أفاد تقرير "حالة مدققي الحقائق" الأخير الصادر عن الشبكة الدولية لتقصي الحقائق (IFCN)، بحدوث تحول تصاعدي في ميزانية مؤسسات التحقق من المعلومات في جميع أنحاء العالم مقارنة بالأعوام السابقة. وبحسب التقرير، فإن برنامج ميتا لتقصّي الحقائق يحتفظ بمكانته التي احتلّها منذ عام 2021 بصفته أكبر ممول لهذه المشاريع.
ووفقًا للتقرير الذي درس حالة تقصي الحقائق عام 2022، لم يتم تجاوز برنامج ميتا لتقصّي الحقائق حتى الآن من قبل الجهات الممولة الأخرى، بالنظر إلى أنّ البرنامج يحول أكثر من 45.2 بالمئة من إجمالي دخله إلى تمويل منظمات التحقق من المعلومات.
برنامج ميتا لتقصي الحقائق
ويضم البرنامج أكبر شبكة عالمية للتحقق من المعلومات، وساهم بأكثر من 100 مليون دولار في البرامج ذات الصلة. ففي عام 2020، دخلت ميتا في شراكة مع منصات تحقق من المعلومات لمعالجة المعلومات المضللة والزائفة الخاصة بجائحة كورونا. وبالتعاون مع الشبكة الدولية لتقصي الحقائق، قامت ميتا بتعويم برنامج منح طارئة بقيمة مليون دولار أميركي لهذه القضية.
وبالإضافة إلى مكافحة المعلومات الصحية، دخلت ميتا في شراكة مع Digital Health Lab للتكنولوجيا الطبية، وعقدت العديد من الدورات التدريبية الافتراضية بين طاقم الشركة الطبي ومؤسسات التحقق من المعلومات التابعين لجهات خارجية في ميتا.
كما تشمل برامج الشبكة الدولية لتقصي الحقائق الأخرى التي مولتها ميتا منحة المعلومات المضللة المناخية، وبرنامج التوجيه العالمي للتحقق من الحقائق، ومبادرة الابتكار لتقصي الحقائق. وموّلت ميتا أيضًا زمالة تدقيق الحقائق لمدة عام مع الرابطة الوطنية للصحفيين السود. وطرحت برنامج Accelerator Challenge الذي جمع العديد من منظمات التحقق من الحقائق، لمشاركة الأفكار وإنشاء استراتيجيات جديدة لتمكين الأشخاص من الوصول إلى المعلومات الصحيحة.
منصات ميتا أرض خصبة للمعلومات المضللة
لكن لم تشفع تلك الأرقام لميتا من انتقاد تعاملها مع المعلومات المضللة والزائفة التي تستمر بالانتشار على منصاتها. فعلى الجانب الآخر، وفي شهر فبراير/شباط الفائت، قدّمت شركات التواصل الاجتماعي نظرة أولية على التقدم الذي أحرزته في الحدّ من المعلومات المضللة في الاتحاد الأوروبي، بموجب ميثاق الاتحاد الأوروبي المعدل لمكافحة التضليل المتفق عليه في يونيو/حزيران 2022.
وكشفت التقارير المفصلة التي قدمتها شركات ميتا وغوغل وتيك توك وتويتر عن مؤشرات مختلفة، مثل عدد الروبوتات التي أُزيلت والحسابات التي تمت حُذفت لانتحال شخصيات عامة. وذلك في محاولة لإجبار المنصات على أن توضح للباحثين والجمهور الأوسع كيفية عملها. لكن من ناحية أخرى، فإنّ صحيفة بوليتيكو ترى أنّ محتوى التقارير يؤكد على إخفاقات شركات التكنولوجيا الكبرى عندما يتعلق الأمر بالتعامل الجاد مع المعلومات المضللة والشفافية بشأنها. كما أنّ البيانات الواردة في تلك التقارير لم يتم تدقيقها والتحقق منها بشكل مستقل.
تويتر، على سبيل المثال، لم تسلّم تقريرها في الوقت المطلوب، كما أنها قدمت تقريرًا غير مكتمل فيه العديد من الجداول الفارغة، فيما لم ينفتح موقع فيسبوك بشأن إجراءاته التفصيلية لإزالة الحسابات المزيفة في أوروبا، وركّز بدلًا من ذلك على مناطق جغرافية محددة، مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وصربيا.
أثار ذلك السلوك حفيظة مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة كذلك، إذ أرسل رئيس لجنة مجلس الشيوخ المختارة للاستخبارات مارك آر وارنر في نهاية فبراير/شباط الفائت رسالة إلى الرئيس التنفيذي لشركة ميتا مارك زوكربيرغ، يضغط فيها على الشركة لتكثيف جهودها لمكافحة انتشار المعلومات المضللة، وخطاب الكراهية، والمحتوى التحريضي في جميع أنحاء العالم بالنظر إلى أنها تخصص 84 في المئة من ميزانية مكافحة المعلومات المضللة للولايات المتحدة فقط، حيث يقيم عشرة في المئة فقط من مستخدميها.
كتب وارنر "في سعيها لتحقيق النمو والسيطرة في الأسواق الجديدة، أشعر بالقلق من أنّ ميتا لم تستثمر بشكل كافٍ في الإجراءات الوقائية التقنية والتنظيمية والبشرية اللازمة لضمان عدم استخدام منصاتها للتحريض على العنف وإلحاق الضرر بالعالم الحقيقي"، مشيرًا إلى أدلة أقرت بها ميتا، أن المنصة استُخدمت لإثارة الإبادة الجماعية في ميانمار بعدما تراخت في توظيف مراجعي محتوى ناطقين باللغة البورمية.
وأشار السيناتور وارنر في رسالته إلى أنّ فيسبوك دعم أكثر من 110 لغة على منصته اعتبارًا من أكتوبر/تشرين الأول 2021، ونشر المستخدمين والمعلنين على المنصة بأكثر من 160 لغة. ومع ذلك، فإن معايير مجتمع فيسبوك، والسياسات التي تحدد ما هو مسموح به وغير مسموح به على النظام الأساسي، كانت متاحة بأقل من نصف تلك اللغات في ذلك الوقت، ويعتمد على الذكاء الاصطناعي لتمييز المحتوى الضار في بقية اللغات.
وأشار وارنر إلى أنّه في إثيوبيا، ورد أنّ فيسبوك لا يمتلك أنظمة آلية قادرة على الإبلاغ عن المشاركات الضارة باللغتين الأمهرية والأورومو، وهما اللغتان الأكثر استخدامًا في البلاد. كما ذكر تقرير داخلي صدر في مارس/آذار 2021 أنّ الجماعات المسلحة داخل إثيوبيا تستخدم فيسبوك للتحريض على العنف ضد الأقليات العرقية، والتجنيد، وجمع الأموال.
ووفقًا لتحقيق أجرته منظمة Global Witness غير الربحية، فإنّ الحسابات والصفحات المضللة كانت قادرة على نشر الإعلانات باللغتين السواحيلية والإنجليزية قبل الانتخابات العامة في كينيا عام 2022، والتي انتهكت معايير المجتمع المعلنة على فيسبوك المتعلقة بخطاب الكراهية والدعوات إلى العنف القائم على العرق.
اتهامات لميتا بجني الأرباح من المعلومات المضللة
هذه ليست حالات منعزلة أو اكتشافات جديدة، فعندما تم استدعاء مارك زوكربيرغ للإدلاء بشهادته أمام الكونغرس في عام 2018، سأله السناتور أورين هاتش عن كيفية جني فيسبوك للأموال، أصبحت إجابة زوكربيرغ منذ ذلك الحين شبه ثابتة "نحن ندير الإعلانات".
لسوء الحظ، فإنّ الكثير من تلك الإعلانات الممولة كانت تحمل معلومات مضللة أو زائفة، بحسب معلومات جمعها موقع WIRED بين يوليو/تموز 2018 وإبريل/نيسان 2022، حققت ميتا ما لا يقل عن 30.3 مليون دولار من عائدات الإعلانات التي أزالتها لاحقًا من منصاتها بسبب مخالفتها للمعايير، وأكدت مارغريتا فرانكلين، رئيسة الاتصالات الأمنية في ميتا، لـ WIRED أن الشركة لا تعيد أموال الإعلان في حالة إزالة الإعلان.
كما يقدّر تقرير من صحيفة وول ستريت جورنال أنه بحلول نهاية عام 2021، كان لميتا حصة تقدر بـ 17 في المئة من سوق الإعلانات العالمي، محققةً 114 مليار دولار من الإعلانات. لكن بعض هذه الأموال من الإعلانات التي تم تمويلها من قبل الشبكات التي انتهكت سياسات ميتا، والتي قامت الشركة نفسها بوضع علامة عليها وإزالتها.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، نشرت مؤسسة "ويتش؟" البريطانية لحماية المستهلكين، وبالتعاون مع شركة Demos للاستشارات التسويقية، تقريرًا استعرضت فيه نتائج تحليل بشري وآلي للإعلانات المتاحة في مكتبة ميتا الإعلانية، وهي أداة متاحة للجمهور تُظهر الإعلانات الظاهرة لمستخدمي فيسبوك وانستغرام في بلد معين.
في إحدى الحالات، سلّط التحليل الضوء على التكرار في نشر إعلانات ممولة احتيالية على منصات ميتا بين نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ومارس/آذار 2022 بشكل ملحوظ، وركزت هذه الإعلانات على برنامج استثماري احتيالي يسمى Tesler، يستخدم اسم علامة تجارية مشابه لشركة Tesla لصناعة السيارات.
ونُشرت تلك الإعلانات بواسطة 28 صفحة مختلفة، وكثير منها لا علاقة له بالاستثمارات، وقالت "ويتش؟" إن تنوع الصفحات المستخدمة، وتكرار النشر، يرجح وجود حملة منسقة لنشر الإعلانات المحفوفة بالمخاطر لجمهور أوسع من خلال الاستفادة من طيف واسع من موضوعات الصفحات الناشرة لها، مثل صفحات الطعام أو الأخبار.
وفي مارس الفائت، أدانت وسائل إعلام أسترالية شركة ميتا بسبب تعاملها مع الإعلانات المخادعة التي يظهر فيها نجوم التلفزيون بما في ذلك ديفيد كوخ وكارل ستيفانوفيتش، قائلة إنّ وقت استجابة الشركة غير كافٍ ويضر بسمعة المذيعين، بحسب صحيفة ذا غارديان.
وسلطت المجموعة الضوء على الإعلانات الاحتيالية على فيسبوك التي تعرض إشادات وهمية من قبل مراسل الأخبار جورجي غاردنر لتطبيق ذكي، وحساب مزيف يزعم أنه يعود للمضيف السابق لبرنامج Today Show، أليسون لانغدون، يشجع الأشخاص على الدخول في مسابقة احتيالية بهدف للحصول على معلوماتهم البنكية، وإعلانات احتيالية بالعملات المشفرة.
وكانت لجنة المنافسة والمستهلكين الأسترالية قد أطلقت قضية في المحكمة الفيدرالية في مارس/آذار من العام الماضي تزعم فيها أن ميتا قد "ساعدت وحرضت" على إعلانات انتحال شخصيات المشاهير التي تضاعفت تقريبًا من 49 مليون دولار في عام 2020 إلى 92 مليون دولار في عام 2021. ومن المرجح أن تكون هذه الأرقام أعلى بكثير لأن معظم الضحايا لا يبلغون عن خسائرهم، بحسب اللجنة.
خلل منهجي أم توازن غير مقصود؟
وعليه، رغم ضغوط المشرّعين على ميتا لمزيد من الجدية والشفافية في محاربتها للمعلومات المضللة على منصاتها، ما زالت حتى اليوم تتكشف حوادث جديدة حول استخدام إعلانات ميتا للترويج للمعلومات المضللة، رغم احتفاظها بالمرتبة الأولى كممول عالمي للمشاريع التي تكافحها، فهل تعمل على إعادة تدوير الأموال التي تدرّها تلك الإعلانات في تدقيق المعلومات؟ أم أنّ ناشري المعلومات المضللة يستمرون بإيجاد طرق جديدة للاحتيال على رقابة ميتا؟
اقرأ/ي أيضًا
ميتا تطلق أداة يمكنها تحسين دقة معلومات ويكيبيديا الخاطئة
ميتا تزيل 1500 حسابًا مرتبطًا بشركات مراقبة من منصاتها
المصادر: