بالرغم من التقدم في أساليب مكافحة المعلومات المضللة، وتزايد منصات التحقق والمؤسسات المعنية بمحاربة الظاهرة، إلا أن الإجراءات ما زالت غير كافية للتصدي للظاهرة بشكل كافٍ.
أجزاء كبيرة من المجتمعات وخاصة الأشخاص المهمشون والضعيفون هم عرضة لموجات واسعة من المعلومات المضللة التي لا تجد تصحيحًا كافيًا، خاصة عندما ندرك أن كثير من هذه الفئات لا تملك في الواقع وصولًا كافيًا لكثير من الخدمات الأساسية، والتكنولوجيا، وأن كثير من التصحيحات تصل للطبقات الأعلى في المجتمع بالمقارنة مع وصول أضعف للفئات الأضعف.
وتُظهر التقارير أن المعلومات المضللة تؤثر بشكل كبير على المجتمعات المهمشة، مثل اللاجئين والأقليات، مما يزيد من تهميشهم ويعزز الصور النمطية السلبية عنهم. يركز هذا التقرير على العلاقة بين الفئات الضعيفة والمهمشة، والتعرض للمعلومات المضللة.
شريحة واسعة من الفئات المهمشة لا تملك وصولًا للخدمات التقنية
يعد الوصول إلى التكنولوجيا، أمرًا حيويًا لإنجاح مهمة مكافحة التضليل، فأغلب مصادر تصحيح المعلومات توجد اليوم على الإنترنت. وتعاني الفئات المهمشة بشكل خاص من صعوبات في الوصول للموارد التقنية اللازمة، إذ تشير البيانات إلى أن الوصول إلى التكنولوجيا بين المجتمعات المهمشة، مثل اللاجئين والأقليات، لا يزال محدودًا، مما يخلق فجوة رقمية تعوق هذه الفئات من الحصول على المعلومات والخدمات الأساسية.
وفقًا للاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، ما يزال نحو 37% من سكان العالم غير متصلين بالإنترنت حتى عام 2023، وتتركز هذه النسبة بشكل كبير في المناطق النامية حيث تعيش غالبية المجتمعات المهمشة.
وقد أفاد تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن نسبة كبيرة من اللاجئين لا تملك الهواتف الذكية أو إمكانية الوصول إلى الإنترنت في بعض المناطق، مما يحد من فرصتها في التفاعل مع العالم الخارجي والوصول إلى المعلومات الحيوية، بما في ذلك تصحيحات المعلومات المضللة.
ووفقًا لليونسكو، يعاني الطلاب من الفئات الضعيفة من قلة الوصول إلى الأجهزة التعليمية، مثل الحواسيب، ما يساهم في انخفاض التحصيل التعليمي ويعزز التحديات التي يواجهونها في التعلم عن بعد.
يُظهر تقرير لمركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية أن قلة الوصول إلى التكنولوجيا تعزز العزلة المعلوماتية للمجتمعات الضعيفة، إذ من يفتقر إلى المعلومات حول التطورات المهمة، يكون أكثر عرضة للمعلومات المضللة، خصوصًا مع افتقار العديد منهم للمهارات اللازمة للتحقق من صحة الأخبار.
المعلومات المضللة تؤثر بشكل كبير على الفئات المهمشة
تؤكد اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنها تأخذ مسألة المعلومات المضللة على محمل الجد، وتعتبرها جزءًا من احترام القانون الدولي الإنساني. وتكرّس اللجنة جزءًا كبيرًا من جهودها، خاصة في أوقات النزاعات، لإيجاد أساليب فعّالة لمواجهة هذه المشكلة والحد من عواقبها.
تدرك اللجنة أن الفئات المهمشة تحتاج إلى اهتمام خاص لتقليل تعرضها للتضليل، فالتضليل يضعها في خطر ويزيد من استضعافها، خاصة فيما يتعلق بوصولها للمعلومات حول الموارد والخدمات المنقذة للحياة.
تؤدي المعلومات المضللة إلى مشكلات عديدة للفئات الأشد ضعفًا إذ قد تمنع النازحين، على سبيل المثال، من اتخاذ القرار المناسب فيما يخص العودة إلى ديارهم بسبب فقدانهم الشعور بالأمان جراء انتشار الشائعات أو الروايات الكاذبة. ولذا، تخصص اللجنة الدولية للصليب الأحمر العديد من المقالات على موقعها الإلكتروني حول مكافحة التضليل، مع التركيز على حماية الفئات المهمشة.
الفئات المهمشة غالبًا ما تواجه ضعفًا في الرد على التضليل
الفئات الأكثر ضعفًا، مثل المهاجرين واللاجئين، تتعرض باستمرار لحملات مُنظمة وأخرى غير مُنظمة تستهدفها بتضخيم السلبيات عنها وتعزيز الصور النمطية المسيئة. وغالبًا ما يُوصم هؤلاء بصفات سلبية ويُصوَّرون كمصدر للجرائم والمشكلات المجتمعية.
وقد تُلحق هذه الحملات ضررًا واسعًا، ومع افتقار الفئات المستهدفة إلى الأدوات التي تمكّنها من تصحيح المعلومات ونشر رواياتها الحقيقية مثل ضعف الوصول إلى التكنولوجيا والخدمات الأساسية والتعليم، سيكون صوتها أضعف وأقل وصولاً إلى الرأي العام.
يُعد حادث الطعن الجماعي الذي وقع في حفل للأطفال في مدينة ساوثبورت البريطانية مثالًا واضحًا، إذ تعرض المهاجرون لخطاب تحريضي مليء بالكراهية والمعلومات المضللة عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. وبالنظر إلى التفاعل الكبير الذي أثارته تلك المعلومات المضللة حول الحادثة، وما تلاها من اتهامات غير حقيقية للمهاجرين، اتضح أن المهاجرين يفتقرون إلى الوسائل السريعة والفعّالة لتصحيح هذه المعلومات.
وفي مثال آخر، واجه اللاجئون السوريون في تركيا في يوليو/تموز 2024 حملة واسعة من المعلومات المضللة، وتعرضوا لاعتداءات شملت تدمير ممتلكاتهم وإحراقها. ونتيجة للانتشار الكبير للمنشورات التضليلية في تلك الفترة، لم يكن هناك صوت تصحيحي يقاوم هذا السيل من المعلومات الخاطئة، ويعود ذلك غالبًا إلى عوائق الوصول إلى الموارد اللازمة، والعائق اللغوي، والعزلة، وغيرها من التحديات التي يعاني منها المستهدفون.
النساء الأشد ضعفًا يواجهن صعوبات في مواجهة التضليل حولهم
وفقًا للمقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير فإن المعلومات المضللة وخطاب الكراهية، يستخدمان على نطاق واسع لإسكات النساء، وذلك لأن المعلومات المضللة تجعل النساء يمارسن الرقابة الذاتية، أو يقيدن ما ينشرن أو يتركن منصات النشر والتعبير عن الرأي.
يزداد تعرض النساء والفتيات للاستهداف عبر الإنترنت عندما تتداخل هوياتهن مع عوامل إضافية، مثل الانتماء لمجتمع الميم، أو الانتماء إلى أقليات قومية، أو عرقية، أو دينية، أو لغوية، أو مواجهة تحديات الإعاقة، أو النزوح. ويشمل هذا أيضًا النساء والفتيات المنتميات إلى فئات أخرى عرضة للخطر.
وتتعرض النساء والفتيات اللواتي يظهرن في الساحة العامة، كالناشطات الحقوقيات، لاستهداف متزايد، وبحسب التقارير تحمل الكراهية والتضليل القائمين على النوع الاجتماعي أضرارًا حقيقية، حيث تؤثر سلبًا على الصحة النفسية والجسدية للضحايا، وتمسّ حياتهم المهنية وسمعتهم. وفي حالات قصوى، قد تتطور هذه الهجمات إلى عنف جسدي.
وفي مثال بارز على ذلك كانت إيمان خليف، الملاكمة الجزائرية التي تألقت في أولمبياد باريس 2024 وحققت إنجازًا تاريخيًا بوصولها لنهائي وزن 66 كغم، هدفًا لحملة انتقادات وتشكيك طالت هويتها الجنسية.
تصاعدت هذه الانتقادات على منصة إكس، إذ تداول مستخدمون، منهم شخصيات بارزة مثل إيلون ماسك ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، تعليقات مشككة دون تقديم أدلة واضحة، مما أسهم في نشر معلومات مضللة حول خليف.
الأقليات في مرمى المعلومات المضللة: استهداف متكرر يتفاقم مع الأزمات
يتكرر استهداف الأقليات القومية، أو العرقية، أو الدينية، أو اللغوية بالمعلومات المضللة. ويشير التقرير للمقرر الخاص المعني بقضايا الأقليات التابع للأمم المتحدة إلى أن أكثر من 70 في المئة من ضحايا جرائم الكراهية أو خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي ينتمون لهذه الفئات. وبالإضافة إلى كونهم الهدف الأبرز لهذا النوع من الخطاب، فإن أفراد الأقليات معرضون أيضًا بشكل أكبر للقيود أو إزالة محتواهم بسبب سياسات تعديل المحتوى على منصات التواصل.
وتعكس الحوادث الأخيرة التي نتجت عن خطاب الكراهية، بدءًا من الإهانات العنصرية وصولًا إلى التحريض على العنف أو حتى الدعوة للإبادة، نمطًا عالميًا متزايدًا من الاستهداف المقلق لمجموعات الأقليات. ومن بين هذه المجموعات المستهدفة، نجد مسلمي الروهينغا في ميانمار، ومجموعات الروما والسنتي في أوروبا، والأفراد من أصول أفريقية، وغيرهم.
ويرى تقرير للأمم المتحدة أن هذا الاتجاه ذهب إلى التفاقم بفعل الجماعات المتطرفة ونمو الجماعات والشخصيات الشعبوية حول العالم، ولعل المثال الأبرز في ذلك هو جائحة كوفيد-19 التي أفرزت موجة واسعة من المعلومات المضللة، وتضمنت خطابًا مناهضًا للأقليات وتداولت المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة.
فقد أُلقي اللوم على مجتمعات كاليهود، والمسلمين، والأقليات المسيحية، والأشخاص من أصل آسيوي، خاصة من يُعتقد أنهم صينيون، وجرى تحميلهم مسؤولية انتشار الفايروس، ما أسهم في تعميق الاستهداف والكراهية بحقهم.
من الواضح أن التحديات في مواجهة التضليل لا تزال كبيرة، خاصة بالنسبة للفئات المهمشة التي تعاني من محدودية الوصول إلى الكثير من الأدوات الداعمة، وتتطلب مواجهة هذه الظاهرة نهجًا شاملًا واسع النطاق، وتعزيز الجهود للوصول إلى هذه الفئات، وتقليل الفجوة الرقمية، وزيادة مساهمة الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني.
اقرأ/ي أيضًا
كيف تزيد الأخبار المضلّلة من المخاطر التي تُهدّد الأقليات في الهند؟
حملة UNDO تستهدف السوريين في لبنان بمعلومات مضللة وقصص مُختلقة