مع التطوّر الكبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي، ظهرت تقنية "التزييف العميق" كأداة خطيرة تُستخدم لنشر معلومات مضللة، لا سيما في المجال الطبي. يتم التلاعب بالصور وبالأصوات الخاصة بأطباء وخبراء مشهورين لإنشاء مقاطع فيديو مقنعة، تُستخدم للإعلان عن منتجات غير مثبتة علميًا، مما يُعرض صحة المرضى وثقتهم بالنظام الصحي للخطر.
الاحتيال الصحي: استغلال الثقة في الأطباء
في نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، انتشر على منصة فيسبوك مقطع فيديو مزيف يُظهر البروفيسور جوناثان شو، نائب مدير معهد بيكر للقلب والسكري في ملبورن، وهو يروج لمكمل غذائي اسمه Glyco Balance.
استغل الفيديو المزيف صدقية البروفيسور لدعم ادعاءات كاذبة حول فعالية المنتج في علاج السكري، مما دفع بعض المرضى للتخلي عن أدويتهم المثبتة علميًا لصالح هذا المكمل. مايكل، أحد الضحايا البالغ من العمر 79 عامًا، أنفق 340 دولارًا على المنتج معتقدًا أنه بديل آمن. لاحقًا، اكتشف أن المنتج لم يخضع لأي تقييم علمي وأنه تعرض لعملية احتيال خطيرة أثرت على استقرار حالته الصحية.
إدارة السلع العلاجية الأسترالية (TGA) أكدت أن مكمل "Glyco Balance" غير مدرج ضمن السجل الأسترالي للسلع العلاجية، ولم تُقيَّم سلامته أو فعاليته. ونبّهت السلطات الصحية من مخاطر استبدال الأدوية المعتمدة بمكملات مجهولة المصدر، داعيةً الجمهور إلى التحقق من مصادر المعلومات الطبية على الإنترنت، خاصة مع تزايد الاعتماد على المنصات الرقمية كمصدر رئيسي للمعلومات.
التزييف العميق: ظاهرة عالمية في الاحتيال الطبي
في تحقيق نشرته المجلة الطبية البريطانية (BMJ) في يوليو/تموز 2024، كُشف عن استخدام تقنية التزييف العميق لإنشاء مقاطع فيديو مزيفة تُظهر أطباء بارزين في المملكة المتحدة يروجون لمنتجات مشكوك في صدقيتها. من بين المستهدفين الدكتور هيلاري جونز، أحد أشهر الأطباء الإعلاميين، الذي ظهر في فيديو مزيف يروج لعقار لعلاج ارتفاع ضغط الدم أثناء استضافته في برنامج "لورين".
جونز نفى صحة الفيديو مؤكدًا أن العديد من المنتجات، مثل "حلوى القنب" وعلاجات السكري وضغط الدم، استغلت اسمه دون إذنه. ولم يكن الدكتور هيلاري جونز وحده الضحية؛ فقد تعرّض أطباء آخرون، مثل الراحل مايكل موزلي للاستغلال ذاته.
صرح الطبيب المتقاعد جون كورماك أن مقاطع الفيديو المزيفة أصبحت وسيلة مفضلة للاحتيال الطبي، مشيرًا إلى أنها أقل تكلفة من تطوير منتجات حقيقية. وقال "بدلًا من إنفاق الأموال على البحث والتطوير، يكتفي المحتالون بإنتاج مقاطع فيديو مزيفة ذات صدقية عالية لاستغلال الجمهور".
ضعف الاستجابة التقنية والتنظيمية لمواجهة التزييف العميق
رغم خطورة ظاهرة التزييف العميق، ما تزال الجهود المبذولة لمكافحتها محدودة مقارنة بالسرعة الهائلة التي تنتشر بها هذه التقنية. على سبيل المثال، استغرقت شركة "ميتا" تسعة أيام لإزالة مقطع فيديو مزيف نُسب إلى البروفيسور جوناثان شو. وفي إطار برنامج تجريبي، أزالت الشركة أكثر من 8 آلاف إعلان احتيالي.
في فبراير/شباط الفائت، أقر السير نيك كليغ، رئيس الشؤون العالمية في ميتا، بالصعوبات الكبيرة التي تواجهها الشركة في التصدي لانتشار المقاطع المزيفة، خاصة بعد استهداف كل من جو بايدن وريشي سوناك بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي. وأشار إلى أن ميتا تعمل على تطوير أدوات جديدة للكشف التلقائي عن الصور المعدلة بواسطة الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، تواجه الشركة تحديات كبيرة في تطبيق هذه الأدوات على مقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية. وأضاف كليغ أن ميتا بدأت بالفعل في استخدام علامات تعريفية لتوضيح الصور المُنشأة باستخدام الذكاء الاصطناعي، لكن هذه التقنية لم تُطبق حتى الآن على مقاطع الفيديو أو الأصوات. وأوضح أن الشركة تعمل بالتعاون مع شركات أخرى على تطوير حلول تقنية أكثر كفاءة، إلا أنها تواجه عقبات تقنية وتجارية عديدة، لا سيما أن المحتوى الإعلاني الاحتيالي يدر أرباحًا طائلة.
التبعات الصحية والنفسية للاحتيال الطبي
الاحتيال الطبي باستخدام التزييف العميق لا يتسبب في أضرار صحية مباشرة فقط، بل يمتد تأثيره إلى زعزعة الثقة في النظام الصحي. عندما يكتشف المرضى أنهم وقعوا ضحية احتيال، يتراجع اعتمادهم على النصائح الطبية الموثوقة، مما يُعرض حياتهم لخطر أكبر. ويؤكد خبراء الصحة أن المشكلة لا تتعلق بالضحايا فحسب، بل بالنظام ككل. يقول الدكتور جون كورماك، الطبيب المتقاعد والمتعاون مع المجلة الطبية البريطانية "التزييف العميق يمثل تحديًا جديدًا للأطباء والمؤسسات الصحية، إذ أصبح من السهل تزييف تصريحاتهم واستغلال صدقيتهم لتحقيق مكاسب مالية".
كيفية حماية المرضى من الاحتيال الرقمي
1. التحقق من مصادر المعلومات: البحث في مصادر موثوقة للتأكد من صحة المحتوى.
2. التدقيق في التفاصيل: ملاحظة الأخطاء في الفيديو، مثل حركة الشفاه غير المتزامنة مع الصوت.
3. التواصل مع الأطباء: إذا كان مقطع الفيديو يتضمن طبيبًا معروفًا، يُفضّل التواصل معه مباشرة للتحقق من صحة المحتوى.
4. الإبلاغ عن المحتوى المزيف: استخدام أدوات الإبلاغ المتوفرة في المنصات الاجتماعية.
اقرأ/ي أيضًا
التضليل يفاقم وضع المرضى: أبرز العلاجات المزعومة للسرطان على تيك توك
مزاعم حول انتشار الكوليرا واتهامات للحكومة المصرية بالتعتيم: ما أسباب حالات التسمم في أسوان؟