في 25 ديسمبر/كانون الأول الجاري، خرجت مظاهرات حاشدة في مدن سورية عدة، أبرزها حمص واللاذقية وطرطوس والقرداحة، احتجاجًا على تداول مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، دون تحديد وقت التقاطه، يُظهر حريقًا داخل مقام عالم الدين أبو عبد الله الحسين الخصيبي في حلب، مع وجود مسلحين يتجولون داخله.
يُعدّ هذا المقام واحدًا من أبرز الرموز الدينية للطائفة العلوية في مدينة حلب، ومركزًا مقدسًا لديهم. وقد أثار الحريق الذي شبّ فيه، والذي ظهر في الفيديو المتداول، موجة من الغضب والاستياء بين عدد من أبناء الطائفة العلوية، الذين اعتبروا الحادثة هجومًا على مقدساتهم. كما أدى تداول الفيديو إلى تصاعد التوترات الطائفية في بعض المناطق السورية.
من جهتها، أكّدت وزارة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، أنّ مقطع الفيديو الذي يوثق الاعتداء على مقام الخصيبي يعود إلى وقت سابق، وأنه صُوّر خلال تحرير مدينة حلب في نوفمبر/تشرين الثاني الفائت من قبل "مجموعة مجهولة" تسعى إلى "إثارة الفتنة بين أبناء الشعب السوري".
كما أوضحت المصادر أنّ مقام الخصيبي يقع بجوار ثكنة هنانو وعدد من المقار العسكرية، وكان قد استُخدم من قبل بعض ضباط النظام كملاذ خلال الاشتباكات التي دارت في المنطقة حينها. وأشارت المصادر إلى أنّ رفض هؤلاء الضباط تسليم أنفسهم أدى إلى مقتلهم داخل حرم المقام، واندلاع حريق نتيجة القتال.
يتزامن انتشار مثل هذه الادعاءات المضللة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع حملة إعلامية تهدف إلى تأجيج خطاب الكراهية وزعزعة السلم الأهلي في سوريا بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد.
تركز هذه الحملة على استهداف الطائفة العلوية في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها البلاد بعد سقوط النظام. تهدف هذه الادعاءات إلى إثارة الانقسامات الطائفية وزرع الفتنة بين مكونات المجتمع السوري المختلفة، وهو ما يشكّل تهديدًا خطيرًا للسلم الأهلي في سوريا.
في هذا المقال، يستعرض "مسبار" أبرز الادّعاءات المضللة التي انتشرت مؤخرًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، المرتبطة بالطائفة العلوية في سوريا. إذ تركز هذه الادّعاءات على زرع الفتنة الطائفية وتعميق الانقسامات بين مكونات المجتمع السوري، ما يعزز من خطاب الكراهية ويهدد السلم الأهلي في البلاد.
خبر مقتل فتاة خلال مظاهرة للعلويين في حمص مفبرك
عقب انتشار فيديو حرق مقام الشيخ الخصيبي في حلب، الذي أثار جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت العديد من الادّعاءات المضللة التي استهدفت الطائفة العلوية بشكل خاص، إذ تم نشر معلومات مغلوطة ومضللة تهدف إلى إثارة الفتنة الطائفية. وقد عمل مسبار على تصحيحها وكشف حقيقتها.
أثناء المظاهرات التي اندلعت في المدن السورية احتجاجًا على ما تم تداوله بشأن فيديو حرق مقام الخصيبي، تم تداول صورة على مواقع التواصل الاجتماعي مع ادّعاء بأنها لفتاة من الطائفة العلوية، قُتلت برصاص فصائل عسكرية معارضة خلال تفريق مظاهرة في مدينة حمص وسط سوريا.
انتشر هذا الادّعاء بشكل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما زاد من حدة الغضب والاحتقان بين أفراد الطائفة العلوية، الذين خرجوا في تلك المظاهرات احتجاجًا على ما اعتبروه اعتداءً على أحد رموزهم الدينية.
بعد التحقق من الادعاء، وجد مسبار أنّ الأنباء المتداولة عن إصابة الفتاة حنين عكاري أو مقتلها خلال تظاهرة في مدينة حمص زائفة. إذ نفت والدة الفتاة، هدى ملا حسن، ومصادر أخرى صحة هذه الشائعات.
أوضحت هدى ملا حسن لـمسبار أنّ ابنتها، حنين (15 عامًا)، تعرضت للإغماء بعد مغادرتها معهد الكمال في حي الوعر في مدينة حمص، بسبب عدم تناولها جرعة الدواء الخاصة بحالتها الصحية المتعلقة بمرض الاختلاج. كما أكد كل من الطبيب وليد عبد الصمد ومدير مستشفى ابن الوليد، هلال رمزي، أن الفتاة تعرضت لكدمات بسيطة نتيجة سقوطها أثناء فقدان الوعي، وأنها تلقت العلاج اللازم وغادرت المستشفى بعد تماثلها للشفاء.
إلى جانب ذلك، أوضح مدير الدفاع المدني في محافظة حمص، شادي الحسن، أن بلاغًا وصل إليهم بشأن فتاة فاقدة الوعي في حي الوعر، مما استدعى نقلها إلى المستشفى.
تتمثل خطورة هذه الصورة في قدرتها على إشعال الفتن وتعميق الانقسامات الطائفية في المجتمع السوري. فالصورة، التي كانت في الأصل لحادثة صحية تعرضت لها الفتاة حنين عكاري، تم تحريفها وتحميلها أبعادًا طائفية وسياسية غير دقيقة. نتيجة لهذا التحريف، تم ربط الصورة بمقتل فتاة علوية في سياق المظاهرات التي شهدتها بعض المدن السورية، الأمر الذي قد يسهم في زيادة التوترات بين الطوائف السورية المختلفة.
في ظل الأوضاع المضطربة التي تمر بها سوريا بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، يمكن لأي صورة أو ادعاء مضلل أن يصبح وقودًا لحالة من الغضب الجماعي، مما يعقد الموقف السياسي ويزيد من حالة الاستقطاب الطائفي.
في هذا السياق، تساهم هذه الصورة المضللة في تأجيج مشاعر الكراهية بين مختلف الفئات الاجتماعية، مما يؤثر بشكل سلبي على السلم الأهلي في سوريا في مرحلة حساسة للغاية من تاريخها.
ادعاءات مضللة حول إعدام المعارضة لعلويين مؤخرًا
يُعد المجتمع السوري واحدًا من أكثر المجتمعات تنوعًا طائفيًا وعرقيًا في المنطقة العربية، إذ يتكون من العديد من المجموعات الدينية والعرقية التي تمتد عبر مختلف المناطق السورية.
في الآونة الأخيرة، انتشرت مزاعم متعددة حول أعمال انتقامية وإعدامات ميدانية يُزعم أن قوات المعارضة المسلحة تخطط لها، خاصة ضد النساء والفئات الطائفية الأخرى. وقد ساهمت هذه المزاعم في زيادة التوترات الطائفية والعرقية داخل المجتمع السوري، مما عمق الانقسامات وخلق حالة من الخوف والذعر بين مختلف المكونات الاجتماعية.
كان مسبار قد تحقق من هذه المزاعم وكشف أنها لا أساس لها من الصحة. وتبيّن أنها مضللة، وتهدف إلى نشر الفوضى وتأجيج التوترات الاجتماعية وتعميق الانقسامات السياسية والعرقية.
وفي الوقت الذي كان فيه فيديو حرق مقام الخصيبي محط أنظار الجميع، انتشر مقطع آخر على مواقع التواصل الاجتماعي، ادّعى ناشروه أنه يُظهر إعدامًا لشخص ينتمي للطائفة العلوية من قبل فصائل غرفة العمليات العسكرية. وقد زعمت العديد من الحسابات أن المقطع هو حادث حديث وقع بعد الإطاحة بحكومة بشار الأسد.
كشف تحقق لـمسبار أنّ الادّعاء المتداول مضلل. إذ تبيّن أن مقطع الفيديو قديم ويعود إلى تصفية ملازم في قوات النظام السوري السابق عام 2015، وليس كما زُعم أنه حدث بعد سقوط النظام. ونُشر الفيديو الأصلي يوم 29 إبريل/نيسان عام 2015، مرفقًا بوصف "الشهيد البطل حمزة عليان محافظة طرطوس".
إن هذا الفيديو، على الرغم من كونه حادثًا قديمًا، أُعيد نشره بشكل مضلل في محاولة لإثارة الفتنة وزيادة الاستقطاب الطائفي في سوريا. فالمقطع نُشر في سياق يهدف إلى تحريض السوريين ضد بعضهم البعض، وقد يكون له تأثير كبير في زيادة الغضب بين أفراد الطائفة العلوية، الذين شعروا بالتهديد والخوف جراء ما يتم تداوله حديثًا. وبذلك، فإن تداول هذه الشائعات قد يؤدي إلى آثار مدمرة على التعايش السلمي بين مختلف الطوائف في سوريا، ويزيد من تعزيز العداء والتخوف بينهم
في السياق، نُشر مقطع فيديو حديثًا، وادّعى ناشروه أنه يُظهر اعتقال وحشد المئات من العلويين في سوريا، تمهيدًا لإعدامهم على يد إدارة العمليات السورية الجديدة.
بالتحقق، وجد مسبار أن الادّعاء مضلل، إذ تبين أن المقطع نُشر عبر حساب إخباري تركي في 24 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وأفاد بأنه يُظهر آلاف الجنود التابعين لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد محتجزين على الحدود العراقية، في انتظار تسليمهم إلى إدارة العمليات السورية الجديدة لتسوية أوضاعهم.
كما نشرت وسائل إعلام عدة مقاطع فيديو تُظهر تجمع جنود النظام السوري على الحدود العراقية السورية، قبيل تسليمهم إلى السلطات السورية الجديدة في اليوم نفسه، 24 ديسمبر الجاري.
إن ما نشهده اليوم من تداول واسع لمقاطع الفيديو والمعلومات المضللة في سوريا، يُعد جزءًا من حملة إعلامية استراتيجية تهدف إلى خلق انقسامات طائفية وعقائدية وزرع الفتنة بين مكونات المجتمع السوري.
في هذا السياق، تكون الادعاءات المضللة، مثل تلك التي تُظهر حريق مقام الشيخ الخصيبي في حلب، أو التي تدّعي إعدام العلويين من قبل فصائل المعارضة حديثًا، تُستخدم كأدوات لتعميق الانقسامات الطائفية في وقت حساس للغاية من تاريخ سوريا. تعكس هذه الادعاءات أيضًا محاولات فوضوية لزعزعة استقرار المجتمع السوري واستغلال الأحداث الحية للتحريض على الكراهية بين مختلف طوائفه.
تحقيق مسبار: شبكة حسابات مشبوهة تروّج لخطاب الكراهية والانقسامات في سوريا
كشف مسبار في تحقيق جديد عن شبكة من الحسابات المشبوهة التي نشطت بشكل مكّثف على منصات التواصل الاجتماعي عقب سقوط النظام السوري. هذه الحسابات، التي أُنشئت في وقت متقارب مع انهيار النظام، تروّج لخطاب الكراهية وتحرض على العنف الطائفي، مما يسهم في تعميق الانقسامات داخل المجتمع السوري في مرحلة حرجة.
من أبرز الحسابات التي رصدها مسبار حساب "مرصد الساحل السوري"، وهو مجهول الهوية، تتابعه مجموعة من الحسابات الإسرائيلية، ويروّج لفكرة إقامة أقاليم ذات حكم ذاتي للطائفة العلوية في سوريا. بالإضافة إلى حساب "Alawite Citizen"، الذي نشر منشورات تدعو إلى إقامة إقليم علوي مستقل داخل سوريا. تتماشى هذه الدعوات مع حملة أوسع تهدف إلى خلق انقسامات طائفية، إذ يتم الترويج لخطابات تحرض على العنف الطائفي وتقسيم البلاد.
وبالتحقق من نشاط هذه الحسابات، تبيّن ارتباطها بحسابات أخرى تنشر محتوى مشابهًا، بعضها يتبنى سرديات تتناغم مع الرواية الإسرائيلية حول الوضع السوري، مما يعزز الشكوك حول وجود تنسيق بين هذه الأطراف لأغراض سياسية.
ما يزيد من خطورة هذه الحسابات هو ارتباطها بناشطين مؤيدين للنظام السوري السابق، مثل كيفورك ألماسيان، الذي نشر سابقًا منشورات تلمّع صورة النظام المخلوع. ويُعد ألماسيان شخصية مثيرة للجدل، حيث يتواصل بشكل مستمر مع شبكات إلكترونية تدعم الخطاب الطائفي. وقد سبق له أن ربط بين تنظيم داعش وفصائل المعارضة السورية في حملات دعائية.
يبرز تأثير هذه الحسابات في نشر المعلومات المضللة، خاصة خلال فترات الأزمات، إذ تساهم في زرع الفتنة بين الطوائف المختلفة وتفاقم الوضع السياسي الهش في البلاد.
اقرأ/ي أيضًا
كيف تؤثر المعلومات المضللة على السلم الأهلي في سوريا؟
تدفق المعلومات المضللة بعد سقوط النظام قد يفاقم حالة الذعر بين السوريين