أعلنت حركة حماس، فجر الأربعاء 22 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، التوصل إلى اتفاق على هدنة إنسانية لمدة أربعة أيام "بجهود قطرية ومصرية"، سيتم بموجبها وقف إطلاق النار من الطرفين ووقف كل الأعمال العسكرية للجيش الإسرائيلي في كافة مناطق قطاع غزة ووقف حركة آلياته العسكرية المتوغلة في القطاع.
تفاصيل اتفاق الهدنة في قطاع غزة
وأكدت الحركة أنه بموجب الاتفاق على الهدنة "سيتم إدخال مئات الشاحنات الخاصة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية والوقود إلى كل مناطق قطاع غزة بلا استثناء شمالًا وجنوبًا"، مشيرة إلى أنه سيتم "وقف حركة الطيران في الجنوب على مدار الأربعة أيام، ووقف حركة الطيران في الشمال لمدة 6 ساعات يوميًا من الساعة 10:00 صباحًا حتى الساعة 4:00 مساء".
ومن شروط الهدنة المتفق عليها، والتي بدأ سريانها صباح الجمعة، أن يتم "إطلاق سراح 50 من محتجزي الاحتلال من النساء والأطفال دون سن 19 عامًا، مقابل الإفراج عن 150 من النساء والأطفال من الفلسطينيين من سجون الاحتلال دون سن 19 عامًا"، بحسب بيان حركة حماس.
وقال نتنياهو قبيل الموافقة على الهدنة إن "الحكومة الإسرائيلية تواجه قرارًا صعبًا لكنه القرار الصحيح"، وأكد أنه سيتم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين على مراحل في الصفقة المرتقبة مع حركة حماس في قطاع غزة، لافتًا إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن ساعد في تحسين الاتفاق ليشمل المزيد من الأسرى. وفي المقابل، توعد نتنياهو بأن "الحرب مستمرة وستستمر حتى نحقق جميع أهدافنا".
وبالفعل، أفرجت السلطات الإسرائيلية يوم الجمعة عن 39 فلسطينيًا، مؤلفين من 24 امرأة و15 طفلًا، كما أفرجت حماس عن 13 إسرائيليًا من النساء والأطفال بعضهم يحملون جنسية مزدوجة، إضافة إلى 10 تايلنديين وفلبيني واحد، كانوا محتجزين في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الفائت.
وكان من المقرر أن يتم إطلاق الموجة الثانية من الأسرى أمس السبت، لكن كتائب القسام أعلنت تأخير العملية دون تحديد موعد مواصلتها "حتى يلتزم الاحتلال ببنود الاتفاق المتعلقة بإدخال الشاحنات الإغاثية لشمال القطاع، ولعدم الالتزام بمعايير إطلاق سراح الأسرى المتفق عليها"، بحسب بيانٍ نشرته القسام عبر قناتها على تطبيق تليغرام. فيما قال مسؤول إسرائيلي، لقناة 12 العبرية الخاصة، إنّ "أسبابًا فنية" وراء تأخر بدء عملية الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين في غزة.
نزع للإنسانية وتجنب استخدام مصطلح "أطفال"
واكبت وسائل الإعلام الغربية والعالمية تفاصيل الهدنة، وسعت كل منها للحصول على تفاصيل حصرية لتقديم تغطية خاصة لها. لكن، كما هو الحال منذ السابع من أكتوبر الفائت، أظهر عدد من وسائل الإعلام الغربية السائدة قدرًا من عدم المهنية في تغطيتها لتفاصيل الهدنة، بما في ذلك حجب لحقائق أو تمييز في المصطلحات بهدف تجميل الصورة الإسرائيلية.
أكثر التغطيات فجاجة كانت من صحيفة ذا أتلانتيك الأميركية، إذ ركزت الصحيفة على أن الرهائن الإسرائيليين المفرج عنهم من النساء والأطفال، بينما اقتصرت على استخدام مصطلح "المحتجزين" عند ذكر الأسرى الفلسطينيين"، وشددت على أنهم يستحقون السجن، إذ كتبت في مقال "اتفقت حماس وإسرائيل على صفقة رهائن: عودة 30 طفلًا و20 امرأة إلى إسرائيل، مقابل خمسة أيام من وقف إطلاق النار و150 فلسطينيًا محتجزين لدى إسرائيل ومتهمين أو مدانين بارتكاب جرائم خطيرة".
أما صحيفة ذا واشنطن بوست، كتبت "قال مسؤولون قطريون إن وقفًا مؤقتًا للأعمال العدائية بين إسرائيل وحماس، وإطلاق سراح الرهائن والسجناء الفلسطينيين، سيبدأ في الساعة 7 صباحًا بالتوقيت المحلي يوم الجمعة. سيتم نقل المجموعة الأولى من الرهائن، المكونة من 13 امرأة وطفلًا، في الساعة الرابعة مساءً، في اليوم نفسه مع إطلاق سراح رهائن إضافيين على دفعات بإجمالي 50 رهينة خلال الأيام الأربعة".
ولم تذكر الصحيفة أي معلومة عن من سمتهم بـ "السجناء" الفلسطينيين، إلا بعد 19 فقرة من تقريرها حول الهدنة، إذ قالت "وبموجب الاتفاق، ستطلق إسرائيل سراح ثلاثة فلسطينيين نساء أو مراهقين، مقابل كل رهينة إسرائيلية". ولم تستخدم كلمة "أطفال" في كامل تقريرها، بل اكتفت بمصطلح "مراهقين"، وهو مصطلح ليس قانوني ولا يرد في الاتفاقيات الدولية.
أما الإذاعة الوطنية العامة الأميركية (NPR)، فلم تذكر أن الأسرى الفلسطينيين المُفرج عنهم هم من النساء والأطفال، بل اكتفت بوصف "السجناء الفلسطينيين"، كما سعت لإظهار الجانب الإنساني للرهائن الإسرائيليين المحررين من خلال القول بأن الرهائن "تم تحريرهم ولمّ شملهم بعائلاتهم يوم الجمعة"، بينما لم تذكر عائلات الأسرى الفلسطينيين المحررين، وحاولت إعادة التذكير بصلتهم بحماس، إذ جاء في تقرير الإذاعة: "حيث تم تسليم السجناء الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتجمع حشد هائل في قلب مدينة رام الله، مرددين شعارات مؤيدة لحماس ولوحوا بالعلم الأخضر للجماعة المسلحة".
كذلك كان الأمر بالنسبة لقناة خدمة البث العامة (PBS) الأميركية، فقد عنونت تقريرها حول الهدنة بـ "مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر يوافق على هدنة صفقة الرهائن مع حماس، كما سيتم إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين"، ولم تحدد هويات أو أعمار أولئك السجناء.
وفي متن تقريرها، ذكرت القناة عدد الرهائن الإسرائيليين الذين ستشملهم الصفقة، البالغ عددهم 50 من أصل 240 رهينة محتجزة بينهم "نساء وأطفال ومُسنّين ذوي حالات صحية حرجة" بحسب وصفها، وكررت ذلك في خمسة مواضع مختلفة، بينما لم تأتِ على ذكر أي معلومات حول عدد الأسرى الفلسطينيين المشمولين في الصفقة أو أعمارهم، رغم أنها نقلته عن وكالة أسوشييتد برس، التي ذكرت عددهم وأنهم من النساء والأطفال في تقريرها.
من جانبها، اكتفت قناة NBC الأميركية أيضًا بمصطلح "سجناء فلسطينيون". وبينما ذكرت تفاصيل بعض الأسرى الإسرائيليين وأعمارهم وتفاصيل أخرى تظهر الجانب الإنساني لهم، قالت إن الفلسطينيين المُفرج عنهم كانوا مجرمين.. إذ جاء في تقريرها "وكانت دورون كاتس آشر، 34 عامًا، وابنتيها الصغيرتين، راز، 4 أعوام، وأفيف، عامين، على القائمة أيضًا، إلى جانب أميليا ألوني البالغة من العمر 6 سنوات ووالدتها دانيال، 45 عامًا. والطفل أوهاد مندر زكري الذي أمضى عيد ميلاده التاسع في الأسر، الذي تم إدراجه أيضًا مع والدته كيرين، 54 عامًا، وجدته روث، 78 عامًا. وكان العديد من كبار السن الآخرين أيضًا على القائمة. وفي المقابل، أطلقت إسرائيل سراح 39 فلسطينيًّا كانت تحتجزهم بسبب مجموعة من الجرائم المنسوبة لهم".
صحيفة ذا نيويورك تايمز الأميركية كتبت في تقريرها الشامل عن تفاصيل الهدنة أن "الاتفاق على وقف الأعمال العدائية لمدة أربعة أيام على الأقل. خلال تلك الفترة، كان من المتوقع أن تتم مبادلة ما لا يقل عن 50 امرأة وطفلًا –من قرابة 240 شخصًا يقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم اختطفوا في 7 أكتوبر – مقابل 150 امرأة وقاصرًا فلسطينيًا مسجونين في السجون الإسرائيلية"، إذ لم تذكر عدد إجمالي الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، الذي يتجاوز عددهم الستة آلاف كما فعلت مع الرهائن الإسرائيليين، واستخدمت مصطلح "قُصَّر" في وصف الأسرى الفلسطينيين بدلاً من الأطفال، وهو مصطلح ليس قانوني أيضًا ولا يُذكر في الاتفاقيات الدولية.
وفعلت قناة ABC التلفزيونية الأميركية، وصحيفة تيليغراف وقناة بي بي سي البريطانيتين الشيء نفسه، إذ استخدمت الوسيلتان وصف "النساء والأطفال" عند ذكر الرهائن الإسرائيليين، مقابل استخدام "النساء والمراهقين" عند ذكر الأسرى الفلسطينيين.
لماذا تحاول وسائل الإعلام المرواغة بعدم ذكر كلمة "الأطفال"؟
حسب اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي وقّعت عليها إسرائيل عام 1990، فإن تعريف الطفل هو "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة". وحسب اتفاق تبادل الأسرى فإن إسرائيل ستفرج عن الأسرى النساء والأسرى الذين دون 18 عامًا، أي الأطفال بموجب التعريف الدولي. فلماذا تتجنب وسائل إعلام استخدام مصطلح "أطفال" في توصيف الأسرى الفلسطينيين وتنكر عليهم حقوقهم كأطفال وفق القوانين الدولية مقابل استخدامه في توصيف الأسرى الإسرائيليين؟
تأتي تلك المحاولات في سياق السعي لتبرئة إسرائيل من انتهاكها للاتفاقيات الموقعة عليها والقانون الدولي الإنساني، إذ اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال العام 2022 نحو 882 طفلًا فلسطينيًا و880 آخرين هذا العام بحسب مركز المعلومات الفلسطيني الرسمي، محتجزين في معتقلات "مجدو"، و"عوفر"، و"الدامون". إضافة إلى وجود عدد في مراكز التوقيف والتحقيق، فضلًا عن أطفال من القدس تحتجزهم في مراكز اجتماعية خاصة لأن أعمارهم تقل عن 14 عامًا، وذلك حسب تقارير هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطينيّ، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز وادي حلوة–القدس.
وبحسب تلك التقارير، وشهادات أهالي هؤلاء الأطفال، ومن سبقوهم في الاعتقال وخرجوا، فإنهم يتعرضون لما يتعرض له الكبار من قسوة التعذيب والمحاكمات الجائرة، والمعاملة غير الإنسانية، التي تنتهك حقوقهم الأساسية، وتهدد مستقبلهم بالضياع، بما يخالف قواعد القانون الدولي واتفاقية الطفل.
إذ إنَّ ما تقوم به السلطات الإسرائيلية، يشكل انتهاكًا لحقوق الأطفال الأسرى، ويخالف القانون الدولي، وخصوصًا اتفاقية الطفل المادة 16 التي تنص على أنه "لا يجوز أن يجري أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة، أو أسرته أو منزله أو مراسلاته ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته". وتنص أيضًا على أن "للطفل الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو المساس".
ولا يراعي الاحتلال حداثة سن الأطفال أثناء تقديمهم للمحاكمة، ولا تشكل لهم محاكم خاصة. بالإضافة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يحدد سن الطفل بما دون الـ 16 عامًا، وذلك وفق الجهاز القضائي الإسرائيلي الذي يستند في استصدار الأحكام ضد الأسرى الأطفال إلى لأمر العسكري رقم "132"، والذي حدد فيه سن الطفل، بمن هو دون السادسة عشر، وفي هذا مخالفة صريحة لنص المادة رقم "1" من اتفاقية الطفل والتي عرفت الطفل بأنه "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر".
وتحرم سلطات الاحتلال الإسرائيلي الأطفال الأسرى من أبسط الحقوق التي تمنحها لهم المواثيق الدولية، والتي تشتمل الحق في عدم التعرض للاعتقال العشوائي، الحق في معرفة سبب الاعتقال، الحق في الحصول على محامي، حق الأسرة في معرفة سبب ومكان اعتقال الطفل، الحق في المثول أمام قاضي، الحق في الاعتراض على التهمة والطعن بها، الحق في الاتصال بالعالم الخارجي، الحق في معاملة إنسانية تحفظ كرامة الطفل المعتقل.
وبالتالي فإن ذكر مصطلح "الأطفال" من قبل وسائل الإعلام عند الحديث عن الرهائن الإسرائيليين فقط، وتغييبه عند ذكر الأسرى الفلسطينيين، أو استخدام مصطلحاتٍ أخرى مثل "قُصَّر" و"مراهقين"، ينطوي على تأطيرهم بإطار ينزع حالة "الطفولة" عنهم، ويرسخها لدى الرهائن الإسرائيليين، مما يقلل من حالة التعاطف معهم باعتبار أنهم ليسوا "أطفالاً" كالأسرى الإسرائيليين.
كما أن تأكيد بعض وسائل الإعلام على أن "السجناء الفلسطينيين" موقوفون بسبب تهم جنائية، دون الحديث عن أن جلّهم موقوفون دون أي أحكام قضائية، وهو تجاهل للتقارير الدولية المعنية بحقوق الأطفال. وكذلك استخدام "حماس" و"الجماعات المسلحة" في الفقرات ذاتها التي تتحدث عنهم، قد يبرر عمليات الاعتقال الإسرائيلية للأطفال الفلسطينيين، وتصويرهم كمجرمين مدانين لا يستحقون التعاطف.
اقرأ/ي أيضًا:
فيديو شكر إسماعيل هنية لإيران قديم وليس بعد الاتفاق على الهدنة
من مظاهر انحياز وسائل الإعلام الغربية لإسرائيل في تغطية الحرب على غزة