في التاسع عشر من فبراير/شباط الجاري، نشر مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تقريرًا، يسلط الضوء على "الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان" التي تتعرض لها النساء الفلسطينيات على أيدي عناصر الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الأمم المتحدة: فلسطينيات تعرضن لممارسات عنيفة من قبل الجنود الإسرائيليين
وأفاد التقرير بأن نساءً وفتياتٍ فلسطينيات تعرضن للإعدام تعسفيًّا في غزة، غالبًا مع أفراد أسرهن، بما في ذلك أطفالهن، بينما أعربت مجموعة من خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، عن قلقها البالغ تجاه ممارسات أخرى مهينة ولا إنسانية، مثل حرمان النساء الفلسطينيات من الفوط الصحية والغذاء والدواء، وتعرضهنّ للضرب المبرح، واحتجازهن في غزة في أقفاص تحت المطر والبرد دون طعام.
وأضاف تقرير الأمم المتحدة على لسان مجموعة من الخبراء، “إننا نشعر بالأسى بشكل خاص إزاء التقارير التي تفيد بأن النساء والفتيات الفلسطينيات المحتجزات، تعرضن أيضًا لأشكال متعددة من الاعتداء الجنسي، مثل تجريدهن من ملابسهن وتفتيشهن من قبل ضباط الجيش الإسرائيلي الذكور”. وقال الخبراء إنّ "ما لا يقل عن معتقلتين فلسطينيتين تعرضتا للاغتصاب بينما ورد أنّ أخريات تعرضن للتهديد بالاغتصاب والعنف الجنسي".
من جانبها، استنكرت إسرائيل تقرير الأمم المتحدة، بعد ساعاتٍ من صدوره. ووصفت المعلومات الواردة فيه بـ "الخسيسة والتي لا أساس لها"، واتهمت الوكالة بالنفاق وإضفاء الشرعية على أعمال العنف التي وقعت في السابع من أكتوبر.
وجاء في بيان وزارة الخارجية الإسرائيلية حول التقرير، "لقد ظل هؤلاء المكلفون بتفويض الأمم المتحدة صامتين بشأن العنف الجنسي المروع والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ارتكبته حماس في السابع من أكتوبر. ومن الواضح أن الموقعين المشاركين لا تحركهم الحقيقة، بل كراهيتهم لإسرائيل وحلفائها".
وهذا الادّعاء الرسمي الإسرائيلي لا أساس له من الصحة، إذ دعت الأمم المتحدة لفتح تحقيق شامل والتعاون مع مختلف الأطراف للتحقيق بشأن المزاعم الواردة عن ارتكاب مقاتلي حماس انتهاكات إنسانية في السابع من أكتوبر.
تغطية الإعلام الغربي المتحيزة حول تقرير الأمم المتحدة
راجع "مسبار" تغطية وسائل الإعلام والصحف العالمية الكبرى للاتهامات الموجهة لعناصر حماس، وقارنها بتغطية وسائل الإعلام نفسها لتقرير الأمم المتحدة، على اعتبار أنهما يتناولان الموضوع ذاته، وأن الأمم المتحدة جهة تتمتع بموثوقية عالية عالميًا، ووجد أنّ هناك تحيزًا في التغطية.
بدايةً، لاحظ مسبار تعتيمًا على تقرير الأمم المتحدة الأخير، فباستثناء شبكة سي إن إن وصحيفة ذا إنديبيندنت البريطانية وموقعي فويس أوف أميركا وBuzzFeed، لم تنشر الوسائل الإعلامية الكبرى مثل صحف ذا نيويورك تايمز وذا واشنطن بوست ووول ستريت جورنال ولوس أنجليس تايمز وذا غارديان وذا تيليغراف وشبكات PBS وCBS وCNBC وBBC، أيَّ خبر أو تقرير أو مادة صحفية من أي نوع تتحدث عن تقرير الأمم المتحدة الأخير، حتى كتابة هذا التقرير، وهي عادةً ما تغطي كل ما يصدر، تقريبًا، عن المنظمة الأممية.
وبالمقارنة، لاحظ مسبار أن جميعها (وسائل الإعلام المذكورة) نشرت أكثر من مادة واحدة عن ادعاء استخدام العنف الجنسي من قبل حماس. إذ نشرت ذا نيويورك تايمز، أكثر من ثلاثة تقارير عن الموضوع.
وفي نهاية العام الفائت، نشرت الصحيفة تحقيقًا، حول ادّعاءات بارتكاب عناصر المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر، اعتداءات جنسية وعنف قائم على النوع الاجتماعي. ووُجِّهت إليها انتقاداتٍ واسعة، من قبل مؤسسات ومنظمات إعلامية وحقوقية ونسوية، لما فيه من ثغرات وادعاءات متناقضة مع ما أدلى به بعض الشهود أنفسهم للإعلام الإسرائيلي.
كما عرف التحقيق انتقادات داخلية من قبل بعض كتّاب ومحرري الصحيفة، ما دفع هيئة التحرير لتكليف مُعدّ التحقيق بمتابعة جمع الأدلة التي تدعم تقاريره الأصلية، وإعداد حلقة خاصة من بودكاست "ذا ديلي" الذي تنتجه الصحيفة لنقاش التحقيق، مع ترك بعض المساحة للمساءلة والتشكيك وطرح الأسئلة، التي غابت عن التحقيق الأصلي، لكنها مُنعت من النشر تحت ضغوط منظمات إسرائيلية.
من جانبها، نشرت صحيفة ذا واشنطن بوست في نوفمبر الفائت، أي قبل صدور التحقيقات حتى، تقريرًا بعنوان "إسرائيل تحقق في عدو بعيد المنال ومروع: الاغتصاب كسلاح من أسلحة الحرب"، ومقال رأي للكاتبة جينيفر روبن بعنوان "النساء الإسرائيليات مهمات أيضًا".
أما صحيفة وول ستريت جورنال، فنشرت تقريرًا بعنوان "السبت الأسود في إسرائيل: القتل والعنف الجنسي والتعذيب في 7 أكتوبر"، بجانب مقال رأي للكاتبة بيغي نوونان بعنوان "اغتصاب النساء الإسرائيليات"، إضافة إلى قصتين مخصصتين لشهادات منفصلة على لسان من قالت إنّهم “ضحايا” لهذه الاعتداءات.
بينما نشرت صحيفة لوس أنجليس تايمز، خبرين عن تزايد الأدلة التي تثبت استخدام حماس العنف الجنسي كسلاح، وآخر عن إدانة بايدن لتلك الأخبار. ونشرت ذا غارديان وذا تليغراف مجموعة أخبار عن تراكم الأدلة والخوف من إخفائها وإدانات الأمم المتحدة، بجانب مقالات الرأي المتعددة حول الأمر.
أما الشبكات التلفزيونية المُشار إليها أعلاه، والتي لم تُغطِّ تقرير الأمم المتحدة حول ممارسة عناصر الجيش الإسرائيلي العنف الجنسي ضد النساء الفلسطينيات، فقد فردت المساحة للضيوف والنقاشات والتقارير خلال الشهرين الفائتين للحديث عن الأمر ذاته، من وجهة نظر الإسرائيليين فقط.
بحذر.. وسائل إعلام أخرى تتناول تقرير الأمم المتحدة
ووجد مسبار، في المقابل، وسائل إعلام غربية غطت تقرير الأمم المتحدة حول العنف الجنسي الممارس من قبل الجنود الإسرائيليين، لكن بحذر. على سبيل المثال، نشرت صحيفة ذا هيل الأميركية، خبرًا بعنوان "خبراء الأمم المتحدة يدينون التقارير الموثوقة عن عمليات إعدام واعتداءات جنسية على يد جنود إسرائيليين"، مع تغييب لهوية الضحايا في العنوان الرئيسي، وتعمّد وضع "الموثوقة" بين علامتي تنصيص، وهو ما يعرف في العمل الصحفي بالفعل التشكيكي تجاه الكلمة. وهي الصحيفة نفسها التي نشرت أكثر من أربع أخبار وتقارير وتحليلات في تغطيتها لمزاعم وقوع اعتداءات على نساء إسرائيليات.
أما قناة سكاي نيوز البريطانية، التي نشرت في السابق تقريرًا بعنوان "تزايد الأدلة على الاعتداء الجنسي من قبل مقاتلي حماس في إسرائيل – لكن المحققين يواجهون مشاكل" وآخر بعنوان "الحرب بين إسرائيل وحماس: هل استخدمت حماس العنف الجنسي كسلاح في حفل سوبرنوفا؟"، وثالث بعنوان "أعضاء النساء التناسلية تُشوّه بشكل منهجي في هجوم حماس، كما يقول جندي احتياطي إسرائيلي تعامل مع الجثث". وخبرًا نقلت فيه تصريحات لنتنياهو قال فيها إن جماعات حقوق الإنسان تغض الطرف عن عمليات الاغتصاب المزعومة التي ترتكبها حماس"، فقد كانت تغطيتها خبرية عاجلة لتقرير الأمم المتحدة الأخير.
وتأتي هذه التغطية، في ظل انتقادات لوسائل الإعلام الغربية، واتهامات لها بازدواجية المعايير وتقويض مبدأي "التوازن والعدل" خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. ويعني التوازن، هنا، محاولة تقديم جميع جوانب القصة. أما العدل، فيعني أنه يجب على الصحفي أن يسعى جاهدًا لتوخّي الدقة وتقديم الحقائق في التقارير، وألا يحرف القصة حتى يتوصل القارئ إلى استنتاج تفرضه أجندة المؤسسة. إلا أن ما يحصل من شبه تغييب لأحد جوانب القصة، يقوّض المصلحة العامة، ولا يعزز سوى تأثير غرفة الصدى، حيث ينجذب الناس إلى الأخبار والقصص التي تدعم معتقداتهم، دون أن يتعرضوا للمواقف ووجهات النظر الأخرى.
اقرأ/ي أيضًا
ناشطة فرنسية تعتذر عن ادعائها العثور على 67 حيوانًا منويًا لدى رهينة أفرجت عنها حماس
التقارير الطبية لم تذكر أنّ الأسيرة مايا ريغيف تعرضت للاغتصاب أثناء احتجاز حماس لها