صباح يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، أطلقت فصائل المعارضة السورية المسلحة، عملية عسكرية باسم "ردع العدوان"، تحت قيادة هيئة تحرير الشام، مستهدفةً مواقع لقوات النظام السوري. وانطلقت من إدلب لتشمل ريف حلب الغربي وريف إدلب الشرقي.
في اليوم التالي، سيطرت قوات المعارضة على الطريق الدولي بين دمشق وحلب وحققت مكاسب استراتيجية في سراقب وحلب، بما في ذلك مطار حلب وأحيائها. وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، توسعت المعارك إلى ريفي حماة وحمص، إذ سيطرت المعارضة على قلعة المضيق وحماة وحمص. كما وصلت قواتها إلى مشارف دمشق.
ومع الساعات الأولى من يوم الثامن من ديسمبر، أعلنت المعارضة دخول دمشق وإسقاط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
يستعرض "مسبار" في هذا المقال أبرز الادّعاءات المضللة والزائفة التي طاولت بشار الأسد، منذ بداية المعارك الأخيرة وحتى سقوط نظامه وهروبه إلى روسيا.
صورة قديمة وليست لظهور الأسد خلال الاشتباكات الأخيرة مع المعارضة المسلحة
في أول تعليق له على المعارك الجارية في شمال سوريا، أكد رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد، أن بلاده ستستمر في "الدفاع عن استقرارها وسلامة أراضيها" ضد ما وصفه بـ "الإرهابيين وداعميهم".
ونقلت رئاسة النظام السوري عن الأسد قوله خلال اتصال مع نظيره الإماراتي محمد بن زايد، أن سوريا قادرة على "هزيمة هؤلاء الإرهابيين والقضاء عليهم" بمساعدة حلفائها وأصدقائها، "مهما اشتدت هجماتهم الإرهابية".
وتزامنًا مع تلك المعارك، تداولت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، صورةً ادّعت أنّها تُظهر رئيس النظام السوري في جبهات المعارك التي كانت دائرة بين قواته وفصائل المعارضة السورية شمالي البلاد.
إلا أنّ تحقق "مسبار" بيّن أنّ الصورة المتداولة أرشيفية تعود إلى عام 2014، وتوثّق زيارة بشار الأسد إلى خطوط الجبهة في منطقة حي جوبر شرقي العاصمة دمشق.
كما تداول مستخدمون على موقع التواصل الاجتماعي إكس، مقطع فيديو زعموا أنّه يوثّق زيارة بشار الأسد لإحدى جبهات القتال خلال المعارك الأخيرة.
لكن بعد التحقق، تبيّن أنّ مقطع الفيديو المتداول يوثّق زيارة الأسد، للجبهات الأمامية للجيش في بلدة الهبيط بريف إدلب شمالي سوريا، في 22 أكتوبر/تشرين الأول عام 2019.
وفي الزيارة، اعتبر الأسد في كلمة ألقاها أمام جنوده أنّ معركة إدلب "هي الأساس لحسم الفوضى والإرهاب في كل مناطق سوريا"، مضيفًا أنّ “كل المناطق في سوريا تحمل نفس الأهمية، ولكن ما يحكم الأولويات هو الوضع العسكري على الأرض”.
صورة قديمة للقاء الأسد بخامنئي في طهران عام 2005
في الثالث من ديسمبر الجاري، نشر حساب رئاسة النظام السوري تفاصيل حول اتصال هاتفي بين بشار الأسد والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لمناقشة التطورات في سوريا.
وقال الأسد في المكالمة إنّ التصعيد الأخير يهدف إلى تقسيم المنطقة وتفتيت دولها بما يتماشى مع مصالح أمريكا والغرب. من جهته، أكّد الرئيس الإيراني أنّ "المساس بوحدة سوريا هو تهديد للمنطقة واستقرارها". مشيرًا إلى استعداد إيران لتقديم كافة أشكال الدعم لسوريا في "محاربة الإرهاب وإفشال أهداف داعميه".
في السياق، تداولت حسابات على موقع التواصل الاجتماعي إكس، صورةً ادّعت أنّها توثّق وصول بشار الأسد إلى طهران ولقائه المرشد الأعلى علي خامنئي.
بالتحقق تبيّن أنّ الصورة قديمة وتعود إلى الثامن من أغسطس/آب عام 2005، إذ التقى الأسد خامنئي في طهران، خلال زيارة رسمية له في عهد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، آنذاك.
وانتشرت في الأيام الأخيرة صورة على مواقع التواصل الاجتماعي، زعم متداولوها أنّها تُظهر وصول الأسد إلى دمشق قادمًا من روسيا بعد زيارة حديثة له.
بعد التحقق منها، تبيّن أنّها قديمة وتعود إلى 19 مارس/آذار عام 2023، وتوثّق لحظة وصول بشار الأسد إلى أبوظبي خلال زيارة رسمية إلى الإمارات.
ادّعاءات زائفة ومضللة طاولت الأسد بعد سقوط نظامه
أعلنت المعارضة السورية المسلحة، فجر يوم الثامن من ديسمبر الجاري، سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد ودخول قواتها إلى العاصمة السورية دمشق، وقالت إدارة العمليات العسكرية التابعة للمعارضة إنّ "الطاغية بشار الأسد هرب"، معلنةً أنّ "مدينة دمشق أصبحت حرة".
وأضافت "بعد 50 عامًا من القهر تحت حكم البعث، و13 عامًا من الإجرام والطغيان والتهجير، وبعد كفاح ونضال طويل ومواجهة كافة أشكال قوى الاحتلال، نعلن اليوم في 8-12-2024 نهاية هذه الحقبة المظلمة وبداية عهد جديد لسوريا".
في السياق، تداولت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو ادّعت أنّه تسجيل صوتي للأسد يُعلن فيه استقالته من رئاسة سوريا، واعتذاره للشعب السوري عن ما ارتكبته عائلته، بالإضافة إلى إنهاء كافة الاتفاقات مع روسيا وإيران.
ولكن بعد التحقق من الادّعاء، تبيّن أنّه زائف. إذ إنّ المقطع تم إنشاؤه باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، ونُشر لأول مرة في الثاني من سبتمبر عام 2023، مع الإشارة من ناشره الأصلي إلى أنّه أُنتج لأغراض ترفيهية.
كما تداولت حسابات وصفحات على إكس، صورةً ادّعت أنّها تُظهر بشار الأسد وعائلته أثناء تقديمهم طلب اللجوء في موسكو بعد هروبهم من سوريا عقب سيطرة المعارضة على الحكم، إلا أنّ التحقق من الادعاء كشف أنّه مضلّل.
ووجد مسبار أنّ الصورة مأخوذة من مقطع فيديو أثناء زيارة بشار الأسد وزوجته لجرحى الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في العام الفائت، في مستشفى حلب الجامعي في العاشر من فبراير/شباط من نفس العام.
الأسد وأفراد عائلته في موسكو وروسيا تمنحهم اللجوء
نقلت وكالة تاس الروسية، عن مصدر في الكرملين، يوم الثامن من ديسمبر الجاري، تأكيده أنّ روسيا منحت اللجوء للرئيس المخلوع بشار الأسد وعائلته، مشيرًا إلى وصولهما إلى موسكو. وقال المصدر إنّ القرار اتُخذ استنادًا إلى اعتبارات إنسانية.
وأكّد المصدر أنّ روسيا طالما دعمت الحل السياسي للأزمة السورية، مُصرّة على ضرورة استئناف المحادثات التي تشرف عليها الأمم المتحدة، مضيفًا أنّ المسؤولين الروس يتواصلون مع ممثلي المعارضة المسلحة السورية، الذين أكّدوا ضمان أمن القواعد العسكرية الروسية والبعثات الدبلوماسية في سوريا.
كما أعلنت وزارة الخارجية الروسية، يوم الثامن من ديسمبر الجاري، أنّ الأسد قرر ترك منصبه الرئاسي ومغادرة البلاد. وأوضحت الوزارة في بيان لها أنّها تتابع "الأحداث المأساوية" في سوريا بقلق بالغ، مشيرةً إلى أنّ هذا القرار جاء نتيجة لمفاوضات بين الأسد وعدد من المشاركين في النزاع السوري.
وناشدت الخارجية الروسية جميع الأطراف المعنية بتوجيه دعوات "مقنعة" لنبذ العنف وحل القضايا السياسية بوسائل سلمية، وأضافت أنّها على اتصال مع كافة فصائل المعارضة السورية.
وفي مقابلة مع شبكة "إن بي سي" الأميركية، أكّد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف، أنّ روسيا قدمت اللجوء للأسد بعد انهيار نظامه السريع. وقال ريابكوف إنّه تم نقل الأسد إلى روسيا "بأكثر الطرق الممكنة أمانًا" وأنّه "آمن" في البلاد.
وأشار ريابكوف إلى أنّ روسيا ستستمر في دعم الأسد رغم الاتهامات الموجهة له من قبل جماعات حقوق الإنسان بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة.
وفيما يتعلق بإمكانية تسليم الأسد للمحاكمة، أوضح ريابكوف أن روسيا ليست طرفًا في الاتفاقية التي أسست المحكمة الجنائية الدولية، ما يعني أنّها غير ملزمة بتسليمه.
الساعات الأخيرة لهروب الأسد من سوريا
كشفت وكالة رويترز في تقرير لها، أمس الجمعة 13 ديسمبر، أنّ الأسد لم يبلغ أحدًا بخططه للهروب من سوريا، حتى أقرب مساعديه وأفراد عائلته، تزامنًا مع انهيار نظامه واقتراب المعارضة المسلحة من العاصمة دمشق.
وفقًا للتقرير، عقد الأسد اجتماعًا مع قادة الجيش والأمن في وزارة الدفاع يوم السبت الفائت، قبل مغادرته بساعات، وأكد لهم أنّ الدعم الروسي في الطريق، لكنه لم يُطلعهم على ما كان يخطط له.
وأشارت الوكالة، إلى أنّ الأسد خدع مستشارته الإعلامية بثينة شعبان، التي طلب منها الحضور إلى منزله لإعداد خطاب له، لكنها وصلت لتجد المنزل فارغًا. كما لم يُعلم الأسد شقيقه ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة، الذي هرب بدوره إلى روسيا، بينما حاول أقاربه الهروب عبر لبنان، ولكنهم وقعوا في كمين نصبه مقاتلو المعارضة.
وذكر التقرير أنّ الأسد كان قد طلب اللجوء إلى الإمارات في البداية بعدما سيطرت المعارضة على حلب وحمص، وكانت تتقدم نحو دمشق، إلا أنّ الإمارات رفضت طلبه خوفًا من ردود الفعل الدولية على إيواء شخصية خاضعة لعقوبات أميركية وأوروبية. مضيفًا أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قاد جهودًا دبلوماسية مكثفة لتأمين خروج الأسد الآمن، عبر التنسيق مع تركيا وقطر، لضمان وصوله إلى روسيا.
اقرأ/ي أيضًا
أبرز الادعاءات المضللة والزائفة التي انتشرت حول الجولاني قائد هيئة تحرير الشام
نتيجة التعتيم ونقص المعلومات.. شائعات ومعلومات متضاربة حول سجن صيدنايا