في 16 سبتمبر/أيلول الجاري، رفعت وكالة التصنيف الأميركية "فيتش رايتنغ" تصنيف تونس الائتماني إلى “CCC+”، وذلك بعد أن كانت في أواخر عام 2023 عند مستوى "CCC-".
أوضحت الوكالة في تقريرها أن هذا الترفيع يعود إلى تحسن قدرة تونس على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالدين الخارجي لعامي 2024 و2025، إضافة إلى تقلص العجز في الحساب الجاري، مما ساهم في تعزيز الاحتياطي من العملة الصعبة.
كما أشارت "فيتش" إلى أن هذا الترفيع يعكس ثقتها الكبيرة في قدرة الحكومة التونسية على تأمين احتياجاتها من تمويل الميزانية بفضل تموضعها القوي في الأسواق الخارجية.
فهل يعكس الترفيع تحسنًا للوضع الاقتصادي في تونس؟
تم تداول الترفيع في التصنيف الائتماني لتونس من قبل العديد من المواقع وبعض الخبراء كمؤشر إيجابي يدل على تحسن الوضع الاقتصادي في البلاد، رغم أن هذا التصنيف لا يخرج تونس من دائرة "المخاطر العالية".
وأشار المستشار الجبائي وعضو المجلس الوطني للجباية، محمد الصادق العياري، إلى أن وكالة "فيتش" رفعت تصنيف تونس بدرجتين، مؤكدًا أنه في حال واصلت الدولة جهودها، يمكن أن تعود إلى تصنيف "B"، وتستعيد نسقها الطبيعي. وأوضح العياري أن أهم عامل اعتمدت عليه "فيتش" في رفع التصنيف، هو قدرة تونس على سداد ديونها الخارجية دون اللجوء إلى صندوق النقد الدولي.
وأضاف في برنامج "تونس الاقتصادية" الذي يُبث على التلفزيون العمومي، أن تونس تمتلك اليوم إمكانيات هامة من العملة الصعبة، تمكنها من سداد القروض المستقبلية، وهو ما اعتبرته "فيتش" مؤشرًا إيجابيًا.
كما أشار إلى أن تونس توجهت إلى القروض الداخلية وتخلت عن القروض الخارجية، وأن ذلك ليس أمرًا إيجابيًّا جدًا، إذ سينجر عن الاقتراض الداخلي شح في السيولة لدى البنوك التونسية. واستدرك أنّ “تونس في وضع صعب ونقبل هذا الضغط"، و "في المستقبل تدريجيا إذا تحسنت المؤشرات يتم التقليص من القروض الداخلية”.
منحى التصنيف الائتماني لتونس
يُعرف التصنيف الائتماني بأنه مقياس لتحديد قدرة الشركات أو الدول على الاقتراض وسداد الديون للجهات الممولة. وكلما تحسن التصنيف الائتماني لدولة ما، زادت الثقة في متانة اقتصادها وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه المقرضين، مما يسهل عملية الحصول على القروض سواء من الداخل أو الخارج. يأتي ذلك بسبب ما يوفره التصنيف الإيجابي من معايير تتيح توقع الاستقرار المالي. وعلى النقيض، فإن التصنيف الائتماني المنخفض يعرض الدول لمخاطر صعوبة الحصول على القروض وارتفاع تكلفة الديون. ويذكر أن درجات التصنيف الائتماني تنقسم إلى 11 درجة، وهي بحسب موقع (OCEANX Insight).
الدرجات الاستثمارية (Investment Grade)
- 'AAA' الأعلى في التصنيف الائتماني، ويعكس أعلى درجات الأمان والثقة في الوفاء بالالتزامات المالية.
- 'AA' جدارة ائتمانية عالية.
- 'A' جدارة ائتمانية متوسطة إلى عالية، لكنها قد تتأثر بالتغيرات الاقتصادية.
- 'BBB' مستوى كافٍ ومقبول من الثقة في الوفاء بالالتزامات المالية، ولكن بدرجة أقل.
الدرجات غير الاستثمارية (Non-Investment Grade)
- 'BB' مستوى مقبول من الثقة، ولكنه غير مضمون الاستمرار.
- 'B' مستوى منخفض من الثقة في الوفاء بالالتزامات المالية ويثير القلق.
- 'CCC' عدم اليقين في القدرة على الوفاء بالالتزامات المالية، مع احتمال التخلف عن السداد.
- 'CC' إمكانية التخلف عن السداد مع احتمالية عالية للمخاطر.
- 'C' مخاطر التخلف عن السداد عالية للغاية.
- 'LD' عدم الوفاء ببعض الالتزامات المالية مع الوفاء بأخرى.
- 'D' التخلف والتقصير الكامل عن سداد جميع الالتزامات المالية.
واصل التصنيف الائتماني لتونس الانزلاق، حيث صنفت البلاد في السنوات الأخيرة ضمن فئة "CCC" ذات المخاطر العالية. وبالعودة إلى تقارير مؤسسة "فيتش"، كان تصنيف تونس في عام 2010 مستقرًا عند "BBB". وفي يناير/كانون الثاني 2011، بعد اندلاع الثورة التونسية، تم تصنيف تونس عند "BBB" مع آفاق سلبية. لكن في مارس/آذار من نفس العام، انخفض التصنيف إلى "BBB- سلبي". وفي فبراير 2012، تم تصنيف تونس عند "BBB-"/"F3" مع آفاق سلبية. ثم في ديسمبر من نفس السنة، تم تخفيض التصنيف إلى "BB إيجابي" مع استمرار الآفاق السلبية.
في أكتوبر/تشرين الأول 2013، تم تخفيض تصنيف تونس مرة أخرى إلى "BB سلبي" مع آفاق سلبية، وهو نفس التصنيف الذي استمر في السنوات 2014، 2015، و2016. أما في عام 2017، فقد شهد التصنيف مزيدًا من الانخفاض ليصبح "B إيجابي"، وهو التصنيف الذي استمر في 2018 و2019 وبداية 2020. وفي مايو 2020، تم تخفيض التصنيف الائتماني لتونس إلى "B".
في عام 2021، انخفض التصنيف مرة أخرى إلى "B سلبي"، وفي عام 2022، تراجع إلى "CCC" قبل أن يرتفع مع نهاية العام إلى "CCC إيجابي". وخلال عام 2023، تأرجح التصنيف الائتماني لتونس بين "CCC إيجابي" و"CCC سلبي" حتى نهاية السنة. وفي العام الحالي، تم رفع تصنيف تونس إلى "CCC إيجابي".
تصنيف "CCC إيجابي" لم يخرج تونس من قائمة الدول عالية الخطورة
رغم التقدم الذي أحرزته تونس في التصنيف الائتماني وفق مؤسسة "فيتش"، إلا أن الترفيع في تصنيفها لم يُخرجها من قائمة الدول المصنفة ضمن فئة "CCC" ذات المخاطر العالية. هذا ما أكده الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، حيث أشار في منشور له إلى أن هذا التصنيف موجه بالأساس للمقرضين، وخاصة المستثمرين الأجانب في السوق المالية العالمية.
وأوضح الشكندالي أن التحسن في التصنيف يعد جيدًا لصورة تونس أمام المؤسسات الدولية، ومنها صندوق النقد الدولي، بالرغم من أن تونس لا تتعامل معه حاليًا. ومع ذلك، أضاف أن التحسن في التصنيف لم يخرج البلاد من قائمة الدول ذات المخاطر العالية، وبالتالي لا يمكنها بعد هذا التحسن العودة إلى السوق المالية الدولية بشكل كامل.
كما أضاف الشكندالي أن وكالة "فيتش" استندت في رفع تصنيف تونس إلى التحسن في المؤشرات المالية، مثل زيادة احتياطيات العملة الصعبة، وقدرة تونس على سداد ديونها الخارجية، وتحسن الميزان التجاري. إلا أن هذا التحسن جاء على حساب الاقتصاد المحلي، حيث انكمش الاقتصاد وتفاقمت معدلات البطالة وارتفعت الأسعار، وهو ما يؤثر سلبًا على المواطن التونسي، الذي يتحمل تكاليف هذه التحسينات.
وأشار الشكندالي إلى أن تحسن التوازنات الخارجية، تم على حساب توفير الاحتياجات الأساسية للسوق المحلية من مواد أساسية وأدوية، وكذلك المواد الأولية ونصف المصنعة التي تحتاجها المؤسسات الاقتصادية للإنتاج. ودون هذه المواد، لا يمكن تحقيق نمو اقتصادي أو مكافحة البطالة أو الحد من ارتفاع الأسعار.
وفي تصريحه لـ "مسبار"، أوضح الشكندالي أن وكالات التصنيف الائتماني، مثل "فيتش" و"موديز"، تعمل بالأساس لخدمة المقرضين، وخاصة المستثمرين الذين يشترون سندات الدول في الأسواق المالية الدولية. وأضاف أن "فيتش" تهتم بشكل رئيسي بقدرة الدول على سداد ديونها، وبما أن تونس سددت ديونها الخارجية وحسّنت من احتياطيات العملة الصعبة، تم رفع تصنيفها. لكن هذا التحسن جاء بتكلفة باهظة، حيث تراجع النمو الاقتصادي، وزادت معدلات البطالة، وارتفعت الأسعار، مما أدى إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطن التونسي.
وأكد الشكندالي أن "فيتش" رفعت تصنيف تونس لأن البلاد تتجه نحو الإصلاحات الاقتصادية. وأوضح أن تونس تطبق هذه الإصلاحات، رغم أنها ترفض التعامل مع صندوق النقد الدولي، مما يخلق تناقضًا في الخطاب. وعلّق قائلًا: "من جهة نرفض التعامل مع صندوق النقد الدولي، ومن جهة أخرى نطبق إصلاحاته. فلماذا لا نلجأ فعلياً إلى الاقتراض من الصندوق؟ فهو الأقل تكلفة، وأسعار الفائدة التي يقدمها أقل من تلك التي يقدمها البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير. بذلك نكون الفائزين".
وختم الشكندالي بالتأكيد على أن تونس إذا تمكنت من تعبئة المزيد من الموارد، فإن تصنيفها السيادي سيتحسن، ويمكن أن تنتقل إلى فئة "B" أو حتى "BBB"، مما سيمكنها من العودة إلى السوق المالية الدولية. ولكن يجب أن يكون ذلك قائمًا على أساس تحسين المؤشرات الاقتصادية الحقيقية، دون الإضرار بالاقتصاد التونسي، بل بتحسينه بما يحقق الفائدة للمواطن والمجتمع التونسي، ويرضي المؤسسات الدولية.
طريق محفوف بالمخاطر مع تصنيف تونس بـ "CCC إيجابي"
أعربت وكالة التصنيف الائتماني الأميركية "فيتش" في تقريرها، عن ثقتها بقدرة الحكومة التونسية على تلبية احتياجاتها من تمويل الميزانية، إلا أنها نبهت إلى وجود حاجيات تمويل مرتفعة لتونس، إضافة إلى محدودية الوصول إلى التمويل الخارجي وعدم اليقين بشأن قدرة ورغبة القطاع البنكي في تحمل حجم كبير من الدين المحلي، بجانب هشاشة الميزانية في مواجهة الصدمات الخارجية.
من جانبها، أوضحت الباحثة الاقتصادية خلود التومي أن رفع "فيتش" لتصنيف تونس جاء نتيجة قدرتها على سداد قروضها، إلا أن هذا السداد تم بالاعتماد على التمويل المباشر من البنك المركزي وعلى القروض الداخلية. لهذا، أكدت الوكالة في تقريرها وجود أخطار عالية في مجال التمويل، خصوصًا وأن تونس لم توقع أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي، مما يزيد من مستوى المخاطر، حيث يتعين على تونس سداد سندات في شهر يناير، وتواجه احتياجات تمويل مرتفعة جدًا.
في حديثها مع "مسبار"، أشارت التومي إلى أن "فيتش" قد حذرت من أخطار تمويل ميزانية الدولة وديونها بشكل مباشر من البنك المركزي، لأن تدخل الأخير يقلل من احتياطي العملة الصعبة. وأوضحت أن تصنيف "CCC" يعكس أخطار عالية، وأنه لا يمكن اعتبار التحسن في التصنيف إيجابيًا إلا عند الوصول إلى فئة "B". ورغم هذا التحسن، تظل تونس في وضع محفوف بالمخاطر، حيث أصبحت البنوك الممول الرئيسي لميزانية الدولة وديونها.
كما أشارت الخبيرة الاقتصادية إلى أن البلاد تعتمد على التمويل الداخلي من القطاع البنكي بسبب عدم توفر التمويلات الخارجية. وبينت أن هذا الوضع، رغم أنه ساهم في تلبية احتياجات التمويل ورفع التصنيف الائتماني، يشكل خطراً على الاقتصاد التونسي. فتمويل البنوك للدولة لسداد ديونها بدلاً من الاستثمار يعطل الدورة الاقتصادية ويؤثر سلبًا على المستثمرين، الذين قد لا يتمكنون من الحصول على قروض، مما يدفعهم إلى إغلاق مشاريعهم ومغادرة البلاد، وهو ما يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة.
الرئيس التونسي قيس سعيد سبق أن انتقد تصنيفات الشركات الائتمانية لتونس
الرئيس التونسي قيس سعيد سبق وأن عبر عن رفضه للتصنيفات السلبية المتتالية لتونس، مشيرًا إلى أن هذه المؤسسات أصبحت تمارس ضغوطًا من خلال تصنيفاتها، وشبهها بعبارة "أمك صنافة". وهي عبارة شائعة في اللهجة التونسية تشير إلى الشخص الذي يجيد الطهي بمهارة، واستعيرت من قبل الرئيس في نقده لوكالات التصنيف الائتماني.
اقرأ/ي أيضًا:
فائض في ميزانية الدولة وتراجع في نسبة البطالة: هل تحسن الوضع الاقتصادي في تونس؟
هل سجلت تونس حديثًا نتائج اقتصادية أفضل من السنوات السابقة كما قال سعيد؟