` `

الأخبار الزائفة بين فقاعات التصفية وغرف الصدى

نور حطيط نور حطيط
أخبار
11 مايو 2021
الأخبار الزائفة بين فقاعات التصفية وغرف الصدى

يميلُ المستخدم في مجتمع "الإنترنت" إلى تقبّل كلّ ما يدعم فرضياته وتوجهاته المسبقة، بغضّ النظر عن صحتّها. ويرى المتخصصون في علم النفس الإدراكيّ بأنَّ البشر يتّجهون -بطبيعتهم- للبحث عن المعلومات التي تتوافق مع ما يعتقدونه؛ متجاهلين كل ما يُعارض أفكارهم؛ لكي يتسنّى لهم العيش بعيدًا عن القلق الذي قد ينبثق عن حقيقة جديدة وصادمة، وبذلك يغيب العقل النقدي لديهم، فيسود الظلام وتُحجب الحقيقة.

هذا النزوع نحو التفتيش عمّا يدعم وجهة نظرنا يسميه علماء النفس بالانحياز التأكيدي، الذي أدّى بدوره إلى نمو وتصاعد ما يُسمى بـ "القبلية الإلكترونية"، إذ تظهر المشاعر المشتركة والحماس للأفكار الشبيهة والمماثلة لمعتقداتنا، لتتحول العقلانية التكنولوجية إلى معضلة في حياة الإنسان المُعاشة، وبمجرد تشكلّ فرضية أو وجهة نظر حول موضوع ما، فإنَّ الانحياز يجعل الفرد حبيس أفكاره داخل فقاعات تحجب عنه كل ما يختلف عن اهتماماته الأيديولوجية والفكرية ليحافظ على منطقة أمانه، وقد تقود هذه الانعزالية إلى التعصب والتطرف والتعنت في الوصول إلى المعلومات والأخبار الجديدة والصحيحة منها.

يعمل العقل النقدي على التخلّي عن كل المعتقدات الدوغمائية، وبمساعدته يستطيع الفرد-المستخدم- التخلص من كلّ الأفكار المسبقة وتحصين ذاته من الوقوع ضحية التحيّز الذي يشوّه الحقائق المرتبطة بالمجتمع الإنساني، خصوصًا أنَّ الواقع باتَ مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بعالم "السوشال ميديا"، الذي دأب بدوره عن إنشاء خوارزميات دعمت بشكل كبير التّماثل، خاصّة على صعيد إنشاء المستخدمين لعلاقات متشابهة، وأدخلت هذه الخوارزميات الفرد في فقاعات عُرفت مؤخرًا بفقاعات التصفية المتجانسة إلى حدّ التقوقع. فما هي فقاعات التصفية وما علاقتها بالأخبار الزائفة؟

فقاعة التصفية

استخدم رائد الأعمال والناشط التكنولوجي إيلاي بارسير مصطلح فقاعة المرشح في كتابه الذي يحمل الاسم نفسه، وتعني فقاعة المرشح "وصفًا لتأثير تقنية محركات البحث التي تقوم بعرض نتائج للمستخدمين بناءً على ما قد يفضله المستخدم، وبالتالي يصبح الفرد منعزلًا في فقاعاته الثقافية أو السياسية أو الفكرية. ويعدّ جوجل من الأمثلة الأبرز لخدمات بحث تقوم على هذه التقنية". وقد حظي خطر فقاعات التصفية باهتمام واسع في وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية والصناعية في الآونة الأخيرة.

وذكر بارسير مثالًا لمستخدم بحث في غوغل عن شركة النفط البريطانية بي بي، وتلقّى معلومات حول استثمارات متعلقة بها، بينما ظهر لمستخدم آخر قام بنفس البحث، أخبار حول التسرب النفطي الذي صار في خليج المكسيك عام 2010 وقد كانت نتائج البحث مختلفة تمامًا مما أثار الكثير من التساؤلات.

وعادةً ما تساعد محرّكات البحث على تصفح المستخدمين لملايين المواقع ذات الصلة بالأخبار والتجارة والسياسة، وتعدّ هذه الخوارزميات لأهميتها العمود الفقري لعالم الإنترنت، فغوغل ورغم أنّها أصبحت الرائدة بعد أن عزّزت الثقة في أدواتها من خلال تقديم المحتويات والبيانات والمعلومات التي تفيد المستخدم وتلبي مليارات من طلبات البحث يوميًا، منها 15% من الاستفسارات الجديدة، إلا أنها قد تساهم في تدعيم التماثل.

أمّا عن أنظمة التوصية- أو ما يعرف بنظام الاقتراح فرغم أهميتها، إلّا أنها قد تعمل على إنشاء فقاعات تصفية تعزز افتراضات المستخدم بمواد مماثلة ومتشابهة وتقوم على تقليص الخيارات أمامه ممّا يؤدي إلى قوقعته داخل فقاعة وهمية كبيرة يجهل فيها تمامًا بأنّه منزوع الحرّية.

فعلى سبيل المثال في عام 2019 تبيّن أنَّ خوارزميات "يوتيوب"،سـاهمت فـي تعزيـز وجهـات النظـر المتطرفـة. فبمجرد مشاهدة مقطع فيديو لمحتوى متطرف أو مضلّل، يوصى بمحتـوى شبيه.

وفي سياق متصلّ، ساعدت خوارزميات اتخاذ القرار ADS على نشوء فقاعات التصفية التي تعزل المستخدم وتجعله أسير وهمه عبر استخدامها لسلوكيات النقر  والتصفح وكيفية التفاعل وطبيعة الاهتمامات.

المستخدمون لعبة في أيدي مواقع التواصل الإجتماعي

لأنّ الفرد يميلُ إلى البحث عن المعلومات والأخبار التي تتوافق مع معتقداته وأفكاره المتبناة، فمن الطبيعي إذًا أن يقضي وقتًا طويلًا في تصفح المواقع التي تتواءم مع أفكاره، بمساعدة خوارزميات يمكن أن تشكل خطرًا كبيرًا عليه حين تعرض المحتوى نفسه بسياقات مختلفة، مُعززة "العشائرية الإلكترونية". وحول هذه النقطة تقول شركة فيسبوك "إنّ المستخدم العادي كان سابقًا لا يقرأ سوى 57 بالمئة من الأخبار التي يتم عرضها في "فيسبوك"، وبعد تطبيق الخوارزمية الجديدة باختيار الأخبار التي يتابعها، زادت النسبة إلى 70%"، لكنَّ الشركة غضت النظر عن مساوئ هذه الخوارزميات. 

وقد تُحقق هذه المواقع، مثل فيسبوك وتويتر، أرباحًا طائلة تجنيها من التصفح الطويل للمستخدم المُستهدف على شبكاتها. هذا بالإضافة إلى رصد ميول المستخدم وتوجهاته الفكرية والثقافية والسياسية بهدف التجسس عليه وتضليله وبالتالي التلاعب به والتحكم في سلوكه.

قدمت فضيحة كامبريدج أناليتكيا مثالًا واضحًا حين قامت شركات ضخمة بتحليل البيانات الشخصية والبناء عليها لإعادة تشكيل الرأي العام كما يخدم تصوّرها وأهدافها خصوصًا، المتعلقة بالحملات الانتخابية والتأثير على الناخبين. وتساهم فقاعات الترشيح في انتشار الأخبار المضللة والزائفة لأنها تعرض للمستخدم المعلومات ذاتها، فيُخيّل للمستخدم أنَّ المعلومات التي تننشر في الفضاء السيبراني لا يمكن أن تكون مضللة نظرًا لتكرارها.

ارتباط ظاهرة غرف الصّدى بفقاعات التصفية

لفقاعات التّصفية دورٌ في نشوء غرف الصدى، من حيث قدرتها على تجميع بيانات المستخدم ومعرفة أفكاره وميوله وبالتالي تقديم محتوى شبيه لا يُشّكل قلقًا على ما يؤمن به. ويقوم المستخدم دون وعي منه بإنشاء غرف الصدى بمشاركة مستخدمين آخرين الآراء والأفكار ذاتها، مما ينتج مناخًا عشائريًا يغيب فيه العقل وتبرز فيه الروابط والصلات الرومانسية التي تتطابق فيها الآراء والمعتقدات لدى الأفراد. وقد وطدت البنية التحتية للإنترنت هذا الامتداد القبلي، وتقدم لنا منصّات التواصل الإجتماعيّ ترجمة واضحة المعالم لشكل القبلية والعشائرية التكنولوجية.

ومصطلح غرف الصدى استعارة مجازية تعبّر عن الصوت الذي يتردد داخل الفراغ، متخذًا شكل الصدى. لتصبح كالقرى الصغيرة تتآلف فيها المجموعات التي تتفق على محتوى مشابه.

وتتميز غرف الصدى عن فقاعات التصفية في أنَّ الأخيرة "انعكاس لنظام خوارزمي متحيزّ يحدد ويعرض للمستخدم محتوى بالنظر إلى سلوكه الشبكي (زيارة وتصفح مواقع، سلوكيات إعجاب، أنشطة تسوق، عمليات بحث) ويتجسد الـتأثير الناجم عن فقاعات التصفية في قيامها بفصل المستخدمين عن المحتوى الذي يتعارض مع تفضيلاتهم، ما يترتب عليه صناعة فقاعة ثقافية وأيديولوجية تعزل الفرد عن باقي الفقاعات المختلفة". أمّا غرف الصدى، فيعتنق المستخدم فيها الأفكار المشابهة والمعلومات التي تدعم معتقداته التي تتردد في المجموعة المنتقاة والقائمة على التررد الدائم.

 

المصادر:

How algorithms and filter bubbles decide what we see on social media

How Living in a “Filter Bubble” Fuels Political Polarisation

كتاب الذكاء الاصطناعي ومكافحة التطرف العنيف، ماري شروتر

كتاب الدعاية على الشبكات الاجتماعية، حيدر إبراهيم مصدر

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة