` `

هل تسبب مشروع "هارب" الأميركي في فيضانات إسبانيا وكوارث مناخية حول العالم؟

محمد عبد اللطيف خرواط محمد عبد اللطيف خرواط
أخبار
3 نوفمبر 2024
هل تسبب مشروع "هارب" الأميركي في فيضانات إسبانيا وكوارث مناخية حول العالم؟
تسبب فيضانات اجتاحت فالنيسا في مقتل 200 شخص على الأقل وفقدان آخرين

اجتاحت المناطق الجنوبية والشرقية من إسبانيا عاصفة قوية، تسببت في فيضانات أودت بحياة أكثر من 200 شخص. وفي خضم هذه الأزمة، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي نظريات مؤامرة تدعي أن العاصفة لم تكن مجرد كارثة طبيعية، بل كانت نتيجة تلاعب من مشروع "هارب" الأميركي، انتقامًا من إسبانيا التي قررت إلغاء عقود شراء أسلحة من شركات إسرائيلية.

اتهامات لبرنامج هارب بالتسبب في فيضانات إسبانيا الأخيرة
اتهامات لبرنامج "هارب" بالتسبب في فيضانات إسبانيا الأخيرة

العاصفة وقرار إلغاء صفقة ذخيرة مع إسرائيل

انتشرت الادعاءات التي تربط بين عاصفة دانا التي ضربت إسبانيا وبين "هارب"، بُعيد إعلان إسبانيا إلغاء عقود لشراء ذخيرة من شركات إسرائيلية، مما أضاف بُعدًا سياسيًا لهذه النظريات.

كانت إسبانيا من بين الدول الأوروبية التي دعت إلى تعليق اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وكما علت أصوات طالبت بوقف بيع الأسلحة إلى إسرائيل بسبب جرائمها في غزة. ساهم هذا التوتر السياسي في خلق بيئة مواتية لانتشار نظريات تربط بين أحداث مناخية وكوارث طبيعية وقرارات سياسية.

نظريات المؤامرة حول التلاعب بالطقس تتهم المغرب 

أشار مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن المغرب قد يكون وراء تكثيف هذه العاصفة، عبر تقنيات مناخية مثل "هارب"، بهدف الإضرار بالمحاصيل الزراعية الإسبانية خلال موسم الحصاد. وفق هذه المزاعم، فإن الهدف من هذا التلاعب بالطقس هو التأثير على الزراعة الإسبانية وإلحاق الضرر بموسم حصاد المحاصيل كالبرتقال والخضروات، في محاولة لإضعاف المنافسة الزراعية بين البلدين. فيما لمح البعض إلى أن هذه الأفعال قد تكون مرتبطة بمصالح اقتصادية هدفها خفض أسعار الأراضي الزراعية في إسبانيا.

وبحسب الموقع الرسمي لإذاعة "كادينا سير" الإسبانية، فإن خبراء إسبان فندوا هذه الإشاعات. كما أوضح مارك أموروس، مدقق المعلومات والمساهم المنتظم في موقع "La Ventana"، أن "هارب" هو مشروع بحث علمي يختص بدراسة طبقة الأيونوسفير عبر إرسال إشارات راديوية، نافيًا تمامًا قدرة هذه الإشارات على التأثير في الطقس. “مشروع هارب لا يمتلك الطاقة اللازمة للتلاعب بالمناخ، وهذه الفكرة ليست إلا خرافة دُعمت بنظريات المؤامرة"، كتب أموروس.

منظرو المؤامرة يتهمون المغرب بالوقوف وراء فيضانات إسبانيا الأخيرة
منظرو المؤامرة يتهمون المغرب بالوقوف وراء فيضانات إسبانيا الأخيرة

ما هو مشروع "هارب"؟ وهل يمكنه التأثير على الطقس؟

أُنشئ مشروع الشفق القطبي النشط عالي التردد "هارب" في الولايات المتحدة لأغراض بحثية. يهدف المشروع إلى دراسة الغلاف الأيوني للأرض، وهي طبقة عليا من الغلاف الجوي تبدأ عند ارتفاع 60 كيلومترًا وتمتد لأكثر من 500 كيلومتر. يتكون هذا الغلاف من إلكترونات وأيونات مشحونة يمكن التأثير عليها بواسطة الموجات الراديوية. يركز المشروع على تسخين الغلاف الأيوني لدراسة تأثيرات التفاعلات الكهرومغناطيسية، ما يساعد العلماء على فهم تفاعل الغلاف الجوي العلوي مع الظواهر الطبيعية.

يؤكد العلماء أن نطاق تأثيرات "هارب" محدود في الغلاف الأيوني، ولا يشمل الطبقات السفلية مثل التروبوسفير أو الستراتوسفير، حيث تتشكل معظم الظواهر الجوية. كما أن ترددات الموجات الراديوية التي يستخدمها المشروع ليست كافية للتأثير على الطقس بشكل مباشر. ووفقًا لدراسات علمية، فإن اضطرابات الغلاف الأيوني الناتجة عن "هارب" ضعيفة جدًا ولا تستطيع التأثير على المناخ السطحي، ما يجعل فرضية تسبب "هارب" في عاصفة مثل "دانا" غير قابلة للتصديق علميًّا.

لم تكن هذه المرة الأولى التي اتهم فيها برنامج "هارب" بالتسبب في كوارث طبيعية. فوفقًا لنظريات مؤامرة انتشرت على الإنترنت، ورغم عدم وجود أي أدلة علمية تدعم الادعاء، تسبب "التلاعب المتعمد" بالطقس عن طريق برنامج "هارب" في أحداث مناخية عنيفة وكوارث طبيعية منها:

1. إعصار ماريا في بويرتوريكو (2017)

ادعت بعض نظريات المؤامرة أن "هارب" تسبب في إعصار ماريا المدمر، الذي اجتاح بورتوريكو عام 2017، وزعم بعض متبني النظرية أن الولايات المتحدة استخدمته كسلاح مناخي لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، على الرغم من كون الإعصار ناتج عن أنماط مناخية استوائية طبيعية.

2. حرائق غابات كاليفورنيا (2018-2020)

ربطت بعض منظري المؤامرة حرائق الغابات المدمرة في كاليفورنيا  بتكنولوجيا "هارب"، وادعوا أن موجات الحرارة والجفاف المتزايدة، التي أدّت إلى اشتعال الحرائق، كانت مفتعلة. تروج هذه النظريات لفكرة أن هذه الكوارث تهدف إلى إجبار الناس على مغادرة الأراضي كي تستغل لاحقًا لأغراض استثمارية.

3. زلزال تركيا وسوريا (2023)

بعد الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير 2023، انتشرت نظرية مؤامرة تتهم برنامج "هارب" بالتسبب في الزلزال. وادعى بعض المؤيدين لتلك النظرية أن الولايات المتحدة استخدمت "هارب" للتأثير على طبقات الأرض وإحداث زلزال مدمر لتحقيق أغراض جيوسياسية، وذلك رغم غياب أساس علمي للادعاء.

4. فيضانات ليبيا (2023)

في أعقاب الفيضانات الكارثية التي اجتاحت مدينة درنة في ليبيا عام 2023، انتشر ادعاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مفاده أن "هارب" تلاعب بالمناخ وتسبب في الكارثة. فيما أرجع الخبراء الفيضان إلى عوامل طبيعية تتعلق بانهيار السدود نتيجة التهاطل الغزير للأمطار.

5. موجات الحرارة في أوروبا والصين (2023)

انتشرت شائعات حول مسؤولية "هارب" عن موجات الحرارة الشديدة التي اجتاحت أوروبا والصين في صيف عام 2023، وادعى ناشروها حينها أن التكنولوجيا الأميركية تحاول استخدام المناخ كسلاح لزعزعة استقرار الاقتصادات. بينما أكد العلماء أن موجات الحرارة هذه نتيجة للتغير المناخي العالمي، الناتج بدوره عن النشاط البشري.

6. إعصار ميلتون وهيلين (2024)

في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، ضرب إعصار ميلتون ولاية فلوريدا الأميركية، بعد أسبوعين فقط على تعرض المنطقة ذاتها لإعصار هيلين. وتداولت آنذاك حسابات منشورات ادعت أن برنامج "هارب" استُخدم لإحداث أضرار مدمرة في المناطق المعروفة بتأييدها للحزب الجمهوري داخل الولاية. وتضمنت المنشورات لقطات شاشة من منشورات على منصة إكس. واستمر تداول الشائعات حول دور البرنامج في توجيه الإعصار إلى المناطق المتضررة، رغم تصريحات خبراء الأرصاد بأن إعصار هيلين وميلتون تطورا بشكل طبيعي، نتيجة ارتفاع درجات حرارة المحيط والتغيرات المناخية.

المنخفض الجوي وعلاقته بتزايد الفيضانات في ظل التغير المناخي

"دانا" هو مصطلح من اللغة الإسبانية يشير إلى "المنخفض الجوي المعزول على ارتفاعات عالية"، وهي ظاهرة جوية تحدث عندما يلتقي الهواء البارد القادم من أوروبا بالهواء الدافئ المتدفق من البحر الأبيض المتوسط. يؤدي هذا التفاعل إلى تكوين سحب محملة بالأمطار الغزيرة، التي قد تظل متمركزة فوق منطقة معينة لساعات طويلة، مما يسبب فيضانات واسعة النطاق، خاصة في المناطق الساحلية.

اتفق العلماء على أن تكرار هذه الظاهرة قد ازداد في السنوات الأخيرة، وأرجعوا ذلك بشكل رئيسي إلى تأثيرات التغير المناخي. أدت زيادة درجات حرارة البحر الأبيض المتوسط إلى ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو، مما زاد احتمال تكوّن عواصف مطرية غزيرة. وأوضحت الدراسات أن الاحترار العالمي يزيد من شدة الظواهر الجوية المتطرفة، مثل العواصف والفيضانات، خاصة في المناطق التي تتلاقى فيها التيارات الهوائية الباردة والدافئة.

وصرح خورخي أولسينا، مدير مختبر المناخ في جامعة أليكانتي، لموقع لايف ساينس، أن المنخفض الجوي "دانا" رغم عدم عنف رياحه كتلك المصاحبة للأعاصير، إلا أن شدته من ناحية كمية الأمطار قد تتفوق عليها، مما يزيد احتمال تسببه في أضرار مادية كبيرة وخسائر في الأرواح، تضاهي تلك التي تحدثها الأعاصير المتوسطة. ووصف ياغو بيريز، الجيولوجي في جامعة أكسفورد، عواصف "دانا" بأنها من أخطر الظواهر الجوية في إسبانيا، بسبب قدرتها على إطلاق كميات كبيرة من الأمطار خلال وقت قصير، مما يعزز من مخاطر الفيضانات المفاجئة.

أما عالم الأرصاد الجوية مار جوميز، فقد أوضح لموقع لايف ساينس، أن المياه الدافئة في البحر المتوسط تعمل كوقود لهذه العواصف. وفي عاصفة "دانا" الأخيرة، بلغت حرارة مياه البحر الأبيض المتوسط قرب سواحل فالنسيا نحو 22 درجة مئوية، وهي درجة أعلى من المعدل المعتاد لهذا الوقت من السنة. ورغم أن هذا الفارق يبدو ضئيلًا، إلا أنه يساهم في تزويد العاصفة بطاقة إضافية، ويزيد احتمال تساقط أمطار غزيرة ومفاجئة.

أدت التغيرات المناخية إلى تمديد موسم العواصف الرعدية في البحر الأبيض المتوسط، خلافًا للعقود السابقة حين كانت تتركز في شهري سبتمبر وأكتوبر. ووفقًا للتقديرات، زاد عدد العواصف الرعدية بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المئة سنويًا خلال العقود الستة الفائتة، مما يعكس تأثيرات واضحة للتغير المناخي على النظام الجوي في المنطقة.

ما هي "دانا" الظاهرة الجوية الغريبة التي تسبب في الفيضانات المميتة في إسبانيا
ما هي "دانا" الظاهرة الجوية الغريبة التي تسبب في الفيضانات المميتة في إسبانيا

اقرأ/ي أيضًا

انتشار نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة حول محاولة اغتيال دونالد ترامب

المرض إكس: مصطلح تعبيري انتشرت حوله نظريات المؤامرة والأخبار المضللة

الأكثر قراءة