قبل أيام من تولي دونالد ترامب الفائز بالانتخابات الأميركية لعام 2024، مهامه في البيت الأبيض، أعلنت شركة ميتا المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وانستغرام، وواتساب وثريد، يوم السابع من يناير/كانون الثاني الجاري، أنها ستوقف تعاونها مع مدققي المعلومات، على مواقعها، إذ صرح مارك زوكيبرغ مالك شركة ميتا، من خلال مقطع فيديو نشره في صفحته الرسمية على موقع فيسبوك بأنّ المجموعة "ستستغني عن العاملين في خدمة تقصّي وتدقيق المعلومات وستستعيض عنهم بملاحظات المستخدمين، وذلك بدءًا من الولايات المتحدة الأميركية".
أما جويل كابلن وهي مديرة الشؤون العالمية لشركة ميتا، فقالت عبر مدونة ميتا الرسمية إنه وفي “السنوات الأخيرة، قمنا بتطوير أنظمة متزايدة التعقيد لإدارة المحتوى عبر منصاتنا، جزئيًا استجابة للضغوط المجتمعية والسياسية لتعديل المحتوى. لقد ذهب هذا النهج بعيدًا جدًا. وبقدر ما كانت العديد من هذه الجهود حسنة النية، فقد توسعت بمرور الوقت إلى الحد الذي نرتكب فيه الكثير من الأخطاء، مما يسبب إحباطًا لمستخدمينا وفي كثير من الأحيان يعرقل حرية التعبير التي وضعناها لتمكينها”. وأضافت "يتم حظر الكثير من المحتوى غير الضار، ويجد الكثير من الناس أنفسهم مسجونين ظلمًا في "سجن فيسبوك"، وغالبًا ما نكون بطيئين جدًا في الاستجابة عندما يحدث ذلك".
تخوف مشرفين في مجال التدقيق المعلوماتي من قرار ميتا
ومن جهتها عقبت العديد من الجهات المعنية بالتدقيق المعلوماتي على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة تلك التي كانت تشرف على عمليات الرصد وتصحيح المحتوى المنشور على مواقع تواصل شركة ميتا. وقالت
هولان وهي رئيسة شبكة مدققي المعلومات الدولية، إنّ القرار سوف يضر بمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يبحثون عن معلومات دقيقة وموثوقة لاتخاذ قرارات بشأن حياتهم اليومية وتفاعلاتهم مع الأصدقاء والعائلة.
مضيفة أنّ مدققي المعلومات لم يقوموا مطلقًا بمراقبة أو إزالة المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، بل أضافوا معلومات وسياقًا إلى ادعاءات كانت مثيرة للجدل، كما دحضت محتوى الخدع ونظريات المؤامرة. وأكدت أنّ مدققي المعلومات الذين أشار إليهم زوكيربيرغ في تصريحاته، اتبعوا مدونة مبادئ ومعايير تطلبت الحياد والشفافية.
من جانبه علق موقع نيوز ليتراسي بروجيكت للتدقيق المعلوماتي على القرارات، بأنّ شركة ميتا تعمل على إزالة الأدوات التي من شأنها الحد أو التخفيف من انتشار المعلومات المضللة على مواقعها للتواصل الاجتماعي، وهو ما سوف يعاني منه مستخدمو مواقعها.
وأضاف في بيانٍ نشره على موقعه الرسمي: “هؤلاء المستخدمون بالفعل عرضة للتلاعب من قبل جهات خبيثة تروج لمصادر ومعلومات غير موثوقة، تم تصميمها لاستغلال تحيزاتنا المعرفية، بما في ذلك الرغبة في تأكيد أفكارنا ومعتقداتنا السابقة”.
دراسات ترجح نجاح خاصية التدقيق المعلوماتي المعمول بها بشركة ميتا
بالتزامن مع إعلان شركة ميتا لقرارها بالتوقف عن التعاون مع مؤسسات التدقيق المعلوماتي على مواقعها للتواصل الاجتماعي، نشرت بعض الأوراق البحثية التي خلصت إلى أنّ مجهودات التحقق على مواقع ميتا قد أتت بنتائج إيجابية، إذ تؤكد إحدى الدراسات التي أشار إليها معهد رويترز في تغطيته الخبرية لقرارات شركة ميتا الأخيرة، أنّ "محتوى التحقق من المعلومات ناجح في دحض المفاهيم الخاطئة"، وتضيف الدراسة التي نشرت في شهر مايو/أيار عام 2024، على موقع تايلور آند فرانسيس العلمي، أنّ "محتوى التحقق من المعلومات الذي تعمل عليه المنظمات المستقلة والإذاعات العامة قد نجحت.
وبحسب النتائج، تلعب المنظمات المستقلة دورًا مهمًا لأنها قادرة على إقناع المستخدمين الأكثر تشككًا في وسائل الإعلام التقليدية، وتؤكد أنه نظرًا لمخاوف متزايدة من ضعف الثقة في وسائل الإعلام التقليدية، قد يكون عدد أكبر من المستخدمين عرضة لتصديق المعلومات المضللة ونشرها أيضًا. وتقول الدراسة أنه بناءً على النتائج التي توصلت إليها، تعتبر عمليات التحقق من المعلومات من قبل المنظمات المستقلة أكثر إيجابية من غيرها.
وفي السياق ذاته، أشارت دراسة أخرى نشرت في 11 ديسمبر/كانون الأول 2024، على موقع علوم السوسيولوجيا لعدد من الخبراء، إلى أنّ دور التحقق من المعلومات أثناء الانتخابات الأميركية للعام 2020، قد أدى إلى الحد من انتشار المعلومات المضللة على موقع فيسبوك.
ونشر ديفيد لازار وهو أحد العاملين على الورقة البحثية في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي الجديد بلو سكاي، معلقًا على قرار ميتا الأخير باستبعاد مجهودات التحقق المعلوماتي عن مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بميتا، إذ قال إنه نظرًا للإجراءات المتخذة من قبل الشركة، فإنّ مدى انتشار المعلومات المضللة على فيسبوك قد يتفاقم، خاصة في أوقات حساسة سياسيًا مثل الانتخابات.
تقارير تفيد بعدم فاعلية خاصية ملاحظات المجتمع على موقع إكس
وكان قد نشر مسبار سابقًا قبيل الإعلان عن نتائج الانتخابات الأميركية للعام 2024، تقريرًا نقلًا عن مركز مكافحة الكراهية الرقمية البريطاني، أفاد أنّ خاصية التحقق من المعلومات التي يشتغل بها موقع التواصل الاجتماعي إكس، والتي تسمى "ملاحظات المجتمع community notes"، قد فشلت في مواجهة الادعاءات المضللة حول الانتخابات الأميركية الأخيرة، وهي الخاصية التي قررت شركة ميتا إضافتها بدلًا من الاستعانة بمدققي المعلومات المستقلين.
وذهب التقرير إلى أن منشورًا واحدًا وحسب من بين أكثر من 1060 منشورًا شاركته حسابات روجت لمزاعم كاذبة ومضللة، حول مهاجرين ومواطنين بريطانيين، ظهرت معه "ملاحظات مجتمع" تشير إلى أنه مضلل. مضيفًا إلى أنّ خاصية "ملاحظات المجتمع" الموجودة على موقع إكس تعتبر ضعيفة بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالموضوعات الحساسة، لأنه وحسب المركز من النادر أن تتوصل مجموعة مستخدمين مختلفة الهويات ومتعددة الخلفيات، إلى إجماع حول ما إذا كانت الملاحظة التي أضيفت "مفيدة" أم لا، وحتى عندما تكون ملاحظات المجتمع مفيدة، فمن المقدر أنّ المحتوى المضلل غالبًا ما يُشاهد بنسبة 5 إلى 10 مرات أكثر من الملاحظة نفسها.
وعلى صعيد قياس مدى نجاح أداة "ملاحظات المجتمع" الخاصة بموقع إكس، نشر موقع وايرد الأميركي المتخصص في الشأن التكنولوجي، في 17 أكتوبر/تشرين الأول عام 2024، تحقيقًا استقصائيًا يفيد بأنّه على عكس ادعاءات مالك الموقع "إيلون ماسك" ومديرته التنفيذية، التي تقول بأنّ الأداة فعالة وتعمل على الحد من التضليل المعلوماتي المنتشر على الموقع، فإنّ الأداة لا تعمل كما هو مصمم لها، وقد تكون عرضة للتلاعب المنسق من قبل شبكات مترابطة على الموقع، وتفتقر إلى الشفافية حول كيفية الموافقة على الملاحظات.
وفي إطار العمل على التحقيق، أجرى الموقع مقابلات خاصة مع مصادر عملت على الأداة واطلعت على فاعليتها، وأكدت أنها مليئة بالصراعات الداخلية والمعلومات المضللة، ويبدو أنه لا توجد رقابة حقيقية من الشركة نفسها.
وجدير بالذكر أنه في شهر يوليو/تموز الفائت، أعلنت الهيئات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي أنّ موقع التواصل الاجتماعي إكس قد انتهك قانون الخدمات الرقمية (DSA) من خلال تضليل المستخدمين، وذلك باستخدام العلامات الزرقاء التي تستخدم لتوثيق الحسابات.
اقرأ/ي أيضًا
هل ازداد خطر دخول منصة إكس في دوامة التضليل الإعلامي بعد تولي إيلون ماسك إدارتها؟
الانتخابات الأميركية: هل فشلت مواقع التواصل في الحد من تأثير المعلومات المضللة؟