
أما عن مواضيع الكتاب؛ يقول سانستين: "في عصر الإنترنت، يعرف الكثيرون عن آليات انتشار الشائعات الكاذبة، والاستقطاب الجماعي، والخبر المتحيز. كما أنهم يعرفون أنّ التصحيح - نشر معلومات متوازنة، وتداول المعلومات الموثوقة - لا تعمل بشكل فعّال دائماً". وبناء على ذلك، يحكي الكتاب قصصاً حقيقية توضح كيف تُوظّف الشائعات في التضليل ويبحث من خلالها في سيكولوجية ترويج الشائعات وكيف لنا أن نتجنب التضليل.