في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، أعلنت فصائل المعارضة السورية إطلاق عملية عسكرية تحت اسم "ردع العدوان" في شمالي سوريا، مشيرة إلى أن هدفها توجيه ضربة استباقية للنظام السوري.
وأكدت الفصائل سيطرتها على مساحات واسعة في محافظة إدلب، إلى جانب مناطق في مدينة حلب وريفها الغربي، وبلدات وقرى في ريف حماة الشمالي، بعد مواجهات مع قوات النظام السوري.
في المقابل، نقلت وكالة الأنباء التابعة للنظام السوري عن مصدر عسكري أن فصائل المعارضة "تمكنت خلال الساعات الماضية من دخول مناطق كبيرة في أحياء مدينة حلب، لكنها لم تثبت نقاط تمركزها". وأضاف المصدر أن الاشتباكات أسفرت عن مقتل العشرات من عناصر الجيش وإصابة آخرين، في معارك امتدت على جبهة بطول نحو 100 كيلومتر.
وأشار إلى أن القوات المسلحة التابعة للنظام تعمل على تعزيز خطوطها الدفاعية، باستخدام مختلف الأسلحة والعتاد والعناصر.
وفي السياق، انتشرت العديد من المشاهد المضللة على مواقع التواصل الاجتماعي، على أنها مرتبطة بالأحداث الأخيرة والمعارك في شمالي سوريا، والتي رصدها مسبار وتحقّق منها، وفيما يلي أبرزها.
صور قديمة تُنسب للجولاني خلال الاشتباكات الأخيرة
مع بدء الفصائل السورية المعارضة، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، عملية عسكرية في ريف حماة وتوسعها في الريف الشمالي، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد مضللة نُسبت إلى قائد هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني.
في اليوم الأول من العملية، تداولت حسابات على مواقع التواصل صورة ادّعت أنها تُظهر أبو محمد الجولاني على الخطوط الأمامية خلال المعارك في ريف حلب الغربي.
لكن مسبار تحقّق من الصورة ووجد أنها قديمة، إذ نُشرت على مواقع إخبارية منذ أغسطس/آب 2020. وأشارت هذه المواقع إلى أن الصورة تم تداولها حينها من قبل قنوات موالية لهيئة تحرير الشام على أنها لزيارة قام بها الجولاني إلى جبهات جبل الزاوية في إدلب، حيث تفقد مقاتليه خلال اشتباكات بين المعارضة السورية وقوات النظام السوري.
كما تداولت حسابات على موقع التواصل الاجتماعي إكس، صورة ادّعت أنها تُظهر أبو محمد الجولاني داخل غرفة إدارة العمليات العسكرية "ردع العدوان".
إلا أن تحقّق مسبار أظهر أن الصورة قديمة، وتعود إلى الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتُظهر الصورة قائد هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، داخل غرفة العمليات العسكرية مع عناصر من الهيئة.
أنباء متضاربة حول مقتل أبو محمد الجولاني
تضاربت الأنباء خلال الساعات الماضية بشأن مقتل قائد هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، فقد نقلت صحيفة الوطن السورية عن "مصادر خاصة في إدلب" أن مقرًا قياديًا مركزيًا لجبهة النصرة في إدلب قد تعرض للاستهداف، مشيرة إلى "اعتقاد" بوجود الجولاني داخله.
وأضافت الصحيفة أن المكتب الأمني التابع لهيئة تحرير الشام فرض طوقًا أمنيًا مشددًا حول المقر المدمر، ومنع حتى عناصر التنظيم والمدنيين من الاقتراب.
في المقابل، نفى مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، صحة هذه الأنباء، قائلًا في تصريحات نقلها موقع العربية "كل تلك الأخبار لا أساس لها من الصحة". وأضاف أن الغارات استهدفت مواقع متعددة في إدلب، لكنها كانت بعيدة عن مقر الجولاني، استنادًا إلى ما وصفه بمصادر مطلعة.
بالتزامن مع ذلك، تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي صورة ادّعت أنها تُظهر جثة الجولاني بعد استهدافه في إدلب.
إلا أن تحقيقًا أجراه مسبار، كشف أن الصورة قديمة وليست للقائد العام لهيئة تحرير الشام. وتبيّن أن الصورة سبق أن نشرتها مواقع إخبارية وصفحات تابعة لجيش النظام السوري، على أنها تعود لشخص يُلقب بـ"أبو القعقاع التوحيدي"، الذي قُتل عام 2015 خلال قصف جوي نفذه جيش النظام السوري على مواقع لتنظيم داعش في مدينة القريتين بريف حمص الشرقي.
حقيقة مشاهد انسحاب الجيش السوري من حماة
عقب المعارك المحتدمة بين فصائل المعارضة وقوات النظام السوري، وانسحاب القوات من مواقع عدة كانت متمركزة فيها قبل الاشتباكات الأخيرة، أثارت صور منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر تحرك الجيش السوري من مدينة حماة باتجاه مدينة حمص جدلًا واسعًا. جاء ذلك بعد صدور نفي رسمي من وزارة الدفاع السورية، التي أكدت أن الجيش لم ينسحب من مدينة حماة. كما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن مصدر عسكري لم تسمِّه قوله إنه "لا صحة للأخبار التي تنشرها التنظيمات الإرهابية المسلحة عبر منصاتها ومواقعها الإلكترونية وبعض القنوات الإعلامية حول انسحاب الجيش السوري من حماة".
على خلفية الجدل الذي أثاره تضارب المعلومات بشأن الصور، قام مسبار بمراجعة الصور والمقاطع المتداولة المرافقة لادعاء انسحاب الجيش السوري من مدينة حماة، وجرت مطابقتها مع المعالم الجغرافية للمنطقة للتحقق من مكان الحدث. وتبيّن أن قوات الجيش السوري الظاهرة في الصورة تتحرك بالفعل من مدينة حماة باتجاه مدينة حمص، حيث تسلك الطريق الجنوبي عبر طريق M5 الدولي الذي يربط العاصمة دمشق بمدينة حلب.
وبمقارنة المعالم البارزة في الصورة، وجد مسبار أنها التُقطت في منطقة صوران على أطراف مدينة حماة، وأن رتل آليات الجيش السوري ومدفعيته الظاهر فيها يتجه جنوبًا.
وأوضح مسبار أن الصورة المتداولة تم التقاطها من أعلى جسر صوران، إذ يظهر في أسفلها الدوار الذي يتيح التبديل بين المسارين الجنوبي والشمالي من الطريق السريع دمشق-حلب الدولي. كما يظهر في منتصف الصورة طريق متفرع إلى اليمين عن "الأوتستراد" الدولي. هذه المعالم تطابقت مع صورة أقمار صناعية حديثة للمنطقة مأخوذة عبر Google Earth بتاريخ 13 يونيو/حزيران 2023.
مشاهد مضللة عن أسرى في شمالي سوريا خلال الاشتباكات الأخيرة
خلال الأيام الأربعة الماضية، ومع استمرار الاشتباكات العنيفة في شمالي سوريا، انتشرت أنباء عن تحرير أسرى وسيطرة فصائل المعارضة على عدد من سجون النظام السوري. كما نقلت وسائل إعلام مقاطع تُظهر خروج أسرى من تلك السجون، وسط تصاعد الأحداث نتيجة المعارك المتواصلة.
في السياق، تم تداول العديد من المشاهد المضللة التي ادّعت أنها تُظهر أسر عناصر من كلا الطرفين، سواء من قوات النظام أو فصائل المعارضة، إضافة إلى الفصائل الحليفة لهما. وقد رصد فريق مسبار حتى الآن تسعة مشاهد مضللة من هذا النوع.
وكان من أبرز هذه المشاهد مقطعا فيديو تداولتهما حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، على أنهما يوثّقان أسر المعارضة السورية لعناصر من فصائل عراقية تابعة لحركة النجباء، في ريف حلب خلال المعارك الجارية.
لكن، بعد التحقّق، وجد مسبار أن مقطعي الفيديو قديمان ولا يوثقان أسر عناصر من فصائل عراقية تابعة لحركة النجباء في ريف حلب. فقد نُشر الفيديو الأول في أكتوبر/تشرين الأول 2016 عبر حسابات ووسائل إعلام، أشارت إلى أنه يوثّق لحظة أسر عنصر من حركة النجباء العراقية في حي الشيخ سعيد خلال معارك محافظة حلب.
أما الفيديو الثاني، فقد نُشر في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أي في الفترة ذاتها تقريبًا، عبر قنوات على موقع يوتيوب. وأُشير حينها إلى أنه يظهر بكاء عنصر من حركة النجباء العراقية، بعد أن أسرته المعارضة السورية خلال معارك حلب.
كما نشرت حسابات على موقعي التواصل الاجتماعي إكس وفيسبوك، مقطع فيديو ادّعت أنّه يظهر أسيرًا من فصائل المعارضة السورية في قبضة النظام السوري، بالتزامن مع الاشتباكات الجارية.
لكن وجد مسبار أنّ الفيديو قديم، ومنشور عام 2016، على أنّه لمقاتل من جبهة النصرة أسرته قوات حزب الله في سوريا، خلال اشتباكات لقوات النظام وجماعات موالية لها مع فصائل تابعة للمعارضة السورية.
أنباء عن تحرير المعارضة لأسرى من سجون النظام السوري
انتشرت أنباء عبر عدد من وسائل الإعلام العربية، عن تمكن قوات المعارضة من تحرير عشرات المعتقلين والسجناء من السجن المركزي وسجن طارق بن زياد، إضافة إلى تحرير عدد من المعتقلين من فرع الأمن العسكري القريب من حي الأشرفية، وفرع المخابرات الجوية بالقرب من حي الأعظمية في وسط مدينة حلب.
وبحسب وسائل إعلام، بلغ عدد المعتقلين المحررين المئات، بينهم نساء من محافظات مختلفة، بالإضافة إلى ريف محافظة حلب.
بالتزامن مع أنباء تحرير أسرى من سجون النظام، نُشر مقطع فيديو على أنه يوثّق تحرير أسرى من سجون النظام السوري في حلب.
إلا أن تحقّق أجراه مسبار كشف أن الفيديو قديم، إذ تم نشره عبر قنوات مختصة بالشأن السوري في مارس/آذار 2015. وأشارت تلك القنوات حينها إلى أنه يوثّق لحظة تحرير معتقلين من فرع أمن الدولة في مدينة إدلب.
يواصل مسبار تغطيته لأبرز المعلومات والمشاهد المضللة المتعلقة بالتطورات الميدانية خلال المعارك الجارية في شمالي سوريا، ويمكنكم متابعة التحديثات اليومية لمواد التحقّق والمقالات عبر الرابط.
اقرأ/ي أيضًا