` `

لماذا مسبار؟.. لأنّ الحقيقة قيمة عليا

أنس ناصيف أنس ناصيف
أخبار
16 يوليو 2020
لماذا مسبار؟.. لأنّ الحقيقة قيمة عليا
يسعى مسبار إلى استعادة "الحقيقة" كقيمة اجتماعية عليا في وعي المتلقي (Getty)

خلال العقد الأخير، كشف العالم الافتراضي ووسائل تواصله الاجتماعية عن قدراتٍ تأثيرية بالغة في المجتمع، وفي إعادة تشكيل وصياغة وعي أفراده، وتوجيه الرأي العام نحو تبني معتقدات واقتناعات تتقاطع وتخدم غايات سياسية، وتصب في مصلحة أجندات جهاتٍ لديها أساليبها في التأثير على منصات التواصل الاجتماعي. إلى درجة تحويل تلك المنصات إلى حيّزٍ ملائمٍ لنمو فوضى المعلومات والأخبار الزائفة، الأمر الذي أدى إلى التشويش على المصادر ذات الصدقية وعلى الأخبار الموثوقة، بطريقة صار من الصعب معها على المستخدمين تمييز الصحيح من الزائف.

تُعوّل حملات التضليل على أنّ التمييز بين الحقيقي والزائف، وكشف الانتقائية فيما يُنشر، وضبط الإثارة في صياغة العناوين، أمورٌ تتطلب من المستخدم جهداً ليس قادراً أو مهتماً ببذله للحصول على المعلومة الصحيحة. وبالتالي فإنّ استراتيجية تلك الحملات تستند إلى قاعدة تقول أنّ الاستمرار في الكذب وتكاثر المحتوى الزائف والمضلل سيؤدي في نهاية المطاف إلى تحويل المستخدم إلى متلقٍ سلبي، وستُفضي إلى إضعاف نزعته نحو الحقيقة وتقويض عزيمته في الكشف عنها. "سلبيةُ المتلقي" التي تسعى حملات البروباغاندا إليها، ليست بهذا المعنى نقصاً في درجة تفاعل المستخدم مع الحدث، إنّما هي عدم اكتراثه بالحقيقة وبمعناها وأهميتها، وبإدراكها بوصفها قيمة اجتماعية عليا.

عربياً، تكاثرت في السنوات الأخيرة المنصات والصفحات والحسابات الوهمية المرتبطة بأطرافٍ تمتلك أجندات خاصة، تعمل على تنفيذها بوسائل عديدة من بينها الترويج للأخبار الكاذبة باستخدام الجيوش الإلكترونية والخبراء الوهميين. فلا تدّخر تلك المنصات جهداً لإغراق المتلقي العربي بسيل الفبركات والأخبار المضللة، المتعلقة بقضايا حساسّة تقسم الرأي العام وتخلق حولها استقطاباً سياسياً واجتماعياً. تلك المساعي تصبّ أيضاً في خانة الرهان على أنّ تكرار الأكاذيب وزيادة وتيرة حملات التضليل، ستؤدي إلى خلق نوع من السلبية لدى المتلقي العربي إزاء الحقيقة، فيضعف دافعه للتثبت من صدقية الخبر.   

هنا يأتي أحد الأدوار الأساسية لمنصات فحص الحقائق، وهو تحفيز المستخدم على بذل الجهد للتحقق من صحة الخبر، وزيادة اهتمامه بالحقيقة وتفعيل رغبته بالكشف عنها، والعمل على استعادتها في وعيه كقيمة عليا. بهذا المعنى نتحدث عن الحقيقة بوصفها قيمة مرتبطة بأوليات التربية الأخلاقية التي يتعلمها الإنسان في بيته، والتي ترتكز في أحد جوانبها على الحضّ على الصدق والامتناع عن الكذب.

يبدأ عمل منصات فحص الحقائق لاستعادة الحقيقة كقيمة اجتماعية وأخلاقية في ذهن المتلقي، من خلال إنتاج المحتوى الموثوق والترويج له على هيئة موجة معاكسة للمحتوى الزائف. فما تُنتجه منصات فحص الحقائق يختلف عمّا تنشره باقي وسائل الإعلام، فهو ليس محتوىً إخبارياً يغطي مجريات الأحداث، إنّما هو محتوىً مضادٌ للتضليل والتزييف Anti-Faking، يلعب دور "الكريات البيضاء" في الدفاع عن "الحقيقة" في الجسم الرقمي، إذا نظرنا إلى حملات التزييف والتضليل على أنها الفيروسات التي تستهدف صحة هذا الجسم.

يعمل "مسبار" على خلق محتوىً يسعى من خلاله لتقديم نموذجٍ إعلامي داعمٍ للحقيقة في المجال العمومي، من شأنه تحفيز التلقي الإيجابي لدى المستخدم، ومنحه أدوات الشك والاستقصاء والكشف عن المحتوى الزائف، سواء أكان معلومةً أم خبراً، منشوراً على شكل نصٍّ أو صورةٍ أو مقطع فيديو. وإرشاده لاستخدام طرائق وأساليب ستساعده على كشف الكذب على الإنترنت.  

ولأنّ تقصي الحقيقة والتثبّت من صدقية الأخبار قد يحتاج وقتاً وجهداً لا يملكه المستخدم دائماً، علاوةً على أنّ الكثير من المستخدمين لم يألفوا بعد أدوات التحقق من المحتوى المنشور، فقد عمل "مسبار" منذ انطلاقة نسخته التجريبية على خلق آلية تعاون بينه وبين المستخدمين، سواء على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي أو على موقعه الإلكتروني. تعتمد تلك الآلية على تزويد المستخدمين لفريق مسبار برابط أيّ محتوى منشور يشكّون في صحته ويرغبون في التحقق منه، ليأخذ "مسبار" على عاتقه مهمة البحث عن حقيقته وإبلاغ المستخدمين بنتيجة التحقق، عبر الردّ عليهم بشكل مباشر وبطبيعة الحال من خلال نشر التحقيقات على موقعه الإلكتروني وعلى منصات التواصل الاجتماعي.

الآن، ومع انطلاق نسخته الإلكترونية الجديدة التي تركّز على الجانب التفاعلي مع المستخدمين، يتطلع "مسبار" إلى تعزيز دوره في الفضاء الإعلامي العربي، مؤمناً أنّ المجال الرقمي ليس مكاناً للذين يروّجون الأكاذيب فقط، إنمّا للذين يحاربونها كذلك.  

الأكثر قراءة