في التاسع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي نشر قواته في المنطقة العازلة على الحدود مع سوريا، إلى جانب مواقع وصفها بالضرورية لتعزيز دفاعاته، وفقًا لبيان صادر عنه.
وأكد الاحتلال أنّ هذا الإجراء يهدف إلى “حماية سكان مرتفعات الجولان وضمان أمن الإسرائيليين”، مشددًا على أنّه لا يتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا. وأضاف أنّ القوات ستواصل انتشارها في المنطقة العازلة طالما اقتضت الحاجة، للحفاظ على استقرار الحدود والدفاع عن أمن إسرائيل.
وفي السياق، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في الثامن من ديسمبر الجاري، عن انهيار اتفاقية فصل القوات الموقعة بين سوريا وإسرائيل عام 1974، بعد تراجع سيطرة القوات السورية على المنطقة الحدودية، عقب الإطاحة بالرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
وأوضح نتنياهو أنّ الجيش الإسرائيلي تلقى تعليمات بالسيطرة على المواقع الحدودية التي انسحبت منها القوات السورية، لمنع تمركز أي قوى معادية على حدود إسرائيل. وأكد في الوقت نفسه استعداد بلاده لإقامة “علاقات حسن جوار مع أي قوى جديدة في سوريا، مع متابعة التطورات بدقة لضمان تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة".
في خضم هذه الأحداث، تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، تصريحات زائفة منسوبة إلى قائد هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع (الجولاني)، حول موقفه من إسرائيل. يستعرض "مسبار" في هذا المقال أبرز الادعاءات الزائفة التي طالت الشرع خلال الأحداث الأخيرة، ويكشف حقيقة التصريحات المغلوطة حول موقفه من الاحتلال الإسرائيلي.
تصريح مفبرك منسوب للشرع حول تنسيق قواته مع إسرائيل
توغل جيش الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة العازلة ودخل عدة كيلومترات داخل الأراضي السورية، مع استهداف غارات إسرائيلية لمواقع عسكرية ومخازن أسلحة في مناطق متفرقة بسوريا.
كما أصدر الجيش تحذيرًا لسكان خمس بلدات سورية حدودية بعدم مغادرة منازلهم حتى إشعار آخر، وأرسل تعزيزات من قوات المدرعات والمشاة إلى هذه المناطق.
بالتزامن مع ذلك، تداولت حسابات على موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وإكس تصريحًا منسوبًا إلى قائد هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، ادّعت أنّ قناة الشرق نشرته، يفيد بأنّ دخول الجيش الإسرائيلي إلى الأراضي السورية تم بالتنسيق معهم.
وبعد التحقّق، تبين لمسبار أن الادّعاء زائف، إذ إنّ التصريح المنسوب للشرع بشأن تنسيقه مع إسرائيل خلال دخولها الأخير إلى سوريا مفبرك. ولم يُنشر في حسابات قناة الشرق أو من قبل القيادة العامة للعمليات العسكرية، كما لم تورد أي وسيلة إعلام موثوقة التصريح المتداول.
وفي أول بيان رسمي من الحكومة السورية المؤقتة (المعارضة) بشأن التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، دعت الحكومة مجلس الأمن الدولي إلى اتخاذ إجراءات فورية لوقف الهجمات الإسرائيلية وانسحابها من المناطق التي توغلت فيها شمالي سوريا.
ومن جانبه، قال السفير السوري لدى الأمم المتحدة، قصي الضحاك، إنّ هذه المطالب تأتي بناءً على تعليمات من حكومته. وأكد أنّ الجيش الإسرائيلي توغل في مناطق عدة، في وقت تشهد فيه سوريا مرحلة جديدة من الاستقرار، بعد سنوات من الصراع.
تصريحات مفبركة منسوبة للشرع حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل
في تصريح حول الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، أدان الشرع عمليات توغل القوات الإسرائيلية في جنوبي سوريا، بعد سقوط النظام السوري.
وقال الشرع إنّ "الإسرائيليين تجاوزوا خطوط الاشتباك في سوريا بشكل واضح، مما يهدد بتصعيد قد يعقد الأوضاع في المنطقة". وأكّد ضرورة تدخل المجتمع الدولي لوقف القصف الإسرائيلي الأخير على سوريا، الذي استهدف العديد من المواقع.
وأوضح الشرع أن هيئة تحرير الشام لا تنوي الدخول في صراع مع إسرائيل، معتبرًا أنّ "الحلول الدبلوماسية هي الطريق الوحيد لضمان الأمن والاستقرار بعيدًا عن أي مغامرات عسكرية غير محسوبة".
بالتزامن مع ذلك، تداولت حسابات على إكس تصريحًا منسوبًا إلى أحمد الشرع، ادّعت أنّه أدلى به من مقر رئاسة الجمهورية السورية. وادّعت هذه الحسابات أن الجولاني أعلن عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل عبر اتفاقية سلام قريبًا.
لكن بالتحقّق، وجد مسبار أنّ الادعاء زائف. إذ إنّ التصريح لم تنقله أيّ من الحسابات الرسمية للقيادة العامة الجديدة لسوريا، ولا أيّ وسيلة إعلام موثوقة. وعند مراجعة تصريحات الجولاني منذ إعلان سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الجاري، لم يتم العثور على أيّ تصريح له يتعلق بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
في سياق متصل، تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، تصريحًا منسوبًا إلى أحمد الشرع، جاء فيه "سأعمل على سن قانون يسمح للسوريين بالانتقال والعمل داخل إسرائيل، وستُوقع اتفاقية سلام وتعاون معها في الأسابيع القادمة، مع تبادل تجاري وصناعي على أعلى المستويات".
كشف تحقق مسبار أن الادعاء المتداول زائف، إذ تبين أن التصريح مُفبرك ولم يصدر عن زعيم هيئة تحرير الشام، كما لم يُنشر في أي حسابات رسمية تابعة للهيئة أو جهات ذات صلة.
حوار مزيف منسوب لأحمد الشرع حول شكره لإسرائيل
في الأيام الأخيرة، تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، حوارًا ادّعت أنه نُشر في صحيفة “ذا تايمز أوف إسرائيل” بتاريخ السادس من ديسمبر الجاري. وادّعى ناشرو الخبر أن الشرع شكر إسرائيل على قصفها للبنان، مؤكدًا أنها منحته الفرصة للتقدم نحو المدن السورية، ومعبرًا عن تطلعه لإقامة علاقات مع إسرائيل عقب سقوط نظام الأسد.
أظهر تحقق أجراه مسبار أن الادعاء زائف. فقد نشرت صحيفة ذا تايمز أوف إسرائيل في السادس من ديسمبر حوارًا تحت عنوان “قائد متمرد سوري يحث إسرائيل على دعم الانتفاضة وضرب القوات المدعومة من إيران”. وذكرت الصحيفة أنها أجرت الحوار مع ضابط في "الجيش السوري الحر" مجهول الهوية، رفض الكشف عن اسمه، ولم تُشر إلى أن المحاور هو أحمد الشرع.
الشرع يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من المواقع المتوغلة داخل سوريا
في أول مقابلة له منذ سقوط نظام بشار الأسد، أكّد أحمد الشرع، المعروف بلقب الجولاني، خلال حديث مع صحيفة “التايمز” البريطانية، أن الإدارة الجديدة في سوريا لا تنوي الدخول في مواجهة مع إسرائيل، موضحًا أن إسرائيل لم تعد تمتلك ذرائع للتدخل العسكري في البلاد.
وقال الشرع إنّ سوريا لن تسمح باستخدام أراضيها لشن هجمات على إسرائيل أو أي دولة أخرى، وأضاف “نحن ملتزمون باتفاقية عام 1974 ومستعدون لإعادة المراقبين الدوليين”. وشدد على أنه لا يرغب في أي صراع مع إسرائيل أو أي طرف آخر في المنطقة، مشيرًا إلى أن الشعب السوري يحتاج إلى استراحة من الصراعات المستمرة.
وفيما يتعلق بالوجود الإسرائيلي في سوريا، دعا الشرع إسرائيل إلى إنهاء غاراتها الجوية على الأراضي السورية وسحب قواتها من المناطق التي سيطرت عليها، مؤكدًا أن التبريرات الإسرائيلية بوجود حزب الله وإيران في سوريا انتهت.
وأضاف أن إسرائيل، التي سيطرت على منطقة عازلة بعد سقوط النظام السوري، ستُجبر على الانسحاب في الوقت المناسب، مؤكدًا أن الوضع الحالي يستلزم وقف الضربات العسكرية في سوريا، مع السعي لتحقيق الاستقرار الداخلي والهدوء في المنطقة.
إسرائيل توافق على خطة لتوسيع المستوطنات في الجولان
أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، في 15 ديسمبر الجاري، عن موافقة الحكومة بالإجماع على خطة قدّمها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتهدف إلى مضاعفة عدد السكان في منطقة كاتسرين ومرتفعات الجولان، بتكلفة تتجاوز 40 مليون شيكل.
وبحسب البيان الصادر عن مكتب نتنياهو، تم إعداد هذه الخطة "في ضوء الحرب والجبهة الجديدة التي تواجهها سوريا". وتشمل الخطة تعزيز التعليم، ودعم مشاريع الطاقة المتجددة، وإنشاء قرية طلابية، وتطوير البنية التحتية لاستيعاب السكان الجدد المتوقعين.
وعلّق نتنياهو على القرار "تعزيز الاستيطان في الجولان يقوي دولة إسرائيل، وهو أمر بالغ الأهمية في هذا الوقت. سنواصل تطوير المنطقة وتعزيز سيادتنا فيها".
إدانات واسعة لقرار إسرائيل توسيع الاستيطان في الجولان
أدانت تركيا قرار إسرائيل توسيع الاستيطان في الجولان المحتل، ووصفت الخطوة بأنها مسعى جديد لتوسيع حدودها عبر الاحتلال. وأكدت وزارة الخارجية التركية أن الممارسات الإسرائيلية المتواصلة "تلحق ضررًا بالغًا بالجهود الرامية لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا وتزيد من حدة التوتر في المنطقة".
من جهتها، استنكرت ألمانيا قرار توسيع الاستيطان في الجولان المحتل، وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية، كريستيان فاغنر، أن بلاده "لا تعترف بهذا الضم"، مشددًا على أن إسرائيل تُعتبر قوة احتلال في الجولان وفقًا للقانون الدولي.
من جانبها، أدانت المملكة العربية السعودية القرار الإسرائيلي، معربة عن استنكارها لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي في تقويض جهود استعادة سوريا لأمنها واستقرارها. وجددت دعوتها للمجتمع الدولي لإدانة الانتهاكات الإسرائيلية، مؤكدة أن الجولان أرض سورية محتلة.
كما عبرت مصر عن رفضها الكامل للقرار الإسرائيلي، معتبرة أنه انتهاك صارخ لسيادة سوريا ووحدة أراضيها. كما اعتبرت أن توسيع المستوطنات في الجولان يتعارض مع القانون الدولي.
وأدانت وزارة الخارجية العراقية القرار، وأكدت دعم العراق الثابت لحقوق سوريا. واعتبرت قطر والإمارات أن القرار يهدد أمن سوريا ويمثل اعتداء على أراضيها.
اقرأ/ي أيضًا
فوضى المعلومات بعد سقوط الأسد: من آثار التعتيم ومنع النظام للإعلام المستقل