` `

تدفق المعلومات المضللة بعد سقوط النظام قد يفاقم حالة الذعر بين السوريين

محمود حسن محمود حسن
سياسة
18 ديسمبر 2024
تدفق المعلومات المضللة بعد سقوط النظام قد يفاقم حالة الذعر بين السوريين
تشير تقارير أن الأزمات الكبرى تشكل بيئة خصبة لنشر التضليل

تدفقت المعلومات المضللة بشكل واسع مع سقوط النظام السوري وسيطرة فصائل المعارضة على العاصمة دمشق، وشكل بعض هذه الادعاءات عاملًا مؤثرًا في صياغة غير دقيقة للمشهد العام، وربما زاد من حالة التوتر والإرباك لدى الجمهور. 

وقد عمل مسبار على تفنيد العديد من الادعاءات المضللة والزائفة وتصحيحها، في محاولة للحد من تأثيرها السلبي في ظل الظروف غير المستقرة التي تعيشها سوريا، مؤخرًا.

سقوط النظام المفاجئ وفّر بيئة خصبة للمعلومات المضللة

سيطرت المعارضة السورية على دمشق بشكل مفاجئ وأسقطت الحكم السابق في البلاد، ليهرب رأس النظام إلى موسكو دون أن يسلم السلطة لحكومة انتقالية، مما خلق فراغًا سياسيًا عزز حالة الفوضى. سارعت المعارضة إلى الإعلان عن نيتها الحفاظ على مؤسسات الدولة وتشكيل حكومة لإدارة المرحلة الجديدة، لتهدئة الأوضاع وتجنب الانهيار الشامل للمؤسسات العامة.

رغم ذلك، استمرت المخاوف في الانتشار بين السوريين، خاصة أن فصائل المعارضة تواجه تحديات كبيرة تتعلق ببناء الثقة مع كافة مكونات المجتمع السوري. فالذاكرة الجماعية لبعض الممارسات السابقة لها والخطابات الطائفية التي ظهرت في بداية الثورة السورية ظلت عائقًا أمام طمأنة المواطنين، مما دفع البعض إلى الشك أو الخوف من قدرة المعارضة على إدارة المرحلة الانتقالية بنجاح. وفي خضم هذه التحولات، زاد انتشار التضليل.

ادعاءات غير دقيقة تعزز حالة الخوف والذعر بين السوريين

عُرفت بعض فصائل المعارضة السورية سابقًا باتخاذ مواقف متشددة تجاه فئات معينة من المجتمع، وأشارت تقارير عديدة إلى أن السلطة التي كانت تفرضها المعارضة في المناطق التي سيطرت عليها قبل سقوط النظام لم تلقَ قبولًا كاملًا من مختلف مكونات المجتمع، التي تختلف توجهاتها وأفكارها حول طبيعة الحكم والدولة. 

من الملحوظ قياسًا للبيانات الرسمية، أن خطاب المعارضة أصبح أكثر اعتدالًا مع سقوط النظام، لكن الادعاءات حول فرض قيود على الحريات الشخصية، استمرت.

في الآونة الأخيرة، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة مضللة حظيت بتفاعل واسع، تُظهر سيارة كتب عليها "شرطة الآداب العامة". وزُعم أن فصائل المعارضة نشرت هذه السيارات في شوارع سوريا عقب سقوط النظام.

ادعاء شرطة الآداب

كشف تحقيق مسبار أن الصورة قديمة، ولم تنشر بعد سقوط النظام بل تعود إلى مشروع طرحته "حكومة الإنقاذ" التابعة للمعارضة في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في يناير/كانون الثاني 2024، قبل أن تلغيه لاحقًا لصعوبة تطبيقه.

تقرير تلفزيون سوريا عن شرطة الآداب
تقرير تلفزيون سوريا عن تجميد العمل بشرطة الآداب

في مطلع عام 2023، أعلنت "حكومة الإنقاذ" نيتها تشكيل جهاز جديد تحت مسمى "شرطة الآداب العامة". لكن الضغوط الشعبية أدت إلى تجميد المشروع قبل أن يدخل حيز التنفيذ، ما يعكس تحولات الهيئة نحو تقييد التيار المتشدد ضمن صفوفها، بحسب تقارير إخبارية.

تشير مصادر إخبارية، إلى أن إنهاء العمل بأجهزة الشرطة الدينية يعكس رغبة الهيئة في تقديم هوية جديدة للمنطقة، تعتمد على المؤسساتية بدلًا من السطوة الدينية، في محاولة لتغيير الصورة النمطية لفصائل المعارضة وإعادة بناء الثقة مع مجموعات السكان الأكثر تنوعًا.

الجدير بالذكر أن هيئة تحرير الشام شهدت تحولات عديدة منذ تأسيسها. فبعد أن أنشأت "جهاز الحسبة" في 2014 الذي تدخل بصرامة في حياة السكان من خلال فرض قيود اجتماعية، اضطرت تدريجيًا لتخفيف هذه الممارسات. 

كما نشرت صفحات وحسابات على موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وإكس، صورة، ادّعت أنها تُظهر نساء اعتقلتهن فصائل غرفة العمليات العسكرية بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.

لكن بالتحقق وجد مسبار أنه مضلل، إذ نشرت وسائل إعلام أردنية وعربية الصورة الأصلية مع صورة أخرى منذ مايو/أيار عام 2014، وذكرت أنها من مشهد تمثيلي خلال عرض عسكري يحاكي تحرير رهائن من قبضة إرهابيين، وذلك خلال فعاليات معرض سوفكس في الأردن يوم السادس من مايو 2014.

مزاعم مضللة حول نيّة المعارضة إبادة الأقليات الدينية والعرقية

كشف تحقق سابق لمسبار عن انتشار واسع لادعاءات مضللة، تزعم وجود أعمال إبادة تستهدف طوائف مختلفة وتهديدات موجهة لأفراد من الطوائف الدينية، ولا سيما العلويين.

واتهمت عدة منشورات عبر استغلال مشاهد قديمة لقوات المعارضة، بالتحضير لأعمال انتقامية وإعدامات ميدانية تستهدف مكونات مختلفة من السوريين وخاصة النساء. 

في ظل هذا المشهد، يبرز خطر تسييس الهويات الدينية والإثنية، وهو ما حذر منه تقرير المركز السوري للبحوث والسياسات. إذ أشار المركز إلى أن هذه الهويات استُخدمت كأدوات للصراع على مدى سنوات الحرب، ما أدى إلى تفاقم الاستقطاب وزيادة التوترات داخل المجتمع، وقد أشارت عدة تقارير سابقة لمسبار عن العلاقة ما بين الانقسامات الاجتماعية والمعلومات المضللة خاصة السياسية منها. 

ومؤخرًا، تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة زُعم أنها تظهر سيارة تابعة لقوات المعارضة السورية بعد سيطرتها على دمشق، كتب عليها "لقائكم قريب يا عبد الصليب"، في إشارة إلى أن المعارضة ستنتقم من المسيحيين في سوريا. ونشرت الصورة عدة حسابات بعضها كان قد رصد مسبار منشورات مضللة سابقًا صدرت عنها، وأخرى كانت قد روّجت لمنشورات طائفية ومضللة مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان.

ادعاء سفيان السامرائي

أثارت الصورة جدلًا واسعًا، حيث أشار البعض إلى أنها مفبركة، وأن النسخة الأصلية من الصورة لا تحتوي على العبارة المذكورة. في حين، زعمت منشورات أخرى أن سلطات المعارضة طلبت من الشخص المعني إزالة العبارة، وانتشرت لاحقًا صورة لنفس السيارة دون أي عبارات.

منشور تصحيحي حول صورة مضللة
منشور تصحيحي حول صورة مضللة 2

لم يتمكن مسبار من التحقق من صحة الصورة، لكن استغلال بعض الحوادث التي لا يمكن التأكد منها ولم تنشرها مصادر موثوقة، وتضخيمها، يساهم في تعزيز حالة من الرعب وتضليل الجمهور وزيادة التوترات، خاصة في ظل الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد.

كما نشرت حسابات على موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وإكس، صورة ادّعت أنها تعود لشاب مسيحي في دمشق تعرض للتنكيل على يد فصائل المعارضة، بعد إسقاط نظام الأسد.

لكن بالبحث تبين أنّ مواقع إلكترونية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي شاركتها منذ ديسمبر 2012، مع الإشارة إلى أنها مأخوذة من منتدى إلكتروني مؤيد لتنظيم القاعدة. وأوضح الوصف المرفق أن الصورة تعود لمقاتل مسيحي ضمن قوات النظام السوري، اعتقلته كتائب تُدعى "كتائب المهاجرين".

قرارات وتوجيهات زائفة منسوبة لهيئة تحرير الشام 

نشرت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، حديثًا، مقطع فيديو على أنه يوثق مجموعة قرارات جديدة، أصدرتها القيادة العامة لهيئة تحرير الشام. وتضمنت هذه القرارات فرض عقوبة السجن لمدة لا تقل عن عام على أي شخص يسب الذات الإلهية. كما ورد أنه سيتم العمل على تجهيز المطارات قريبًا لاستقبال المغتربين السوريين الراغبين في العودة إلى الوطن، مع إمكانية دخولهم حاليًا عبر المعابر الحدودية مع تركيا، لبنان، الأردن، والعراق. بالإضافة إلى ذلك، أُشير في الادعاء إلى الإعلان عن عفو شامل عن جميع الأحكام السابقة والعقوبات، مع إلغاء نظام الاحتياط للجيش.

بالتحقّق من الادّعاء، وجد "مسبار" أنه زائف، إذ إن الفيديو مفبرك ولم تصدر قرارات عن القيادة العامة لهيئة تحرير الشام، ولم تُنشر من قبل أيّ من الحسابات الرسمية للقيادة العامة أو عبر أي وسيلة إعلام موثوقة.

صورة متعلقة توضيحية
قرارات زائفة منسوبة لهيئة تحرير الشام

المعلومات المضللة تحمل خطورة كبيرة في الأزمات والحروب

يشير الخبراء إلى أن الأزمات الكبرى تشكل بيئة خصبة لنشر الادعاءات المغلوطة، حيث يستغل مروجوها هشاشة الوضع النفسي والاجتماعي للسكان لتحقيق أجنداتهم السياسية أو الأيديولوجية. 

وحذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن المعلومات المضللة وخطاب الكراهية خلال النزاعات المسلحة يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المخاطر على المدنيين، ويعرقل العمليات الإنسانية، ويزيد من حدة العنف والانقسامات داخل المجتمعات.

اقرأ/ي أيضًا

كيف تؤثر المعلومات المضللة على السلم الأهلي في سوريا؟

فوضى المعلومات بعد سقوط الأسد: من آثار التعتيم ومنع النظام للإعلام المستقل

الأكثر قراءة